طُرح في ندوة بمشاركة حجج الإسلام السيد حسين ميرمعزي، وغلامرضا مصباحي مقدم، ومجيد رضائي دواني:

مبادئ فقه الاقتصاد/28

إشارة: عُقد كرسيٌّ علميٌّ ترويجيٌّ حول موضوع «تعريف ومنهج المذهب الاقتصادي في الإسلام»، يوم السبت السادس من آذر عام ١٤٠٠هـ.ش، افتراضياً، من قبل مجموعة الاقتصاد في مركز بحوث الأنظمة الإسلامية التابع للمعهد العالي للثقافة والفكر الإسلامي. وفي هذه الجلسة، التي تولى أمانتها العلمية حجة الإسلام والمسلمين الدكتور أحمدعلي يوسفي، قدم حجة الإسلام والمسلمين الدكتور سيد حسين ميرمعزي بحثه. وكان النقّاد في هذه الجلسة أيضاً حجة الإسلام والمسلمين الدكتور غلامرضا مصباحي مقدم وحجة الإسلام والمسلمين الدكتور مجيد رضائي دواني.

حجة الإسلام الدكتور أحمدعلي يوسفي (الأمين العلمي): الأستاذ ميرمعزي منشغلٌ منذ سنوات طويلة بالبحث والكتابة والمحاضرة في مبحث فلسفة الاقتصاد، وهو من أصحاب الرأي في هذا المجال. ومن مباحث فلسفة الاقتصاد، أصل وجود المذهب الاقتصادي الإسلامي، وماهيته ومنهج اكتشافه، وهو اليوم يقدم بحث تعريف ومنهج اكتشاف المذهب الاقتصادي الإسلامي مع نظرة إلى نظريات الشهيد الصدر.

حجة الإسلام الدكتور سيد حسين ميرمعزي (المقدم): فيما يتعلق بمفهوم المذهب وتعريفه ومنهج اكتشافه، قدمتُ مطالب في قسمين؛ قسم للتعريف وآخر للمنهج.

تعريف المذهب الاقتصادي في الإسلام

في البداية، جمعتُ تعابير الشهيد العظيم، المرحوم الصدر، عن المذهب في مختلف كتبه، وتوصلتُ إلى تعريف نهائي. وقد توصلتُ إلى أن التعريف المذكور، وهو استنتاجي الخاص، هو أن المذهب الاقتصادي في الإسلام عبارة عن أصول منهج تنظيم الحياة الاقتصادية لحل المشكلات الاقتصادية من منظور الإسلام، والتي يجب أن تكون مرتبطة بمفهوم العدالة الاجتماعية من منظور الإسلام، وأنها مستنبطة من المصادر الإسلامية، ولها قسمان ثابت ومتغير.

وقد قمتُ بنقد التعريف المذكور، وعرضتُ أربعة إشكالات. منها أن المذهب يجب أن تكون أصوله مرتبطة بالعدالة الاجتماعية ولم يأخذوا بعين الاعتبار أهدافاً أخرى، وبالطبع تعريفهم للمذهب الاقتصادي عام ولا يحددون المذهب الاقتصادي في الإسلام.

الإشكال الأساسي هو حصر الأصول بالعدالة الاجتماعية فقط، وهذا محل بحث وإشكال. فالأمن والنمو الاقتصادي اللذان يُطرحان بالتوازي مع العدالة الاجتماعية موجودان أيضاً، ويجب ذكر الأصول التي تسعى لحل المشكلات، أي تحقيق الأهداف، والأصول التي يمكن طرحها لتحقيق الأهداف في المذهب، وألا تقتصر على العدالة الاجتماعية. بالطبع، هنا قدّرتُ دفع الإشكال بأن قد يقول قائل إن مقصود الشهيد الصدر من العدالة الاجتماعية هو معنى واسع يشمل الأمن والنمو أيضاً. وقد استندتُ إلى ما ذكره هو بنفسه، حيث إن العدالة الاجتماعية التي يقصدها هي العدالة التوزيعية التي شرحها في قسمين: التزاحم والتكافل الاجتماعي. وبالتالي، إذا نظرنا إلى هذا المعنى وإلى جميع الأصول التي لديه في بنية كتبه الاقتصادية، نجد أن التوزيع قبل الإنتاج، وأثناءه، وبعده، وإعادة التوزيع بعد الإنتاج، كلها منظمة، وبالتالي فإن هذا الإشكال لا يرد.

البحث الآخر هو أنهم يصرحون بأن أصول المذهب تهدف إلى رفع المشكلة الاقتصادية، ويقولون إن مشكلاتنا نوعان: الظلم وكفران النعمة. ويفسرون الظلم بسوء التوزيع، وكفران النعمة بالتراخي في استغلال الطبيعة. وأنا أخمّن أنهم غفلوا عن مجال الاستهلاك، وأن نظرتهم كانت مركزة أكثر على مجال الإنتاج والتوزيع، لأن تفسير كفران النعمة بالتراخي في استغلال الطبيعة ينصبّ أكثر على الإنتاج، ولم يُرَ فيه جانب الاستهلاك، في حين أن من مصاديق كفران النعمة مسألة عدم الاستهلاك الصحيح، وأهم مشكلاتنا خاصة الاقتصادية والتبذير وغيرهما… التي وردت فيها أحكام كثيرة في الإسلام، وقاعدةً يجب استنباط أصول كلية لهذه المسألة. لذا، يجب أن يشمل التعريف جميع المجالات. وقد أشاروا إلى أن المذهب يتكون من قسمين ثابت ومتغير، وهنا موضع النقاش هو أنه إذا كان المذهب يبيّن أصول منهج الاكتشاف، فإنه لا يقبل التقسيم إلى ثابت ومتغير. وهم أنفسهم لم يذكروا في المبادئ المتغيرة ما هي الأصول المتغيرة، بل ذكروا الأصول الثابتة فقط. لذا، هذه أيضاً إحدى المشكلات.

