باحث في مركز البحوث الفقهية في السلطة القضائية، في حوار خاص مع «فقه معاصر»:

حق الكرامة والمساواة الإنسانية من منظور الفقه/9

يرى بعضهم أن هذا الحق توقيفي ومحدّد من قِبل الشارع، في حين يرى آخرون أنه عرفي وتشكّل بفعل العرف. يبدو أن نهجاً تركيبياً من الرأيين، أي نهج يلتفت إلى الأسس الشرعية والمقتضيات العرفية معاً، أنسب لتفسير حق المساواة الإنسانية؛ لذا الأفضل أن نقول إن بعض أبعاده حدّدها الشرع وبعضها الآخر حدّده العرف.

إشارة: مع أن الحديث حول حق المساواة الإنسانية مستمرّ منذ سنوات ويُعتبر مطالباً بشرياً منذ قرون، إلا أن ثمّة غموضاً كثيراً حول ماهيته وأبعاده؛ هل هذا الحق توقيفي أم إمضائي؟ وما علاقته بالعدالة؟ لهذا الغرض، تحدّثنا مع حجة الإسلام الدكتور سجاد أميدي، باحث في مركز البحوث الإسلامية في مجلس الشورى. يرى أنه لا يمكن اعتبار هذا الحق توقيفياً وشرعياً كلياً، ولا إمضائياً وعرفياً كلياً. تفصيل الحوار الخاص لـ«فقه معاصر» مع هذا الباحث في الحوزة العلمية بقم، كالتالي:

فقه معاصر: ما هو حق المساواة الإنسانية وما هي أبعاده؟

أميدي: لحق المساواة الإنسانية أبعاد مختلفة. أحد أبعاد هذا الحق هو المساواة الاجتماعية، أي الأمور التي يكون فيها جميع أفراد مجتمع معيّن أو مجموعات حالة متساوية في جوانب معيّنة. تشمل هذه الأبعاد الحقوق المدنية، وحرية التعبير، وحقوق الملكية، والوصول المتساوي إلى السلع والخدمات الاجتماعية. أحد أهم أبعاد المساواة الاجتماعية هو وجود فرص متساوية في المجتمع لجميع الأفراد بحيث لا تُستبعد أي طبقة اجتماعية أو يُصيبها تمييز قانوني؛ فمثلاً، السن، والجنس، والعرق، والميل الجنسي، والأصل والنسب، والطبقة أو الطبقة الاجتماعية، والدخل أو الأموال، واللغة، والدين، والمعتقدات، والآراء، والصحة أو الإعاقة لا ينبغي أن تؤدي إلى سلوك غير متساوٍ تحت القانون أو تقليل فرص غير عادلة.

المساواة غير المساواة الاجتماعية، متصوّرة أيضاً في المساواة السياسية والتعليمية والاقتصادية وسائر الساحات.

في آيات القرآن الكريم، صرّح بمجالات مختلفة من المساواة: التساوي في الارتباط بالخالق (الروم/٤٠)؛ التساوي في حكمة الخلق (الذاريات/٥٦)؛ التساوي للبشر في استحقاق نفخ الروح الإلهية فيهم (السجدة/٩)؛ التساوي في زرع بذر المعرفة داخل جميعهم (البقرة/٣١)؛ التساوي في عامل الكمال (البقرة/٢٨٥ والشورى/١٣)؛ التساوي في الكرامة الذاتية مع الكرامة الأولى (الإسراء/٧٠)؛ التساوي في الاستعداد لاكتساب الكرامة القيمية والمكتسبة (الحجرات/١٣)؛ التساوي في مبدأ خلق البشر (النساء/١)؛ التساوي في المادة الأساسية للخلق (الحجر/٢٦)؛ التساوي في الماهية والخصائص منها العقل والضمير (القيامة/٢ و١٤ و١٥)؛ التساوي أمام الحقوق الطبيعية والوضعية والقوانين (المائدة/٨ و١٣٥).

