إشارة: في الجلسة العلمية بعنوان “مرجعية النساء؛ الأبعاد والتحديات”، بيّن حجة الإسلام والمسلمين الدكتور مهدي سجادي أمين رأيه حول الطبيعة غير الولائية للاجتهاد، معتبرًا نفي الولاية عن النساء رفع مسؤولية لا سلب حق. في المقابل، أكد حجة الإسلام والمسلمين فاضل بابلي على ضرورة إعادة قراءة الأدلة الفقهية تاريخيًا واجتماعيًا، ووصف المرجعية بشأن علمي لا ولائي. كما اقترح الدكتور توفيقي، بنقد بعض الأسس التقليدية، إعادة تعريف المؤسسة المرجعية بشكل شوري وتخصصي.
وفقًا لتقرير قاعدة المعلومات لمركز دراسات الفقه المعاصر، عُقدت الجلسة العلمية الـ٢٣٤ لمجموعة فقه شؤون المرأة والأسرة بمركز دراسات الفقه المعاصر بالتعاون مع نائبة رئيس الجمهورية في شؤون المرأة والأسرة ومركز أبحاث الفكر الديني المعاصر، تزامنًا مع ذكرى مولد السعيد للسيدة زينب (س)، يوم الاثنين ١٥ ربيع الآخر ١٤٤٧ هـ (٢٧ أكتوبر ٢٠٢٥ م) بعنوان “مرجعية النساء؛ الأبعاد والتحديات”. في هذه الجلسة، حضر حجة الإسلام والمسلمين الدكتور مهدي سجادي أمين، عضو هيئة التدريس بمجموعة الفقه والحقوق بمركز المرأة والأسرة، كمقدّم، وحجة الإسلام والمسلمين محمد هادي فاضل بابلي، عضو المجلس العلمي لمجموعة فقه شؤون المرأة والأسرة بمركز دراسات الفقه المعاصر، كناقد. كما تولى حجة الإسلام والمسلمين الدكتور مهدي سعادتي نسب الأمانة العلمية للجلسة.
في بداية الجلسة، رحّب الدكتور سعادتي نسب بالحاضرين والمشاركين عبر الفضاء الافتراضي، مؤكدًا أن محور الجلسة هو دراسة الأبعاد الفقهية لمرجعية النساء وتوضيح طبيعتها الولائية أو غير الولائية.
في استمرار الجلسة، أشار الدكتور سجادي أمين في بداية عرضه إلى كتابه الجديد بعنوان “النساء، الإفتاء والمرجعية”، قائلًا إن هدف البحث هو التفريق بين الشؤون المختلفة للمرجع ودراسة دور الجنس في كل منها. وأكد أن في مبدأ الاجتهاد والإفتاء، لا دور للجنس، ويمكن للنساء الوصول إلى درجة الاجتهاد وإصدار الفتاوى.
أضاف عضو هيئة التدريس بمجموعة الفقه والحقوق بمركز المرأة والأسرة: “الاجتهاد عملية علمية لا تتعلق بالجنس. يمكن لأي شخص، رجلًا كان أم امرأة، بعد اجتياز المراحل العلمية، الوصول إلى قدرة الاستنباط واكتشاف الحكم الإلهي من المصادر.”
وفقًا له، يظهر الفرق الرئيسي عندما يُثار نقاش الشؤون الولائية للفقيه؛ أي تلك الجزء من الصلاحيات التي تتضمن التصرف في شؤون الآخرين. شرح الدكتور سجادي أمين أن في الفقه الشيعي، المبدأ الأولي هو عدم ولاية أي شخص على آخر، ويمكن إثبات ولاية فرد على آخر فقط بدليل شرعي.
في توضيح رأيه، أعلن هذا الباحث أنه في الدراسات القرآنية والروائية، لا توجد أدلة واضحة تثبت الشؤون الولائية للنساء، وعناوين مثل “الفقهاء” و”الحكام” في النصوص الدينية، على الأقل لها قرينة صلاحية تشير إلى الرجال. قال في هذا الصدد: “في الشؤون الولائية، يُستفاد من الأدلة أن الجنس معتبر؛ أي أن هذا الشأن مثبت للرجل. لذا يجب التفريق بين الشؤون الولائية وغير الولائية للمرجع.”