البحث التالي، والذي له أهمية أيضاً في بناء الأنظمة، هو أنهم اعتبروا بحث المذهب الاقتصادي أساساً للحقوق الاقتصادية والمالية، وفي الحقيقة، اعتبروا الأحكام الحقوقية المتعلقة بالعلاقات المالية بين الأفراد والناس والدولة وبالعكس، هي أساسه. والأصول التي يستنبطونها تتعلق بهذا الجانب أيضاً. وهنا يُطرح التساؤل: أليس للأخلاق دور في حل مشكلات الدول والمجتمعات؟ أي، أليس لدينا أصول منهجية أخلاقية لحل المشكلات الاقتصادية؟ وكيف أنهم جعلوا الأحكام الفقهية وحدها هي المعيار واستنبطوا الأصول المذهبية من صميم الأحكام الفقهية؟

من الواضح على أي حال أن الأخلاق إن لم تكن أهم من الفقه في حل المشكلات، فهي ليست أقل أهمية. قد يقول قائل إن الفقه أعم من الأحكام الإلزامية وأحكام الاستحباب والكراهة وما إلى ذلك، وإن الأخلاق قد لوحظت في أحكام المستحبات هذه. وهذا القول أولاً: أن الأخلاق في التعريف مختلفة، وثانياً: أنهم اعتبروا الأحكام المستحبة ضمن منطقة الفراغ، واستنبطوا المذهب الاقتصادي من الأحكام الوضعية والإلزامية.

قد يُقال إن من كلماتهم يُفهم أنهم يقسمون جميع المعطيات الإسلامية إلى أخلاق ومفاهيم وأحاسيس وعواطف، ثم يقولون إن الأحاسيس والعواطف، التي هي قريبة من الأخلاق، تشكل نوعاً ما أساساً للأحكام الفقهية، وهي تؤثر من خلالها في حل المشكلات. في حين أن هذا محل تساؤل، فالأمر ليس كذلك؛ فإن تنظيم دوافع الإنسان وعواطفه وصفاته وملكاته، والتي ينظم الإنسان بناءً عليها أفعاله وعلاقاته مع نفسه ومع الله ومع الآخرين، يؤثر هذا مباشرة في تنظيم وحل مشكلات النظام. هذه كانت المشكلات التي ذكرتها في باب التعريف.

بالطبع، قمتُ أيضاً بدراسة التعريفات بعد الشهيد الصدر، وفي النهاية توصلتُ إلى هذا التعريف: «المذهب الاقتصادي في الإسلام عبارة عن قواعد كلية وثابتة تُستنبط من المصادر، وتشكل أساس الفقه والأخلاق الاقتصادية في الإسلام، وقد وُضعت لتنظيم العلاقات الاقتصادية في المجالات الثلاثة: الإنتاج والتوزيع والاستهلاك، بهدف حل المشكلات وتحقيق الأهداف الاقتصادية.»

منهج اكتشاف المذهب الاقتصادي في الإسلام

في منهج اكتشاف المذهب الاقتصادي في الإسلام، للشهيد الصدر بحث مفصل حول المنهج، وقد أوضحته بالتفصيل في المقال. يتناول في خمسة محاور: العلاقة بين المذهب والقانون المدني والنظام المالي، حيث يعتبر العلاقة بينها علاقة أساس وبناء فوقي. ثم بحث العمليات بين الاكتشاف والتدوين، حيث يجب علينا نحن أن نكتشف، بينما الآخرون يقومون بالتدوين.

ثم بحث طرق اكتشاف أصول المذهب التي يذكرها بطريقتين: إحداهما النصوص، أي نص صريح على أصل مذهبي، والأخرى من خلال الأحكام التي تعتبر بناءً فوقياً.

ولديهم محور آخر وهو أن طريقنا الرئيسي هو الانتقال من البناء الفوقي إلى الأساس، ومن الأحكام إلى الأصول. وبما أنهم يقولون لا توجد نصوص، فلا يمكننا الدخول في هذا البحث من هذا الطريق. وعندما يقصدون الوصول إلى الأصول من خلال الأحكام، يأتي بحث الاجتهاد، وقد شرحوا الاجتهاد وذكروا خطر تدخل الخصائص الذاتية للمجتهد في منهج الاستنباط، وهو ما شرحته أنا بالطبع.

