ملحوظة: من التحديات التي تواجه حل المسائل الفقهية الناشئة حديثا هو إمكانية أو استحالة الالتزام بتطبيقات وعموميات الشريعة. والسؤال هل يمكن اعتبار المصطلحات والعموميات الصادرة في زمن الشرع تشير إلى حوادث جديدة أم لا؟ للإجابة على هذا السؤال تحدثنا مع حجة الإسلام والمسلمين مصطفى دري، الأستاذ الرفيع المستوى في حوزة قم العلمية. له مؤلفات عديدة في مجال الفقه الناشئ، مثل مجموعة “فقه الإدارة الحضرية” و”فقه الطعام” المؤلفة من سبعة مجلدات، والعديد من المقالات المتعلقة بالمسائل الناشئة، إلى جانب مسؤوليته في معهد البحوث الفقهية المعاصرة. هو واحد من أفضل الاساتذة لمناقشة هذه المسألة٠ إليكم فيما يلي تفاصيل الحوار مع نائب رئيس معهد البحوث الفقهية المعاصرة؛
بما أن كلام العقل عادة ما يكون ذاتيا ولا ينطبق على عامة الناس، فكيف يمكن تطبيق الكلام الصادر عن الشرع على عامة الناس؟
السيد دري: منطقيًا، لدى البعض تعبيرات عملية ولفظية. أما إذا كان حسب العقل، إذا قالوا شيئًا ما، فغالبًا ما يكون ذلك بلؤم. مثلا تقول لي مسموح لي أن أخرج من الباب وأنا أقول من فضلك. هذا لا يعني أنه لا بأس بكسر الباب! ومثال ذلك شرعا أن الكلب إذا اصطاد حيوانا كان حلالا، ولكن هذا لا يعني أن المكان الذي تم فيه عض الحيوان فالحيوان أيضا نظيف، لأن عدم وجود مشاكل تكون فقط من حيث الصيد، وليس نجاسة وطهارة مكان العض٠
فعلى سبيل المثال، إذا تم طرح سؤال هل يمكن الزواج من ابنة عم وكان الجواب: نعم يمكن الزواج، فهذا لا يعني أنه يمكن الزواج بدون صيغة العقد، ولكن لا توجد مشكلة، في حيث أن هذين لا يحرمان إلى الأبد٠
هل لدينا مورد كلامي حيثي، لكنه اعتبر حيث فقط؟
السيد دري: نعم “أحل الله البيع وحرم الربا”. أحل الله البيع في المقابل حرم الربا، أي أن البيع ليس مثل الربا، وهكذا تستمر هذه الآية. كيف يستخدم الفقهاء هذه الآية؟ كلما شككنا في حل أمر ما نقول أحل الله البيع. بينما كانت هذه الآية مجرد تعبير عن حل البيع ضد حرمة الربا، ولكن تم استخدام تطبيقه٠
كما نرى، في طبيعة الشريعة المقدسة، فإننا نفترض أن أحكام الشرع هي نفس العرف، والشريعة لا تستخدم طريقة مختلفة عن الطريقة المعتادة. (لأنه إذا تكلم الشرع بطريقة مختلفة فإنه لا ينطبق على ذلك “القول” وبالتالي يصبح مثالا على قبح العقاب بلا بيان) ولذلك فإن الشريعة تستخدم الطريقة العرفية. وفكريا أغلب كلامهم صحيح. فعلى سبيل المثال، عندما نقول اذهب، تعال، افعل هذا و… كل هذا بمعنى أننا نتحدث عنه، ولذلك يقال أن المعنى الحرفي له نفس معنى ظهور الموقف. لكن إطلاق المقام هو أمر إضافي له القدرة على التعبير عن جميع العقود والشروط ويشمل جميع الجوانب وبالتالي له الجدارة. وإن تطبيق الحالة أمر غريب ونادرًا ما يحدث ذلك. ومثال ذلك إذا قلت في الدرس أنني أريد أن أخبركم بجميع مجالات الشريعة دون قيد أو شرط. هذه حادثة نادرة ونادرًا ما يحدث أن تكون محادثاتنا غير حيثية. والدليل هو أن إطلاق المقام يحتاج إلى احراز المقام على حدة٠
إذا أردت أن أجيب على السؤال بجملة واحدة أقول: لأن منهج الجميع عقلاني، والشريعة ليس لها منهج في الفهم غير المنهج العقلي، فنحن نؤمن بصحة الشريعة في جميع الأحكام من الشريعة. و قد يظن البعض أننا نقول هذا فخر يعني أن استخدام الألفاظ الشرعية محدود، وهو ما ينبغي أن يقال، هل استخدام الألفاظ العقلانية محدود؟
اما في كتاب الصلاة فقد أصر الفقهاء على إقامة الصلاة في حالة الشك في خصوصيتها وشروطها، وذلك مع أن إقامة الصلاة تشرف على وجوب الصلاة ولا علاقة لها باجزاء الصلاة. كل هذه الأمور حيثية٠
