إشارة: الدكتور عبد المجيد مبلغي، إلى جانب نشاطاته الأكاديمية في مجال العلوم الإنسانية والإسلامية، يُعتبر أحد النشطاء في الفضاء الافتراضي. هذا الأمر يجعله على دراية بالفضاء الافتراضي من الناحيتين العلمية والعملية. تحدث رئيس تحرير مجلة خردنامه همشهري سابقًا عن الأبعاد الفقهية للإشراف على تنفيذ القوانين والسياسات المتعلقة بالفضاء الافتراضي. اعتبر أحد أهم التحديات في هذا المجال هو وجود مفاهيم نوعية ومبهمة في القوانين، مما يؤدي إلى التفسير الذاتي لتنفيذ القوانين. وقد أشار إلى حلول لتجعل هذه المفاهيم أكثر وضوحًا وكمية.
الفقه المعاصر: هل للفقه توصيات أو مقترحات محددة حول كيفية الإشراف على تنفيذ القوانين والسياسات المتعلقة بالفضاء الافتراضي؟
مبلغي: هذا السؤال عام وشامل جدًا ويتضمن جوانب متعددة. يمكنني القول إن نعم، للعلم الفقهي مبادئ وتوصيات تحكم موضوع الإشراف على تنفيذ القوانين.
على سبيل المثال، من منظور الفقه الشيعي، يُعتبر حفظ الخصوصية وحماية أسرار الناس مبدأً أساسيًا وركنًا أصيلًا في أي سلوك إشرافي، وهذا ينطبق أيضًا على الفضاء الافتراضي. لذا، من الناحية الفقهية، فإن أي شيء يؤدي إلى التجسس غير المشروع في حياة الأفراد غير مقبول ولا يحظى بتأييد الفقهاء. إذا أردت توضيح هذه النقطة بشكل أدق، فإذا وُجدت مصالح أهم تجعل التجسس أو التدخل في الخصوصية مشروعًا من الناحيتين الفقهية والقانونية، فإن وجوب حفظ الخصوصية يُخصص. الحديث الذي يقول إن من ينظر إلى بيت الناس بدون إذن فدمه هدر، يشير إلى أهمية الخصوصية وحماية حقوق الأفراد.
من هذا المنظور، يمكن القول إن الإشراف على تنفيذ القوانين مقيد بشرط العدالة، وهو مقبول، لكن إذا أدى هذا الإشراف إلى انتهاك حقوق الأفراد وخصوصيتهم بشكل غير عادل واتسم بالظلم، فهو غير مقبول بأي حال.
في الوقت نفسه، هناك مبدأ آخر يجب مراعاته وهو مسؤولية الحكومة. ترتبط مسؤولية الحكومة بحفظ المصالح العامة للمجتمع. لذا، فإن الإشراف على الفضاء الافتراضي بما يحقق المصالح العامة دون أن يؤدي إلى انتهاك الخصوصية بشكل غير عادل هو أمر مرغوب.
لكن يجب الاعتراف بأن مراعاة هذه القيود عمل صعب ومعقد، ولهذا السبب، هذا الموضوع حساس ومهم وقلما كان محل دراسة واهتمام تحليلي مفصل.
الفقه المعاصر: ما هي أهم المسائل الفقهية المتعلقة بالإشراف على تنفيذ القوانين والسياسات؟
مبلغي: يُعد الفضاء الافتراضي أحد أهم مجالات النشاط البشري في عصرنا الحالي، وهو مليء بالتحديات. ونتيجة لهذه التحديات، فهو مرتبط بأسئلة ومباحث ومسائل فقهية تتطلب بالطبع دراسة دقيقة وتطبيقًا على المبادئ الشرعية. وبمعنى ما، فإن تنفيذ القوانين والسياسات في هذا المجال، بسبب تعقيد وتنوع الموضوعات وكون العديد منها مسائل مستحدثة، يخلق وضعًا معقدًا من الناحية الفقهية ويجعل العملية صعبة.
