بقلم السيد باقر محمدي

إن أحد أهم الاختلافات بيننا وبين الغرب هو في هذا القول للإمام علي أمير المؤمنين (ع)؛ لأن الغربيين لا يتحدثون إلا عن “حقوق” المواطنين، بينما يقول أمير المؤمنين (ع) إن للمواطنين حقوقاً وواجبات٠

ملحوظة: إن حقوق المواطنين من نتاج العالم الحديث وتعتبر شيئاً جديداً. ولكن الأحدث من ذلك هو “فقه حقوق المواطنين” الذي يناقش الشرعية الإلهية لهذه الحقوق. حجة الإسلام السيد باقر محمدي خريج قسم القانون الجنائي بجامعة المصطفى العالمية (ص) وهو حالياً نائب مدير التعليم في مدرسة الفقه في مشهد. وفي هذه المذكرة الشفوية يصف تفاصيل النهج الجديد في فقه حقوق المواطنين كالآتي؛

إن فقه الحقوق المدنية هو عنوان اخترعناه بأنفسنا، وما يسمى بالحقوق المدنية هو حقوق كثيرة حددت علاقتها بحقوق الإنسان أيضًا٠

الحقوق المدنية

إن الحقوق المدنية تختلف اختلافًا جوهريًا عن حقوق الإنسان، فالأخير يكتف بالنص على حقوق الإنسان دون تحديد الجانب الآخر؛ بل يقدمها فقط كحق يجب احترامه٠

لكن عندما يتعلق الأمر بالحقوق المدنية؛ فإن الجانب الآخر من هذا الحق واضح أيضًا، وهو الدولة والسيادة؛ لأن الدولة هي التي يجب أن تكون مسؤولة فعليًا عن هذه الحقوق وتحترمها٠

إن نطاق الحقوق المدنية واسع جدًا أيضًا؛ على سبيل المثال: الحق في الحياة، والحق في الكرامة الإنسانية والمساواة، والحق في جودة الحياة، والحق في البيئة الصحية، والحق في حرية الفكر والتعبير، والحق في الوصول إلى المعلومات، والحق في الخصوصية، والحق في الاقتصاد الشفاف والتنافسي، والحق في العمل، والحق في الرعاية الاجتماعية، والحق في التعليم، والحق في السلام، والحق في الأمن، والحق في السلطة الوطنية، إلخ٠

لقد نشأت هذه الحقوق في وقت كانت فيه المجتمعات على شكل دول المدن، وكانت هذه في الواقع حقوقًا للمواطنين في مواجهة الحكومات. ولكن في العصر الحالي حيث تكون الأنظمة السياسية عادةً على شكل دول قومية، لا يزال نفس المصطلح مستخدمًا؛ وبالتالي فإن هذه الحقوق لم تعد مقتصرة على سكان المدن، بل أصبحت ثابتة لكل من يعيش داخل الحدود الجغرافية لتلك الحكومة٠

فقه حقوق المواطن” أم “فقه وحقوق المواطن

النقطة هي أنه أولاً، هل يمكننا أن ننسب حقوق المواطنة بهذا التعريف والنطاق إلى الفقه ونقول “فقه حقوق المواطنة”؟

النقطة الأخرى هي، هل الحقوق هنا تعني القانون أم الامتياز؟

يبدو أن معنى الحقوق في مصطلح فقه حقوق المواطنة هو الحقوق بمعنى الامتياز، وبالتالي فإن فقه حقوق المواطنة يقف وراء فحص شرعية الامتيازات التي يتمتع بها الأفراد بحكم مواطنتهم٠

على النقيض من هذا النهج الذي يأخذ الحقوق من مكان آخر ثم يفحص شرعيتها في علم الفقه، هناك نهج ثانٍ يستخرج هذه الحقوق حتى من علم الفقه ومصادره، بدلاً من أخذها من مكان آخر وتقديمها كموضوع لمعرفة الفقه٠

بطبيعة الحال، النهج الحالي في العلوم الإنسانية وفي التفاعلات العامة مع القانون هو النهج الأول. قد يقال إن من يجمع بين “الفقه” و”الحقوق المدنية” ويستخدم مصطلح “الفقه والحقوق المدنية” يقصد النهج الأول٠