أود أن أقول إنه أينما كنت تعتقد أن لديك طلبًا مشروطًا، فهو لا يشمل حالة واحدة. والحقيقة أن ما تحمله الكلمة هو معنى كلامنا الذي يتضمنه، ولا يمكن تطبيق الإرادة عليه، فيسمى حيثي٠
عندما نقول “اقيموا الصلاة وآتوا الزكاة” لا يهمنا ما هي مكوناتها؟
ورأيي أن الفقهاء لم ينتبهوا إلى أن جوهر الألفاظ هو كيفيته
. ولعله لوضوح الأمر لم ينتبه إليه الفقهاء
السيد دري: أنت تبرر كلام الفقهاء بطريقة غير تقليدية. فعلى سبيل المثال، ورد في آية اوفوا بالعقود وجوب الإخلاص في العقد، بينما استخدم الفقهاء تطبيقها أيضًا في حالات الشك في مشروعية العقد٠
هل النصوص الدينية تشير إلى الأزمنة المستقبلية أم أنها تاريخية وترتبط بأحوال عصره الزمانية والمكانية؟
السيد دري: هناك طريقتان للتحدث. هناك زمن يحدد فيه الشارع المقدس عنوانا آلان مثلا جديدا في زمانه، كان عنوانا عاما وجد في القديم، مثلا المركب الذي كان حيوانا في ذلك الوقت، لكن في الوقت الحاضر تعتبر السيارات والدراجات النارية والدراجات الهوائية أمثلة بدلا على ذلك٠
لقد جاء وقت تعبر فيه الشريعة عن المصلحة والمفسدة، بمعنى أن المصلحة والمفسدة، اللتان كانتا لهما سوابق في الماضي، وجدت لها الآن سوابق جديدة. أقول إنه ليس أمامنا في الأمرين إلا التمسك بمقاصد الشريعة. على سبيل المثال، تقول الشريعة إن من كرامات الرجل أن يكون حسن الخلق. وفي ذلك الوقت كان يمكنك ان تقتل عدد قليل من الناس بحصان؛ ولكن الآن يمكنك تدمير مدينة قنبلة بالكامل. ومن الواضح في هذه الحالات أن الأمثلة الجديدة لا تغير المصلحة والمفسدة٠
يمكن أن تقول، كيف يمكن أن يشار الى مثل هذا الشيء؟ نحن نقول: إن مثل هذا لا يثبت إلا بالتزام مقاصد الشرع. ولو قلتم أننا لا نقبل مقاصد الشرع لسبب (لأن مقاصد الشرع تناقش أسباب الحج والعمرة بحيث إذا وصلنا إلى مصلحة واجبة كان حكمها واجباً). وإذا وصلنا إلى منكر واجب فحكمه يكون مقدسا)، لا يمكنك التنازل عن مقاصد الشريعة في حالات مخالفة النصوص وفهم تطبيق النصوص فيما يتعلق بالأمثلة الجديدة٠
ما المانع من إدراج بند ثم فصل ذلك البند بسبب آخر أو حكم منفصل أو إلغاء؟ فمثلاً في حالة أسلحة الدمار الشامل، نصر على حرمة قتل النساء والأطفال والشيوخ، ولانعطي جوازها. جيد، ماذا تحتاج لاستخدام مقاصد الشريعة في هذه الحالات؟
السيد دري: هذه هي الطريقة الخاطئة. ومن الخطأ القول بأن التطبيق يشمل تلك الحالات الجديدة ومن ثم تعيين عمومية المنع بمساعدة ذلك التطبيق، لأن هذا التعريف ناقص في التعبير ولا يشمله. و إن ما تقوله هو باطل. يعني أن هناك سبباً عاماً، وبالتالي فإن عموميته مختلة. أقول إنه من منطلق الالتزام بمقاصد الشرع، فإن الشرع لا يمكن أن يلتزم بهذه الكلمة ولو لثانية واحدة٠
كما ترى فإن مقاصد الشريعة لها طرق تم اكتشافها، مثل سيرة العقل وحكم العقل وغيرها من النصوص ذات الصلة. لكني أقول إنه ولو لثانية واحدة، لا يمكن للشريعة أن تلتزم بهذا الموضوع٠
وعلى هذا فإن الآية “من رباط الخل” لا تشمل أسلحة الدمار الشامل إلا في حالتين: إحداهما عند ذكر السبب، والثانية عند انتهاك هذا اللقب بمساعدة مقاصد الشريعة٠
وهذا رأيك في وجوب التحقق من المعنى لفظاً يعتمد على إيجابية المعنى، أما إذا كان الطلب سلبيا ولم يكن هناك تعبير عن الاشتراط أو لم يكن هناك تعبير عن عدم الاشتراط، فلا حاجة إلى إثبات هذه الحالة٠
