الدكتور سيد حسين حسيني، في حوار حصري مع «فقه معاصر»:

تجليات الفقه في تسخير الاقتصاد لخدمة الشعب/7

رغم أن إنشاء مؤسسات حكومية لجمع الموارد الدينية مثل الخمس والزكاة والفطرة والصدقات يبدو هدفه الأساسي توزيع الموارد بصورة أكثر عدلاً ومساعدة المستضعفين، إلا أن بعض التحديات والإشكالات قد تظهر عملياً فتعيق تحقيق تَشْيِيع الاقتصاد تحقيقاً كاملاً.

إشارة: في السنوات الأولى لانتصار الثورة الإسلامية، أسّس مؤسس الجمهورية الإسلامية مؤسسات اقتصادية ثورية مثل لجنة الإمام الخميني للإغاثة، ومؤسسة المستضعفين والمعوقين، وهيئة تنفيذ أمر الإمام، وعدد آخر من المؤسسات. لكن هل استطاعت هذه المؤسسات الاقتصادية أن تكون عوناً للاقتصاد الإيراني، أم أنها أضافت مشاكل أخرى إلى مشاكله؟ يفسّر الدكتور سيد حسين حسيني، الباحث الاقتصادي، تأسيس هذه المؤسسات من قِبل قائد الثورة العظيم بأنها جهد لتَشْيِيع الثورة. ويرى أن لها – إلى جانب مزاياها الكثيرة – عيوباً أيضاً، يشير إلى الجانبين في هذا الحوار. نص الحوار الحصري الذي أجرته «فقه معاصر» مع باحث مركز أفكار الحكومة وبناء النظام الاقتصادي كالتالي:

فقه معاصر: ما هي الوظيفة الأساسية لحكومة إسلامية في تَشْيِيع الاقتصاد؟

حسيني: الوظائف هي:

  1. تطوير وتوسيع المؤسسات الاقتصادية الصغيرة والمتوسطة؛ يمكن لهذه المؤسسات – من خلال تقديم التسهيلات والاستشارات الفنية والتدريب ودعم الابتكار – أن تحسّن كفاءة هذه المنشآت وتعزز دور الشعب في الاقتصاد.
  2. مشاركة الشعب في القرارات الاقتصادية؛ يمكن للمؤسسات الاقتصادية الثورية أن تستفيد من دور الشعب في التخطيط الاقتصادي عبر إنشاء مجالس وجمعيات عامة أو أنظمة استشارية ديمقراطية.
  3. إنشاء مؤسسات الضمان الاجتماعي والرفاه؛ يمكن لهذه المؤسسات أن تؤمّن الأمان الاقتصادي للناس وتقلل الفجوة الطبقية من خلال تقديم الخدمات الصحية والتعليمية والسكنية والدعم في الأزمات.
  4. العدالة في توزيع الموارد؛ يمكن لهذه المؤسسات تحسين التوزيع العادل للموارد عبر أنظمة مالية جديدة ومنع تراكم الثروة في أيدي فئات معينة.
  5. دعم الاقتصاد الشعبي؛ وهو اقتصاد قائم على مشاركة واسعة للشعب في الأنشطة الاقتصادية (مثل الزراعة التعاونية وريادة الأعمال الاجتماعية والإنتاج المحلي). يمكن للمؤسسات الثورية أن تمكّن الناس اقتصادياً وتعزز الاستقلال والاكتفاء الذاتي في المجتمعات المحلية.
  6. مقاومة التركيز الاقتصادي؛ أحد أهداف المؤسسات الثورية مكافحة التركيز الاقتصادي الذي يؤدي إلى عدم المساواة والفساد. يمكنها منع التركيز عبر سياسات لا مركزية وتوزيع أفضل للموارد والصلاحيات، مما يساعد على العدالة وتَشْيِيع الاقتصاد.

