مجيد رضائي دواني

مبادئ فقه الاقتصاد/29

الاقتصاد لا يمكنه أن يعمل إطلاقاً بدون إحصاءات؛ فنظام الإحصاء في بلدنا لا يقارن بنظام ألمانيا قبل مئة عام؛ أي أن ألمانيا في ذلك الوقت، كانت لديها إحصاءات أفضل منا؛ ولهذا السبب، كان بإمكانها أن تقول كم يبلغ دخل هذا الشخص، بينما اليوم لا يستطيع نائب في البرلمان أن يعرف دخل متجر يقع عند باب البرلمان؛ لأن نظام الإحصاء بالنسبة لنا شيء سيئ، ونعتقد أنه شكل من أشكال التدخل أو الكذب؛ لذا، يسلك الأفراد شتى الطرق حتى لا يفشوا معلوماتهم.

إشارة: حجة الإسلام والمسلمين الدكتور مجيد رضائي دواني، مواليد عام ١٣٣٩ هـ.ش في كازرون، يُعد أحد أهم الباحثين وأساتذة فقه الاقتصاد في البلاد. وهو عضو في المجلسين الفقهيين لكل من البورصة والبنك المركزي في آن واحد، ويسعى في هذه المذكرة الشفوية إلى بيان أهم تحديات فقه الاقتصاد. ووفقاً لرأي هذا العضو في الهيئة العلمية بقسم الاقتصاد في جامعة مفيد، فإن عدم فهم الموضوعات الاقتصادية وعدم الإلمام بالعلوم الحديثة، يُعدان من أهم تحديات فقه الاقتصاد.

تعريف الاقتصاد

منذ ٥٠٠ عام حتى الآن، وقعت تحولات في العالم وأوروبا أدت إلى إحداث تغييرات في مختلف العلوم، ولكن فيما يتعلق بالاقتصاد، فقد شهد في الـ ٢٥٠ سنة الأخيرة قفزة وتطورات كبيرة. فمنذ القرن الثامن عشر فصاعداً، بُذلت جهود كبيرة في مجال العلوم الإنسانية، وهذا العمل أدى تدريجياً إلى تشكيل قفزة في مجال الاقتصاد، وقام بعض العلماء بأعمال مهمة لدعم طبقات العمال في مجال العلم، وبدأ علم الاقتصاد تدريجياً بالانفصال عن سائر العلوم. وفي هذا السياق، اجتمع هنا آلاف العباقرة والفلاسفة والمؤرخين وعلماء الإحصاء، وطُبقت علوم مختلفة على هذا العلم.

على سبيل المثال، كان أمثال السيد آدم سميث يقولون إن المهم هو إنتاج الثروة. كان سميث يعتقد أن الناس سيصلون من الناحية العقلانية إلى مرحلة يقومون فيها بالتوزيع بأنفسهم، وكان يرى نتيجة السوق عادلة. وفي غضون ذلك، قال البعض إنه يجب علينا إيجاد طريقة عادلة للتوزيع.

بالطبع، لم تتشكل الحقوق الاقتصادية في بلدنا بعد بشكل دقيق وملحوظ، وهي في طور التشكل، ولكن المهم هو أن الحقوق الاقتصادية تختلف عن علم الاقتصاد.

بناءً على هذا الأمر، فإن ما نتحدث عنه هو الحقوق الاقتصادية التي يجب فهمها من خلال فقه الاقتصاد. وتعريف فقه الاقتصاد يعتمد أيضاً على تعريفنا للاقتصاد. فإذا اعتبرنا الاقتصاد علم إنتاج الثروة، فإن فقه الاقتصاد هو العلم الذي يبحث في اكتشاف الأحكام المتعلقة بإنتاج الثروة. وكذلك، إذا اعتبرنا الاقتصاد بمعنى التوزيع العادل للثروة، فإن فقه الاقتصاد سيكون العلم الذي يتناول الأحكام الشرعية الفرعية المتعلقة بالتوزيع العادل للثروة. وهكذا، فإن التعريفات المختلفة للاقتصاد تتبعها تعريفات مختلفة لعلم فقه الاقتصاد.

