مقدمة
حجة الإسلام والمسلمين سيد محمدكاظم رجائي رامشه، من مواليد ١٣٣٩هـ في سميرم بأصفهان. بعد إتمام المرحلة الإعدادية، التحق بالحوزة العلمية في شهرضا، وفي عام ١٣٥٥هـ انتقل إلى مدينة قم. مع التحاقه بمعهد “في طريق الحق” عام ١٣٦٣هـ، أبدى اهتمامًا بالمباحث الاقتصادية، وفي عام ١٣٦٧هـ بدأ الدراسة في هذا المجال بمعهد الإمام الخميني. حصل على درجة الماجستير في الاقتصاد النظري عام ١٣٧٥هـ، ثم الدكتوراه في نفس التخصص عام ١٣٨٤هـ. نُشرت له عدة كتب ومقالات في مجال الاقتصاد الإسلامي، منها: «مذهب الاقتصاد الإسلامي»، «مؤشر الصدق في السوق الإسلامي»، و«طبيعة الفائدة وكفاءتها الاقتصادية». في هذه المذكرة الشفهية الخاصة، يتناول عضو الهيئة العلمية في قسم الاقتصاد بمعهد الإمام الخميني فقه التقدم وأبعاده وتميزاته مقارنة بالفقه الحالي.
علم الاقتصاد والاقتصاد الإسلامي
علم الاقتصاد والاقتصاد الإسلامي يتضمنان تخصصات وتوجهات متنوعة، مثل: فلسفة الاقتصاد، اقتصاد النقد والبنوك، التجارة الخارجية، الاقتصاد الدولي، القطاع العام، التنمية والتقدم. إذا أردنا الخوض في كل هذه المجالات، فقد يطول النقاش وقد تظهر بعض الاختلافات بينها.
أود أن أتناول توجهًا مهمًا وعمليًا في الاقتصاد الإسلامي، وهو التنمية والتقدم. سأركز فقط على هذا الجانب بدلاً من الاقتصاد الإسلامي بشكل عام.
التقدم: ماهيته؟
السؤال الأول المطروح هو: ما هو التقدم؟ وما هو فقه التقدم؟ وما هي مسائل فقه التقدم؟ كلمة التقدم تعني التغيير والتحول والحركة نحو الأمام، أي الانتقال من الوضع الحالي إلى الوضع المطلوب. التعريف الأدق لهذا المصطلح ربما يكون: التقدم هو الحركة المستمرة دون توقف نحو التعالي. يعبر القرآن عن ذلك في قوله تعالى:
«مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ…»
إن حركة بذرة القمح التي تنبت وتُنمي برعمها بشكل مستمر حتى تصبح «فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ» تُسمى تقدمًا. هذه الحركة لا تعرف الانحدار أو التوقف، بل هي حركة صعودية مستمرة. هذا المعنى من التقدم قريب جدًا من الفقه الحكومي، حيث تندرج مسائل السياسات العامة ضمن فقه التقدم.
فقه التقدم
السؤال هنا هو: ما هو فقه التقدم وما نوع المسائل التي يتناولها؟ وما الفرق بين الفقه الفردي وفقه التقدم أو الفقه الحكومي؟ هل ما هو مستحب في الفقه الفردي يبقى مستحبًا في الفقه الحكومي أو فقه التقدم؟ على سبيل المثال، بناء المسجد مستحب في الفقه الفردي، فهل يظل بناء المسجد مستحبًا في الفقه الاجتماعي أو الحكومي أو فقه التقدم؟
أهمية توصيف الموضوعات بعمق في فقه التقدم
فيما يتعلق بالفروق بين الفقه الفردي وفقه التقدم، يمكن القول:
في الفقه الفردي، الفقهاء هم أعرف الناس بالعرف، لذا لا يكون توصيف الموضوعات أمرًا جوهريًا. أما في فقه التقدم، إذا لم يكن الفقيه ملمًا بتوصيف الموضوعات، فلن يتمكن من الوصول إلى الحكم أبدًا. في هذا الفقه، قد يتطلب توصيف موضوع واحد سبع إلى ثماني سنوات من العمل، وليس مجرد جملتين أو شرح يستغرق نصف ساعة أو ربع ساعة. في فقه التقدم، يحتل توصيف الموضوعات مكانة خاصة وبارزة، وهو توصيف عميق وليس سطحيًا.