فقه معاصر: هل يمكن تفسير إنشاء نحو ٨ مؤسسات اقتصادية شعبية من قِبل مؤسس الثورة (مثل لجنة الإمام الخميني، مؤسسة ١٥ خرداد، هيئة تنفيذ أمر الإمام، مؤسسة المستضعفين والمعوقين…) بأنه جهد فقيه لتَشْيِيع الاقتصاد، أم أن له أسباباً أخرى؟

حسيني: إنشاء مؤسسات اقتصادية شعبية مثل لجنة الإمام الخميني (رحمه الله)، مؤسسة ١٥ خرداد، هيئة تنفيذ أمر الإمام، مؤسسة المستضعفين والمعوقين وغيرها من قِبل مؤسس الثورة الإسلامية الإمام الخميني (قده) يُفسَّر بلا شك في إطار الجهد لتَشْيِيع الاقتصاد، لكن له في الوقت نفسه أبعاداً وأسباباً أخرى تتعلق بالأهداف السياسية والاجتماعية والثقافية وحتى الأمنية للثورة الإسلامية. نحاول هنا استعراض الجانبين:

  1. الجهد لتَشْيِيع الاقتصاد كان أحد الأسباب الرئيسية إنشاء هذه المؤسسات هو تَشْيِيع الاقتصاد في إيران بعد الثورة. قبل الثورة كان الاقتصاد مركزياً جداً تحت سيطرة النظام الملكي، والفجوات الطبقية واسعة، والموارد في أيدي مؤسسات تابعة للنظام أو أجنبية كبرى، والفئات الضعيفة محرومة. بعد الانتصار، أكد الإمام (رحمه الله) على إنشاء مؤسسات تهدف إلى توزيع أكثر عدلاً للموارد، ومساعدة الفئات الضعيفة، وتمكين الشعب من إدارة الشؤون الاقتصادية. هذه المؤسسات ساعدت الناس مباشرة على المشاركة في المجالات الاقتصادية المختلفة، مثال:
    • لجنة الإمام الخميني: لمساعدة المحرومين والمحتاجين، وتمكين الفقراء من العمل والاكتفاء الذاتي.
    • مؤسسة المستضعفين والمعوقين: لتأمين معيشة المعوقين وعوائل الشهداء والمستضعفين.
    • هيئة تنفيذ أمر الإمام: لخلق فرص عمل ودعم الإنتاج المحلي.
  2. الأسباب السياسية والثورية رغم أن الهدف الأساسي كان تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي، إلا أن أسباباً سياسية وثورية كانت مؤثرة أيضاً، خاصة في مرحلة تثبيت الثورة أمام الضغوط الداخلية والخارجية. هذه المؤسسات كانت أدوات لتعزيز التماسك الداخلي ودعم الشعب أمام العقوبات والتهديدات، ولها استقلالية أكبر من الحكومة المركزية، مما جعل النظام الإسلامي أكثر مقاومة للتهديدات الاقتصادية والعسكرية، خاصة في الحرب المفروضة.
  3. بديل عن مؤسسات النظام البهلوي الفاسدة كثير من هذه المؤسسات الجديدة كانت بديلاً عن مؤسسات فاسدة قبل الثورة (شركات نفط أجنبية، مؤسسات بهلوية، جمعيات خيرية تابعة للبلاط). الإمام (رحمه الله) وجه الثروات العامة نحو خدمة المحرومين والمستضعفين.
  4. إنشاء هياكل بديلة للضمان الاجتماعي خلق شبكة دعم اجتماعي، خاصة في الحرب وبعدها، كبديل عن الأنظمة الحكومية السابقة غير الكفؤة.
  5. الانتباه إلى مبادئ الاقتصاد الإسلامي يمكن تفسير التأسيس في إطار مبادئ الاقتصاد الإسلامي التي تؤكد العدالة الاجتماعية ومساعدة الفقراء والتوزيع العادل.