ثم بحث الخلط بين النصوص التشريعية النظرية والتطبيقية، وقد ذكروا أن أصول المذهب يجب أن تُستخلص من النصوص التشريعية النظرية، وبالتالي فإن النصوص التطبيقية يجب ألا تضللنا. ما أركز عليه هو قولهم إنه بما أن الاجتهاد عرضة للخطأ، فمن المحتمل أن يستنبط المجتهدون المختلفون أحكاماً شرعية مختلفة عند الرجوع إلى الآيات والروايات – لنفترض أن لدينا نوعين من الاستنباط: أحدهما استنباط الأحكام الشرعية، والآخر استنباط الأصول من الأحكام – ويقولون في الاستنباط الأول، بما أن المجتهد يخطئ واحتمال الخطأ موجود، فإن المجتهدين المختلفين لديهم استنباطات مختلفة، وبالتالي فإن مجموعة الأحكام التي يتوصل إليها كل مجتهد تختلف عن الحالة المماثلة. لذا، فإن الأصول المذهبية في الاجتهاد الثاني تختلف عن الأصول المذهبية لمجتهد آخر، وبالتالي في مرحلة السقوط، ورغم أننا لا نملك سوى مذهب واحد، إلا أننا في مرحلة الاكتشاف والاستنباط والإثبات قد نواجه مذاهب متعددة من قبل مجتهدين متعددين، ولكنهم يقولون لا إشكال في ذلك، وأن من يريد تطبيق هذا المذهب فله حرية الاختيار، لأن الحقيقة منتشرة بين هذه الاجتهادات، وكلها حجّة لأن منهج الاجتهاد قد روعي فيها، ولذا يمكنهم تطبيق الأصول التي يرونها أكثر فاعلية. لا مشكلة لدينا حتى هنا.

إمكان استنباط أصول المذهب من قبل المجتهد

المطلب الثاني الذي يقولونه، وهو محل بحثنا: لا يستطيع مجتهد، بالاستناد إلى فتاواه الخاصة، استنباط أصول مذهب متماسكة. لماذا؟ لأن جميع فتاوى المجتهد لا تتطابق مع الواقع بسبب احتمال وجود الخطأ المذكور. وفي الوقت نفسه، قال الإسلام إن المجتهدين إذا التزموا بمنهج الاجتهاد واستنبطوا على هذا النحو، فإنهم لم يرتكبوا ذنباً، وخطؤهم لا يُعد ذنباً. لذا، لا بد أن يصل المجتهد إلى نقطة يستخرج فيها أصلاً من عدد من الأحكام التي استنبطها، وهذا الأصل المستنبط من الأغلبية لا يتوافق مع عدد من الأحكام التي استنبطها في نفس الباب. هذا يُعد علماً إجمالياً، ومفاده أن إما هذه الأصول المستخرجة (٨٠%) خاطئة أو أن الأصول المتبقية (٢٠%) المستخرجة خاطئة. هذا العلم الإجمالي لا يسمح له بالتخلي عن الـ ٢٠%، لأنه استنبطها من النصوص، وراعى فيها منهج الاجتهاد، ولذا فهي حجة. هناك احتمال وجود خطأ، ولذلك لا يستطيع التخلي عن الأحكام. فماذا يفعل؟ يأخذ الـ ٢٠% ويستبدلها بـ ٢٠% أخرى. ٢٠% من فقيه تتوافق أصوله مع ٨٠% من أصوله هو. وبما أنهم واجهوا هذا الإشكال، فقد اضطروا للقول بأننا يجب أن نستخرج الأصل من فتاوى مختلفة، وهذا ما أدى إلى إشكالية أن هذا لا يُعد حجية. وما هذا الأصل الذي تُنسبونه إلى الإسلام؟ وأين حجيته؟ في البحث السابق، لم نكن نبحث عن الحجية، لأن من أراد التطبيق كان بصدد الاختيار من بين عدة مذاهب اقتصادية استنبطها عدة مجتهدين. ويمكنه الاختيار في مقام التطبيق. ولكن هنا يختلف الأمر، لأنه يريد استنباط أصل مذهبي من خلال ٨٠% من فتاواه و ٢٠% من فتاوى آخرين قد لا يقبلها على الإطلاق، ولذا يُثار الإشكال بأن هذا لا يُعد حجية. وهنا ذكرنا أن هذا المطلب فيه إشكالان: أولاً، أنكم بتجاهل ٢٠% واستبدالها بـ ٢٠% أخرى، قد أصلحتم صورة المسألة، وإلا فإن ٢٠% من فتاوى الآخرين لم تتدخل في اكتشاف الأصل، لأن هذا الأصل استنبط من فتواك أنت، وقمت باستبدال الـ ٢٠% الأخرى التي لم تكن متوافقة بشخص آخر. ولنلاحظ أن هذا الاقتباس لم يتم اللجوء إليه من البداية، ولذا فهو شكلي وليس له تأثير في استنباط الأصل. لذا، فقد استنبطتم الأصل بناءً على ٨٠%.

