تحليل وإعادة قراءة فقهية لـ«الفن» بنهج الاجتهاد في الدلالة (المعناشناسي)

عُقدت الجلسة العلمية الترويجية «التحليل الفقهي لمفهوم الفن باستخدام الاجتهاد في الدلالة» يوم الإثنين ١٨ جمادى الآخرة ١٤٤٧هـ (الموافق ٢٨ آبان ١٤٠٤هـ.ش) في معهد العلوم الإنسانية الإسلامية بجامعة قم. قدّم فيها الدكتور محمد داودآبادي نظريته حول علاقة «الفن» بـ«الاجتهاد الدلالي»، وتولّى النقد والتقييم حجة الإسلام والمسلمين الدكتور مهدي گرامي‌پور وحجة الإسلام والمسلمين الدكتور سيد حميد ميرخندان. كان تحليل ماهية الفن فقهياً، وضرورة إعادة النظر في المفاهيم التقليدية، وإمكانية تقديم قراءة جديدة للفن داخل المنظومة الفقهية من أبرز محاور الجلسة.

إشارة: بحسب تقرير قاعدة الإعلام لمعهد دراسات الفقه المعاصر، عُقدت الجلسة العلمية الترويجية «التحليل الفقهي لمفهوم الفن باستخدام الاجتهاد في الدلالة» يوم ١٨ جمادى الآخرة ١٤٤٧هـ بجهود معهد العلوم الإنسانية الإسلامية بجامعة قم، وبالتعاون مع معاونية البحث في كلية اللاهوت بجامعة قم ومعهد دراسات الفقه المعاصر. قدّم فيها حجة الإسلام والمسلمين الدكتور مهدي داودآبادي آراءه حول إمكانية وضرورة تعريف الفن تعريفاً اجتهادياً من منظور الفقه، وقيّم هذه المباحث أستاذان من الحوزة والجامعة: حجة الإسلام والمسلمين الدكتور سيد حميد ميرخندان وحجة الإسلام والمسلمين الدكتور مهدي گرامي‌پور.

عُقدت الجلسة بهدف بيان المناهج الفقهية الحديثة في موضوع الفن، ودراسة قدرات «الاجتهاد الدلالي» في إعادة التعرف على المفاهيم المحورية في مجال الجماليات الدينية؛ وهو مجال لا يزال في الأدب الفقهي المعاصر بحاجة إلى تحليلات عميقة ومنهجية بسبب تعقيداته النظرية وطبيعته بين-التخصصية.

في مستهل الجلسة، هنّأ حجة الإسلام والمسلمين الدكتور داودآبادي بالأيام الحزينة الفاطمية، ثم أشار إلى أن كثيراً من الاستنباطات الفقهية حول الفن تستند إلى «تعريفات عرفية أو حديثة»، مؤكداً أن هذا النهج يُمهّد لأخطاء في معرفة الموضوع عند استنباط الأحكام الفنية. وقال: «إذا أدخلنا الفن إلى الفقه بنفس المفهوم الذي قدمته التعريفات الحديثة، فإننا نكون قد أخطأنا في موضوع الحكم. الفقه لا يمكنه أن ينتج حكماً دقيقاً على موضوع غامض غير منقَّح».

أضاف الدكتور داودآبادي: «في الرؤية الدينية، الفن فعل إبداعي يستطيع من خلال عنصر الجمال النافذ أن يؤثر في مجال الإدراك والسلوك الإنساني. لذا فإن «التأثير الحكيم» جزء مهم من مفهوم الفن في الأدب الديني».

استناداً إلى المنهج الاجتهادي، أبرز ثلاثة مكونات رئيسية في إعادة تعريف الفن:

  1. النية والاتجاه الإبداعي للإنسان الفن فعل إنساني إرادي ينبع من إرادة ونية ذات معنى.
  2. عنصر الجمال والكيفية الجمالية الجمال الحسي ليس شرطاً لازماً للفن؛ بل «الجمال» بمعنى التناسق والتناسب والنظام والتأثير الإدراكي هو العنصر الأساسي.
  3. التأثير الموضوعي والتربوي يجب أن يكون الفن في النظرة الفقهية مؤثراً؛ تأثيراً يغيّر علاقة الإنسان بالعالم ويدفعه نحو معنى أكثر حكمة.

