حجة الإسلام والمسلمين الدكتور عباس شفيعي نجاد يتناول في مذكرة خاصة:

مبادئ فقه الاقتصاد/10

إشارة

الدكتور عباس شفيعي نجاد، مواليد عام ١٣٥٥ هـ.ش (١٩٧٦ م)، حاصل على شهادة المستوى الرابع في الحوزة في تخصص الاقتصاد، ودكتوراه جامعية في تخصص النقود والمصارف. وهو عضو مجلس إدارة جمعية الاقتصاد الإسلامي في الحوزة العلمية بقم، ومدير قسم فقه الاقتصاد في المركز الفقهي للأئمة الأطهار. في هذه المذكرة الخاصة، يتناول ماهية فقه الاقتصاد ومتطلباته.

فقه الاقتصاد؛ ماهيته وخلفيته

مصطلح الفقه، في الاصطلاح، هو فهم الواجب والممنوع والأحكام المتعلقة بأفعال المكلفين بشكل عام؛ وعلم الاقتصاد هو علم دراسة السلوكيات الاقتصادية للإنسان والمؤسسات الاقتصادية. الفقه يحدد ما يجب فعله في مختلف شؤون الحياة، بما في ذلك الشؤون الاقتصادية؛ بينما يبين الاقتصاد كيف يتصرف كل فرد (يمتد إلى المؤسسات الاقتصادية والمجتمع) في الشؤون الاقتصادية. وبالتالي، فإن فقه الاقتصاد يتولى مسألة كيفية تصرف كل شخص (أو مجموعة من الناس، أو الشركات، أو المؤسسات الاقتصادية، أو الحكومة) وكيف ينبغي أن تكون العلاقات الاقتصادية بين الفرد ونفسه، أو بين الفرد والآخرين، أو بين الفرد والحكومة، أو بين الحكومة والشعب، أو بين الحكومة والحكومات الأخرى، وما هي الأسس والمعايير التي ينبغي أن تستند إليها.

علم الفقه، وخاصة الفقه الشيعي، كان منذ البداية يتولى بيان الأحكام في مجال المعاملات، بحيث كان فقه المعاملات دائمًا أحد الفروع الرئيسية للفقه في التقسيمات المختلفة. وقد تناول الفقهاء الشيعة الكبار، من المتقدمين إلى المتأخرين، أحكام المعاملات في كتبهم.

بعد الثورة الصناعية وتطور العلاقات والمعاملات الاقتصادية وتشكل الأسواق المالية وتوسعها، أصبحت المسائل الاقتصادية أكثر تعقيدًا، وتم تبني نهج مختلفة حول تحليل السلوكيات الاقتصادية وأسباب الأزمات الاقتصادية. ومن هنا، ظهرت حاجات جديدة في مجال مسائل المعاملات، حيث أثارت المعاملات الجديدة، والأسواق النقدية والمالية، والتأمينات، والمسائل الاقتصادية الكلية، قضايا تتطلب إجابات فقهية.

كتاب “اقتصادنا” للشهيد صدر تم تأليفه للرد على هذه الحاجات، ليوضح نهج الفقه الإسلامي تجاه مصدر الدخل الأساسي والملكية، وأسباب انتقال الملكية، والتوزيع قبل الإنتاج وبعده، وإعادة توزيع الدخل وغيرها. في هذا الكتاب، يبين الشهيد صدر بوضوح نقاط التميز بين المدرسة الاقتصادية الإسلامية ونظامي الاقتصاد الرأسمالي والاشتراكي.

قام الباحثون في الاقتصاد الإسلامي بدراسة أعمق لعلم فقه الاقتصاد، وتم تأليف كتب مثل “مباني فقهية للاقتصاد الإسلامي” (كرمي وبورمند)، و”فقه النظام الاقتصادي الإسلامي” (محسن أراكي)، و”فقه الاقتصاد (الموارد المالية الإسلامية)” (حامد رستمي نجف آبادي)، و”فقه الاقتصاد” (محمود عيسوي). كما تناولت كتب ومقالات أخرى جوانب مختلفة من فقه الاقتصاد مثل الخدمات المصرفية والأسواق المالية بشكل متخصص.