النقطة الثانية هي أنه لا يوجد هنا احتمالان بل ثلاثة احتمالات: أحدها أن تكون هذه الأحكام العشرين بالمئة المخالفة للأصل خاطئة. والاحتياط الثاني هو أن يكون هذا الأصل الذي استنبط من ٨٠%، وأن يكون الاستنباط الثاني خاطئًا. والاحتياط الثالث هو أن يكون كلاهما صحيحين، مع هذا التبرير: ليس بالضرورة أن تكون جميع الأحكام في باب واحد مبنية على أصل واحد (تبرير إثباتي)، وربما كان هناك أصل آخر كانت هذه الـ ٢٠% مفضلة عليه من حيث التطابق، ولذلك كُتبت بناءً على ذلك الأصل. أي في تعارض الأصول، كان ذلك الأصل هو الأهم، وكُتبت الـ ٢٠% بناءً عليه. وبما أن الاحتمال الثالث أيضاً قد راعيت فيه منهج الاجتهاد في استنباط الـ ٢٠% المخالفة، وكذلك الأصل المستخرج من الـ ٨٠%، لذا فلنأخذ بالاحتمال الذي يقول بأن كلاهما صحيحين. وذلك لأن احتمال الخلاف موجود في كل مكان، وليس لدينا علم بالخلاف، بل لدينا مجرد احتمال. لذا، فإن العلم الإجمالي قد انكسر بناءً على الاحتمال الثالث، وبالتالي تكون النتيجة أن المجتهد يمكنه استنباط أصول مذهبية بناءً على فتاواه الخاصة.

الحالة الأولى هي أن تكون معظم الأحكام مطابقة لأصوله، وأن عدد الأحكام غير المطابقة قليل لدرجة لا يُعتد بها، وفي رأيي لا توجد مشكلة هنا. وهناك حالة أخرى تكون فيها عدد الأحكام التي استُخرج منها الأصل ٨٠%، بينما ٢٠% من الأحكام مخالفة، وهنا أقول بالاحتمال الثالث أن كلاهما صحيح، وأن هذا الأصل قد استنبط بشكل صحيح.

وتبقى حالة واحدة، وهي أن يُستخرج أصل من ٥٠% وآخر من ٥٠% أخرى، وهنا لا يمكننا الثقة بهذا الاستنباط لأنهما يتعارضان، وهذا التعارض لا يسمح لنا باختيار الصحيح والأصل الباطل. وهذا يُظهر ابتكارين مهمين في هذا المقال: أولاً، أن المذهب يشمل الأخلاق، وأن الأصول الأخلاقية تُعد جزءًا من أصول المذهب، ويتم بناء الأنظمة مباشرة بناءً عليها في حل مشكلات البلاد. وذلك لأنه إذا ذهبت أصول الأخلاق إلى الطبقة السفلية من الأصول المذهبية، فإن من يقوم ببناء النظام هو الأصول المذهبية.

إذا تم ذلك إلى جانب الأصول المذهبية الحقوقية والأخلاقية، فإن بناء النظام سيُقام على هذه الأصول، وبالتالي يجد كل منها مكانته في مباحث بناء الأنظمة. أما الابتكار الثاني فكان في المنهج، حيث ذكرت أنهم حلوا مشكلة حجية المنهج في استنباط الأصول بهذا الحل المقدم.

حجة الإسلام الدكتور غلامرضا مصباحي مقدم (ناقد الكرسي): فيما يتعلق بجعل الشهيد الصدر العدالة معياراً مميزاً بين المذهب وعلم الاقتصاد، وليس معياراً مميزاً بين المذهب الاقتصادي في الإسلام والمذهب الاقتصادي الرأسمالي، والإشارة التي أوردها الأستاذ ميرمعزي في نص التقرير، وهي أن المذهب الرأسمالي لا يلتزم بالعدالة وأن العدالة ليست شاغلاً لهم، فإن هذا النقاش محل تأمل. فالشهيد الصدر إذا تحدث عن العدالة كمعيار مميز بين المذهب والعلم، فمقصوده هو أن المباحث المعيارية (القيمية) لها مكان في المذهب ولا مكان لها في العلم، وأن المباحث العلمية لا ترتبط بالمسائل القيمية والمعيارية. وما أفهمه ليس أن العدالة يمكن أن تكون محوراً، وأن الأمن أو النمو يكونان محورين آخرين إلى جانب العدالة. وبالطبع، ما أفهمه هو أن النمو هو شاغل علم الاقتصاد وليس المذهب الاقتصادي. وإذا اعتبرنا بيان الشهيد الصدر – كما يُفهم من كتاب “اقتصادنا” – هو اعتبار المذهب ذا طابع معياري، فإن هذا النقاش لا يبدو وارداً عليه. فالمذاهب – سواء كانت رأسمالية أو إسلامية – تسعى وراء مفاهيم في مجال المذهب الاقتصادي التي ترجع إلى المعايير (القيم)، وقد جعل العدالة رمزاً لهذه المعايير، ومن هذه الجهة لا أظن أن هذا النقاش وارد. وبالطبع، التوضيح الذي قدمه هو أن المقصود بالعدالة هو العدالة التوزيعية، قبل الإنتاج، وبعد الإنتاج، وإعادة التوزيع.

