إشارة: عُقدت المنصة العلمية الترويجية بعنوان «صحة التصرفات الاعتبارية المخالفة لشرط الفعل القانوني» في سياق توسيع النقاشات الجديدة في فقه المعاملات، وبهدف إعادة قراءة المباني الفقهية للعقود ودراسة علاقتها بالتطورات القانونية والاقتصادية اليومية، لمناقشة ونقد الآراء الجديدة في مجال شرط الفعل القانوني.
أكد الدكتور إسفنديار صفري في هذه المنصة العلمية، بنقده للرأي المشهور لدى فقهاء الإمامية، أن التصرفات الاعتبارية المخالفة لشرط الفعل القانوني لا يمكن أن تكون صحيحة ونافذة، لأنها تتعارض مع المباني العقلائية ومبدأ الوفاء بالشرط.
وبدراسة آراء الإمام الخميني (ره) وغيره من الفقهاء، أظهر أن النظريات الموجودة حول التفريق بين الحرمة التكليفية والبطلان الوضعي بحاجة إلى إعادة نظر.
برأيه، قبول صحة مثل هذه التصرفات يمنح المخالف عمليًا إذنًا بنقض العقد، وهذا الأمر لا يتناسب مع العدالة التعاقدية والمنطق الفقهي.
وفقًا لتقرير قاعدة المعلومات لمعهد دراسات الفقه المعاصر، عُقدت المنصة العلمية الترويجية بعنوان «دراسة نقدية للرأي في صحة التصرفات الاعتبارية المخالفة لشرط الفعل القانوني في فقه الإمامية» مساء الأربعاء ۱۴ آبان ۱۴۰۴ شمسي (الموافق ۱ جمادى الأولى ۱۴۴۶ هـ) بجهود معهد العلوم الإنسانية الإسلامية في جامعة قم، وبالتعاون مع نائب البحث في كلية اللاهوت بجامعة قم ومعهد دراسات الفقه المعاصر، وبحضور نشط واستقبال مجموعة من أساتذة الحوزة والجامعة وباحثي الفقه والحقوق.
في بداية الجلسة، قدم حجة الإسلام والمسلمين الدكتور علي شريفي، الأمين العلمي للجلسة، تعازيه بمناسبة أيام استشهاد السيدة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، وقال إن الاهتمام بالمسائل الاعتبارية في الفقه المعاصر يتمتع بدرجة عالية، ودراسة هذه النقاشات بشكل منهجي يمكن أن تساعد في توضيح الأحكام بدقة أكبر والرد على المسائل المستجدة. أكد أن المنصات الترويجية والنقد المستدل للآراء توفر أرضية مناسبة لتعزيز الحوار العلمي بين الحوزة والجامعة.
في هذه المنصة العلمية، طرح الدكتور إسفنديار صفري كمقدم الرأي المشهور لدى فقهاء الإمامية حول صحة التصرفات الاعتبارية المخالفة لشرط الفعل القانوني للنقاش والتقييم، وبينما عرض المباني والأدلة لهذه النظرية، قام بنقدها وتحليلها من منظور فقهي وأصولي.
بدأ كلامه مؤكدًا على القدرة الهائلة لفقه الإمامية في حل المسائل الاجتماعية والقانونية، وقال: «فقهنا كنز عظيم وبحر لا حدود له يمكن لأمتنا أن تفخر به؛ لكن رغم هذا الإرث الثمين، نحن بحاجة إلى إعادة النظر والتشخيص، لأن بعض الآراء الفقهية التي كانت عملية تمامًا في زمانها، تحتاج اليوم في الفضاء الاجتماعي والقانوني الجديد إلى إعادة نظر».
في المتابعة، بيّن المسألة قائلاً: «المسألة الرئيسية في هذا البحث هي الحكم الفقهي للتصرفات المخالفة لشرط الفعل القانوني؛ خاصة في الحالات التي يلتزم فيها الملتزم ضمن العقد بفعل أو ترك عمل، لكنه يخالف تنفيذه».
وفقًا له، الرأي المشهور بين الفقهاء أنه رغم أن مثل هذا الخلف حرام تكليفيًا، إلا أنه لا يؤدي وضعيًا إلى بطلان أو عدم نفوذ المعاملة الثانية. أضاف مشيرًا إلى هذا الرأي: «يعتقد الفقهاء المشهورون أن التصرفات المخالفة للشرط حرام تكليفيًا لكنها صحيحة ونافذة؛ بينما هذا الرأي من منظور عرفي وتحليلي لا يتناسب مع المباني الفقهية والقانونية ويجب إعادة التفكير فيه».
في تحليل رأي الإمام الخميني (ره) في هذا المجال، أوضح أنه يستند إلى نظرية «الخطابات القانونية» ويعتقد أن التصرف المخالف للشرط لا نهي شرعي له، وحتى موضوع الشرط لا يشمل الوجوب. أعلن صفري في نقد هذا الأساس أن مثل هذا الرأي لا يتناسب مع الفهم العرفي من أدلة «الوفاء بالشرط» وقصد المتعاقدين في العقود والشروط، وبالتالي لا يمكن أن يكون أساسًا مقبولاً لصحة التصرف المخالف.
أضاف الدكتور صفري في المتابعة: «إذا اعتبرنا التصرف المخالف للشرط صحيحًا، فإننا في الواقع نمنح المخالف إذنًا بإبطال العقد الأولي بعمل أحادي الجانب؛ بينما مثل هذا الحق غير قابل للإثبات فقهيًا وعقليًا للمشروط عليه، وهذا سيكون ترجيحًا بلا مرجح».
