نبذة
فقه الاقتصاد من المواضيع السهلة والممتنعة في آنٍ واحد؛ سهل لأنه يتم مناقشة موضوعاته المتنوعة في الكتب الفقهية منذ قرون، وممتنع لأن المواضيع والمقاربات الجديدة في علم الاقتصاد قد ظهرت بكثرة لدرجة أن فقه الاقتصاد يبدو وكأنه ليس له أي خلفية تاريخية بارزة. حجة الإسلام والمسلمين محمدرضا يوسفي شيخ رباط، مواليد نوفمبر ١٣٤١ هـ، جمع بين الدراسات الحوزوية وحضور دروس خارج الفقه لدى مراجع بارزين في حوزة قم العلمية، ومتابعة دراسته في الاقتصاد. حصل على بكالوريوس في “الاقتصاد النظري” من جامعة مفيد عام ١٣٧٢ هـ، وماجستير في “التنمية والتخطيط الاقتصادي” من جامعة علامه طباطبائي عام ١٣٧٦ هـ، ودكتوراه في “الاقتصاد، تخصص الاقتصاد النقدي والاقتصاد الإسلامي” من جامعة مفيد عام ١٣٩١ هـ. إلى جانب تدريسه في الحوزة والجامعة، ألف العديد من الكتب والمقالات في مواضيع اقتصادية متنوعة، منها كتب مثل: «تطور الفكر الاقتصادي للمفكرين المسلمين»، «مبادئ الاقتصاد الإسلامي»، و«النظام المالي الإسلامي». في حوار خاص مع الفقه المعاصر، تناول فقه الاقتصاد وأبعاده المختلفة، وهو يرى أن متطلبات العالم الجديد تستلزم التفريق بين فقه الاقتصاد وفقه المعاملات المالية. نص الحوار الخاص مع أستاذ مشارك في قسم الاقتصاد بجامعة مفيد كما يلي:
الفقه المعاصر: ما هو فقه الاقتصاد وما هي متطلباته؟
يوسفي: في التعريف الشائع للفقه، يُقال: «الفقه هو العلم بالأحكام الشرعية الفرعية من أدلتها التفصيلية». وتشمل هذه الأحكام الأحكام التكليفية والوضعية. تم تقسيم الفقه وتبويبه بطرق مختلفة. هذه التقسيمات تُعتمد بناءً على الموضوعات التي يدرسها ويبحثها علم الفقه. لم يصل القدماء إلى معيار محدد لتبويب الفقه؛ لذا، قام الشيخ، الحلبي، سلار، ابن زهرة، وغيرهم بتقسيم الفقه بطرق مختلفة، حتى جاء المحقق وقسم الفقه إلى أربعة أبواب: العبادات، العقود، الإيقاعات، والأحكام، واستمر هذا التقسيم في العصور اللاحقة. ومع ذلك، هناك تقسيمات أخرى مثل تقسيم الشهيد الأول في كتابه “الدروس”، لكن تقسيم المحقق حظي بقبول عام بسبب شموليته وملاءمته.
في هذا السياق، استُخدم مصطلح المعاملات أيضًا، ويُستخدم غالبًا بمعنيين: الأول، المعاملات بالمعنى الأعم، وهي تعاملات الناس مع بعضهم في مجال المال والأسرة؛ والثاني، المعاملات بالمعنى الأخص، أي الأمور المالية، أو بعبارة أخرى، المعاملات المالية. وقد قُسمت المعاملات بطرق أخرى أيضًا، فعلى سبيل المثال، قسمها المرحوم النائيني إلى ثلاثة أنواع، لكن ما يهمنا هنا هو المعاملات بالمعنى الأخص، أي المعاملات المالية. المقصود بالمعاملات المالية هو العقود التي يتم فيها مبادلة المال. كان هذا التقسيم مقبولًا في زمنه ومن منظور فقهي، وكان يُعرف بين الفقهاء بفقه المعاملات المالية، خاصة في الكتب التي ألفها فقهاء أهل السنة تحت هذا الاسم، والتي تتناول قضايا مثل المال، الملك، الحق، والعقود المالية. أحيانًا يُستخدم مصطلح فقه الاقتصاد بدلاً من فقه المعاملات المالية، ويعتبرونها متساوية في المعنى، لكن في الواقع، يمكن تفسير فقه المعاملات المالية ضمن إطار التصنيف القديم الذي ورثناه عن المحقق. ومع ذلك، تستلزم ضرورة العصر التفريق بين فقه الاقتصاد وفقه المعاملات المالية لإبراز الاختلافات التي ظهرت منذ القرن العشرين على الأقل.