يمكن طرح عدة مسائل هنا: أولاً، تحديد حدود الحلال والحرام في الفضاء الافتراضي. تحديدًا، أين تمتد خطوط الحلال والحرام في هذا الفضاء، وما هو الحلال وما هو الحرام، هو موضوع مهم. هذه الحدود قد تكون واضحة ومباشرة أحيانًا، لكنها معقدة وغير واضحة في أحيان أخرى، مثل حكم استخدام المعلومات الشخصية للغير أو حكم نشر محتوى يتضمن الغيبة عن الآخرين، وكذلك مسألة حرية التعبير في الفضاء الافتراضي وتحديد حدودها مع العناوين المحرمة مثل الإهانة والغيبة وغيرها.
حل هذه المسائل يسبق مناقشة الإشراف على تنفيذ القوانين. هذه المسائل التي ذكرتها لم تُناقش حتى الآن بشكل جدي ومفصل في العلم الفقهي، وحتى لا تتضح رؤية الفقه حول هذه الأمور، لا يمكن الحديث عن التشريع ومتطلبات الإشراف على تنفيذ القوانين. على سبيل المثال، حتى يتضح موقف الفقه من مسألة الملكية الفكرية، لا يمكن اتخاذ موقف محدد تجاه نسخ المحتوى واعتباره نوعًا من السرقة.
نقطة أخرى يجب مناقشتها في سياق الإشراف على تنفيذ القوانين هي حدود مسؤولية الحكومة الإسلامية والمؤسسات الرقابية التابعة لها. ما هو دور الحكومة والمؤسسات الرقابية في تنفيذ القوانين والسياسات في الفضاء الافتراضي؟ وكيف يمكن أن لا يؤدي هذا الإشراف إلى تعارض بين القوانين الداخلية والدولية في مجال الفضاء الافتراضي؟ وفي حالة التعارض بين القوانين الوطنية والدولية، أيهما يُقدم؟
الفقه المعاصر: في مجال الإشراف على تنفيذ القوانين والسياسات، هل يمكن العمل بناءً على المصلحة، أم يجب التقيد بالقانون فقط؟
مبلغي: هذا سؤال خطير ومهم وحساس. في مجال الحكم والحقوق في الفضاء الافتراضي، يجب التفريق بين مستويين: الأول هو العمل بناءً على القانون، والثاني هو المصلحة ضمن إطار القانون. من الطبيعي، كما نعلم، أن المبدأ في النظام القانوني وفي نظام الحكم هو العمل وفق القانون؛ لأن تنفيذ القوانين، بما يؤدي إلى إقرار النظام ومن ثم العدالة، يتقدم على كل شيء آخر، وهذا التنفيذ هو الضامن للشفافية والمسؤولية وتحقيق مجتمع عادل.
من ناحية أخرى، بما أن القانون لا يتضمن الإشارة صراحة إلى المصلحة، فإذا استند منفذ القانون إلى المصلحة، فإن ذلك يؤدي إلى التفسير الذاتي للقانون، ومن ثم انتهاك حقوق المواطنين. لكن من ناحية أخرى، المسألة ليست بهذه البساطة، بل يمكننا الحديث عن المصلحة ضمن إطار القانون. في بعض الحالات القانونية، تُدرج قدرات لمراعاة المصلحة بشكل منظم فيما يتعلق بالشأن العام. في موضوع الفضاء الافتراضي، وهو موضوع حديثنا، فإن صلاحيات مؤسسات مثل المجلس الأعلى للفضاء الافتراضي، والمجلس الأعلى للأمن القومي، وبعض المؤسسات القضائية والتنفيذية، وكذلك مجمع تشخيص مصلحة النظام، كلها تأتي في سياق مراعاة المصلحة بشكل منظم ضمن القوانين. لكن، كما ذكرت، يجب ألا تؤدي هذه الصلاحيات أو هذه القدرة القانونية إلى تشكيل مجتمع بلا قانون أو ذي وضع متزعزع فيما يتعلق بالقانون، والحل هو صياغة المصلحة في شكل قانون.
بعبارة أخرى، العمل بناءً على المصلحة بدون دعم قانوني مستند إلى أمر شرعي وفقهي ليس له مشروعية قانونية أو فقهية؛ لكن إذا تم مراعاة المصلحة ضمن إطار القانون ومن خلال مؤسسات ذات صلاحية قانونية وبناءً على مبدأ الأولوية والتقديم للقانون بطريقة موجهة ومنهجية، فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلى مرونة أكبر للنظام القانوني وزيادة قدرته وكفاءته.
