آية الله السيد مجتبى نور مفيدي في لقاء خاص مع مجلة الفقه المعاصر؛

آية الله السيد مجتبى نور مفيدي في لقاء خاص مع مجلة الفقه المعاصر؛

في المسألة المشهورة، وحسب القاعدة المشهورة، لا يشترط وقوع الأثر؛ أي لا يلزم إثبات وقوعه؛ إنما المقصود هو “احتمال الأثر”. لو كان المقصود هو الأثر نفسه، لوجدنا معايير، كالدليل أو ظاهر الحال، إلخ؛ أما إذا كان احتمال الأثر محل نظر، وكان الاحتمال مسألة ضميرية وشخصية، وتعلقت به الضرورة، فلا معنى للحديث عن معيار كمي٠

التأشیرة

إمكانية وقوع الأثر هي من الشروط المتفق عليها لوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ويقتصر البحث الفقهي لهذا الشرط عادةً على بيان أدلة وجوبه أو انتفاءه، وقل الحديث عن أبعاد إمكانية التأثير. وفي حوار مع آية الله السيد مجتبى نور مفيدي، أستاذ مادة خارج الفقه والأصول في حوزة قم، ناقشنا أبعاد هذا الشرط، وضرورة التكرار عند عدم وجود مؤثر نافذ، والمعنى الدقيق لإمكان التأثير، ومعايير تحديده كميًا. ويرى رئيس مركز الدراسات الفقهية المعاصرة أنه بالنظر إلى فتوى الفقهاء بكفاية “احتمال التأثير” في تحقق الشرط، فإنه لا يمكن تحديد معيار كمي له. فيما يلي حوارٌ خاصٌّ مُفصّلٌ بين هذا الأستاذ والباحث المُرموق في حوزة قمّ والفقه المعاصر؛

الفقه المعاصر: هل إمكان التأثير إمكانٌ عقليٌّ بمعنى أن يُنهي الفاعل عن فعله فورًا عند التحريم، أم أن إمكان التأثير قائمٌ مع مرور الزمن ومع كثرة التحريمات؟

السيد نور مفيدي: للإجابة على هذا السؤال، يجب أن ننظر إلى ما هو التأثير المُستند إلى دليل اشتراط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لإمكان التأثير؟ بمعنى آخر، ما هي طبيعة التأثير؟ هل يُقصد به التأثير المُنفّر أم أنه يشمل أيضًا تأثيرًا تدريجيًا؟ يُمكن أيضًا طرح هذا السؤال حول طبيعة التأثير من زاويةٍ أخرى، وهي: هل يشمل التأثير أيضًا تأخير المعصية أو تقليلها أو تحويلها؟

يمكن استخدام السبب العقلي لاحتمال التأثير الشرطي في صيغةٍ تعتمد على مسألة المعجمية، وهي أن نطاق التأثير واسع؛ لأنه إذا حدث التأثير حتى مع التكرار، لم تعد هناك حاجة إلى اللفظية وظلت خاضعة لحجج الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وبالطبع، لا نعتمد على اللفظية فقط، بل نسلم بأن تطبيقات الأمر بالمعروف تشمل جميع الفروض، ومع التقييد اللفظي الذي هو مسألة اللفظية، لا يُستبعد إلا افتراض علمنا بعدم وجود تأثير؛ ونتيجة لذلك، تبقى الفروض الأخرى، حتى لو كان التأثير تدريجيًا، ضمن تطبيقات الإلزام٠

بالطبع قد يقول قائل: إن الامتثال لواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتم بالقيام به مرة واحدة وبعد ذلك يبطل الإلزام حتى لو لم تحدث أمانة الشخص وغايته بعد، ولا تُستخدم حجج التكرار في الأساس. وهذا غير صحيح؛ لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هما الوسيلة إلى تحقيق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحتى يتحقق هذا التأثير لا يبطل الإلزام؛ لكن مثلاً إذا زال إمكان الأثر بأمر أو نهي واحد، ثبت بطلان الوجوب، أما إذا جاز أن يكون له أثر بالتكرار، وجب التكرار. وقد بيّن الإمام الراحل رحمه الله في كتابه تحرير الوسيلة وجوب التكرار في هذه الحالة٠