ثم حلل حجة الإسلام والمسلمين سجادي أمين فلسفة هذا الحكم الفقهي، مؤكدًا أن نفي الولاية عن النساء لا يعني سلب الحق، بل رفع المسؤولية. شرح أن الفقه الإسلامي يرى الشأن الولائي من نوع التكليف والواجب، لا امتيازًا أو حقًا اجتماعيًا.
في جزء من كلامه، أشار إلى الأسس الروائية، مضيفًا: “عندما يقول الفقه إن الشؤون الولائية غير مثبتة للمرأة، فهذا يعني أن المرأة غير مكلفة بالاهتمام بشؤون الآخرين. هذا ليس سلب حق، بل نوع من الإرفاق ورفع التكليف الذي ينبع من نظام المسؤوليات الإلهية المختلفة.”
استمر الدكتور سجادي أمين في توضيح مكانة المرأة الخاصة في نظام الخلق ومسؤولية الإنجاب، موضحًا أن السبب الرئيسي للاختلافات الولائية بين المرأة والرجل هو نظر الفقه إلى مسؤوليات النساء الخلقية. قال: “جعل الله النساء مسؤولات عن أمر في طريق الخالقية وهدف الخلق؛ أي الإنجاب وتربية الإنسان. بما أن هذه المسؤولية غير قابلة للبدل، فإن الواجبات الأخرى التي تبعد عقل وجسم المرأة عنها تُرفع عنها.”
استند هذا الباحث إلى توصية أمير المؤمنين (ع) لمحمد بن حنفية بأن “إذا استطعت ألا تعمل عملًا يجعل المرأة مسؤولة عن شيء أكثر من شؤونها، فافعل”، مؤكدًا أن هذا النظر ليس من نقص المرأة، بل لحفظ راحتها ووظيفتها الرئيسية في نظام الخلق.
في الجزء الأخير من كلامه، أشار الدكتور سجادي أمين إلى الرواية التاريخية المتعلقة بالسيدة زينب الكبرى (س) وحكيمة خاتون، قائلًا إن تاريخ الشيعة أظهر أن النساء في حالات خاصة كن محل رجوع وثقة في الشؤون الدينية، وهذا يدل على أن الاختلاف الحقوقي ليس علامة نقص ذاتي، بل ناتج عن تقسيم الواجبات الإلهية.
استنتج أن تحليل الفقه للاختلافات الحقوقية بين المرأة والرجل – بما في ذلك في المرجعية، الشهادة، والجهاد – يجب أن يكون في إطار نظام المسؤوليات، لا على أساس تقييم جنسي.
في استمرار الجلسة، بدأ حجة الإسلام والمسلمين محمد هادي فاضل بابلي كناقد كلامه بتهنئة مولد السيدة زينب الكبرى (س)، وقال: هذه الجلسة ليست جلسة نقد بالمعنى الشائع، بل نوع من التعاون العلمي لتوضيح ونشر نقاش اجتماعي وديني مهم.
أكد على أهمية الموضوع، قائلًا إن مسألة مرجعية النساء نقاش “مبتلى به ومطلوب في مجتمع النساء والحوزات العلمية”، ويجب التعامل معه بدقة ومنهجية فقهية.
أكد عضو المجلس العلمي لمجموعة فقه شؤون المرأة والأسرة بمركز دراسات الفقه المعاصر أن في مبدأ الفقاهة والاستنباط، لا دور للجنس، قائلًا: “لم يقل أحد إن النساء محدودات. وإذا قال أحد إن النساء ناقصات في العقل أو الفهم الديني، فهذا رأي شاذ وغير معتبر.”
ثم درس الناقد الأبعاد التاريخية والاجتماعية للمسألة، مؤكدًا أن معرفة الفضاء التاريخي للفقاهة مؤثر في فهم النظريات المتعلقة بالإفتاء والمرجعية للنساء. قال في هذا الصدد: “فقهاؤنا منزهون عن التأثر بالظروف الاجتماعية، لكن كما قال الشهيد مطهري، المجتهد الريفي ريفي والمجتهد الحضري حضري. تأثير البيئة والزمان في النظر الفقهي لا يمكن إنكاره.”