أهم تحديات فقه الاقتصاد

لقد شهد علم الاقتصاد تطورات كبيرة على المستوى العالمي، لكننا نحن المسلمين لم يكن لنا نصيب مناسب في هذا الأمر.

على مدى ٥٠٠ عام هذه، شهدت أوروبا تطوراً جيداً على الرغم من الحروب الكثيرة التي خاضتها، ولكن لأننا لم نكن جزءاً من هذه التطورات، فإننا لم نكتب شيئاً يتناسب معها من الناحية الفقهية والفلسفية وغيرها.

بالطبع، طُرحت بعض المسائل مثل التأمين منذ زمن صاحب العروة. فعندما ذهب التجار إلى الهند وغيرها، أدركوا وجود ظاهرة تسمى ضمان الخسارة، والتي اسمها اليوم التأمين.

كذلك يقول الشهيد مطهري إن المكننة (الآلية) ظاهرة جديدة. والحق معه. فبعد فترة وجيزة، انتقل الإنسان من بيع الملح على عربة إلى اختراع الطائرة.

أعتقد أن التحدي الأهم الذي نواجهه في فقه الاقتصاد هو عدم الفهم الدقيق للمسائل والموضوعات الاقتصادية. انظروا، نحن في فقه الاقتصاد نسعى لاكتشاف الحكم الشرعي للمسائل الاقتصادية. والمسائل تتكون من موضوعات ومحمولات. إذن، فهم المسألة يتوقف على فهم موضوعها ومحمولها. هذا في حين أننا في كثير من الحالات لا نعرف الموضوعات الاقتصادية، وخاصة المستحدثة منها، بشكل صحيح. وهذا الأمر بالذات أدى إلى عدم قدرتنا على استخلاص نتائج فقهية مناسبة لإدارة المجتمع.

بالطبع، لا أقصد بعدم الفهم الصحيح للموضوعات الفقهية أننا لا نعرف اسمها وتعريفها الإجمالي، لأن هذه العناوين تُطرح مراراً وتكراراً في محافلنا الاقتصادية وتكون موضع نقاش أيضاً، بل مقصدي هو عدم الوصول إلى كنه مراد أصحاب هذا المصطلح من هذه المصطلحات. أي أننا لم نفهم الموضوعات الاقتصادية كما يجب، وكما فهمها الغربيون الذين هم واضعو هذه المصطلحات. وهذا الأمر بالذات أدى إلى أخطاء كثيرة في كل من حقوق الاقتصاد لدينا وفقه الاقتصاد لدينا، والتي نواجه الكثير منها الآن ونلمسها تماماً.

البنك؛ مثال على عدم الفهم الصحيح لموضوع اقتصادي

فيما يتعلق بالبنك، يبدو أن هذه الظاهرة موجودة، أي أن الكثيرين ممن يتحدثون عن البنك ويقدمون نظريات حوله، ليسوا على دراية تامة بماهيته. وبالطبع، أؤكد مرة أخرى أن مرادي ليس أنهم لا يفهمون كلمة “بنك”، بل مرادي هو أنهم لم يفهموا ماهيته والفكر الكامن وراء تأسيس هذه المؤسسة الحقوقية. لذا، بناءً على هذا الفهم الخاطئ، يرتبون عليه أحكاماً نرى أنها غير فعالة لإدارة اقتصاد المجتمع. وهذا القصور في الفعالية يعود في الحقيقة إلى عدم الفهم الصحيح والكامل للموضوعات الاقتصادية من هذا القبيل، وليس إلى عدم صحة عملية استنباط حكمها الشرعي.