لكن إذا استخدمنا الفقه بالإضافة إلى الحقوق المدنية، فإن الحقوق هي مجموعة من الامتيازات ولا يوجد أي شرط لاستخراجها من مصادر غير دينية٠

قواعد خاصة في فقه الحقوق المدنية

قبل أن ندخل في مناقشة القواعد الخاصة في فقه الحقوق المدنية، من المناسب أن نتحدث عن طريقة وضع القواعد في فقه الحقوق المدنية٠

إن حقوق المواطنة في لمحة بسيطة وأولية تعني نفس الحقوق التي حددها الغربيون للمواطنين، وقواعدها الفقهية إما قواعد فقهية عامة كقاعدة عدم الإضرار، أو قواعد خاصة مثل “الحق في التمتع بعمل شريف” أو “قاعدة الاحترام” والتي تستنتج منها حقوق مثل حق الملكية، وحق السكن، وحق الخصوصية، وحق حرية الفكر والتعبير، وحق الحياة، وغيرها الكثير من الحقوق٠

لكن هنا يمكن طرح نهج ثانٍ أيضاً، وهو عدم اعتبار حقوق المواطنة أمراً مستورداً ومؤكداً؛ بل نستمد خصائصها أولاً من المصادر الفقهية، ثم نستخرج منها قواعدها الفقهية بالنظر إلى هذه الخصائص٠

فمثلاً نجد أن الخطبة 216 من نهج البلاغة للإمام علي(ع) مليئة بالموارد المتعلقة بحقوق المواطنة وإصدار الأحكام فيها. ففي هذه الخطبة يقسم الحقوق إلى قسمين: “حق الرعية على الحاكم” و”حق الحاكم على الرعية”[1]، أما في حقوق المواطنة فلا يذكر إلا القسم الأول. وإذا بحثنا عن كلمة “الرعية” أو “حق الرعية” في نهج البلاغة نجد من كلام الإمام علي أمير المؤمنين (ع) نقاطاً قيمة جداً فيما يتعلق بحقوق المواطنة٠

ومن أهم الاختلافات بيننا وبين الغرب ما يتعلق بهذا القول من أمير المؤمنين؛ لأن الغرب لا يتحدث إلا عن “حقوق” المواطنين، بينما المواطنون وفقاً لقول أمير المؤمنين (ع) لهم حقوق وعليهم واجبات٠

يعتبر وجود هذه الحقوق جعلا إلهياً؛ [2] بمعنى أن أصل جعل هذه الحقوق هو الإرادة الإلهية، هذا في حين أنه في بحث فلسفة حقوق المواطنة، حيث يتم مناقشة أصل هذه الحقوق، هناك مدارس فكرية مختلفة، فمنهم من يرى أن أصلها هو إرادة المشرع، ومنهم من يرى أنها شيء فطري طبيعي، ولكن هنا يرى أمير المؤمنين عليه السلام أن أصل خلق هذه الحقوق هو الإرادة الإلهية، وهذا أساس جديد٠

ثم يتحدث عن الشورى والتعاون مع الحاكم[3]، وعلى أساسها يمكن وضع قواعد مثل قاعدة “الشورى” وقاعدة “التعاون”. قاعدة الشورى تشير إلى أن المواطن ليس له حقوق فحسب، بل عليه واجبات مثل تقديم المشورة للحاكم٠

لذلك يبدو أن هذا النهج سوف يسبب تغييراً جذرياً في فقه حقوق المواطنة٠

[۱]. « فَأَعْظَمُ مِمَّا افْتَرَضَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى مِنْ تِلْكَ الْحُقُوقِ حَقُّ الْوَالِي عَلَى الرَّعِيَّةِ وَ حَقُّ الرَّعِيَّةِ عَلَى الْوَالِي‏»

[۲]. «فَرِيضَةٌ فَرَضَهَا اللَّهُ عَزَّوَجَلَّ لِكُلٍّ عَلَى كُلٍّ»

[۳]. «فَعَلَيْكُمْ بِالتَّنَاصُحِ فِي ذَلِكَ وَ حُسْنِ التَّعَاوُنِ عَلَيْه‏»

تشكل هذه المذكرة جزءاً من المجلة الإلكترونية “مبادئ فقه الحقوق المدنية” التي تم إصدارها بالتعاون مع موقع شبكة الاجتهاد.