اختتم الدكتور داودآبادي كلامه قائلاً: «يجب تعريف الفن بأنه استخدام إبداعي هادف وحكيم لقوى الإدراك والتخيل الإنسانية؛ تعريف يتوافق أكثر مع المباني الدينية والفقهية».

ثم أشار إلى تحدٍ كبير: «لا يزال موضوع الفن في الأدب الفقهي غير منقَّح كما ينبغي. إذا لم يُحدَّد الموضوع فإن الحكم سيكون زلِقاً وغير مستقر».

أكد حجة الإسلام والمسلمين داودآبادي أن الفقهاء في مواجهة المسائل الفنية مضطرون إلى استخدام «الاجتهاد الدلالي»؛ اجتهاد لا يقبل المفاهيم الجاهزة مسبقاً، بل يذهب إلى تحليل النصوص الدينية ولغة القرآن والسنة وبناها الدلالية لاستخلاص الصورة الدينية للفن.

في الجزء اللاحق، أشاد حجة الإسلام والمسلمين الدكتور سيد حميد ميرخندان بالبنية المنسجمة للعرض، وأكد على ضرورة تقوية المنهجية، وقال: «أحد التحديات المحورية في هذا النقاش هو الفصل بين «تعريف الفن مفهومياً» و«تحديد مصاديقه الفنية». الدكتور داودآبادي تناول المفهوم جيداً، لكن ربطه بالمصاديق العملية مثل الرسم والموسيقى والهندسة المعمارية يحتاج إلى مزيد من البيان».

كما شدد على ضرورة الاهتمام الأدق بجذور الكلمة التاريخية وتحولاتها الدلالية، وأضاف: «جزء كبير من النقاش يحتاج إلى استناد أوضح إلى الأدب الفقهي المتقدم حتى تظهر العلاقة بين التراث الفقهي والمباحث الناشئة بصورة أكثر شفافية».

أما الناقد الثاني حجة الإسلام والمسلمين الدكتور مهدي گرامي‌پور فقد أثنى على جهد المقدِّم في إعادة بناء مفهوم الفن اجتهادياً، وأكد على ضرورة بيان أدوات الدلالة الاجتهادية بدقة أكبر، وقال: «ميزة النقاش أنه يخرج تعريف الفن من هيمنة التعريفات الحديثة؛ لكن يجب توضيح الآلية المنهجية التي يستخدمها الاجتهاد الدلالي لتقديم تعريف جديد».

أضاف: «السؤال المهم: هل العناصر الجمالية التي يؤكد عليها المقدِّم مستخلصة من النصوص الدينية، أم أنها تحتاج إلى نظرية مكملة من فلسفة الفن الإسلامي؟».

في ختام الجلسة، شكر الدكتور داودآبادي الناقدين وقال: «هدف هذه الكراسي إنتاج أدب علمي، ومسألة ماهية الفن قابلة للدراسة من المنظورين الفلسفي والفقهي؛ الفقه يحتاج إلى تعريف ليصدر حكماً».

وختم مؤكداً: «فقه الفن يجب أن يقوم على مكونات تصبح موضوعاً للحكم الشرعي، وآمل أن نتمكن بإعادة النظر واستكمال هذا النقاش من تقديم إطار أوضح للفن في الفقه المعاصر».

شكّلت هذه الجلسة العلمية بطرحها آراء جديدة ونقود بنّاءة خطوة في تطوير أدب فقه الفن. طرح قضايا مثل ضرورة التعريف الاجتهادي للفن، وتحديات معرفة الموضوع، وعلاقة فقه الفن بفلسفة الفن، أظهر أن هذا المجال لا يزال بحاجة إلى بحوث أعمق وحوار بين-تخصصي.

Source: External Source