حقوق المواطنة لا تعني حقوق المدينة، والمواطن لا يعني من يعيش في المدينة، وطبعاً سبب اختلاق هذا المصطلح هو أن تاريخ حقوق المواطنة يعود إلى اليونان القديمة، وهناك أيضاً استخدموا كلمة المدينة بدلاً من كلمة البلد، ولذلك استخدموا مصطلح حقوق المواطنة، وإلا فإن هذه الحقوق لا تعني الحقوق التي تقتصر على سكان المدن ويحرم منها سكان الريف والبدو٠
ملاحظة: السيد سيف الله صرامي هو أحد أقدم وأشهر علماء الفقه في الحوزة العلمية بقم. ولد سيف الله عام 1963 في بلدة خمين بإصفهان، وكان عضوًا في الهيئة الأكاديمية لمركز العلوم والثقافة لسنوات عديدة، كما كان مديرًا لمركز الفقه والقانون لعدة سنوات. بالإضافة إلى الفقه، فهو مهتم أيضًا بالقانون، وبالتالي، بالإضافة إلى النظر دائمًا في المقترحات القانونية في أبحاثه الفقهية، كان أيضًا عضوًا في المجلس العلمي لفقه حقوق المواطن في مركز الفقه المعاصر لبعض الوقت. فتحدثنا معه عن تحديات البحث في فقه حقوق المواطنين. وانتقد سماحته العديد من افتراضات أولئك الذين يسيئون استخدام حقوق المواطنين وعبر عن تحديات مهمة في هذا العلم الناشئ. تفاصيل محادثة خاصة مع عضو مجلس معاهد البحوث التابعة لمركز الفقه المعاصر هي كما يلي
ما هو فقه حقوق المواطنين؟
السيد صرامي: كلمة فقه حقوق المواطنة تتكون من جزأين: الأول فقه والثاني حقوق المواطنة. بطبيعة الحال، حقوق المواطنة هنا لا تعني علم القانون؛ بل تعني الحقوق، والحقوق هي مجموع الحقوق. هذه النقطة جديرة بالملاحظة لأن الحقوق لها معاني مختلفة؛ أحيانًا تعني علم القانون وأحيانًا تعني مجموع الحقوق. هنا، تعني مجموع الحقوق؛ أي الاعتراف بالحقوق التي يتمتع بها شخص ما كمواطن٠
بعبارة أخرى، حقوق المواطنة تعني حقوق المواطنين. المواطنون هم أشخاص يعيشون في بلد. ومعنى البلد واضح أيضًا. في القانون الحديث وفي عالمنا اليوم، تعني الدولة حكومة تحكم أشخاصًا من أعراق وجنسيات مختلفة؛ لكن لها حدود جغرافية محددة. هذه الدولة لديها حكومة وقوى مختلفة تمسك بالسلطة وهي مسؤولة عن إدارة البلاد. هذا هو معنى الدولة٠
تجدر الإشارة أيضًا إلى أن حقوق المواطنة لا تعني حقوق المدينة. إن معنى المواطن ليس من يعيش في المدينة، وسبب اختلاق هذا المصطلح بطبيعة الحال هو أن تاريخ حقوق المواطنة يعود إلى اليونان القديمة، حيث استخدموا هناك أيضاً كلمة مدينة بدلاً من كلمة بلد، ولذلك استخدموا مصطلح حقوق المواطنة، وإلا فإن هذه الحقوق لا تعني حقوقاً خاصة بسكان المدن، ويحرم منها القرويون والبدو٠
بالطبع، إن كون معنى المدينة ليس بلدًا لا يعني أن كل من يعيش في بلد ما يعتبر مواطنًا لتلك الدولة ويستفيد من حقوق المواطنة، ولكن الدول لها قوانين مختلفة في هذا الصدد.على سبيل المثال، في القانون الغربي القديم، قالوا إن المواطن هو من يدفع الضرائب للحكومة؛ وبالتالي فإن من يعيش في بلد ما ولكنه لا يدفع الضرائب لا يعتبر مواطنًا لتلك الدولة٠