دور الأخلاق في الاقتصاد

موضوع الأخلاق الذي اعتبروه فاعلاً في الاقتصاد، ما أستنبطه من الشهيد الصدر هو أنه يُدخل الأخلاق في المفاهيم تحت عنوان دور المفاهيم، مثل مفهوم الملكية، وهو يعتبر هذا أمراً بصرياً (إبصارياً). وهذا البصيرة تؤدي إلى أنه إذا تحدثنا عن الملكية، فلا يلقي إلينا نظرة رأسمالية بحتة ومطلقة. بل يُفهم أن الملكية هي نوع من المسؤولية عن تقسيم الموارد لغرض الاستغلال والاستخدام وخدمة الإنتاج والتوزيع والاستهلاك. وإذا نظرنا إلى دور الأخلاق في قالب دور المفاهيم، كما في مسألة التبادل، فإن التبادل في الإسلام له مفهوم خاص، والمقصود هو أن هناك سلعاً وخدمات منتجة يجب أن تصل إلى سوق الاستهلاك، وهو نفسه نوع من الإنتاج، ومن هذه الجهة يبرر الحصة التي تصل إلى المبادل من الأرباح، وبهذه الطريقة يوضح دور الأخلاق تحت عنوان المفاهيم. أو الدور الذي تطرحه آيات القرآن مثل حرمة الربا، يطرحها في قالب المفاهيم، ومن هذه الجهة محل تأمل ما إذا كان قد تجاهل الأخلاق أو تتبعها في هذا القالب. في مسألة منهج الاكتشاف التي يطرح فيها الشهيد الصدر العلاقة بين المذهب والأحكام المالية، ومن خلال ذلك، يضع الشهيد الصدر عدة أسس لاستنباطه، أحد هذه الأسس هو الأحكام الحقوقية المتعلقة بالنظام الاقتصادي. وآخر هو النظام المالي الذي يشير إلى الخمس والزكاة، وآخر هو المفاهيم، وآخر هو مسألة منطقة الفراغ. إذاً، ليس الأمر كذلك أن نقول ببساطة إن الشهيد الصدر يريد أن يجعل أصول المذهب الاقتصادي من خلال العلاقة بين الأساس والبناء الفوقي مقتصرة على الأحكام الفقهية المتعلقة بالمسائل الاقتصادية؛ فالأمر ليس كذلك. بل وضع عدة أسس بجانب ذلك، وحتى أنني قدمت هذا في شكل مخطط، وهو أن لدينا مذهب الإسلام الذي تُستخلص منه الأحكام والأخلاق والمفاهيم والمعتقدات وما إلى ذلك، ومن مجموع هذه الأمور يُستخلص المذهب الاقتصادي في الإسلام. لذا، فإن العلاقة بين الأساس والبناء الفوقي هي علاقة هذا المجموع الكلي بأصول المذهب الاقتصادي.

اكتشاف المذهب الاقتصادي لا يحتاج إلى حجية

نقطة أخرى هي مسألة نشأة مذاهب مختلفة بناءً على فتاوى متعددة، وهي أيضاً مسألة حجية اكتشاف أصول المذهب من سلسلتي استنباط، إحداهما للمجتهد نفسه والأخرى للآخرين. بالطبع، أذكر حجة الشهيد الصدر حيث يقول إنه نظراً لأننا في الاستنباط الأول مضطرون للاستنباط بناءً على منهجنا الاجتهادي الخاص وتُستنتج أحكام، لكن ليس الأمر أن نقول إن هذه الأحكام المستخلصة تمثل الواقع، لا، بل هي نتيجة جهدنا. لقد حاولنا الوصول إلى الواقع، لكن لا نعلم إن كنا قد وصلنا أم لا. وذلك لأننا “مخطئة” ولسنا “مصوِّبة”. وبما أن الأمر كذلك، وعلى افتراض أن مدلول اجتهاد جميع الفقهاء يتمتع بالحجية، وعلى افتراض أننا ننوي تقديم صيغة للحاكم الإسلامي، فإن المجتهد الذي هو بصدد استنباط أصول المذهب، يمكنه عندما يرى عدم توافق ويريد استخلاص أصل، وهو لا يزال يرى نقصاً وقصوراً في استنباطه، وبالتالي لا يستطيع القول إن هذا هو الأصل الذي استخلصته، لذا يمكنه بمساعدة ٢٠% من الفتاوى التي قدمها الآخرون أن يكمل استنباطه. قولكم إنه يستخرج الأصل أولاً ثم يذهب إلى الآخرين، وهذا لا فائدة منه ولا دور له من هذه الجهة، لا، بل هذا يقدح شرارة في ذهنه أولاً، ويخطر بباله أصل، لكنه يرى أن هذا الأصل فيه نقض، لذا يستعين بفتاوى أخرى ليزيل نقص نظريته، ثم يصل إلى نتيجة أن هذا الأصل هو أصل مقبول.

