لقد عقد الملتقى الثاني “دور العقل في الفقه السياسي” يوم الأحد 10 يناير 2024 بمعهد الدراسات الفقهية المعاصرة. واعرب حجة الإسلام الدكتور محمود الشافعي في هذا اللقاء عن آرائه كمقدم نظريات.
بالإشارة إلى الفصل بين أنواع العقل الثلاثة، اعتبر العقل عقلا مستقلا، وهو العقل المنطقي، وخلص إلى أنه على هذا الأساس تسعى الشريعة إلى الحصول على أحكام الدين في إطار العقلانية. وأضاف أن معنى الشريعة في هذا السياق ليس تعاليم القرآن فقط، بل ما تضمنه اللوح المحفوظ، وحكم العقل هنا يعني فهم الحكم الشرعي، وليس أن العقل هو العقل بل هو المصدر المباشر للحكم.
أكد جنابه أن هذا العقل ليس مهماً جداً في إطار الفكر الشيعي، ومن الناحية الفلسفية أساساً، فان العقل هو حجة على الأمور العامة وليس على الأمور الخاصة، وبالتالي فإنه عملياً لا يمكن أن يخدم الفقه. وقد حدد السيد الشهيد محمد باقر الصدر على هذه المسألة في نصوص العلماء السابقين.
اما من وجهة نظر حجة الإسلام الشافعي، إذا جمعنا العقل مع خطاب المعتزلة، فقد يكون ذلك طريقًا لنا إلى الأمام. وأهم ما لوحظ في فكر المعتزلة هو أن المعتزلة يجمعون بين هذا التفكير الفلسفي والتجربة.
أما النوع الثاني من الذكاء الذي ذكره الدكتور الشفيعي فهو عقلانية الاجتهاد، مما قد يساعدنا في فهم الشريعة من مصادرها؛ يعني نفس طريقة الاجتهاد.
قال الدكتور الشفيعي: في رأيي أنه ينبغي في عملية الاجتهاد أن نبتعد عن افتراض أن كل المعاني تكمن في ألفاظ الشرع، وأن نهتم بسياقات إنتاج النص. ومنها الحديث عن مقاصد الشريعة التي يجوز تفسيرها بمقاصد الشريعة. ومن هذا المنطلق، وفي إطار التأويل السياقي، ينبغي النظر في مجالين عمليين، أي التاريخ والثقافة، والمجالات الأيديولوجية، أي الطريقة التقليدية للاجتهاد المبنية على مبادئ الفقه الحالي.
أشار سماحته مثلاً قد وردت في مناقشة استشارة الحاكم رسائل كثيرة تفيد أن الآية “وشاورهم في ألامر” يفهم منها أنها واجبة أو مستحبة؟ بينما إذا قمنا بتوسيع وجهة نظرنا من هذه الجملة الواحدة إلى جميع الجمل والمذاهب المرتبطة بها، فقد نفهم ضرورة الحكم المبني على الحكمة الجماعية.
اما النوع الثالث من العقل الذي ورد في كلام الدكتور الشافعي هو العقل الخارج عن الدين لصالح الدين وهو سبب ليس في عالم الدين، بل في عالم التجربة والتحليل الإنساني، والحكمة التي تصنع وتناقش في شكل العلوم الإنسانية اليوم.
لكن من وجهة نظر الدكتور الشفيعي فإن هذا الرأي يمكن دعمه في إطار الفكر الديني والاجتهاد من خلال الاعتماد على مناقشة صحة الاباحة. قال الدكتور الشفيعي: طرحت مسألة الاباحة على ثلاثة مستويات؛ أولاً: الأحكام الفقهية الخمسة. وليس هذا ما أعنيه بالأبها؛ لأن هذا داخل في نطاق الشريعة ولا يخرجنا عنها. ثانياً: الاباحة في أصول الفقه، وهي تعتبر تبرئة في أصول العمل. ثالثاً: الحجة الثالثة، وهي عند الإمام الخميني وعدد من الفقهاء، هي جدلية كلامية. أي أنه كما خلق الله الإنسان مختلفا عن سائر المخلوقات بنعمة الإرادة الحرة وإمكانية الاختيار أثناء الخلق، فهل ترك الإنسان حرا من الواجبات أثناء التشريع أم أنه يواجه مجموعة من الواجبات في كل مكان؟
أشار سماحته: وخلافاً لهذه الأباحة فهو تنبيه على أنها مثل قول المعتزلة؛ وعلى الرغم من أن الفقهاء أثاروا هذا المبدأ، إلا أنهم لم يهتموا بنتائجه.
أكد سماحته: حيثما كان هناك حكم شرعي صريح مثل الربا، حتى لو وافقته التجربة الإنسانية، وجب تركه. كما أن بعض الحالات سكوت عنها في الشريعة، مثل العقود التي نناقشها اليوم وتم وضع صيغة شرعية لها. لكن هناك بعض الأشياء التي هي في الأساس غير واضحة للإنسان. ومن وجهة نظر الدكتور الشافعي، ينبغي هنا البحث عن الاجتهاد التواصلي؛ يعني أن الخبراء الدينيين وغير الدينيين يدخلون في النقاش وتطرح القضايا ونصل إلى قرار مؤقت.
اضاف جنابه على سبيل المثال: ان هناك من يعتقد أن مسألة الحجاب ليست مسألة دينية ويعتبرها مسألة عرفية؛ والبعض يعتبرها دينية تمامًا. اما في اجتهاد التواصل، كل مفكر لديه ما يقوله، يطرح رأيه، ومن استطاع أن يتفوق في وجود العقل الجماعي، يتم وضع رأيه مؤقتًا كمعيار.
اشار فضيلته ان هذه النظرية مستمدة من نظرية الفعل التواصلي وعلينا أن نسعى لبناء نظرية ونظرية على أساسها.
اما في نهاية المطاف، انتقد بعض النقاد تصريحات الدكتور الشفيعي.