إعادة تعريف السياسة في الحوزة النجفية، من المرحوم الآخوند إلى الدولة الوطنية

في الجلسة العلمية «الحوزة العلمية النجفية ونظرية الدولة»، تمّ طرح أحد أخطر التحدّيات الفكرية في السنوات الأخيرة حول علاقة النجف بالدولة الحديثة؛ حيث أكّد الدكتور عبد الوهاب فراتي – بنقده النهج النصّي السائد في الحوزة القمّية – على ضرورة إعادة قراءة سياقية (الكونتكست) للفكر السياسي لفقهاء النجف، وأظهر أن فهم تقليد النجف دون الالتفات إلى الظروف التاريخية والاجتماعية لإنتاج النصوص يؤدي إلى تفسيرات خاطئة وروايات فوق تاريخية. أبرز دور المرحوم الآخوند الخراساني في تشكيل الهنجار السائد في النجف، وشرح كيف دفع هذا التقليد الفقهي – في مواجهته مع الطائفية في العراق – نحو نموذج «الدولة الوطنية» و«الديمقراطية التوافقية»، وبعّد عن نظرية الدولة الشرعية. استند فراتي إلى حواراته مع فقهاء النجف المعاصرين، ورأى في هذا التحوّل علامة على فهمهم الأعمق للدولة-الأمة ودور المرجعية في العصر الجديد.

وفقاً لتقرير قاعدة الإعلام لمعهد الدراسات الفقهية المعاصرة، عُقدت الجلسة العلمية الـ٢٥٠ لهذا المعهد بجهود مجموعة «فقه السياسة والعلاقات الدولية» بحضور الأساتذة والباحثين، وبعرض الدكتور عبد الوهاب فراتي ونقد الدكتور سيد صادق حقيقة، يوم الأحد ١٤ جمادى الأولى ١٤٤٧ في قم.

في بداية الجلسة، رحّب أمين الجلسة العلمية حجة الإسلام والمسلمين الدكتور محسن مهاجرنيا بالحاضرين، وأشاد بأسبوع البحث، ومع إشارته إلى آثار الدكتور فراتي الكثيرة وخلفيته البحثية في التحليل السياقي للفكر السياسي النجفي، عدّه من الخبراء البارزين في دراسات حوزة النجف.

في سياق الجلسة، قدّم الدكتور فراتي تقريراً عن بحثه الجديد، وأكّد على ضرورة فهم سياقي للفكر السياسي لفقهاء النجف. نقد النهج النصّي السائد في حوزة قم وقال: «الكتّاب الإيرانيون عادةً فهموا النصّ دون فهم السياق، ووصلوا إلى رواية فوق تاريخية وفوق نصّية لأبواب الفقه».

عضو مجموعة فقه السياسة والعلاقات الدولية شرح أن تحليل فكر فقهاء النجف دون الالتفات إلى الظروف التاريخية والاجتماعية واللغوية لإنتاج النصوص يؤدي إلى تفسيرات خاطئة. أعطى مثالاً لهذا الخطأ في التفسيرات السائدة عن رأي آية الله الخوئي وأضاف: «القول بأن السيد الخوئي مؤيّد للزعامة السياسية للفقهاء ناتج عن فهم النصّ دون الالتفات إلى الإطار والسياقات التاريخية».

برأيه، كثير من مواقف آية الله الخوئي في فترة الانتفاضة الشعبانية كانت ردود فعل طارئة على الظروف الحرجة في العراق، ولا يمكن اعتبارها نظرية سياسية دائمة له.

جزء مهم من عرض الدكتور فراتي خُصّص لبيان الدور التاريخي للآخوند الخراساني في تشكيل الهنجار السائد في حوزة النجف. مع إشارته إلى استمرار هذه الهيمنة من عصر المشروطية حتى الآن، أكّد: «جميع فقهاء النجف في ممرّ وضعه الآخوند الخراساني في هذه المدينة وتحوّل إلى هنجار معتاد».

فراتي في سياق عرض نتائجه العلمية شرح أن هذا الهنجار دفع فقهاء النجف نحو قبول نموذج «الدولة الشورائية» أو «الديمقراطية التوافقية»، وبعّدهم عن نظرية الدولة الشرعية أو الولاية السياسية للفقهاء. أضاف أن هذا التحوّل نتيجة مواجهة تاريخية للنجف مع مسألة الطائفية في العراق.

عدّ المقدّم تشكّل مفهوم «الدولة الوطنية» أهم إنجاز للتحوّل الفكري في النجف. شرح أن هذه الدولة ليست دولة شرعية قائمة على ولاية الفقهاء، ولا دولة علمانية، بل دولة فيها: تُفوَّض الولاية السياسية إلى الشعب تُراعى الثوابت الشرعية تُحفظ الإشراف العالي للمرجعية

أكّد الدكتور فراتي أن هذا النموذج ردّ على الأزمة التاريخية للطائفية في العراق، وكثير من فقهاء النجف يرونه الطريق الوحيد للخروج من الوضع الحالي.

في نهاية الجلسة، أكّد الدكتور فراتي – مع إشارته إلى نتائج حواراته مع فقهاء النجف المعاصرين – أنهم اليوم وصلوا إلى فهم أدقّ للدولة الحديثة. شرح أن كثيراً من فقهاء النجف، في مقام الهوية الاجتماعية، يعرّفون أنفسهم أولاً «عراقيين»، وهذا التحوّل علامة على قبول عملي للدولة-الأمة في فكرهم.

برأيه، لعب هذا التحوّل الفكري دوراً مهماً في تسهيل تشكّل الدولة المدنية في العراق، ويظهر أن حوزة النجف – مع عدم حضورها المباشر في السلطة – اكتسبت فهماً عميقاً لتحوّلات الدولة في العصر الجديد.

Source: External Source