إذا قبلنا مثل هذه المسألة، فإن قول الشهيد الصدر في مقام الاكتشاف، يختلف من حيث الحجية عن مقام استنباط الأحكام الأولية. أي أنه يقصد اكتشاف مذهب، ولذلك في استنباط الأحكام الأولية، كانت الحجية ضرورية لأنه يريد أن يتبعها في مقام العمل والسلوك. أما في مقام اكتشاف المذهب، فلا يوجد للمذهب الاقتصادي حكم أصلاً لتطالبوا بتنفيذه وتقولوا بناءً على أي حجية؟ بل هو يقدم لكم نظرية وأمراً نظرياً وليس أمراً عملياً، وهذه النتيجة النظرية قابلة للدفاع عنها نظرياً. الحجية في مقام الاتباع والطاعة تختلف عن الحجية في مقام التنظير. ولقد كان ناجحاً تماماً في هذه المسألة، وهي محل تأمل من هذه الجهة. والآن أنا نفسي، عندما قرأت كتاب “اقتصادنا”، بدا لي أن الشهيد الصدر قد أرهق نفسه بلا داعٍ وتناول اختلاف آراء الفقهاء، لأن موضوع اختلاف الآراء ليس في الأصول بل في الفروع. انظروا، في النظرية الاقتصادية الرأسمالية، هناك عدة أصول مهمة، وهذه الأصول متفق عليها بين مجموع التيار الرأسمالي. على سبيل المثال، مبدأ الملكية الخاصة، والآن هناك اختلاف في الأبعاد المتعلقة به، لذا فإن محورية وأصالة مبدأ الملكية الخاصة هو الأصل. ترون في الدول الاسكندنافية أنهم قد قبلوا نفس المبادئ الرأسمالية، ولكن من حيث الأداء، تختلف كثيراً عن رأسمالية إنجلترا أو أمريكا. الرأسمالية الفرنسية تختلف عن الإنجليزية، لكن أياً منها لا يقول إن هذا مذهب آخر قد تحول إلى اشتراكي، على الرغم من أن شبهة العمل الاشتراكي قد ظهرت فيما يخص الدول الاسكندنافية، لكن في الحقيقة، أصحاب الرأي يطرحون بالضبط أن هذه رأسمالية، والرأسمالية قد مرت بعملية تطورية هنا واتبعت عملية إصلاحية حتى وصلت إلى هذه النقطة دون التخلي كلياً عن أصولها. في رأيي، يجب ألا نتدقق بهذا القدر في المذهب الاقتصادي في الإسلام، ونتعمق في اختلاف الفتاوى ونجعلها أساساً. حتى بين الشيعة وأهل السنة، كمذهب اقتصادي في الإسلام، قد نكتفي بمذهب متفق عليه، وبالاكتفاء بالخطوط العريضة، وليس الخطوط الدقيقة. إذا اعتمدنا الخطوط العريضة والخطوط الكبرى، فإن هذه الأقاويل لن تكون موجودة أصلاً. لن يظهر هذا الاختلاف في الآراء، وهذا الكلي يمكن للشهيد الصدر والآخرين أن يتوصلوا إليه بالاعتماد على استنباطاتهم.

حجة الإسلام الدكتور مجيد رضائي (الناقد): أتذكر سابقاً أننا كنا نقوم بمثل هذه المباحث وتوصلنا إلى أن الشهيد الصدر قد استخدم الأحكام، ثم استفاد من آراء فقهاء آخرين، وكان السيد مكارم يقول إنه يمكنكم بدلاً من ذلك استخدام القواعد الفقهية. هذا البحث مهم وأساسي حقاً، وقد قُلّ الاهتمام به. يجب علينا أولاً حل مسألة لماذا نريد بيان مذهب الاقتصاد الإسلامي، وما هي حاجتنا إليه ونحن نتمتع بالفقه والأخلاق وتفسير القرآن وعلم الحديث وغيرها… وقد أدى الإسلام وظيفته بهذه الأدوات على مدى ١٤٠٠ عام. ما هي الفائدة من المذهب الاقتصادي الذي صاغه الشهيد الصدر من منظور فقه الإمامية، باستثناء أننا نبين بإيجاز وجهات نظرنا الاقتصادية الكلية فيما يتعلق بالرأسمالية أو الاشتراكية؟ هل لهذا فائدة عملية تجعل السيد ميرمعزي يركز على هذه القضية، وما هي فائدة هذا العمل حقاً؟ لأنه كما ذكر هو بنفسه، ما لدينا في الدين والقرآن الكريم الذي وصل إلينا بالتواتر، وسنة النبي التي وصلتنا في الأقوال المتواترة أو الأحاديث المتواترة وغير المتواترة، ومن هذه المصادر وغيرها التي استخدمت خلال هذه المدة، قد استفاد منها الفقه والأخلاق. فهل كنا نفتقر لشيء في المنتصف؟ وهل كانت لدينا مشكلة كان هذا سيحلها، وها هي الآن أصبحت مشكلة بحد ذاتها! والآن نحن بصدد حلها.

هناك مسألة أخرى طرحها السيد ميرمعزي بخصوص الأخلاق والفقه، وأود أن أقول: بما أننا ندخل في الاقتصاد، فلا ينبغي أن يكون التصور أن الاقتصاد هو مجرد بحث نظري. إنه ليس بحثاً نهتم به تاريخياً أو اعتقادياً فحسب، بل يجب أن يكون عملياً. والإسلام عندما يريد أن يصبح عملياً، يتحول إلى فقه. والمسائل الأخلاقية التي أشار إليها السيد ميرمعزي، عندما تُطبّق عملياً، تظهر في الفقه نفسه. بالطبع، لدينا في الفقه أن الكذب حرام لأنه يضر بأنفسنا ويسبب لنا مشكلة من حيث سمو الروح. نظرة الأخلاق تختلف عن نظرة الفقه؛ فالأولى ترى الأحكام، والأخرى ترى تأثيرها في نفس الإنسان. لكن عندما تريد أن تُطبّق عملياً، تكتسب الأخلاق قالب الفقه، أي أنك إذا وجدت مسألة أخلاقية لا يتناولها الفقه، فلن تجدها. كل مسألة أخلاقية مثل الكذب والغيبة وغيرها… أحياناً يذكرها الفقهاء بوضوح وصراحة، أو يحيلون إلى كتب الأخلاق التي تكفي.

