إشارة: على الرغم من أن مفهوم الفضاء الافتراضي واضح للكثيرين، وقد تمت مناقشة قضاياه الفقهية منذ سنوات في إطار حوارات علمية، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يعني ذلك وجود باب فقهي يُسمى “فقه الفضاء الافتراضي”؟ وبعبارة أخرى، هل يمتلك فقه الفضاء الافتراضي عددًا كافيًا من المسائل لتشكيل باب فقهي مستقل؟ الحجة الإسلام والمسلمين محمدرضا محمودي، عضو هيئة التدريس في كلية محلاتي بقم، وأحد الباحثين في فقه الإعلام والفضاء الافتراضي، يطرح إشكالية أكثر جوهرية. فهو يرى أن مصطلح “الفضاء الافتراضي” بحد ذاته غير صحيح، وبالتالي، فإن كل ما يترتب على هذا المصطلح، مثل “فقه الفضاء الافتراضي”، غير مقبول بنظره. ومع ذلك، وبغض النظر عن قضية التسمية، يطرح موضوعات متنوعة ضمن إطار فقه الفضاء الافتراضي، وهو فقه لا يعتبره بابًا فقهيًا مستقلًا. تفاصيل هذا الحوار الخاص تأتي فيما يلي:
الفقه المعاصر: ما هو فقه الفضاء الافتراضي وما هي الموضوعات التي يتناولها؟
محمودي: فقه الفضاء الافتراضي هو أحد أقسام الفقه المضاف، ويتناول الأحكام الشرعية المتعلقة بالفضاء الافتراضي والتقنيات الحديثة للاتصالات والمعلومات. النقطة التي يجب التركيز عليها هنا هي قضية تسمية الفضاء الافتراضي. يبدو أن هذه التسمية غير صحيحة. عندما نطرح موضوع فقه الفضاء الافتراضي، فإننا نضعه ضمن تقسيم علمي، بينما هذا العنوان في حد ذاته خاطئ. إذا كانت التسمية غير صحيحة، فإن التقسيمات الفرعية الأخرى ستكون خاطئة أيضًا. لا يوجد شيء يُسمى “الفضاء الافتراضي”. إحدى المشكلات التي تؤدي إلى التشتت في مفاهيم مثل الفضاء الافتراضي، والإعلام، وغيرها من المجالات ذات الصلة، هي هذه القضية بالذات. العنوان الصحيح والمقسم الأساسي لهذا الموضوع هو “الفضاء السيبراني”.
للأسف، لم يُعطَ هذا الموضوع الاهتمام الكافي في بلادنا، وهو بحاجة إلى دراسة علمية. في المصادر اللاتينية، هناك تعريف واضح للفضاء السيبراني، ولكن في المصادر الفارسية، تم تقييد هذا المفهوم بشكل غريب بالمجال السيبراني الإلكتروني والبنية التحتية التقنية فقط. إذا تم تصحيح هذا التعريف، فإن العديد من المباحث الأخرى ستُبيَّن بشكل صحيح.
على سبيل المثال، التداخل بين الفضاء الافتراضي والإعلام، والفرق بين الميتافيرس والذكاء الاصطناعي وغيرها من المفاهيم المشابهة، ينشأ من عدم تعريف هذا الفضاء بشكل صحيح. عندما نأخذ جزءًا يُعتبر قسيمًا لباقي الأقسام ونجعله مقسمًا رئيسيًا، فإننا سنقع في التشتت. أساسًا، كلمة “افتراضي” هي كلمة غير مناسبة لفهم هذا الفضاء والتعريف به.
ومع ذلك، بناءً على الإطار الذي طرحتموه، إذا أردنا المضي قدمًا، فإن الجوهر الأساسي لفقه الفضاء الافتراضي يكمن في استخدام المصادر الفقهية لاستنباط الأحكام الشرعية ودراسة موضوعات هذا المجال.
لكن موضوعات فقه الفضاء الافتراضي واسعة جدًا وتنقسم إلى عدة فئات:
أ. الأحكام العبادية: بعض الموضوعات المتعلقة بالفضاء الافتراضي تندرج ضمن الأحكام العبادية، مثل رؤية هلال الشهر عبر الأدوات الافتراضية وأداء النذر في الفضاء الافتراضي.
ب. أحكام المعاملات: الفضاء الافتراضي واسع جدًا في مجال المعاملات، وقد تفوق اليوم على المعاملات الحقيقية، مثل معاملات العملات الرقمية، العقود الإلكترونية، الخدمات المصرفية الإلكترونية، البيع والشراء عبر الإنترنت، البورصة، والتسويق الشبكي.