هذا يعني أنه عندما يرتكب شخص ما في بلد ما بعض الجرائم، يحرمه القاضي من بعض حقوقه؛ مثلًا يقول ليس لك الحق في أن تتوظف في أي منصب، أو حتى إذا كنت موظفًا في مكتب، لا يمكنك العمل في ذلك المكتب لبضع سنوات، أو مثلًا ليس لك الحق في أن تُنتخب لمناصب حكومية مثل الرئاسة والتمثيل في البرلمان٠
نتيجة لذلك، حتى في القانون الحديث، فإن حقوق المواطنة مصحوبة بواجبات من جانب المواطنين؛ أي كما يتمتع مواطنو الدولة بالحقوق فإن عليهم واجبات في مقابلها، وإذا لم يؤدوا تلك الواجبات يحرموا من كل تلك الحقوق أو بعضها٠
بعد توضيح مفهوم حقوق المواطنة ننتقل إلى فهم مصطلح “فقه حقوق المواطنة”. ففقه حقوق المواطنة يعني دراسة الآراء الفقهية المتعلقة بهذه الحقوق؛ سواء كانت هذه الآراء تنعكس في آراء الفقهاء أو تندرج ضمن الفقه الاستنباطي؛ أي الفقه المبني على المصادر الصحيحة، القرآن والسنة والعقل والإجماع٠
ما هي متطلبات فقه حقوق المواطنة؟
السيد صرامي: متطلبات فقه حقوق المواطنة هي كما يلي؛
أولاً يجب أن يكون لدى الفقيه موضوع محدد.على سبيل المثال ماذا تعني حقوق المواطنة؟ ما المقصود بالحقوق وما هي الحقوق والحالات التي تشملها؟ ماذا تعني المواطنة؟ هذه كانت موضوعات عامة؛ ولكن فيما يتعلق بكل من هذه الحقوق ومعناها الدقيق يجب أن يكون هناك موضوع مستقل٠
النقطة الثانية هي أنه في استنباط قضايا فقه حقوق المواطنة يجب مراعاة قواعد الأصول والفقه ومتطلبات استنباط الحكم الفقهي ولا ينبغي أن يكون الأمر على هذا النحو بحيث نفترض؛ لأنه نقاش جديد وجاء من الخارج فلا داعي لتطبيق معايير معينة للاستنباط٠
على سبيل المثال، يعتقد الفقهاء والأصوليون أن مقاصد الشريعة مشكوك فيها. هنا لا يستطيع البعض أن يقول؛ لأن هذا نقاش جديد فلا مانع من استخدام المقاصد التي يفترض أنها غير صالحة٠
هل يمكن استخدام نموذج العبد والسيد لإجراء تحليل فقهي لقضايا حقوق المواطنة؟
السيد صرامي: لقد ظن البعض أن نموذج العبد والسيد كان موجوداً بين الناس في صدر الإسلام، ويعتقد هؤلاء أن أحكام الشريعة كانت مختلقة أيضاً على هذا الأساس٠
لكنني أرى أن هذا الظن غير صحيح ولم يثبت في أي علم٠
صحيح أنه في صدر الإسلام كان بيع وشراء العبيد والإماء أمراً شائعاً، وكان بعضهم سادة وبعضهم عبيداً، وكانت بينهم علاقات خاصة، ولكن هذا الزعم لا يثبت لا عقلاً ولا نقلاً أن أحكام الشريعة كانت أيضاً مقتصرة على مثل هذا السياق وصدرت لهذه الاجواء فقط٠
إن قبول هذا القول يستلزم أقوالاً أخرى لا يقبلها بعض أصحاب هذا الأساس، مثلاً يستلزم أن تكون أحكام الشريعة مناسبة لزمانها، وفي الخطوة التالية نقول: بما أن أحكام الشريعة كانت مناسبة لظروف زمانها، فإنها لم تعد صالحة للتطبيق اليوم، وهو ما لا يلتزم به كثير من أصحاب هذه النظرية بالتأكيد٠
هذا من باب الاستعلاء. ولكن إذا أردنا أن نناقش بشكل افتراضي ونبني النقاش على افتراض أن أحكام الشريعة صدرت بناءً على نموذج العبد والسيد فقط، فإن الجواب على سؤال “هل يمكن تحليل طروحات حقوق المواطنة بهذا النموذج؟” هو جواب إيجابي٠