فقه معاصر: هل حق المساواة في زمرة حقوق الإنسان أم حقوق المواطنة؟ هل هو حق طبيعي أم حق تعاقدي؟ اختيار كل من هذه الأمور، ما هي الاختلافات التي يسببها؟

أميدي: حق المساواة في زمرة حقوق الإنسان وحق المواطنة. الإنسان بذاته وبمجرّد كونه إنساناً يتمتّع بجميع حقوق الإنسان. وفقاً لإعلان حقوق الإنسان العالمي، واتفاقية جنيف، وسائر الوثائق الدولية، لحقوق الإنسان خصائص كالتالي: العالمية؛ غير القابلية للسلب؛ عدم التمييز؛ غير القابلية للنقل؛ غير القابلية للتجزئة؛ طلب المساواة.

الترابط والتداخل من الأمور الأخرى التي يمكن الإشارة إليها. ومن ثمّ، فإن هذه الحقوق تعود لجميع الأفراد في أي مكان من العالم، ولا يمكن حرمان أحد منها، مع أن جميع الأفراد متساوون في التمتّع بهذه الحقوق بغض النظر عن عوامل مثل العرق، والجنسية، والجنس، والدين، والميل الجنسي، واللون، واللغة وغيرها، ولا يوجد أي تمييز أو تفضيل أو تقييد أو حرمان في التمتّع بها. كما أن هذه الحقوق غير قابلة للنقض.

فقه معاصر: حق المساواة الإنسانية، بأي أدلّة يمكن إثباته؟ هل إثبات حق المساواة الإنسانية بكل من هذه الأدلّة، له آثار مختلفة عن إثباته بأدلّة أخرى؟

أميدي: حق مساواة البشر قابل للإثبات بناءً على أدلّة مختلفة أشير إليها باختصار: الفطرة: يرى كثير من الفلاسفة أن البشر ذاتياً يملكون كرامة وقيمة تميّزهم عن سائر الموجودات. هذه الكرامة الذاتية أساس لحق المساواة. العقل: يمكّن العقل الإنسان من إدراك الاختلافات الظاهرية والسطحية، والوصول إلى أن جميع البشر متساوون في الأصل والذات، ويجب أن يتمتّعوا بحقوق متساوية. الأخلاق: تعتبر كثير من المدارس الأخلاقية مساواة البشر أصلاً أساسياً، وتعتقد أن جميع البشر يجب أن يُحترموا ويُكرّموا بشكل متساوٍ. القرآن والسنّة: صرّح بمساواة البشر في القرآن والأحاديث. آيات متعدّدة منها الآية ٩٨ من سورة الأنعام تعتبر جميع البشر من نفس واحدة (آدم) وتعبّر بذلك عن أصل المساواة. آراء الأديان الأخرى: الأديان الأخرى أيضاً بتأكيدها على الكرامة الذاتية للإنسان وأهمية الأخلاق والعدالة، تصدّق بطريقة ما على أصل مساواة البشر. إعلان حقوق الإنسان العالمي: هذا الإعلان وثيقة حقوقية مهمة، يؤكّد على مساواة جميع البشر أمام القانون والتمتّع بالحقوق والحريات الأساسية. الدساتير والقوانين المدنية للدول الأخرى: كثير من الدول اعترفت في دساتيرها وقوانينها المدنية بأصل مساواة البشر، وتسعى لتحقيقه عملياً. في المجمل، حق مساواة البشر قابل للإثبات بناءً على مجموعة من الأسس الفلسفية والدينية والحقوقية، ومقبول كأصل أساسي في المجتمعات الحديثة.

فقه معاصر: هل المساواة الإنسانية أمر توقيفي يجب أن يبيّنه الشارع أم أمر عرفي يحدّد مفهومه ومصاديقه العرف؟

أميدي: حق المساواة ذاتي وفطري للإنسان. هذا الحق نفسه في زمرة حقوق الإنسان والحقوق الأساسية للدول. بالطبع، هذا الحق في الشرع بُيّن بشكل تلغرافي ومختصر، ومن ثمّ يبيّن بعض أبعاده العرف.