يرى المرء كيف يقوم الفقيه، عندما يريد أن ينظر في بحث أخلاقي، بتوسيعه ويدقق في التفاصيل، وليس الأمر مجرد كلام عام له جانب الوعظ. لذا، لا أشعر أنه إذا تم الاهتمام بالفقه كاملاً، فإن الأخلاق ستضيع فيه، وليس الأمر كذلك. وما تهتم به الأخلاق، من وجهة نظر أخلاقية، هو أن يكون عملياً.

مسألة أخرى تتعلق بالعدالة الاجتماعية، في رأيي، من خلال كلام الشهيد الصدر، يُرى أن العدالة الاجتماعية أوسع من مجرد توزيع الدخل. كونهم يؤكدون على توزيع الدخل، فذلك لأن المشكلة في ذلك الوقت كانت حول هذا الموضوع، وكان الصراع الرئيسي بين الماركسية والاقتصاد الرأسمالي يعود إلى الملكية، وكان النقاش يدور حول تخصيص شيء من هذا الثروة الموجودة في العالم للفقراء. أما أن شخصاً يستهلك أكثر من اللازم، فكانت هذه هي الصورة الثانية للمسألة. كتاب “اقتصادنا” كُتب قبل حوالي ٧٠ عاماً، وفي ذلك الوقت كانت المباحث الاقتصادية تختلف عن اليوم، وكانت تركز أكثر على مباحث الإنتاج التي كانت أكثر أساسية.

نقطة أخرى للسيد ميرمعزي بخصوص الثابت والمتغير: لدينا في الإسلام حالات أكثر تحديداً، أي الثوابت والضروريات التي لا شك فيها منذ البداية وحتى الآن، وهناك إجماع عليها دائماً، والباقي سمي متغيراً، أي المسائل التي تُستفاد من الظواهر وأحياناً تكون تفسيراتها مختلفة.

في كتاب السيد ميرمعزي الذي كُتب حول النظام الاقتصادي، اعتبرتم بعض الأمور ثابتة، وقد تكون مختلفة من وجهة نظر مجتهد آخر. الثابت قد يكون في ذهن مجتهد واحد، وفي الإسلام قد يكون من الأمور التي تحتمل إعادة التفسير أيضاً.

على سبيل المثال، ورد قول عن النبي الكريم، ونفترض أن كل ذلك من الثوابت، وقد وصل إلى هذا العصر حيث كانت الآثار زراعية ولم تكن هناك آلات، لذا القول صحيح ولكن له عدة قيود، مثل مسألة الإذن من الحكومة، أو أن النبي نفسه قدم هذا المطلب كحاكم، والآن يجب أخذ الإذن من الحاكم الحالي. لقد أوردنا سلسلة من القيود، ويبدو أن هذه القيود كانت أيضاً من المتغيرات. الثابت هو مثلاً مصلحة المجتمع، فبناءً على مصلحة المجتمع، يمكن لولي الأمر وإمام المجتمع وضع قيود على تصورات المجتمع. يمر زمن، مثلاً ألف عام كان ثابتاً، والآن يتغير، لذا ما نسميه ثابتاً ومتغيراً قد يتغير، ولكن مثلاً شرب الخمر أو مبدأ الملكية الخاصة لا يتغيران أبداً؛ لذا ما نعتبره ثابتاً قد يكون محدوداً.

بقدر ما ندخل في المباحث الفقهية، يمكن أن تكون هذه المسائل متغيرة، وذلك لأن الفقهاء العظام يبنون على أن يتعرفوا على الموضوع بدقة ويثبتوا أن الموضوع كان ثابتاً عبر الزمن ليتمكنوا بعد ذلك من إعلان حكمه، وذلك لأن الموضوعات متغيرة عبر الزمن، وبالتالي يمكن أن تتغير الأحكام أيضاً.

لم أفهم نقطة أخرى بخصوص عمل ولي الأمر، فولي الأمر هو نفسه مجتهد، وبأي حكم يعمل؟ برأيه أم بآراء الآخرين؟ إذا كانت الأحكام التي استنبطها لا تتناسب مع الإطار ولا قابلة للتطبيق، فمثلاً، الإمام الراحل في بعض المسائل الاقتصادية لم يكن يعمل بفتواه الخاصة، بل كان يرجع إليها. على سبيل المثال، غرامة التأخير هذه، التي كان هو نفسه معارضاً صريحاً لها، لكنه في الوقت نفسه اكتفى برأي مجلس صيانة الدستور وقبله، وبالتالي أصبحت سارية عملياً. فولي الأمر الذي ذكرتم أن هناك خلافاً، هو في تلك الحالة مضطر للعمل بما يخالف اجتهاده الخاص.