توصيف الموضوعات لا يعني مجرد الرجوع إلى المعنى اللغوي أو الاصطلاحي للتقدم ثم إصدار الحكم الفقهي بناءً عليه، بل المقصود هو توصيف عميق يمنع من إدراج مناقشات التنمية المبنية على أسس العلمانية أو الإنسانوية أو الليبرالية ضمن فقه مسائل التقدم.
لتحقيق التوصيف العميق، يجب دراسة التنمية الغربية، والتطور التاريخي لنشأة مناقشات التنمية، ومفهوم التنمية والتقدم. وهذا لا يكفي، بل يجب أيضًا كشف الطبقات الأساسية للتقدم لفهم المبادئ ومقارنتها بالكتاب والسنة لمعرفة ما إذا كانت متوافقة معهما أم لا.
بعض برامج التقدم الحالية في البلاد هي برامج تنموية مبنية على أسس علمانية. فقيه غير ملم بهذه الأمور قد يقول إنها لا تتعارض مع الشرع، بينما هذه البرامج في جوهرها مخالفة للشرع. لكن بسبب عدم التوصيف العميق وغياب كشف الطبقات الأساسية للتنمية، قد يقع الفقيه في الخطأ ويصدر حكمًا بعدم المغايرة للشرع، مما قد يؤدي إلى كتابة ميزانية -وهي نوع من التخطيط المالي السنوي للبلاد- بناءً على مبادئ التنمية الغربية.
أهمية مراعاة المقاصد في فقه التقدم
في الفقه الفردي، سواء كان ذلك صحيحًا أو خاطئًا، يُشاع أننا نعتمد على الضوابط ولا نهتم بالمقاصد، أي أننا نعتمد على القواعد ولا نبالي بالنتائج. لكن في الفقه الحكومي أو فقه التقدم، وفي نظرية الاقتصاد الإسلامي، هل يمكننا القول إننا لا نهتم بالمقاصد، خاصة في مجال التقدم الذي يهدف إلى نقل المجتمع من الوضع الحالي إلى الوضع المطلوب؟ فالوضع المطلوب، أي المقاصد، هو جزء جوهري من هذا النقاش. إذا أردنا التخطيط للتقدم، مثل تخطيط التعليم، أو أسلوب حياة المجتمع، أو الصناعات الثقافية، أو الفضاء الافتراضي، أو بيئة الأعمال، فإننا لا نستطيع التخطيط دون رسم الوضع المطلوب وتحديد الأهداف قصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد. لذا، لا يمكن مناقشة فقه التقدم والقول إن مقاصد الشريعة لا تعنينا وأننا لا نهتم بالمقاصد، بل ننظر فقط إلى ما تقوله الرواية ونعمل به! لا، هذا غير ممكن. لدينا وضع حالي، ونريد بالتأكيد الوصول إلى وضع مطلوب. يجب أن نحدد جدولًا زمنيًا: كم سنرفع من مستوى ثقافة المجتمع خلال هذه الخمس سنوات؟ كم نريد زيادة درجة الإنسانية كغاية عليا للتقدم الإسلامي؟ وكم نريد تعزيز الفضائل الأخلاقية؟ هنا لا يمكننا القول إننا لا نهتم بالمقاصد.