السيد دري: لا على الإطلاق. ولا فرق بين أن تكون المرجعية معدومة أو وجودية، في أنه لا بد من التحقق منها في صفة التعبير. واما أمثال آية الله السيستاني لا يقبل حتى في الأحاديث أن يكون التطبيق في نفس الزمن للرواية منتهياً أيضاً بالنسبة إلى الفرضيات التقليدية في نفس ذلك الزمن، ناهيك عن الأمثلة الجديدة في عصرنا٠
أود أن أسأل، ما هي الطريقة التي تعتقد بها أن الحكم لا يمكن أن يمتد إلى أشخاص آخرين؟ حيث أن كلامك أن الشرع نص على هذا الحكم ورأى فيه بعض الخصائص وأعطى هذا الحكم في تلك الخصائص؟ وكذلك عندما يتحدث عن مثال بصيغة المضارع، فهو لا يشير إلى افتراضاته المستقبلية٠
بمعنى آخر، أمامنا مسألتان: الأولى أن نرى ما هي شروط التقديم ، والأخرى أن نرى ما هو التطبيق نفسه. وشرط تدفق التطبيق هو في موضع التعبير ويجب أن يكون وجودياً أيضاً. لكن ما هو الاطلاق نفسه، سواء كان نفي الظرف أو عدمه، لا يشكل فرقا في حالته. فمن يقول: التطبيق معدوم، يقول شرطه التوكيد في موضع الوجود، ومن اعتبر التطبيق وجوديا يقول: شرطه في مقام بيانه٠
وهل يمكن التأكد من عمومية الحكم في الأحاديث أم أن ذلك يعتمد على ظروف السائل أو على الأقل الموجودين وقت صدوره؟
السيد دري: في التقاليد التعليمية، إذا تم طرح عنوان وأعطينا إمكانية وجود اختلاف حاكم بين الأمثلة الجديدة والأمثلة التقليدية، فلا يمكننا الالتزام بتطبيقه. وكذا في روايات الأفتاء، لأن لها مثالا محدودا. وفي روايات أفتائية، حتى الأمثلة التقليدية لذلك الوقت لا يؤخذ بعين الاعتبار؛ ولكن يتم النظر في هذا السؤال فقط٠
فهل أحاديث من قبيل “حلال محمد حلال إلى يوم القيامة” تعني وجود الصواب أصالة العموم و أصالة الاطلاق في الأحاديث؟
السيد دري: لا، ليس كذلك. كل جملة لها موضوع. فمثلاً، لا يصح أمر النساء بالاستبراء، أو منع امرأة عمرها 80 عاماً من الذهاب إلى المسجد بسبب حيضها، لا يصح، لأن مسألة الحيض في الأساس لا تتحقق فيها. فهذه الأحاديث تقول إن هذا الحكم بهذا الموضوع يبقى إلى الأبد، ولكن الخبر أنه في كثير من الأحوال يضيع موضوع الحكم. فمثلاً يقال أن من محددات المسألة شروط زمان ومكان صدور النص، وهي لم تعد متوافرة في الوقت الحاضر، وبالتالي فإن نفي الحكم في الوقت الحاضر لا يخالف هذه الشروط. بل تلك الأحكام السابقة ما زالت مع موضوعها السابق؛ لكن في الوقت الحاضر، يُزعم أن القضايا تغيرت بشكل جذري٠
اما قولك هذا مخالف للظاهر، والمقصود من رواية الأصل الشرعي أن الشريعة الموضوعة إلى يوم القيامة واحدة لا تنسخ. نعم قد يتغير موضوع الحكم، وهذا لا يعني إلغاء الحكم والتشريع٠
السيد دري: هل النبي صلى الله عليه و آله يعبر عن الحكم بدون موضوع؟ لا الحكم بالتأكيد له موضوع وقد يكون الموضوع قد تغير. ولا يقول المفكرون الجدد إنه يجب تغيير الحكم بنفس المسألة القديمة، بل يزعمون أن موضوع الحكم قد تغير. فمثلاً يقول القرآن: “وقالوا الذين يالونكم من الكفار” أي اقتلوا من هو أقرب إليكم في المعركة. لماذا نقاتل ضد أمريكا؟ أرمينيا أقرب إلينا. لماذا لا نقاتلهم وفق هذه الآية؟ في ذلك الوقت، ولأن الحروب كانت وجهاً لوجه، كلما كانت أقرب، كانت أكثر خطورة، لكن لا خطر من القرب والبعد؛ بل إلى القوة العسكرية. طيب الآن تم نسخ الآية؟ لا، في المعارك القريبة لا يزال يتعين عليك ضرب أقرب عدو. وموضوع هذه الآية هو القتال بالأيدي ولم يتم نسخها بعد. لكن الموضوع فقط هو الذي تغير٠
أنا أقول إن “حلال محمد حلال إلى يوم القيامة” ليس له قيود وهو صحيح، ولكن مع وحدة الموضوع٠
هذا المقال جزء من ملف “الأدلة الجديدة في الفقه المعاصر” وسيتم إعدادها ونشرها بالتعاون مع شبكة الاجتهاد.