فقه معاصر: هل تسييس المؤسسات الاقتصادية الشعبية (مثل وجوب دفع الخمس لولي الفقيه، تجميع الصدقات في لجنة الإمام الخميني، إنشاء هيئات حكومية لجمع النذور والفطرة والزكاة…) في اتجاه تَشْيِيع الاقتصاد أم في نقيضه؟

حسيني: الجواب على كل جزء على حدة:

وجوب دفع الخمس لولي الفقيه: في إطار الاقتصاد الإسلامي يمكن أن يكون في اتجاه تَشْيِيع الاقتصاد، لأن هدفه تمويل الفقراء والمشاريع العامة وتقليل الفجوة الطبقية. لكن عملياً قد يواجه تحديات مثل تركيز الموارد والبيروقراطية المعقدة.

تجميع الصدقات في لجنة الإمام الخميني: يعتمد على أدائها. إذا ركزت على تمكين الناس وتدريبهم مهنياً ودعم المشاريع الصغيرة فهي في اتجاه التَشْيِيع، أما إذا اكتفت بالمساعدات النقدية المؤقتة فقد تزيد الاعتماد على الدولة.

إنشاء هيئات حكومية لجمع النذور والفطرة والزكاة: إذا كان في إطار أهداف شفافة ورقابة دقيقة فيمكن أن يساعد على التَشْيِيع عبر مشاريع التوظيف والخدمات. أما إذا غابت الشفافية فقد يزيد سيطرة الدولة على موارد الشعب ويحد من دوره.

تحديات تسييس المؤسسات الاقتصادية الشعبية:

  • تركيز السلطة والموارد.
  • الاعتماد على المساعدات الحكومية.
  • نقص الشفافية والرقابة.

فقه معاصر: كيف كانت تجربة الدول الأخرى في تَشْيِيع الاقتصاد؟ هل من خلال بناء المؤسسات وإعطاء الوكالة، أم من خلال دور إشرافي فقط؟

حسيني: النتائج مختلفة، إليك أبرز التجارب:

الاقتصادات التعاونية في دول الإسكندنافية (السويد، الدنمارك): تركيز على تعاونيات يديرها الشعب، والدولة تدعم بالقروض والحوافز لكن القرار بيد الأعضاء.

نموذج «ألمانيا الاجتماعية» (النموذج الثلاثي): مشاركة مشتركة بين العمال وأرباب العمل والدولة، مع تركيز على بناء المؤسسات والمشاركة لا الدور الإشرافي فقط.

الاقتصاد الاجتماعي والتعاوني في كوريا الجنوبية: دعم حكومي للتعاونيات خاصة في الزراعة والخدمات، والدولة تيسيرية.

تجارب الهند: مجموعات المساعدة الذاتية والتعاونيات الزراعية تديرها المجتمعات المحلية، والدولة تقدم استشارات فقط.

نموذج إسبانيا (منطقة الباسك): تعاونيات ناجحة مثل «موندراغون» حيث العمال مالكون ومديرون، والدولة داعمة لا مركزية.

كوبا: رغم الاقتصاد الحكومي، سمحت في السنوات الأخيرة بتعاونيات محلية في الزراعة والخدمات لتعزيز الاكتفاء الذاتي.

فقه معاصر: بشكل عام، ما هي مزايا وعيوب إنشاء المؤسسات الاقتصادية الثورية؟

حسيني:

المزايا:

  • تسريع التحولات الاجتماعية والاقتصادية.
  • كسر الاعتماد على الأنظمة الاقتصادية السابقة.
  • تطوير المؤسسات الشعبية وزيادة المشاركة الاجتماعية.
  • مكافحة الفساد والريع.
  • بناء الثقة بين الشعب.

العيوب:

  • تركيز السلطة في أيدي المؤسسات الحكومية.
  • عدم الكفاءة وتعقيد الهيكلية.
  • المقاومة واللاستقرار.
  • احتمال الفشل في تحقيق الأهداف.
  • الاحتكار وانخفاض المنافسة.
  • تقليل الحوافز والمبادرة الفردية.
Source: External Source