حجة الإسلام الدكتور حسين ميرمعزي: مع الشكر للأساتذة الكرام، فيما يتعلق بمسألة لماذا اتجهنا أصلاً نحو المذهب، فهذا له سبب واضح. بناء الأنظمة يدفعنا نحو هذا الاتجاه. ومن النقاط التي كان يذكرها آية الله الحائري هي أن الفقه كافٍ ولا يحتاج إلى أصول. والشهيد الصدر أيضاً يصرح بأن أصول منهج حل مشكلات البلاد لا تُستخلص من الفقه، وإذا أردتم تطبيق الفقه في هذا الصدد، فأنتم بحاجة إلى أصول ومنهج.

الشهيد الصدر يرى الأخلاق في الطبقة الخفية للمذهب لا في الطبقة الظاهرة

فيما يتعلق بمباحث الأخلاق، فالشهيد الصدر لم يغفل عن بحث الأخلاق بالكامل، بل رآها في الطبقة الخفية للمذهب لا في الطبقة السطحية.

يقول الشهيد الصدر إن المعتقدات والمفاهيم والعواطف تؤثر في من يستنبط الأحكام من الآيات والروايات. أي أنه عندما يريد استنباط الحقوق أو العلاقة المالية بين الدولة والناس، فإن النصوص، والمعتقدات، والمفاهيم، والعواطف، كلها تتدخل في استنباطه، ولذلك يمكنه الاستنباط بشكل صحيح. أما أن تكون الأخلاق نفسها، بالتوازي مع الأحكام المدنية والمالية، مرجعاً لاستنباط الأصول، فهذا لا يقولونه، وهذا هو إشكالنا. لنفترض أننا نستنبط من الأحكام الأخلاقية، الإنصاف والاعتدال، وهذين المبدأين، الإنصاف والاعتدال، قابلان للاستنباط، وهما مطلوبان في أنظمة أخرى تتعلق ببناء السوق، وهما يحلان الكثير من المشكلات.

كما لو أنكم رأيتم كتب اليسار، فإن أحد مباحثها هو أن الأخلاق بمثابة مرشح (فلتر) يجب على الفرد الذي ينوي دخول السوق أن يمر به لكي لا يرتكب مخالفات، والحقوق هي المرشح الثاني. أما أن نعرف ما هو الفقه أو الأخلاق، أو أننا لا نحتاج إلى الأخلاق، وأن كل ما نريده موجود في الفقه – وهذا خطأ في رأيي – لذا يجب رؤية الأخلاق بالتوازي مع الفقه، وليس فقط الحقوق المالية والمباحث الاقتصادية مثل أحكام الاستهلاك والإنتاج، بل يجب رؤية كل ذلك. وقد كان سبب اتجاه الشهيد الصدر نحو الحقوق المالية والمدنية هو أن وجهة نظره كانت توزيعية وتركيزه كان على دائرة الحقوق لا الأخلاق. وبالطبع، هذا البحث يحتاج إلى مزيد من التأمل.

فيما يخص البحث الثاني، لنفترض أن كل مجتهد يستطيع، بمجموع فتاواه، الوصول إلى أصول مرجعية متماسكة، فلا إشكال في ذلك. ولكن بما أن الفقهاء مختلفون فيما بينهم، وبالتالي فإن الاستنباطات تتفاوت، لذا يمكن استنباط مذاهب متنوعة تلقائياً.

ولي الأمر نفسه أيضاً، لنفترض أنه يستنبط مذهباً واحداً بناءً على فتاواه الخاصة. لكن ليس في مقام استنباط حكم الله، بل في مقام التنفيذ؛ فبأيٍّ منهما يعمل وهو يعلم أن بعض فتاواه قد لا تكون صحيحة؟ لذا فإن الحقيقة متفرقة في الاجتهادات المتعددة، والحل هو أن يعرف أياً من هذه الاجتهادات يحل المشكلات في المجتمع بشكل أفضل ويختارها، وهذا ما أقبله أنا أيضاً. لكن لديهم قول آخر وهو أن المجتهد لا يستطيع استنباط أصول مذهبية متماسكة بناءً على فتاواه الخاصة.

قال الأصدقاء إن سبب لجوء المجتهد إلى فتاوى أخرى هو لكي يطمئن هو نفسه إلى المسار الذي وصل إليه – لأي سبب كان – فلماذا يذهب إلى فتاوى وجدها وأيدها بنفسه؟ أي أنه يجب أن يذهب إلى فتاوى أخرى أو حتى مخالفة لفتواه، لذا قولي هو أنه عندما يسعى للعثور على فتواه، فإنه يجد أصلاً في هذا الصدد، ويتردد له أصل في ذهنه، ويصادف أن يصل إلى أن الأصل الذي وجده يتعارض مع بعض مبادئ فتاواه الخاصة. تقولون إنه لكي يطمئن إلى أن الأصل الذي استنبطه صحيح أم لا، بدلاً من أن يذهب إلى الـ ٢٠% المخالفة، يذهب إلى الـ ٢٠% الموافقة، ونتيجة لذلك، هذا ليس معنى الاطمئنان، بل لكي يطمئن، يجب عليه أن يبحث ويتحرى، وقد يصل حتى إلى تعارضات ومخالفات لأصله ويتخلى عن أصله. في رأيي، هذا الإشكال وارد، فإذا كان علينا البحث عن الأصل، فبناءً على النقطة التي ذكرتموها، لذا يجب أن تُرى جميع الفتاوى.

المصدر: العلاقات العامة والإعلام في المعهد العالي للثقافة والفكر الإسلامي.

Source: External Source