ومع ذلك، فإن سرعة نمو العلاقات الاقتصادية وظهور قضايا جديدة في مختلف قطاعات الاقتصاد تثير حاجات جديدة في مجال فقه الاقتصاد، وتنتظر ردود فقهية بنهج حل المشكلات. كما أن ظهور شبهات جديدة حول قدرة الفقه على إدارة المجتمع قد وضعت توقعات المجتمع العلمي من الفقه، وخاصة فقه الاقتصاد، في نقطة حساسة.

فقه الاقتصاد، كإطار محدد لرد الفقه على قضايا الاقتصاد واحتياجاته، يتطلب ديناميكية وتحديثًا مستمرًا، حتى يتمكن أولاً من توضيح واجب الفاعلين الاقتصاديين من أفراد وشركات ومؤسسات وحكومة، وتمكينهم من تنظيم أهدافهم وأدائهم بناءً على الأحكام الفقهية؛ وثانيًا، حتى يتمكن فقه الاقتصاد من تقديم استراتيجيات ونماذج مستخلصة من الفقه لحل المشكلات الرئيسية في البلاد، من اتخاذ القرار إلى التشريع وصياغة السياسات، ليقود مسار الاقتصاد الكلي للجمهورية الإسلامية.

قبل بيان متطلبات ومستلزمات فقه الاقتصاد، يتم تناول بعض التحديات والعقبات في هذا المجال:

التحديات والعقبات في فقه الاقتصاد

أ. التحديات المحتوائية

  • انخفاض إنتاج المحتوى الفقهي الاقتصادي مقارنة بإجمالي المحتوى المنتج في العلوم الاقتصادية؛ – الغموض في منهجية فقه الاقتصاد والتضارب بين النهج القائم على الضوابط والنهج القائم على المقاصد بين أنصار حكم فقه الاقتصاد؛ – عدم الاهتمام بنهج الفقه الاجتماعي ومجال الاقتصاد الكلي في إنتاجات فقه الاقتصاد؛ – ضعف تحديث محتويات فقه الاقتصاد بما يتناسب مع ظروف وتعقيدات المشكلات الاقتصادية؛ – ضرورة تحديث وإنتاج المزيد من التأليفات في المباني والقواعد الفقهية لفقه الاقتصاد؛ – عدم التناسق والاتساق بين بعض الأعمال الفقهية الاقتصادية (على سبيل المثال، الأدبيات المنتجة في فقه المصارف لا تتسق مع الأدبيات المنتجة في فقه أسواق رأس المال والنظام الضريبي)؛ – عدم تناسق المحتويات المنتجة في فقه الاقتصاد مع الأنظمة الفرعية الأخرى للفقه (على سبيل المثال، هناك انفصال بين المحتوى المنتج في الفقه الاجتماعي والفقه السياسي والفقه الاقتصادي، وكذلك بين هذه كلها وبين الفقه الحكومي).

ب. التحديات المؤسساتية

فقه الاقتصاد بحاجة إلى مؤسسة دينية قوية تتولى إدارته، قادرة على التأثير في العلاقات التشريعية وصياغة السياسات في مختلف المجالات الاقتصادية مثل البنك المركزي، وزارة الاقتصاد، الصناعة والتعدين، الموارد الطبيعية وغيرها؛ لكن في الوقت الحاضر، لا توجد مؤسسة قوية من هذا النوع في مجال فقه الاقتصاد في البلاد. – عدم تناسق المؤسسات والهيئات والجمعيات والمراكز المتعلقة بفقه الاقتصاد، مما يؤدي في النهاية إلى التكرار في العمل. – من متطلبات فقه الاقتصاد المؤسساتية، خاصة لإجراء دراسات مقارنة وقائمة على البيانات، وجود علاقة محددة مع مراكز البحث والإحصاء الأخرى في البلاد، وهذه المسألة لم تتحقق. – إنشاء مجلة علمية بحثية متخصصة في فقه الاقتصاد يمكن أن يكون مصدرًا لجمع أو إنتاج بحوث قيمة في مجال فقه الاقتصاد. – عدم ارتباط مؤسسات فقه الاقتصاد بمؤسسات التعليم العالي في الجامعات. فقه الاقتصاد يمتلك قدرة هائلة لتحديد المناهج التعليمية ومواضيع الأطروحات، وورش العمل التعليمية، والجلسات العلمية في الجامعات؛ لكن هذه القدرة مهملة بسبب الأسباب المذكورة.

