الأستاذ حسين أدبي

إذا كان الأمن، وهو حق المواطنين المسلمين غير القابل للتصرف في حكومة إسلامية، يتعارض مع حق المواطنين من أتباع الديانات الأخرى في الحرية، فأيهما يأتي أولاً؟ في التصور الأول، يفرض العقل إعطاء الأولوية للمواطنين المتحالفين مع الحكومة الإسلامية في مجالي الثقافة والدين، ويجب التغاضي عن حرية الآخرين. وهذا مبدأ عقلاني متبع في جميع حكومات العالم. ولكن إذا نظرنا عن كثب إلى طريقة الحكم ومواجهة المخاطر المختلفة مقارنة بالحكومة الإسلامية، فسنجد تعقيدات تجعل الإجابة الأولية مشكوك فيها وصعبة للغاية٠

ملاحظة: اوجدت أعمال الشغب التي شهدتها إيران العام الماضي تحديًا مهمًا للباحثين في فقه حقوق المواطنة. وضرورة الالتزام بالحجاب من أجل ايجاد بيئة نظيفة وصحية في المجتمع أو السماح بعدم ارتداء الحجاب، وهو ما يدخل في حقوق المواطنة. ويحاول حجة الإسلام والمسلمين حسين أدابي، في هذه المذكرة الخاصة أن يتناول الأبعاد والجوانب المختلفة لهذه المسألة٠

اولا كقاعدة عامة، كل حكومة تأتي للعمل في إقليم جغرافي لها الحق العقلاني في تحديد الثقافة والدين الذي يحكم المجتمع. ومن الواضح أن الثقافة المرغوبة لها أتباعها، وهناك دائما من لا يدخل في إطار الدين الحاكم وأوامره وقوانينه. في الأساس، على مر التاريخ، لم تكن هناك حكومة موحدة ذات فكر ثقافي وديني. وان الحكومات ملزمة بتوفير الحقوق لمواطنيها، بما في ذلك الحق في الأمن والحرية والرخاء والتوزيع العادل للثروة. والحكومة الإسلامية ليست استثناءً من هذه القاعدة، لكن المهم هو أنه في الصراع بين الحقوق المذكورة لفئات مختلفة من المواطنين الذين يعيشون في منطقة إسلامية، ما هي مجموعة المواطنين التي لها الأولوية؟

فعلى سبيل المثال، إذا كان الأمن هو حق غير قابل للتصرف للمواطنين المسلمين في حكومة إسلامية، يتعارض مع حق المواطنين من الديانات الأخرى في الحرية، فأيهما يأتي أولاً؟ في التصور الأول، يفرض العقل إعطاء الأولوية للمواطنين المتحالفين مع الحكومة الإسلامية، في الثقافة والدين، ويجب التغاضي عن حرية الآخرين. وهذا مبدأ عقلاني متبع في جميع حكومات العالم. ولكن إذا نظرنا عن كثب إلى طريقة الحكم ومواجهة المخاطر المختلفة مقارنة بالحكومة الإسلامية، فسنجد تعقيدات تجعل الإجابة الأولى مشكوك فيها وصعبة٠

اما في الحرب الثقافية بين جبهة الكفر والأنظمة الإسلامية، تستخدم الجبهة المقابلة أي وسيلة لمهاجمة النظام الإسلامي. وتُستخدم هذه الأدوات لتقويض ثقة الجمهور بالحكومة إلى حد أن ليس فقط المواطنين الذين يعارضونها، لكن أيضًا المواطنين الذين يدعمون الحكومة الإسلامية يفقدون الثقة فيها ويتوقفون عن الوقوف معها٠

لناخذ مثالا آخرا، فإن في الوضع الحالي للمجتمع الإسلامي في إيران، عندما أصبحت قضية الحجاب مهمة، تضرر الأمن الأخلاقي الذي يقصده المسؤولون ولم يتم توفير الأساس لخلع الحجاب فحسب، بل تم توفير حجاب أكثر. كما سبب ضياع للناس، وفي هذه الأثناء تعرض المواطنون الملتزمون بالحجاب والحياء العام، والذين يشكلون أيضاً أغلبية المجتمع، لخطر انعدام الأمن الأخلاقي. وقد دخل المجتمع في حالة من الفوضى على يد بعض الاشخاص، ويبدو أن الحكومة الإسلامية تراجعت عن مواقفها الأخلاقية والدينية لاعتبارات خاصة في خوض هذه الحرب المشتركة٠