أصول فقه التقدم
إذا عرفنا فقه التقدم بأنه: «العلم بالأحكام المتعلقة بإقامة الدين في مختلف مجالات الحياة الاجتماعية أو في مختلف مجالات الحياة الكمالية، تحت لواء الولي بالأدلة التفصيلية»، فإن السؤال المطروح هو: ما هو مصير علم الأصول؟ حسب تعريف الشهيد الصدر لعلم الأصول بأنه: «العلم بالقواعد المشتركة في مجموعة أبواب الفقه»، فما هي العناصر المشتركة لفقه التقدم؟
كانت العناصر المشتركة لأبواب الفقه في العبادات والمعاملات حتى الآن من دون النهج الحكومي. فهل يمكن للأصول السابقة، التي كانت عناصر مشتركة بين الأبواب الفردية وغير الحكومية، أن تستنبط مسائل مثل أحكام التعليم، أحكام الفضاء الافتراضي، أحكام السوق -ليس السوق الفردي بل أحكام الحكم على السوق-، أحكام الحكم في البنوك، ونطاق البنوك والبنك المركزي؟
على سبيل المثال، إذا ذهبت إلى قرية وأنشأت مصنعًا ووظفت جميع العاطلين فيها، فهل هذا صحيح من منظور الفقه الفردي؟ الفقه الفردي يقول إنه لا إشكال في ذلك، بل إذا دفعت رواتبهم فهذا ممتاز، وإذا أعطيتهم شيئًا إضافيًا وعاملتهم بإنصاف فهذا أفضل ومستحب. لكن، إذا أنشأت مصنعًا في قرية ووظفت جميع العاطلين، ودفعت لهم أحد عشر تومانًا بدلاً من عشرة مع مكافأة إضافية ومراعاة الأخلاق، وأديت خمس وزكاتي، ثم اشتريت جميع أراضي القرية وأنشأت شركة زراعية صناعية بجانب المصنع -مثلاً مصنعي لتجهيز المنتجات اللحمية- واشتريت كل الأراضي الريفية وحولتها إلى أعلاف للمواشي، ثم نقلت المواشي إلى المصنع لتحويلها إلى منتجات لحمية، فهل هذا يحمل إشكالًا شرعيًا؟
من منظور الفقه الفردي، من الواضح أنه لا إشكال في ذلك، بل هو عمل جيد. لكن إذا اشتريت تدريجيًا القرى المجاورة ثم قرى المحافظة بأكملها، فمن منظور الفقه الفردي لا يوجد أي مشكلة، لكن من منظور فقه التقدم هناك إشكال، لأنه يصبح مصداقًا لقوله تعالى: «كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ». فهدف الشارع هو ألا تتداول الأموال بين الأغنياء فقط.
إن تقدم عداد دخلي بسرعة بينما أصبح المزارعون جميعًا عمالًا لدي ولا يكسبون سوى عشرة إلى عشرين تومانًا شهريًا، يُعتبر من منظور فقه التقدم فجوة طبقية فادحة ومخالف للشرع، بينما من منظور الفقه الفردي لم يكن مخالفًا للشرع.
في الفقه الفردي، عمل هذا الشخص مستحب، لكن فقه التقدم يقول: لا، كان يجب أن تجعلهم شركاء! فقه التقدم يقول إن سياسة العمالة والأجور هي سياسة خاطئة! بل إن الأجرة مكروهة في الفقه الفردي، وفي الفقه الاجتماعي والتقدم، الأجرة حرام. من منظور فقه التقدم، يجب أن تتحول آلية الأجور في المجتمع إلى آلية المشاركة. الحركة نحو الأجور تؤدي إلى مشكلتين أساسيتين في المجتمع:
-
عدم تحقيق التقدم الاقتصادي: المجتمع لا يتحرك نحو التقدم الاقتصادي ولا يحقق النمو، مما يؤدي إلى الضرر الاقتصادي. هنا تكون الحكومة والمخطط الاجتماعي مسؤولين، ولا يحق لهما دفع المجتمع نحو الأجور، بل يجب دفعه نحو المشاركة.
-
انخفاض الإنتاجية: إذا لم يكن العامل شريكًا في المصنع وفي نتائجه، فإن دافعيته للعمل تنخفض، وبالتالي تنخفض إنتاجيته، مما يؤدي إلى انخفاض الإنتاج والربح في المصنع. قائد الثورة الإسلامية يؤكد في برامج متعددة على ضرورة رفع نسبة الإنتاجية.
حاليًا، في البرنامج السابع، أشار قائد الثورة إلى أن نسبة الإنتاجية يجب أن تصل إلى حوالي ٣٣%. كان هذا هو الحال أيضًا في البرنامجين الرابع والخامس، ولا أعلم بدقة إن كان الأمر نفسه في البرنامج السادس.
عندما تُبنى الدخول على أساس ساعات العمل والأجور، يتعرض اقتصاد البلاد لضربة. لذا، من منظور فقه التقدم، هذا العمل حرام.
لذلك، لحل مسائل فقه التقدم، يجب أن تتغير أصول الفقه وتُطابق مع فقه التقدم.