ج. التحديات المتعلقة بتأهيل القوى البشرية المتخصصة في فقه الاقتصاد

  • يواجه فرع فقه الاقتصاد تحدي نقص القوى البشرية المتخصصة. – قلة عدد الأفراد المتخصصين في فقه الاقتصاد لتوجيه وإرشاد الأطروحات. – دروس الفقه الخارجي بتخصص فقه الاقتصاد أقل من الاحتياجات الحالية. – في الجامعات، لا يوجد عدد كافٍ من الأساتذة المهتمين بتأهيل وتوجيه الطلاب المهتمين بفقه الاقتصاد.

بعد بيان التحديات والعقبات أمام تطوير فقه الاقتصاد في المجتمعات العلمية، سواء الحوزوية أو الجامعية، ننتقل إلى عرض بعض الحلول كمتطلبات لفقه الاقتصاد:

متطلبات فقه الاقتصاد

أ. المتطلبات المحتوائية

  • ضرورة إنتاج محتويات علمية على مستويات مختلفة في الحوزات والجامعات لفقه الاقتصاد. – المحتويات الحالية بحاجة إلى مراجعة وتحديث بما يتناسب مع الاحتياجات اليومية. – السعي لإيجاد منهجية مثالية في مجال فقه الاقتصاد يمكن أن يساعد في معالجة نواقص منهجية فقه الاقتصاد. توجيه الأطروحات الحوزوية والجامعية نحو دراسة منهجية فقه الاقتصاد هو أحد الحلول. – ضرورة تناسق مكونات فقه الاقتصاد المختلفة وتناسقها العام مع الأنظمة الفرعية للفقه، وهي من متطلبات تطوير فقه الاقتصاد.

ب. المتطلبات المؤسساتية

  • بدون هيكلية مؤسساتية وإدارية تتناسب مع نهج فقه الاقتصاد، فإن النجاح في هذا المجال بعيد المنال. – ضرورة الاعتراف رسميًا بجمعية الاقتصاد الإسلامي ودعمها لتنظيم المؤسسات الحالية لفقه الاقتصاد. – يجب على جمعية الاقتصاد الإسلامي، في إطار نشاطها التنظيمي، إقامة علاقة فعالة وضرورية مع مؤسسات التشريع وصياغة السياسات. ولهذا، يجب الاعتراف بدور الجمعية في هذه المؤسسات رسميًا. – الارتباط بالجامعات لتوجيه البحوث والأطروحات ومناهج الدروس الجامعية بمحورية فقه الاقتصاد.

ج. متطلبات تأهيل القوى البشرية

  • يجب على الحوزة العلمية اتخاذ الإجراءات اللازمة لتأهيل القوى البشرية وإلزام المؤسسات التابعة للحوزة بإنشاء تخصص فقه الاقتصاد لتأهيل القوى البشرية المتخصصة في هذا المجال. – إنشاء مركز أبحاث بنهج فقه الاقتصاد واستقطاب هيئة تدريس لهذا الغرض سيزيد من حافز الطلاب والباحثين لتوجيه دراساتهم نحو تخصص فقه الاقتصاد. – استغلال القدرات الحالية للقوى البشرية المتخصصة في فقه الاقتصاد، التي تشمل الطلاب والأساتذة الذين درسوا فقه الاقتصاد، لتأهيل قوى بشرية جديدة، هو من متطلبات تطوير فقه الاقتصاد.
Source: External Source