بذكر أمثلة من الفقه المقارن، مثل آراء صاحب الجواهر في النظر إلى المرأة الأجنبية واستثناء حالة الخطبة، أظهر أن حتى الفقهاء الكبار اجتهدوا في سياق اجتماعي زمانهم، وهذا ليس بالضرورة نقصًا في فقاهتهم.
أعلن عضو المجلس العلمي لمجموعة فقه شؤون المرأة والأسرة في جزء آخر من كلامه، مشيرًا إلى دور النساء العظيمات في الإسلام مثل السيدة فاطمة (س) والسيدة زينب (س): “هؤلاء العظيمات في ظروف خاصة خطبن وأوضحن المعارف الدينية، وتدفق الإسلام بحضورهن كسر الحدود الاجتماعية المقيدة للنساء. يجب دراسة هذا التيار التاريخي بدقة أكبر لنعرف ما إذا كانت القيود قد تشكلت لاحقًا بسبب الارتكازات الاجتماعية أم لا.”
استمر في التأكيد على ضرورة التفريق بين مقامي الإفتاء والمرجعية، قائلًا: “يجب فصل المرجعية عن الإفتاء، واعتبار الإفتاء بحد ذاته مهمًا وعدم تجاوزه ببساطة.”
شرح أنه على الرغم من أن مبدأ الاجتهاد للنساء خالٍ من الإشكال، إلا أن حجية فتوى المرأة للآخرين تحتاج إلى دليل مستقل، لأن المبدأ الأولي هو عدم حجية قول شخص لآخر إلا بدليل شرعي. أضاف: “إذا كان قول الفقيه حجة للمقلد، فيجب إقامة أدلة كافية. يجب إعادة قراءة هذه الأدلة بالنسبة للنساء ليتبين ما إذا كانت السيرة والأدلة الموجودة تشملهن أم لا.”
أشار عضو المجلس العلمي لمجموعة فقه شؤون المرأة والأسرة إلى رأي بعض الفقهاء حول إمامة الجماعة للنساء وقياسه بمسألة الإفتاء، قائلًا إن في كلا الحالين نحتاج إلى دليل، لا مجرد التمسك بالعمومات.
في جزء آخر من النقد، أشار حجة الإسلام والمسلمين فاضل بابلي إلى أن أحد التحديات الرئيسية في نقاش مرجعية النساء هو الخلط بين المرجعية كشأن علمي والولاية كشأن اجتماعي وتنفيذي.
أضاف حجة الإسلام والمسلمين فاضل بابلي، مشيرًا إلى بعض الآراء في أعمال الفقهاء: “إذا اعتبرنا المرجعية مساوية للولاية، فسيُثار مسألة الجنس فيها طبيعيًا؛ لكن إذا اعتبرنا المرجعية شأنًا علميًا وإفتائيًا، فستُحل جزء كبير من الإشكالات.”
في توضيح هذا التفريق، شرح بأمثلة من الفقه، مثل نقاش رؤية الهلال وولاية الحاكم الشرعي، أنه يجب الحذر من خلط المرجعية العلمية بالولاية الاجتماعية، لأن هذا الخلط كان مصدر العديد من القيود غير الضرورية في تاريخ فقه النساء.
في النهاية، ذكر ذكرى عن المجتهدة الإصفهانية السيدة أمين، مضيفًا أن التجارب التاريخية تظهر أن النساء يمكنهن لعب دور علمي وديني نشط ضمن الإطارات الشرعية والاجتماعية الموجودة، سواء في الرد العلمي على النساء أو في التعليم والتربية الحوزوية.
في جزء آخر من الجلسة، أشادت السيدة الدكتورة توفيقي، كواحدة من المشاركات عبر الفضاء الافتراضي، بالمنظمين والمباحث المطروحة، مشيرة إلى ضرورة التفريق الدقيق بين المباحث الفقهية والكلامية، قائلة إن دخول المباحث غير الفقهية يسبب أحيانًا غموضًا في الاستدلالات. أكدت: “في المصادر الفقهية لا يوجد تصريح بأن الإنجاب واجب شرعي على المرأة، وحتى لو اعتُبر الولادة من باب طاعة التكليف، فإن الحفاظ على الطفل وتربيته ليس تكليفًا إلزاميًا للنساء من الناحية الفقهية؛ بحيث يمكنهن حتى أخذ أجرة على الرضاعة.”