يمكن إثبات وجوب التكرار بالدليل العقلي على وجوب الأمر بالمعروف؛ إذ يعتمد الإمام الراحل رحمه الله، مثلاً، على وجوب منع تحقق منكر السيد عقلاً. ومن الواضح أنه لا فرق في هذا بين تحصيل هذه المسألة بأمر واحد أو بالتكرار أو غيره. وهذا كله بفرض أن التكرار والإصرار ليسا مفسدتين، كأن لا يُهددا نفس الآمر أو ينهيان عن شيء، وإلا فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يُعرض سمعة المعصية للخطر، فلا يجوز. ومن اللافت للنظر أنه في أبواب إمكانية التأثير في كتاب تحرير الوسيلة، وردت هذه المسألة أيضًا، وهي أنه إذا كان احتمال التأثير على غير العام متوقفًا على قوله له في العلن، فقد قال الإمام الراحل رحمه الله إنه لا يجوز، لضرورة حفظ سمعة المسلم٠

يتضح من أقوال الفقهاء أنهم يعتبرون دائرة تأثير الأمر والنهي واسعة من جوانب أخرى أيضًا. فعلى سبيل المثال، أوضحوا أن الأمر إذا لم يكن له تأثير مباشر، ولكن كان له تأثير إيجابي، فإنه يبقى واجبًا. وقد ذكر الإمام الراحل رحمه الله في كتاباته أن الأمر بالمعروف إذا لم يؤدِ إلى زوال المنكر تمامًا، بل أدى إلى تقليل المعصية أو حتى تأخيرها، فإنه يبقى واجبًا. وهذا يعني أن كبار العلماء يعتبرون التأثير ذا معنى أوسع. أو، على سبيل المثال، ذكر الفقهاء أنه إذا أدى تحريم المنكر إلى أن يصبح المنكر منكرًا أصغر، مثل تحريم القتل، فلا يقترف القتل بل يقترف السرقة، ففي هذه الحالة يبقى واجبًا. ومن الأمثلة الأخرى التي ذكرها الإمام الراحل رحمه الله أن تحريم سب القرآن الكريم لا يقترفه، بل يقترف سب كتاب مقدس آخر، وهو بطبيعة الحال أقل أهمية من القرآن الكريم؛ وهنا يكون وجوب تحريم المنكر ثابتًا، أما إذا أدى إلى إثم أكبر أو مساوي له، فلا يجوز٠

يمكن الاستفادة من جميع هذه الفروع من منطق عقلائي، ومن حديث: «وَ لْیَكُنْ أَحَدُكُمْ بِمَنْزِلَةِ الطَّبِيبِ الْمُدَاوِي إِنْ رَأَى مَوْضِعاً لِدَوَائِهِ وَ إِلَّا أَمْسَكَ.»سيؤثر في تأخيره أو تخفيفه، وهذا أمر عقلائي تمامًا. وينطبق الأمر نفسه على ما يستدعي التكرار. وقد ورد الأمر نفسه في أدلة رواة أخرى؛ فمثلاً، يمكن اعتبار مصطلح “التنبيه” أو “القبول” الوارد في الروايات مراتب: فمرتبته الكاملة هي “التنبيه” و”القبول” بالمعنى السلبي، ومن مراتبه “التنبيه” و”القبول”. وفي مسألة تخفيف المعصية وتأجيلها وتغييرها، ينطبق نوع من القبول والتنبيه أيضاً٠

