حجة الإسلام محمد رضا ملا نوري، في حوار خاص مع «فقه معاصر»:

الحكم الشرعي في الحفاظ على الموارد الطبيعية من منظور الفقه الإمامي/5

يجب الإشارة إلى واقعة أساسية في الفقه الإسلامي النظامي والهيكلي، وهي أن كثيرًا من الأحكام الفقهية ناظرة إلى فرض وجود نظام سياسي فعال وحكومة إسلامية شاملة؛ لذا، في غياب مثل هذه الحكومة التي تتحمل مسؤوليات كبرى في المجالات العامة، بما في ذلك إدارة الموارد الطبيعية والصناعية، تفقد كثير من المسائل الفقهية موضوعها أو تعاني اضطرابًا في التنفيذ.

إشارة: كلما زادت تقدمات المعرفة البشرية وزاد حاجة الإنسان إلى مصادر الطاقة، برز تحدي حفظ الموارد الطبيعية أكثر. هذه التحديات، إلى جانب أبعادها البيئية، يجب استكشافها من الناحية الفقهية أيضًا. حجة الإسلام محمد رضا ملا نوري، الذي يعمل منذ سنوات في مجال البيئة والزراعة، وقد عقد مؤخرًا مؤتمر أخلاقيات الزراعة، يتحدث في حوار خاص مع «فقه معاصر» عن التحديات الفقهية لحفظ الموارد الطبيعية:

فقه معاصر: مع عدم قبول الملكية بين الأجيال للموارد الطبيعية في علم الفقه، هل يمكن تصوير ضرورة حفظ الموارد الطبيعية للأجيال المقبلة؟

ملا نوري: ربما يوجد إمكانية إثبات الاشتراك في الملكية أو تخصيص الملكية للحالات غير الضارة بالانتفاع الأصلي من الموارد الطبيعية. حتى في حال عدم إثبات الملكية، فإن مفاهيم مثل العدالة بين الأجيال، والمسؤولية الأخلاقية، والأمانة وما شابه، ستكون مساعدة في هذا المجال؛ وإن كان إثبات الملكية المشتركة أو تخصيص الملكية الفردية للموارد الطبيعية، خاصة في الحالات التي يُعتبر فيها الاستخدام «غير ضار» بطريقة ما، قد يواجه صعوبات في الإطار الحقوقي التقليدي أو الحديث، لكن هذا لا يعني نفي الارتباط الأخلاقي والإنساني للأفراد بهذه الموارد تمامًا.

حتى في الفرض الذي لا تثبت فيه الملكية الحقوقية للأفراد على الموارد الطبيعية، يمكن الاستناد إلى مفاهيم مثل العدالة بين الأجيال، والمسؤولية الأخلاقية تجاه الطبيعة، والأمانة البشرية أمام البيئة كمبانٍ نظرية وأخلاقية لتبرير حق الانتفاع أو تقييد الاستغلالات الضارة من الموارد الطبيعية. من منظر العدالة بين الأجيال، يجب على كل جيل استغلال الموارد بطريقة لا تؤذي قدرة وحق الأجيال المقبلة في الاستفادة من تلك الموارد. في هذا النظر، الإنسان ليس مالكًا فحسب، بل أمين الطبيعة؛ أمانة مكلف بحفظ التوازن الحيوي وتجنب النهج التخريبية. كما أن المسؤولية الأخلاقية للبشرية تجاه الموارد الطبيعية، حتى في غياب هياكل الملكية الرسمية، تفرض أن يكون استغلال هذه الموارد مصحوبًا بملاحظات بيئية واجتماعية وإنسانية.

فقه معاصر: إلى أي مدى أدى النهج الرئيسي لعلم الفقه الذي هو «التعجيل والتعزير الأخروي» إلى تركيز الفقهاء على الآخرة وعدم اهتمامهم الجاد بمواضيع مثل حفظ الموارد الطبيعية التي تنظم حياة الناس الدنيوية؟

ملا نوري: ربما يساعد تقرير أدق للحجية في هذا الموضوع. لا يجب حصر النقاش في العذاب والثواب الأخرويين، بل يبدو أن النقطة هي الانتساب والاستناد إلى الشارع المقدس.