هناك نقطتان مهمتان يجب الانتباه إليهما:
الأولى، تطور الموضوعات في العالم الجديد، حيث لم تكن هذه الموضوعات تحظى بهذا التنوع والدقة في الماضي. لذا، استلهم الشهيد صدر من تقسيمات علم الحقوق وقسم الموضوعات الفقهية إلى أربعة عناوين: العبادات، الأموال العامة والخاصة، السلوك والآداب الشخصية التي لا علاقة لها بالعبادات أو الأموال، وأخيرًا آداب وسلوك الأجهزة الحكومية العامة، القضاء، الحكومة، الصلح، الحرب، العلاقات الدولية، الولاية العامة، الجهاد، وغيرها. على أي حال، ظهرت موضوعات جديدة لا يمكن إدراجها في تقسيم المحقق، وحاول الشهيد صدر تقديم تقسيم جديد. كما قسم بعضهم الموضوعات الفقهية إلى سبع فئات بناءً على القرب بين الفقه والحقوق. وبالتالي، بسبب التطورات، أصبح من الضروري تغيير تصنيف وتبويب الموضوعات الفقهية.
النقطة الثانية المهمة هي أن الفقه كان ينظر إلى المسائل عادةً من منظور فردي، لكن يبدو أن هناك ضرورة للنظر إلى المسائل من منظور اجتماعي أيضًا واستخلاص أحكامها.
بناءً على هاتين النقطتين، يجب أن تتغير أبواب الفقه بما يتناسب مع تطورات العصر. لذلك، في مجال المسائل المالية، لا يبدو فقه المعاملات المالية كافيًا. فإلى جانب أنواع المعاملات بين الأفراد الطبيعيين والاعتباريين التي يمكن تصنيفها تحت عنوان المعاملات، هناك مسائل مثل ملكية الحكومة، كيفية كسب الإيرادات، الإنفاق الحكومي، التصرفات المالية للحكومة، وما شابه ذلك من المواضيع التي تندرج ضمن اختصاص الحكومة، وهي مسائل لم تكن تحظى بالاهتمام في الماضي. بعبارة أخرى، فقه المالية الحكومية (كيفية كسب الإيرادات وإنفاقها) وسياسات الحكومة تدخل ضمن دائرة فقه الاقتصاد، لكن هذه المواضيع لا تندرج ضمن فقه المعاملات المالية المتداول.
ثانيًا، النظرة في فقه الاقتصاد تختلف عن فقه المعاملات المالية. هناك أيضًا اختلاف بين الفقه الفردي والفقه الاجتماعي. مثال على ذلك، مسألة جواز أخذ الضرائب، حيث تختلف النظرتان وتؤديان إلى نتائج مختلفة.
الفرق الثالث يتعلق بتقسيمات فقه المعاملات المالية وفقه الاقتصاد. في فقه المعاملات المالية، تُركز على عقود مثل البيع، الإجارة، القرض، المضاربة، وغيرها؛ لكن في المواضيع الجديدة، تشمل فقه الاقتصاد مسائل مثل فقه الحكومة، فقه علاقات العمل وصاحب العمل، فقه المالية بما في ذلك فقه النقود، فقه سوق رأس المال، فقه العقود، فقه العلاقات المالية بين الحكومات والدول، فقه البنوك، فقه البيئة والموارد الطبيعية، وغيرها.
الفقه المعاصر: ما الفرق بين فقه الاقتصاد والاقتصاد الإسلامي، وما العلاقة بينهما؟
يوسفي: في السؤال السابق، تم توضيح مفهوم فقه المعاملات المالية وفقه الاقتصاد. أما بالنسبة للاقتصاد الإسلامي، فيجب توضيح المقصود به. المراد بالاقتصاد الإسلامي هو المكتب الاقتصادي الإسلامي. المكتب الاقتصادي يعني مجموعة المبادئ الأساسية التي يؤمن بها مجموعة من العلماء في مجال الاقتصاد، وتُعد هذه المبادئ المحور الفكري لهذه المجموعة وتحدد هويتها الفكرية. أهم هذه المبادئ تتعلق بعلاقة تدخل الحكومة والحرية الاقتصادية، وكذلك الملكية الخاصة. لذا، المكتب الاقتصادي الإسلامي هو الرؤية العامة للإسلام حول علاقة الحكومة والحرية الاقتصادية والملكية الخاصة.
الشهيد صدر، بناءً على افتراض تساوي فقه المعاملات المالية مع فقه الاقتصاد، يرى أن العلاقة بينهما هي علاقة البنية التحتية بالروبنا، ويمكن من خلال فقه المعاملات المالية أو فقه الاقتصاد اكتشاف مبادئ المكتب الاقتصادي الإسلامي. ومع أننا يمكن أن نتفق مع جوهر رأيه، إلا أن هناك تحديات في هذا الصدد.