إلا أن مسألة “الأمر بالمعروف” تتطلب دقةً ووضوحاً كبيرين، ويجب ترجيح جوانبها المختلفة حتى لا يقع ضررٌ بسوء أداء هذه الفريضة الإلهية المهمة. ففي فروع شرط احتمال التأثير في تحرير الوسيلة، ورد: “لو احتمل التأثير واحتمال تأثير الخلاف الظاهر عدم الوجوب”. إذا عُكِسَت إمكانية التأثير، على سبيل المثال، فقد يُعاند الطرف الآخر ويُسيء التصرف، أو حتى، كما يقول بعض العلماء، قد يُسبِّب أمرٌ معروفٌ، وإن لم يكن كذلك، كفراً وردةً للعاصي، فإن إمكانية هذا الأمر تُنفي الضرورة، وربما تُسبِّب في بعض الأحيان تحريم أمرٍ معروف. ليس المقصود أن يُقال كلامٌ واحدٌ أو أن تُؤخذ يدٌ بأمرٍ معروف، بل المسألة هي الاعتقال والعلاج والتأثير؛ لذا يجب استخدام أفضل الطرق وأكثرها فعالية٠

الفقه المعاصر: ما هي العناصر والمسائل التي يُمكن سردها لتحديد الشرط النوعي لـ “احتمال التأثير”؟

السيد نور مفيدي: هذا الأمر لا يتفق مع مبادئ الفقهاء في مسألة احتمال الأثر. مع العلم أنه في الفعل المعروف، وحسب القاعدة المعروفة، لا يشترط وقوع الأثر؛ أي أنه لا يلزم إثبات وقوع الفعل؛ وإنما المقصود هو “احتمال الأثر”. ولو كان الأمر يتعلق بالأثر نفسه، لذكرنا معايير، كالدليل أو ظهور الحاضر، إلخ؛ ولكن عندما يكون احتمال الأثر محل نظر، والاحتمال مسألة ضميرية وشخصية، ويتمحور الواجب حوله، فلا معنى للحديث عن معيار كمي. وقد أوضح الإمام الراحل رحمه الله في تحرير الوسيلة أنه إذا بُني الدليل على عدم وقوع الأثر، أي شهد شاهدان عادلان على عدم وقوع الفعل على هذا الشخص، فإن الواجب لا يبطل. والسبب في ذلك أن الدليل نفسه لا ينفي احتمال الضمير؛ لأن المعيار هو إمكانية التأثير، لا التأثير نفسه، والدليل ظني. لو كان المعيار هو التأثير، لأثبته الدليل، ولكن هنا يبدو أن الاحتمال ذو صلة، إلا إذا جلب الدليل اليقين أو الثقة للشخص بأن هذا أيضًا شخصي؛ لأن الدليل لا يُعتمد عليه عادةً٠

أما شرط الإصرار والاستمرار في المعصية، فالمسألة مختلفة تمامًا. هناك، يمكن وضع معايير؛ على سبيل المثال، يُقبل دليل الإصرار، وكذلك دليل الترك وعدم الاستمرار؛ أو اقترح البعض أنه عندما نشك في الإصرار، فإن ظهور حالة معينة يكون دليلاً؛ وأيضًا، إذا كانت للحالة سابقة معينة، على سبيل المثال، فإننا نعلم أن هناك نية للاستمرار ونشك في استمرار النية، فقد قال البعض إن الاستصحاب حال، ويعتقد البعض أن ظهور حالة معينة من ترك المعصية يسبق الاستصحاب. هذه المعايير ذات صلة في تلك الحالة، لأنه يمكن التحقق منها وليس هناك شك في الاحتمال هناك، والمسألة هي الإصرار نفسه. لكن لا شيء من هذه المعايير ذي صلة باحتمالية التأثير، لأنه في كل الأحوال، يُحدث الشخص أو الإمكانية الواعية تأثيرًا أو لا يُحدث تأثيرًا؛ فإذا أحدثت تأثيرًا، فلا يمكن لأي دليل أو معيار غير مؤكد أن يُلغي إمكانيته، وإذا لم تُحدث الإمكانية تأثيرًا، فلا شيء فيها مؤثر. المسألة الوحيدة هي مسألة غياب التأثير، والتي ليس لها معايير أو مقاييس محددة وهي شخصية تمامًا٠

فقط بناءً على أولئك الذين يعتبرون الشك في التأثير ضروريًا أو يقبلون الاحتمال بشرط عدم الشك في العكس، يمكن طرح بعض المعايير المفترضة مثل الأدلة أو ظهور الحاضر أو اعتراف الشخص نفسه بعدم التأثير، حتى لو لم تكن مفيدة أو مطمئنة٠