يبدو أن تقريرًا أدق وأساسيًا لمفهوم الحجية يمكنه لعب دور مهم في توضيح أبعاد هذا النقاش. في كثير من الحالات، تُختزل التحليلات الشائعة للحجية إلى آثار أخروية مثل الثواب والعذاب، بينما النظر الشامل إلى هذا المفهوم يتطلب التأمل في العلاقة بين الحجية ونسبة الحكم إلى الشارع المقدس. الحجية في الفقه والأصول ليست مجرد أداة لكشف التكليف العملي للمكلف، بل هي بناء معرفي واعتباري يربط بين الفقيه والشارع؛ بمعنى أن العمل بناءً على حجة معتبرة، ولو مع خطأ، يُنسب إلى الشارع. لذا، أهمية دليل شرعي ليست من حيث النتيجة والثواب أو العقاب، بل من حيث صحة نسبة ذلك الحكم إلى الشارع. إذا قبلنا مثل هذا التقرير للحجية، فإن التركيز الرئيسي ينتقل من «صحة الحكم نفسه» إلى «صحة عملية الاستناد»؛ أي حتى لو لم يكن الحكم المستنبط مطابقًا للحكم الواقعي، فإنه مقبول عند الشارع طالما استُمد من حجة معتبرة.

فقه معاصر: ما هي الأسباب التي ترونها وراء عدم اهتمام الفقهاء الجاد بمقولة الموارد الطبيعية، والتي أحد علاماتها عدم تخصيص أي باب فقهي أو حديثي لها؟

ملا نوري: الفقه في مقام بيان واجب المكلف وتبويب الأبواب بناءً عليه؛ لذا خصصت أبواب العبادات، خاصة الصلاة، حجمًا أكبر. يجب الانتباه إلى هذه النقطة الأساسية أن الفقه الإسلامي في الأصل علم واجب-محور؛ أي نقطته المحورية بيان واجب المكلف في ظروف الحياة الفردية والاجتماعية المتنوعة. بناءً عليه، الفقيه في مقام الاستنباط يسعى أكثر من أي شيء لمعرفة واجب المكلف أمام الله وفي إطار الشريعة، وكيف يجب العمل لتحقيق امتثال الأمر الإلهي؛ لذا هيكل التبويب والتقسيم في الفقه مبني على هذا الهدف. بكلمات أخرى، أبواب الفقه، سواء العبادات أو المعاملات أو أحكام الأسرة أو الحدود، كلها تشكلت بناءً على تنوع واتساع واجبات المكلف. في هذا السياق، بما أن العبادات – وبخاصة الصلاة – تعتبر من أهم وأكثر الواجبات اليومية تكرارًا لكل مكلف، ومن جهة أخرى لها أكبر ارتباط بالأمر الإلهي والمناسك العبادية، فمن الطبيعي أن تخصص لها موارد وأبواب فقهية أوسع.

بالإضافة إلى ذلك، طبيعة العبادات التعبدية والتوقيفية جعلت الفقهاء يتعاملون مع تفاصيلها وشروطها بدقة ووسواس أكبر؛ لأن في هذه المجالات، مجال الاجتهاد الحر والقياس العقلي محدود جدًا، وحاجة النقل، والدقة في الأسانيد، وفحص الأقوال، وتحليل تعارض الروايات أكثر جدية. لذا في الكتب الفقهية، من «الطهارة» إلى نهاية «الصلاة»، قد تُخصص مجلدات عديدة ومئات المسائل فقط لتوضيح شروط وأحكام هذه العبادات.

فقه معاصر: مع تصريحات النصوص الدينية حول ملكية المعادن من قبل الأشخاص الحقيقيين، كيف يمكن اعتبارها من الأنفال ومسؤولية الحكومة الإسلامية حفظها؟

ملا نوري: في كل حال، للوصول إلى تحليل منسجم للعلاقة بين أنواع المعادن، وأقسام الملكية، ودور ولاية الحكومة الإسلامية، يلزم نظر شامل لكل عنصر من هذه العناصر وتحليل نسبها بدقة فقهية. في هذا السياق، يمكن الوصول إلى نوع من الجمع العقلي والشرعي بين هذه العناصر الثلاثة، يكون ناظرًا إلى المبادئ الفقهية والقواعد الشرعية، وفي الوقت نفسه يلبي احتياجات نظام حكومي إسلامي.