ج. الأحكام الجزائية: مثل الجرائم السيبرانية، بما في ذلك السرقات الإلكترونية، الاحتيال عبر الإنترنت، نشر الأكاذيب، الافتراء، وانتهاك حرمة الأفراد.
د. أحكام الأسرة: مثل الزواج والطلاق في الفضاء الافتراضي، العلاقات بين الزوجين في الشبكات الاجتماعية، أحكام الملكية الفكرية، حقوق النسخ، والملكية المعنوية في الفضاء الافتراضي.
هـ. الأحكام السياسية والاجتماعية: مثل حرية التعبير في الفضاء الافتراضي، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الفضاء الافتراضي، الجهاد الافتراضي، الخصوصية، والأخلاق في الفضاء الافتراضي.
الفقه المعاصر: هل فقه الفضاء الافتراضي باب فقهي مستقل، أم أنه مجموعة من عدة أبواب أو بعض مسائل أبواب فقهية مستحدثة؟
محمودي: لا يمكن اعتبار فقه الفضاء الافتراضي بابًا فقهيًا مستقلًا تمامًا. بعض مسائله قد تكون جديدة، مثل الجهاد الافتراضي، ولكن معظم موضوعاته كانت مطروحة في أبواب فقهية أخرى، وإنما وجدت مصاديق جديدة في الفضاء الافتراضي. لذا، هذا الفقه هو عبارة عن مجموعة من الموضوعات المتنوعة في قالب مستحدث.
الفقه المعاصر: ما هي أهم المقدمات والمبادئ لفقه الفضاء الافتراضي؟
محمودي: فقه الفضاء الافتراضي يتبع نفس المبادئ والمقدمات للفقه التقليدي، مثل الأدلة الأربعة (القرآن، السنة، الإجماع، والعقل)، ولا يمتلك مبادئ أو مقدمات خاصة به.
الفقه المعاصر: هل لفقه الفضاء الافتراضي قواعد فقهية خاصة به؟ وما هي هذه القواعد؟ محمودي: القواعد الفقهية العامة، مثل “لا ضرر”، “نفي السبيل”، “المصلحة”، و”حفظ النظام”، تُطبق أيضًا في فقه الفضاء الافتراضي، ولكنه لا يمتلك قواعد فقهية خاصة به. القواعد الفقهية مُستمدة من الآيات والروايات، والفضاء الافتراضي يقدم فقط مصاديق جديدة لهذه القواعد.
ومع ذلك، هناك بعض القواعد الفقهية التي تجد تطبيقًا أكبر في الفضاء الافتراضي، منها:
- قاعدة نفي السبيل (منع سيطرة الأجانب على المسلمين)؛
- قاعدة لا ضرر (تجنب إلحاق الضرر بالآخرين)؛
- قاعدة الغرور والإتلاف (المسؤولية عن الخداع وإهدار حقوق الآخرين).
من القضايا المهمة في هذا المجال، برامج الدردشة القائمة على الذكاء الاصطناعي، والتي قد تُعزز من سيطرة الأجانب العلمية والفكرية على المجتمعات الإسلامية.
الفقه المعاصر: ما الفرق بين فقه الفضاء الافتراضي والأبواب الفقهية المشابهة مثل “فقه الإعلام”، “فقه الفن”، و”فقه الألعاب الإلكترونية”؟ هل هناك مسائل في فقه الفضاء الافتراضي تتداخل تمامًا مع هذه الأبواب؟ وإذا كان الأمر كذلك، ففي أي من هذه الأبواب الفقهية تُدرج هذه المسائل؟
محمودي: فقه الفضاء الافتراضي مع فقه الإعلام، فقه الفن، وفقه الألعاب الإلكترونية، يتمتع بعلاقة عموم وخصوص من وجه. فقه الإعلام يشمل الإعلام التقليدي (مثل الصحف، الراديو، والتلفزيون) والإعلام الرقمي. فقه الفن يتناول القضايا المتعلقة بالإنتاجات الفنية في الفضاء الافتراضي. أما فقه الألعاب الإلكترونية فيندرج بالكامل تحت فقه الفضاء الافتراضي. هناك تداخل في بعض الموضوعات بين هذه الأبواب، لكن فقه الفضاء الافتراضي يشمل مسائل أوسع.
فقه الفضاء الافتراضي هو مجال مستحدث يتطلب اهتمامًا خاصًا من الفقهاء والمفكرين الإسلاميين. في هذا المجال، إلى جانب القضايا الفردية، فإن بُعد الحكم والسياسات العامة يحظى بأهمية خاصة. يجب أن تُجرى البحوث الفقهية في هذا المجال بنظرة عميقة ومتعددة الأبعاد لتكون قادرة على مواجهة التحديات الشرعية والاجتماعية في هذا المجال.