بشكل عام، ثمّة نهجان رئيسيان في هذا المجال: النهج التوقيفي (النصب الشرعي): هذا النهج يعتقد أن حقوق الإنسان، منها حق المساواة، محدّدة ومبيّنة بشكل خاص ومحدّد من قِبل الشارع (المشرّع الإلهي)، ولا يمكن لأحد أن يقرّر حقاً لنفسه أو للآخرين فوق ما بُيّن في الشرع. بتعبير آخر، حقوق الإنسان في هذا الرأي لها جانب إلهي وأمري، وتُستخرج من المصادر الدينية.

النهج العرفي (النصب العرفي): هذا النهج يعتقد أن حقوق الإنسان، منها حق المساواة، تشكّل عبر العرف والاتفاقات الاجتماعية. في هذا الرأي، تُعتبر حقوق الإنسان أمراً تعاقدياً قائماً على الحاجات والرغبات الجماعية، وتشكّل تدريجياً وتتكامل عبر التفاعلات الاجتماعية والاتفاقات الجماعية.

في هذا السياق، ثمّة نهج مختلفة يُشار إليها: الإسلام: في الإسلام، بعض الحقوق الإنسانية (مثل الحقوق المتعلقة بالأسرة والإرث و…) بُيّنت بشكل خاص في القرآن والسنّة، وتُعتبر حقوقاً توقيفية. ومع ذلك، كثير من الحقوق الأخرى (مثل الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية) بُيّنت في القرآن والسنّة بشكل عام، ومصاديقها تحدّد عبر العرف واجتهاد الفقهاء. بتعبير آخر، يتبع الإسلام نهجاً تركيبياً من التوقيفي والعرفي في مجال حقوق الإنسان.

فلسفة الحقوق: في فلسفة الحقوق، ثمّة نهجان رئيسيان: الحقوق الطبيعية والحقوق الموضوعة. الحقوق الطبيعية تعتقد أن حقوق الإنسان موجودة بناءً على طبيعة الإنسان والعالم، وقابلة للاكتشاف، في حين الحقوق الموضوعة تعتقد أن حقوق الإنسان توضع عبر القوانين والأنظمة.

العلوم الاجتماعية: في العلوم الاجتماعية، تُعتبر حقوق الإنسان ظاهرة اجتماعية تتأثّر بعوامل مختلفة مثل الثقافة والاقتصاد والسياسة.

في النهاية، يمكن دراسة مسألة حق مساواة الإنسان من زوايا مختلفة. يرى بعضهم أن هذا الحق توقيفي ومحدّد من قِبل الشارع، في حين يرى آخرون أنه عرفي وتشكّل بفعل العرف. يبدو أن نهجاً تركيبياً من الرأيين، أي نهج يلتفت إلى الأسس الشرعية والمقتضيات العرفية معاً، أنسب لتفسير حق المساواة الإنسانية؛ لذا الأفضل أن نقول إن بعض أبعاده حدّدها الشرع وبعضها الآخر حدّده العرف.

فقه معاصر: ما الفرق بين المساواة الإنسانية كحق مواطنة وبين المساواة الإنسانية كقاعدة فقهية؟

أميدي: إذا كانت المساواة حق مواطنة، فإلزام الالتزام بها ناتج عن قوانين الدولة، أما إذا كانت حقاً شرعياً فسبب الإلزام به هو ضمير الإنسان وإيمانه بالمعاد.

يمكن اعتبار حق المساواة حق مواطنة وقاعدة فقهية معاً، لكن ثمّة اختلافات في الأسس وطريقة التطبيق. حق المساواة كحق مواطنة قائم على قوانين وأنظمة دولة ما، ويُطبّق على جميع المواطنين بغض النظر عن الدين والجنس والعرق وغيرها؛ في حين أنه كقاعدة فقهية قائم على الأسس والمبادئ الإسلامية، وقد توجد في بعض الحالات قيود في دائرة الشمول وطريقة التطبيق؛ بتعبير آخر، حق المساواة كحق مواطنة حق عالمي محدّد في قوانين دولة ما وقابل للتنفيذ على جميع المواطنين. في حين أن حق المساواة كقاعدة فقهية أصل أخلاقي وقيمي محدّد في الإسلام، وقد توجد في طريقة التنفيذ اختلافات مع حق المواطنة.

Source: External Source