تحدي الإحصاء في الاقتصاد

أو على سبيل المثال، الاقتصاد لا يمكنه أن يعمل إطلاقاً بدون إحصاءات؛ فنظام الإحصاء في بلدنا لا يقارن بنظام ألمانيا قبل مئة عام؛ أي أن ألمانيا في ذلك الوقت، كانت لديها إحصاءات أفضل منا؛ ولهذا السبب، كان بإمكانها أن تقول كم يبلغ دخل هذا الشخص، بينما اليوم لا يستطيع نائب في البرلمان أن يعرف دخل متجر يقع عند باب البرلمان؛ لأن نظام الإحصاء بالنسبة لنا شيء سيئ، ونعتقد أنه شكل من أشكال التدخل أو الكذب؛ لذا، يسلك الأفراد شتى الطرق حتى لا يفشوا معلوماتهم. حتى لو سألنا المتدينين عن مقدار الخمس الذي دفعوه، فقد لا يخبروننا؛ لذا عندما لا نمتلك المعلومات والإحصاءات، فإن أي برامج تُكتب وتتعلق بالناس لن يكون لها أثر.

في بعض البلدان، توجد استمارة الإقرار الذاتي التي يجب على الشخص أن يكتب فيها كل ما لديه من دخل ونفقات. وبناءً على ذلك، يعرفون حتى مشتريات الأفراد. في أمريكا، عندما يأخذ شخص ما ألفي دولار مثلاً من البنك ولا تعود إلى الدورة [الاقتصادية]، فإنهم يتابعونه بعد أسبوعين ليفهموا أين أنفقها؛ فإذا كان المال لا يزال في المنزل، فلا بأس، وإلا فيجب أن يعرفوا أين أُنفق.

تحدي عدم الإلمام بالعلوم الحديثة

أحد التحديات الرئيسية هو أننا لا نملك هذه العلوم ومتطلباتها التي يجب استخدامها، فهذه العلوم التي أتت من الغرب تشهد تغيراً وتطوراً حدث منذ عدة سنوات، ونحن منفصلون عنها ولا نستجلب أسسها. إذا أردنا إحداث تغيير وتطور، فيجب أن نكون على دراية تامة بمكوناتها حتى يتقدم علمنا، وإلا فسنكون مثل سائق لا يعرف من السيارة سوى المكابح والقابض. هذا الشخص لن يُحدث أي تطور في هذا المجال أبداً.

خلاصة القول، إننا لم ندخل إلى العلوم الحديثة، ولسنا لاعبين فيها، ولا يمكننا استخدامها بشكل صحيح، ولا يمكننا نقدها، ولا يمكننا إحداث تحول فيها؛ بالطبع، ليس من الضروري أن يكون الفقيه خبيراً اقتصادياً، ولكنه يستطيع أن يطلب توضيحاً من الخبير الاقتصادي ليقوم الفقيه بإصدار الحكم المتعلق به. إذا كان ذلك الخبير الاقتصادي لاعباً جيداً، فيمكنه أن يشرح جيداً ويؤدي دوره. في رأيي، هذا التحدي هو التحدي الأكبر.

تحدي فهم الموضوع (موضوع شناسي)

كان آية الله الصافي يقول: على مر التاريخ، إن الأحاديث التي دُرست سنداً ودلالةً قد أنجزت الكثير من الأعمال؛ ولكن ما نفتقر إليه اليوم هو “فهم الموضوع” (موضوع شناسي)، الذي يجب أن نخصص له ٩٠ بالمئة من أوقاتنا، لأن الموضوع أصبح معقداً لدرجة أنه لا يمكن فهمه ببساطة.

على سبيل المثال، في مسألة التضخم، يقول البعض لأنه في العام الماضي كانت سلعة ما بـ ٣٠ تومان وأصبحت هذا العام بـ ٦٠ تومان، إذن فقد ارتفع سعرها بنسبة مئة بالمئة. البعض يقيس التضخم بهذا، في حين أن لمعدل التضخم طريقة حساب خاصة به.

Source: External Source