الفقه المعاصر: هل وجود عبارات نوعية وغير كمية مثل «المصلحة»، «العدالة»، «حسن التنفيذ» وما شابه، يؤدي إلى التفسير الذاتي لطريقة الإشراف؟ ما الحلول لتحويل هذه العبارات إلى مفاهيم كمية، ومن هي الجهة (فقهية أو غير فقهية) التي يجب أن تقوم بهذا العمل؟
مبلغي: هذا السؤال ينبثق من السؤال السابق، ويطالب بتفصيل وشرح أكثر له. يشير هذا السؤال إلى مسألة مهمة وحساسة. يُعد هذا التحدي تحديًا كبيرًا في مجال المباحث المتعلقة بالحكم والحقوق العامة والحقوق الدستورية، وخاصة في المجالات المتعلقة بالفضاء الافتراضي حيث نواجه سرعة عالية في التغيرات.
في معرض الإجابة على سؤال «هل تؤدي العبارات النوعية إلى التفسير الذاتي؟»، يمكن القول: نعم، لا يمكننا إنكار هذه الإمكانية. عبارات مثل المصلحة وحسن التنفيذ ليس لها معنى واضح ومحدد، وهي خطابات مفتوحة ومتعددة الطبقات، مما يزيد من إمكانية تفسيرها بشكل ذاتي، ويُعد هذا تحديًا واسع الانتشار في النظام القانوني.
فكيف يمكن حل هذه المشكلة وتحويل العبارات النوعية إلى مفاهيم كمية؟ هذا النهج نابع من رغبتي في إظهار نوع من التفهم للسائل؛ وإلا لو كنت سأطرح السؤال بنفسي، لما جعلت هذا الفهم الشبه إثباتي أساس نهجي، لأنني لست مؤيدًا كثيرًا للكمية والموضوعية.
لكن، إذا أردنا المضي قدمًا من باب التفهم، فإن وضع المؤشرات أو التحديد بالمؤشرات وإنشاء معايير قابلة للقياس يمكن أن يقربنا من الكمية والموضوعية؛ على سبيل المثال، بدلاً من حسن التنفيذ، يمكن استخدام مؤشرات مثل نسبة تحقيق أهداف البرنامج، أو رضا المستخدمين في الفضاء الافتراضي، أو معدل الاستجابة للشكاوى، أو شفافية العمليات، وما شابه. لكن، في رأيي، هذا العمل لا يؤدي إلى الكمية، بل إلى الدقة والتحقيق. أو، على سبيل المثال، إذا استخدمنا مصطلح العدالة المهم، يمكننا تحديده بمؤشرات مثل العدالة التوزيعية، أو المساواة في الفرص، أو عدم التمييز، أو العدالة في الوصول إلى الإنترنت، أو العدالة في الوصول إلى المعلومات، أو العدالة في حماية الموارد التي تخضع للملكية ضمن اختصاص الأفراد في مجال الإنترنت.
الحل الآخر هو توضيح الإجراءات والعمليات من خلال آليات واتجاهات مثل وضع التعليمات التنفيذية والتشغيلية.
كما يمكن تحقيق الشفافية بطريقة مؤسسية مثل إنشاء أنظمة لجمع التغذية الراجعة، أو أنظمة لمراقبة وتتبع المواقف المتعلقة بالفضاء الافتراضي، وتحليل البيانات وتقييم أداء المؤسسات المنفذة.
حل آخر هو إمكانية الرقابة من قبل مؤسسات مستقلة. يجب إلزام المؤسسات الرقابية مثل المركز الوطني للفضاء الافتراضي، وديوان العدالة الإدارية، ومنظمة التفتيش العامة للبلاد، بتقديم تقارير حول تفسيرهم للعدالة وغيرها من المفاهيم النوعية.
يبدو أن مساعدة المؤسسات الأكاديمية والمراكز العلمية والبحثية للمشرّع مهمة جدًا في هذا السياق. يجب على هذه المراكز توفير الأدبيات الأكاديمية اللازمة لوضع القوانين وتقديمها للمؤسسات التشريعية، وخاصة البرلمان.