أولاً، يجب الإشارة إلى أن المعادن في الفقه الإسلامي لها أقسام متنوعة؛ بعضها في زمرة الأنفال ويُعتبر من الأموال العامة، وبعضها الآخر قد يكون قابلاً للتملك الخاص بشروط معينة، وبعضها، مثل المعادن الظاهرة والمتاحة، تابع لقاعدة «السبق» و«الإحياء». من جهة أخرى، فصل الفقه الإسلامي أقسام الملكية بدقة: الملكية الفردية، والملكية العامة، وملكية الدولة الإسلامية (بيت المال أو الولاية العامة). في مثل هذا السياق، الحكومة الإسلامية بولايتها العامة، ليس فقط يمكنها الدخول كأمين للمجتمع الإسلامي في مجال إدارة الموارد الطبيعية، بل مكلفة بمراعاة المصلحة العامة، والعدالة التوزيعية، وحفظ المصالح بين الأجيال، بصياغة إطار استخدام هذه الموارد.

بالطبع، هذا لا يعني أن ولاية الحكومة الإسلامية تتعارض مع الملكيات الشرعية؛ بل بما أن الولاية تُمارس بناءً على مصالح المجتمع وفي إطار الشريعة، يمكنها أن تكون مكملة ومنظمة لأقسام الملكية في علاقتها بموارد مثل المعادن. بكلمات أخرى، الجمع بين أقسام المعادن والملكية مع ولاية الحكومة الإسلامية الشرعية ممكن تمامًا بل ضروري.

فقه معاصر: إلى أي مدى يمكن اعتبار النهج الفردي وغير الحكومي لعلم الفقه – الذي كان بسبب عدم سيطرة الفقه الشيعي تاريخيًا قبل الثورة الإسلامية – أحد أسباب عدم اهتمام الفقهاء الجاد بحفظ الموارد الطبيعية؟

ملا نوري: بلا شك، عدم وجود مسؤولية كبرى وواسعة على مستوى حكومة شاملة، يجعل كثيرًا من المسائل بلا موضوع؛ مضافًا إلى أن كثيرًا من التحديات الموجودة في مجال الموارد الطبيعية هي نتاج العصر الحديث والاستخدامات الصناعية و… يجب الإشارة إلى واقعة أساسية في الفقه الإسلامي النظامي والهيكلي، وهي أن كثيرًا من الأحكام الفقهية ناظرة إلى فرض وجود نظام سياسي فعال وحكومة إسلامية شاملة؛ لذا في غياب مثل هذه الحكومة التي تتحمل مسؤوليات كبرى في المجالات العامة، بما في ذلك إدارة الموارد الطبيعية والصناعية، تفقد كثير من المسائل الفقهية موضوعها أو تعاني اضطرابًا في التنفيذ.

الفقه الإسلامي ليس مجرد مجموعة من التكاليف الفردية، بل يشمل أقسامًا واسعة من الأحكام الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والبيئية التي تتحقق وتُنفذ فقط في سياق نظام حكومي إسلامي. لذا، غياب هيكل حكومي قوي ومسؤول يجعل كثيرًا من الأحكام المتعلقة بالموارد العامة، وحدود الملكية، والإشراف على الاستغلال، والسياسات الكبرى، بلا موضوع عمليًا أو غير قابلة للتنفيذ. بالإضافة إلى ذلك، يجب الانتباه إلى أن جزءًا كبيرًا من التحديات المتعلقة بالموارد الطبيعية والصناعية هي أساسًا نتاج العصر الحديث؛ أي لها جذور في التحولات الصناعية، والتكنولوجيات الواسعة للاستخراج، ونمو الرأسمالية، والاقتصاد الاستهلاكي، والملكيات الشركاتية المعقدة. كثير من المسائل المتعلقة بتلوث الهواء، واستغلال المعادن، وتدمير الغابات، وتخريب النظم البيئية، وأزمة الطاقة في العالم المعاصر، نشأت في فضاء يحتاج علاقته بمفاهيم الملكية والاستغلال والانتفاع التقليدية إلى إعادة قراءة وتفكير فقهي. في هذا الوضع، يصبح حضور الحكومة الإسلامية الفعال والمؤسسي كصانع سياسات، ومنظم، ومشرف، وضامن للعدالة الاجتماعية، ضرورة مضاعفة.

الحكومة الإسلامية، مستندة إلى مبادئ مثل العدالة، وحفظ الحقوق العامة، ومنع الضرر، ومراعاة مصالح الأمة، يمكنها تقديم إطار لحل هذه التحديات الناشئة.

Source: External Source