استعراض المعايير الفقهية للتجريم التعزيري في جلسة معهد الدراسات الفقهية المعاصرة

في الجلسة العلمية الـ٢٤٦ لمعهد الدراسات الفقهية المعاصرة، تمّ استعراض الأبعاد الفقهية للتجريم في الجرائم التعزيرية مع التركيز على ثلاثة معايير فقهية مشهورة ونقدها. في هذه الجلسة، اقترح حجة الإسلام والمسلمين علي محمدي جوركويه – من خلال تحليل الروايات والأسس الأصولية – معيار «المفسدة» كأساس بديل للتجريم، كما تناول الدكتور شهرداد دارابي تحدّيات هذا النهج من خلال طرح نقد حول اتّساع مفهوم المصلحة وضابطته.

وفقاً لتقرير قاعدة الإعلام لمعهد الدراسات الفقهية المعاصرة، عُقدت الجلسة العلمية الـ٢٤٦ لهذا المعهد يوم الأربعاء ١٠ جمادى الأولى ١٤٤٧ بحضور الأساتذة والباحثين والمهتمّين بمجال الفقه الجنائي. عُقدت الجلسة بجهود مجموعة «فقه القضاء والجزاء» وبعرض حجة الإسلام والمسلمين علي محمدي جوركويه ونقد الدكتور شهرداد دارابي، الأستاذ المشارك في الجامعة الإسلامية الحرّة بقم، في قاعة الاجتماعات بالمعهد.

في بداية الجلسة، رحّب أمين الجلسة حجة الإسلام والمسلمين الدكتور غلام رضا پيوندي بالحاضرين، وأشار إلى أهمية موضوع الجلسة وقال إن مسألة التجريم في مجال التعزيرات «أحد أكثر المباحث تحدّياً في نظام التشريع في الجمهورية الإسلامية»، ويحتاج إلى إعادة قراءة دقيقة للأسس الفقهية وتطبيقها مع حاجات المجتمع اليومية.

في سياق الجلسة، بدأ محمدي جوركويه كلامه ببيان مكانة الجرائم المعيّنة وغير المعيّنة في الفقه الإسلامي، وذكّر بأن الصعوبة الرئيسية في التشريع في المجال الجنائي ليست في الجرائم الحدّية والديات، بل في الجرائم التعزيرية؛ حيث لا يوجد نصّ شرعي معيّن، ويجب على الحاكم الإسلامي أن ينظّم التجريم والعقاب بناءً على معايير معتبرة.

عضو مجموعة فقه القضاء والجزاء في معهد الدراسات الفقهية المعاصرة، مع إشارته إلى تعقيدات التشريع في الجمهورية الإسلامية، قال: «المشكلة الرئيسية لدينا في الجرائم غير المعيّنة؛ حيث يجب أن نقرّر أي سلوك نعتبره جريمة وأي نوع وكمّ من العقاب نحدّد له».

ثم شرح المقدّم ثلاثة معايير مشهورة بين الفقهاء والتي طُرحت عبر القرون المختلفة بالتفصيل: ١ ـ تجريم كل سلوك حرام بناءً على هذا الرأي، كل فعل حرام أو ترك واجب لا حدّ معيّن له، يمكن أن يكون موضوع تعزير. فقها مثل أبي الصلاح الحلبي، وابن إدريس، والمحقّق الحلّي، والعلاّمة الحلّي وبعض المعاصرين قبلوا هذا الرأي.

٢ ـ تجريم الذنوب الكبيرة فقط بعض الفقهاء مستندين إلى الآية ﴿إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ…﴾ يعتقدون أن الذنوب الكبيرة فقط قابلة للتجريم. صاحب الجواهر، وآية الله الخوئي وبعض آخرون عزّزوا هذا الرأي.

٣ ـ التجريم في حال التكرار بعد النهي عن المنكر مجموعة أخرى يعتقدون أن التعزير يُطبّق فقط عندما يصرّ الفرد على ارتكاب الحرام بعد النهي عن المنكر. فقها مثل الفاضل الهندي، والمحقّق الإصفهاني، وابن فهد الحلّي طرحوا هذا الرأي.

نقد الأستاذ علي محمدي جوركويه الثلاثة معايير المشهورة، ومن خلال دراسة الروايات والأسس الأصولية وتبعات كل من الثلاثة معايير عملياً، نقدها. أكّد أن أيّاً من هذه المعايير لا يمكن أن يكون أساساً إلزامياً للحاكم الإسلامي.

قال في جزء من كلامه: «الروايات التي ذُكرت لقاعدة التعزير لكل عمل حرام، تثبت في أقصى الحالات إمكانية التعزير، لا وجوبه؛ لذا لا يمكن استنتاج أن كل حرام يجب تجريمه».

عضو مجموعة فقه القضاء والجزاء في معهد الدراسات الفقهية المعاصرة شرح أيضاً حول المعيار الثاني أن الاستناد إلى الآية ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا﴾ ناظر إلى الآخرة، ولا يمكن أن يكون أساساً لنفي التعزير في الدنيا.

أكّد حول المعيار الثالث أيضاً أن الروايات المتعلقة بالتعزير في حالات التكرار «قضايا شخصية» وليس لها قابلية للتعميم.

في الجزء الأخير من العرض، بيّن الأستاذ محمدي جوركويه معياره المقترح كالتالي: «التجريم في مجال التعزيرات يجب أن يكون بناءً على المفسدة؛ أي في كل مكان يؤدي فيه ترك التجريم إلى ضرر اجتماعي أو اختلال في النظام العام أو تهديد لمصالح المجتمع، يمكن للحاكم الإسلامي التدخّل».

أضاف أن صلاحية الحاكم الإسلامي في هذا المجال «جوازية» لا «وجوبية»، وتفكيك الجرائم المعيّنة وغير المعيّنة نفسه دليل على هذه الصلاحية.

في سياق الجلسة، نقد الدكتور شهرداد دارابي الرأي المطروح نقداً علمياً. مع تقديره لجهود المقدّم في إعادة قراءة أسس التجريم، حذّر من اتّساع مفهوم «المصلحة».

قال دارابي في جزء من كلامه: «إذا قبلنا معيار المفسدة دون ضابط دقيق، فقد يتّسع دائرة صلاحيات الحاكم أكثر من اللازم ويؤدي إلى عدم اليقين في النظام الجنائي».

أكّد الدكتور دارابي أيضاً أنه يجب تحديد أن المصلحة في هذا النقاش «ناظرة إلى أي مستوى من الضرر الاجتماعي» وما الآلية لتشخيصها.

الأستاذ المشارك في الجامعة الإسلامية الحرّة بقم أضاف في جزء آخر من نقده: «اقتراح المقدّم قابل للتنفيذ فقط إذا تمكّنا من تقديم مؤشّرات عينية لتشخيص المفسدة؛ وإلا بقي المعيار مبهماً».

استمرّت الجلسة بأسئلة وأجوبة الحاضرين، وطُرحت مباحث مثل علاقة التجريم بالسياسة الجنائية الإسلامية، ودور العرف في تشخيص المفسدة، وإمكانية صياغة معايير تركيبية.

في النهاية، لخّص أمين الجلسة المباحث المطروحة وقال: «معهد الدراسات الفقهية المعاصرة سيتابع هذا الموضوع في إطار الجلسات والمشاريع البحثية للمساهمة في صياغة معايير أدقّ وأكثر كفاءة في مجال التجريم التعزيري».

Source: External Source