وقد وفّر هذا التراجع وهم انتصار الجبهة المقابلة في المواطنين المخالفين والمعارضين وجعلهم يشجعون على المزيد من الجرأة. فالأسر المرتبطة دينيا، والتي كان ينبغي توفير الأمن لها في الأولوية الأولى، تواجه الآن انعدام الأمن الأخلاقي لنفسها ولأفراد أسرها. ولم يعد هناك أمن كامل في الأماكن العامة للمواطنين الذين يرتدون الحجاب، كما كان الحال في الماضي، ولم يعد أطفال الأسر الدينية محصنين ضد الدعارة غير الأخلاقية التي يمارسها البعض في المجتمع، وانتهك حقهم في الأمن الأخلاقي٠

فمن جانب، يجب على الحكومة تهدئة أوضاع المجتمع للتعامل مع الحرب المشتركة الشاملة، ومن ناحية أخرى، توفير حقوق المواطنة للمواطنين الملتزمين بالقوانين الدينية. ويجب أن يكون لدى فقه الحكم في مثل هذه الحالات بروتوكول محدد للتعامل معه حتى لا يتفاجأ. لكن للأسف، كانت تصرفات وردود أفعال المجموعات المسؤولة في هذا المجال سلبية للغاية، ولم يتم وضع أي أساس فقهي للرد عليها٠

كان يرتبط التعامل المناسب مع هذه الأحداث بالفقه الأمني من جهة، وفقه الدفاع السلبي من جهة أخرى، وكل ذلك يجب تقنينه على أساس مبادئ فقه الحكم. ان هذه الأساسيات لا وجود لها في فقهنا الحالي. ولا يقصد بالأساسيات المبادئ الأساسية للفقه، بل القواعد الفقهية الحكومية المناسبة التي يجب استخدامها في مثل هذه المواقف٠

فعلى سبيل المثال لا ينبغي للفقه الحكومي أن يكتفي باستخدام قاعدة الأولوية فحسب، بل ينبغي أيضاً أن يوضح مؤشرات الأولوية في نطاق الحكومة ومع متطلباتها، وإلا فإن مثل هذه الصراعات التي لا تندر بين مواطني الحكومات بما فيها الدول الإسلامية الحكومة، ستزداد يومًا بعد يوم وتتسبب في عدم الثقة، فهي تقدم الحكومة الإسلامية والفقه كتعليمات حالية في الحكومة. ويرجع تجميع القواعد المناسبة إلى الاختلافات الجوهرية بين فقه الأفراد وفقه الحكم٠

اضافة إلى ذلك، ينبغي أيضًا الإجابة على هذه الأسئلة البنيوية. مثلا هل يجب على الحكومة الإسلامية أن تكون متسامحة بشكل أساسي مع المجتمع من حيث الفقه؟ فهل يعني هذا التسامح في تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية؟ إذا تم قبول مثل هذا البيان، ما هو مستوى التسامح المستخدم في المجتمع؟ فكيف يتم حساب حق المواطنين في الالتزام بأحكام الشريعة التي طغى على أمنها الأخلاقي؟ فإذا نظمت المعارضة في بعض الحالات تجمعا للتعبير عن معارضتها ثم تحول هذا التجمع إلى أعمال عنف، فكيف سيتم حساب حقوق المواطنة لرجال الأعمال الذين تم إغلاق محلاتهم أو تهديدها من قبل مثيري الشغب؟ يوجد هناك عشرات الأمثلة على هذه الأسئلة، لكن ما لم يكن هناك أساس واضح في هذا المجال، فلا يمكن القيام بعملية للأحكام الاجتماعية والثقافية للمجتمع وتقديم تعليم شامل٠

فعلى هذا قد يكون من الأفضل القول إنه في الوضع الحالي يجب على فقهاء الحكومة الإسلامية بذل المزيد من الجهود لتوفير الأسس العلمية لفقه الحكم حتى يمكن تقنين طريقة الحكم الإسلامي على أساسها والتغلب على التحديات الحالية٠

هذا المقال جزء من المجلة الإلكترونية “أساسيات فقه الحقوق المدنية” التي تصدر بالتعاون مع موقع شبكة الاجتهاد.