بما أن فقه الفن لم يناقش حتى الآن باعتباره فصلاً فقهياً، فإن عناوين فصوله غير معروفة أيضاً. وفي الوقت نفسه، ورغم الاقتراحات المختلفة لعناوين هذا الفصل الفقهي، فإنه نظراً لحداثة هذا الفصل الفقهي، لا يزال هناك اتفاق واضح عليه بين اخصائي فقه الفن٠
مع ذلك، أياً كان التقسيم الذي يُنظر فيه إلى فقه الفن، فإن أحد عناوينه، أو بعبارات أكثر تحفظاً، على الأقل أحد الموضوعات التي سيتناولها هذا الفصل الفقهي بجدية وتوسع، هو “فقه الدراما٠”
لكن الدراما مصطلح ذو وجهين. من ناحية، يمكن اعتبارها تعني “العرض للمشاهدة”، وفي هذه الحالة لم تعد حكراً على السينما والمسرح، بل تشمل كل ما يمكن عرضه، حتى لو كان ذلك الشيء فناً كالموسيقى والرسم والنحت وغيرها. ويبدو أن هذا المعنى من “العرض” أكثر ملاءمة لفقه الإعلام منه لفقه الفن؛ لأن فقه الإعلام هو الذي يركز على نقل الرسالة وبالتالي فإن العرض سيكون مهماً له بشكل مضاعف٠
من ناحية أخرى، يمكن اعتبار العرض يعني “الفنون المسرحية”؛ الفنون التي تشمل المسرح والتلفزيون والسينما والتي ينصب تركيزها على الفن نفسه وليس على “عرضه”؛ وبالتالي، إذا لم يتم عرض فيلم أو مسرح أو تقديمه في مسرح، فإنه لا يزال “عرضًا”، حتى لو لم يتم عرضه٠
مرة أخرى، فإن معنى “العرض” في هذه المجلة هو أيضًا معناه الفني، أي الفنون المسرحية؛ فنون من الأهمية بحيث لها نصيبان بين الفنون السبعة (المسرح والسينما) ووسائطها أيضاً، أي العرض٠
تحاول مجلة “فقه العرض” أن تقدم مقالات في هذا العنوان المشترك “فقه الفن” و”فقه الإعلام”، مقالات تتناول في الغالب الجوانب الأقل تغطية في فقه العرض، وحجمها بحجم مجلة إلكترونية٠
في هذه المجلة ناقشنا أولاً طبيعة ونطاق فقه الأداء. وإضافة كلمة “فقه” إلى بداية كلمة “أداء”، كما ورد مراراً وتكراراً في هذه المقالة، لا يعني إطلاقاً أننا نعتبر “فقه الأداء” فصلاً فقهياً. بل إنه في الوقت الحاضر ومع حجم الأعداد التي يحتويها، من الواضح أنه لا يمكن اعتباره فصلاً فقهياً، بل هو مجرد عنوان لفصل فقهي. لذلك إن فقه الأداء بطبيعة الحال، حيث يتناول فئة الأداء نفسه، يندرج تحت فقه الفن، وحيث يتناول تقديمه (=العرض) فإنه يندرج تحت الفئة الفرعية لفقه الإعلام. ولكن على أية حال، من الضروري توضيح معنى هذه الكلمة ونطاق قضاياها٠
بعد ذلك، تناولنا تحديات فقه الأداء. وتتعلق هذه التحديات في الغالب بالتحديات بين المؤدين والفقهاء؛ وهي التحديات التي تحظى بحجم أكبر من الموضوعات الأخرى في فقه الأداء، وذلك بسبب التأثير الكبير للفنون المسرحية واستخدامها لمجالات فنية أخرى، مثل الموسيقى٠
تواصل مجلة “فقه الدراما” تحليل خمس قضايا في فقه الأداء، والتي على الرغم من ارتباطها بكل من فقه الفن وفقه الإعلام، إلا أن جانبها الإعلامي يزداد في بعض الحالات٠
القضية الأولى هي “عرض الرجال العراة وشبه العراة في وسائل الإعلام”. وهذه القضية مهمة لأنه في فئة الحجاب، تم إيلاء المزيد من الاهتمام لحجاب المرأة، وتم إيلاء اهتمام أقل للحجاب الضروري للرجال. ولكن هنا ينصب التركيز على حد وجوب الحجاب للرجال، والأهم من ذلك حكم إظهار الرجال الذين لا يلتزمون بهذا الحجاب أو يكتفون بوجوبه. وفي هذه المسألة وأربع مسائل أخرى نستعرض أولاً أهم آراء الفقهاء في هذه المسألة، ثم نتناولها في مناقشتين وملاحظة من زوايا مختلفة٠
المسألة الثانية هي “التشبه بالجنس الآخر في الأفلام والمسرحيات”. وهذه المسألة محل اهتمام من الناحية الفقهية، من حيث الروايات التي تحرم التشبه بالجنس الآخر، ومن الناحية الفنية، فقد كان تحدياً للمجتمع الفني لسنوات أن يقرر هل يمنح جائزة أفضل ممثلة لممثل قام بدور الجنس الآخر أم جائزة أفضل ممثل؟! ومع الجهود المبذولة لمساواة جوائز الجنسين في المهرجانات المرتبطة بالفنون المسرحية، ورغم أن هذا التحدي يتلاشى تدريجياً من المجتمع الفني، إلا أنه لا يزال قوياً في علم الفقه٠
المسألة الثالثة هي “إظهار النساء الإيرانيات وغير الإيرانيات غير المحجبات أو المحجبات”. ورغم أن مسألة حجاب المرأة لها تاريخ طويل، إلا أن حكم “إظهاره” ليس له سابقة كبيرة. ومن ناحية أخرى، وكما يتضح من عنوان المسألة، فإن هذه المسألة ليست خاصة بالنساء الإيرانيات أو المسلمات، بل إنها تبحث في المسألة بشكل عام٠
المسألة الرابعة هي “استخدام النساء للشعر المستعار أو الباروكة أمام الرجال”. ورغم أن استخدام الشعر المستعار له تاريخ طويل بين النساء والرجال على حد سواء، إلا أنه في الفنون المسرحية يُستخدم عادة لتقريب وجه الممثل من الدور. والسؤال الآن هو هل يجوز للنساء استخدام الشعر المستعار وعرضه على عامة الناس، رجالاً ونساءً٠
المسألة الأخيرة من الأعداد الخمسة تتناول “الفرق بين البث المباشر وغير المباشر في أحكام النظر”. والسبب في هذا السؤال هو فتاوى الفقهاء المعاصرين، الذين فرّق كثير منهم بين حكم النظر إلى البث المباشر وغير المباشر لصور غير المحارم٠
في دراسة هذه المسائل الخمس، كما جاء في افتتاحية العدد، نذكر أولاً آراء الفقهاء، ثم نتناول كل مسألة من هذه المسائل على شكل مناقشتين وملاحظة٠
المسألة الأخيرة التي نحاول أن نتناولها في كل المجلات الإلكترونية هي “البحث المستقبلي في فقه الدراما”. فما هي الأسئلة التي سيواجهها فقه الدراما في القرن القادم؟ وما العمل للإجابة على هذه الأسئلة؟ وبشكل عام، الجهود المبذولة لتحويل النهج الفقهي في هذا المجال من السلبي إلى الإيجابي٠
هذه المجلة هي نتاج تضافر جهود مركز الدراسات الفقهية المعاصرة، ومدرسة فقه الآداب، وموقع شبكة الاجتهاد. لذلك نرجو أن تنال قبول الاله الاحد، وأن ترضي الإمام المهدي (عليه السلام). آمين٠