ثم نقد الدكتور صفري القاعدة الأصولية «النهي في المعاملات لا يدل على الفساد»، وأكد أن هذه القاعدة ليست صادقة في جميع الحالات؛ لأن في الحالات التي تؤدي فيها المعاملة إلى إضاعة حق الغير أو تكون مصحوبة بنهي شرعي صريح، يوجد تلازم بين الحرمة والبطلان. أشار في هذا الصدد: «العرف الديني والقانوني لا يقبل أن يحرم الشارع عملًا من جهة، ويعتبره صحيحًا ومعتمدًا من جهة أخرى. هذا الرأي يخل بالفهم العقلائي للأحكام الشرعية».
في المتابعة، مشيرًا إلى رأي بعض الفقهاء بأن الشرط يؤدي فقط إلى حكم تكليفي ولا يخلق حقًا وضعيًا للمشروط له، اعتبر هذا الرأي غير كافٍ، وأوضح أن قبول الحرمة التكليفية كضمان تنفيذ وحيد يتعارض مع المباني الفقهية والأصولية لفقهاء كبار مثل المحقق النائيني والميرزا حبيب الله الرشتي. وفقًا له، يقتضي العقل والعرف أنه في حال الخلف عن شرط الفعل القانوني، بالإضافة إلى الحرمة التكليفية، تكون المعاملة المخالفة فاقدة للنفوذ والاعتبار.
في متابعة الجلسة، طرح الناقدان العلميان أسئلتهما وإشكالاتهما، ودرسا جوانب مختلفة لهذه النظرية. في البداية، أكد حجة الإسلام والمسلمين الدكتور سيد علي علوي قزويني على ضرورة تحديث النظرة الفقهية في تحليل العقود، وقال: «لا يمكننا تحليل الفقه باستمرار بنهج مجرد الماضي؛ يجب إدخال النظرة الاقتصادية والاجتماعية إلى ساحة الاجتهاد حتى لا يتجاوز النظام الإسلامي الفقه». مشيرًا إلى بعض الأمثلة مثل قرار الوحدة في موضوع شرط الفعل وقوانين إلزام تسجيل المعاملات، أضاف أنه كان متوقعًا أن ترتبط النظرية المقدمة بالتطورات الجديدة في الإجراءات القضائية والنظام القانوني.
في المتابعة، بطرح نقاش «الرهن كعقد داعم»، أكد أنه لا يمكن تحليله فقط بنظرة قانونية: «عقد الرهن وضع لتدوير الثروة وتقليل مخاطر الائتمان؛ إذا رأيناه فقط بتحليل قانوني، سنبتعد عن فلسفته الاقتصادية».
إذا لم يُبيّن الاعتبار وعلاقته بإرادة الفاعل بشكل صحيح، لا يمكن الحكم بوضوح على صحة أو بطلان التصرفات الاعتبارية. اعتقد أن في النظرية المقدمة، لم يتم التفريق جيدًا بين الجعل والمجعول الاعتباري، وهذا سبب خلط المباني في تحليل المسألة. كما أكد على التمييز المفهومي بين مصطلحي «عدم النفوذ» و«البطلان»، واعتبر الدقة أكثر في استخدام هذه المفاهيم ضرورية.
في المتابعة، قدر الدكتور محجوب الدكتور صفري، واعتبر عنوان البحث عامًا جدًا، وطالب بتفريق بين المعاملات التجارية والمدنية. قال في هذا المجال: «في دراسة التصرفات المخالفة لشرط الفعل، يجب مراعاة الفرق بين المعاملات التجارية والمدنية، وكذلك بين الشروط الصريحة والضمنية؛ لأن نتائج النظرية لهاتين الفئتين مختلفة». كما في نقد نظرية «عدم النفوذ المراعى»، أضاف أن نسبة هذه الحالة إلى «عيب الرضا» في طرف المعاملة محل شك، ويجب توضيح أساسها الفقهي بدقة أكبر.
في قسم الأسئلة والأجوبة، عبر الأساتذة الحاضرون مثل الدكتور أحمدزاده والدكتور محمدي عن نقدهم ونقاطهم التكميلية. كما سأل أحد الحاضرين مشيرًا إلى العلاقة بين «عدم النفوذ» و«البطلان»: ما الأساس الفقهي للتمييز بينهما، ولماذا لا يُعتبر مقتضى الأدلة البطلان؟
قال الدكتور محمدي أيضًا في تلخيص نقاطه: «في كثير من الحالات، التفسيرات الشائعة للقانون المدني تتجاوز نص القانون؛ منها المادة ۱۰ التي تنص على النفوذ لا اللزوم. لذا يجب التفريق بين النفوذ واللزوم في العقود غير المسماة».
في نهاية هذه الجلسة، كان التلخيص العام على محور أن النظرية المطروحة، رغم ابتكارها، بحاجة إلى إعادة قراءة علاقتها بالتطورات في الإجراءات القضائية، والتفريق الدقيق بين الساحات الفقهية والقانونية، وكذلك الانتباه إلى وظائف المؤسسات الفقهية الاقتصادية. انتهت الجلسة بشكر المقدم والناقدين وتأكيد استمرار الحوارات العلمية في هذا المجال.