بطبيعة الحال فإن معنى هذا الجواب الإيجابي هو أنه يمكن تصور حقوق المواطنة أيضاً بناءً على هذا النموذج الذي يقول بأن الله هو السيد والبشر عبيد؛ ولكن لا ينبغي لنا أن نتوقع أن تكون طروحات فقه حقوق المواطنة المبنية على هذا النموذج شبيهة تماماً بطروحات القانون الفرنسي والأمريكي والإنجليزي، المبنية على عدم عبودية الإنسان لله٠
يبدو أن مقدمة هذا السؤال هي أن طروحات حقوق المواطنة هي طروحات موجودة في قوانين هذه البلدان فقط، وإلا فإذا لم نحصر حقوق المواطنة في حقوق المواطنة الغربية فإن الجواب على هذا السؤال سيكون إيجابياً٠
هل يمكن تحليل طروحات فقه حقوق المواطنة على أساس تقسيم البشر إلى مسلمين وكفار؟
السيد صرامي: يبدو أن هناك تحيزاً في هذا السؤال أيضاً، والمقصود بحقوق المواطنة هي حقوق المواطنة المبنية على التفسير الغربي. ويبدو أن السائل يرى أن صحة هذه الطروحات مؤكدة، وعلى هذا الافتراض يطرح السؤال: هل يمكن الوصول إلى “النتائج نفسها” بتقسيم البشر إلى مسلمين وكفار؟ في حين أن مبدأ صحة طروحات حقوق المواطنة الغربية هو نقطة الخلاف الأولى٠
لكن إذا أردنا أن نجيب على هذا السؤال بتعاطف أكبر، فلابد أن نقول: نعم، يمكن تصوير حقوق المواطنة أيضًا على أساس هذا التقسيم، ولكن من الواضح أن هذا التقسيم، الذي هو من ضروريات ويقينيات الفقه، يؤثر بالتأكيد على حقوق الإنسان٠
على سبيل المثال، يمكن للمرأة غير المسلمة أن تتزوج رجلاً مسلمًا، ولكن الرجل غير المسلم، وفقًا لبعض الفتاوى، ليس له مثل هذا الحق. وليس لغير المسلمين ولاية على المسلمين، بل قد لا يكون لهم في بعض الحالات حتى الحق في الحياة، وقد يكونون عرضة للقتل٠
هنا قد يثار سؤال لماذا يوجد هذا الاختلاف بين حقوق المواطنين المسلمين وغير المسلمين ولماذا لا تكون حقوقهم متساوية مع أنهم يعيشون في نفس البلد ويدفعون الجزية والضرائب؟
المقصود هو ما ذكرته سابقا: حقوق المواطنة هي حقوق متبادلة، وبالتالي يتمتع المواطنون بالحقوق إذا التزموا بأحكام وقوانين معينة. وهنا يتضح أن غير المسلمين محرومون أيضا من بعض الحقوق لأنهم لا يلتزمون بأحكام وقوانين إسلامية معينة٠
بمعنى آخر، بما أن واجبات غير المسلمين والمسلمين مختلفة، فإن حقوقهم مختلفة أيضا٠
ما هي أهم التحديات التي تواجه البحث في فقه حقوق المواطنة؟
السيد صرامي: الجواب على هذا السؤال واضح من المادة السابقة. والتحدي المهم هو الموضوع، والذي يجب أن يتم بشكل دقيق، سواء في العموم أو في المناقشات العامة لحقوق المواطنة، أو بالتفصيل وفي كل من هذه الحقوق. فإن النقطة الثانية هي مراعاة أصول ومعايير عملية الاستنباط للوصول إلى قضايا حقوق المواطنة الإسلامية٠
كما أنه من الضروري عدم اعتبار حقوق المواطنة الغربية شرطاً لاستنباط قضايا فقه حقوق المواطنة، بل ينبغي أن نواصل المناقشة بحرية وحذر حول قواعد ومعايير الاستنباط٠
هذا الحوار جزء من المجلة الإلكترونية “أصول فقه حقوق المواطنة”، والتي تم إنتاجها بالتعاون مع موقع شبكة الاجتهاد٠