أضافت الدكتورة توفيقي أن الاعتماد على الاختلافات العاطفية بين النساء والرجال ونسبتها مسؤولية تربية الطفل إلى خصائص ذاتية أو “إلهية” للنساء، نهج جديد في القرون الأخيرة، ودخوله إلى مجال الفقه يمكن أن يحرف مسار الاستدلال عن طريقه العلمي.
أشارت إلى تجارب المجتمعات المختلفة، قائلة: العديد من النظم الاجتماعية توفر آليات مثل الحضانات أو الدعم الوظيفي لمشاركة النساء في الأنشطة المهنية والاجتماعية، حتى لا يتعارض دور الأمومة مع العمل العلمي والاجتماعي للنساء. وفقًا لها، مع تطور التقنيات المتعلقة بالحمل والسيطرة على الولادات، انفصل مفهوم الأمومة إلى حد كبير عن مفهوم كون المرأة امرأة، ويجب مراعاة هذه الحقيقة في التحليلات الفقهية أيضًا.
في جزء آخر من كلامها، أشارت الدكتورة توفيقي إلى السؤال المطروح حول مرغوبية أو غير مرغوبية مبدأ المرجعية، مشيرة إلى أنه يجب إعادة التفكير في هذا المجال. قالت: “ربما حان الوقت لإعادة تعريف مؤسسة المرجعية ليس بشكل فردي، بل بشكل شوري أو تخصصي؛ مرجعية تستطيع في مجالات علمية ودينية متنوعة إبداء الرأي من منظور نسائي أيضًا.”
أضافت أن مثل هذا النظر يمكن أن يكون متوافقًا مع بعض النظريات “النسوية” في اللاهوت الإسلامي، ويساعد في إعادة بناء الثقة العامة في النظام الديني. أكدت توفيقي في النهاية أن الحضور الظاهري للنساء في المناصب الدينية، إذا لم يرافقه تغيير في الآليات وإعادة التفكير المفاهيمي، لن يكون له تأثير حقيقي على العدالة الجنسية.
سعت الجلسة العلمية “مرجعية النساء؛ الأبعاد والتحديات” من خلال طرح آراء فقهية واجتماعية متنوعة، إلى دراسة الأبعاد المختلفة للمسألة في إطار علمي وعادل. كان المحور الرئيسي للمباحث التفريق بين الشؤون الولائية وغير الولائية للمرجع وتوضيح دور الجنس في كل من هذين المجالين.
في هذه الجلسة، أكد الدكتور مهدي سجادي أمين أن الاجتهاد والإفتاء عملية علمية غير متعلقة بالجنس، واعتبر الاختلافات الفقهية بين المرأة والرجل متعلقة بمجال الشؤون الولائية، مؤكدًا أن نفي الولاية عن النساء ليس سلب حق، بل من نوع رفع المسؤولية والتكليف. في المقابل، أكد حجة الإسلام والمسلمين فاضل بابلي، مع تأكيد إمكانية الاجتهاد للنساء، على ضرورة إعادة قراءة الأدلة الفقهية والتاريخية في مجال المرجعية، مذكرًا بعدم خلط المرجعية العلمية بالولاية الاجتماعية.
كما في الجزء الأخير من الجلسة، أكد الدكتور توفيقي بنقد بعض الأسس التقليدية، على ضرورة إعادة التفكير في الهيكل المؤسسي للمرجعية وإمكانية مشاركة النساء في أشكال شورية أو تخصصية، مشيرًا إلى أهمية التفريق بين المباحث الفقهية والتحليلات الاجتماعية والكلامية.
بشكل عام، أظهرت مباحث هذه الجلسة أن موضوع مرجعية النساء لا يزال من المسائل المهمة والمثيرة للاهتمام في الحوزات العلمية والمراكز الفقهية، ويحتاج إلى بحوث أعمق وحوارات متعددة التخصصات للوصول إلى فهم حديث لمكانة النساء العلمية والدينية في نظام الفقاهة الشيعي.

