الدكتور محمود حكمتنيا، الذي اشتهر أكثر بجوانبه القانونية، لم تكن دراسته الحوزوية أقل من جهوده القانونية. هذا الشخص، الذي كان نائبًا سابقًا لوزير العدل لشؤون الملكية الفكرية، لطالما أبدى اهتمامًا بدراسة الموضوعات الجديدة، سواء كانت لعبة كمبيوتر، أو الميتافيرس، أو تحدٍّ جديد في القانون الدولي. تحدثنا معه حول اللعب وأثره في حرمة الأعمال الفنية. ويرى هذا القانوني المتميز أن اللعب في حد ذاته لا يترتب عليه حكم، وما قد يؤدي إلى حرمته أو عدم رجحانه هو المقارنات المصاحبة له. عضو مجلس البحث في معهد الدراسات الفقهية المعاصرة قدم ملاحظة دقيقة حول أنواع المقارنات كانت بدیعة. وفيما يلي نص الحوار الخاص مع أستاذ معهد الثقافة والفكر الإسلامي:
الفقه المعاصر: ما هو اللعب؟ وهل يمكن تطبيقه على أنواع الفنون؟
حكمتنيا: في أدبيات معارفنا الدينية، نواجه ثلاث كلمات: اللَّهو، واللعب، واللغو، ولكل منها أبعاد مختلفة. في الأدبيات الفقهية أيضًا، تم تناول مواضيع متنوعة في مجال اللعب واللَّهو واللغو، وسأذكر فقط عناوينها، ثم أنتقل إلى الموضوع الذي سألتم عنه بشأن اللعب. هناك بحث نفسي حول الآثار النفسية للعب واللَّهو واللغو على الإنسان، وهذا يتطلب مجالًا آخر. ثانيًا، من حيث القيم الأخلاقية، أين يقع هذا الأمر؟ خصوصًا في مجال اللَّهو واللغو، حيث يتم مناقشته أكثر، بينما في مجال اللعب، تكون المناقشة أقل. وأخيرًا، الأبعاد الاقتصادية للعب ستكون محور حديثي الأخير.
عندما تريدون مناقشة اللعب، فإن اللعب يُقصد به أكثر ما يُسلّي الإنسان ويوفر له الترفيه والراحة. بمعنى أننا في اللعب نركز على أمر داخلي وجوهري، لكن عند مقارنة اللعب باللَّهو، فإن تأثيره في أمر آخر هو المقصود. في الأدبيات القرآنية أيضًا، نجد الأمر كذلك. على سبيل المثال، في سورة الجمعة، يُذكر اللَّهو كأمر يمنع الإنسان من الانشغال بالأمور المهمة الأخرى، بينما اللعب لا يحمل هذه الحالة المقارنة، لأن جوهر اللعب هو التسلية. وقد يكون هذا الترفيه، حتى من الناحية النفسية، مفيدًا للانشراح أو لأعمال أخرى يريد الإنسان القيام بها لاحقًا. لذا، اللعب ليس بمعنى العبثية أو عدم جدوى العمل.
النقطة الأخرى التي يجب الانتباه إليها هي أن كلمة “اللعب” في بعض الحالات التي وردت في القرآن ليست موضوع الحكم، على عكس اللَّهو الذي جُعل موضوعًا للحكم، مثل آلات اللَّهو التي لها حكم مستقل.
لذا، إذا أردنا الجمع هنا، يبدو أن اللعب من حيث ذاته يحمل حسنًا أخلاقيًّا، وإن كان قد يختلف بحسب الآثار أو الدوافع المترتبة عليه. في المفاهيم القانونية والأخلاقية، يختلف الحكم بحسب دوافع الأفراد أو بحسب الآثار المترتبة عليه.
في المجال الذي نتحدث عنه الآن، نفصل بين اللعب والرياضة والتربية البدنية. التربية البدنية هي برنامج هادف أساسًا لتقوية القدرات الجسدية والروحية للإنسان، وهي خارجة عن موضوع النقاش لأن لها وظيفة إيجابية جدًّا، وقد تكون واجبة لبعض الأشخاص لأغراض علاجية. لذا، نخرج التربية البدنية من النقاش.
أما في مجال الرياضة، فيجب القول إن الرياضة اليوم أصبحت أمرًا اقتصاديًّا وصناعيًّا واجتماعيًّا. على سبيل المثال، مباراة كرة القدم هي تصميم اقتصادي وصناعي تتحرك فيه كميات كبيرة من الأموال. لذا، إذا أردنا مناقشة الرياضة، يجب أن نتحدث عنها ككل، أي كصناعة وليس كفعل واحد. الرياضة تخلق دخلًا اقتصاديًّا كبيرًا وتؤدي إلى تحريك أموال ضخمة، لذا لا يمكن تناول أدبياتها فقط من باب اللعب، بل هي برنامج اجتماعي له آثار واسعة جدًّا. الرياضة تخلق ترفيهًا وعملًا ووظائف عامة. من هذا المنظور يجب النظر إلى الرياضة. فالرياضة صناعة، وقد يكون أحد جوانبها الصغيرة هو الجانب اللعوبي أو الترفيهي، لكن اليوم عند الحديث عن الرياضة لا يقتصر الأمر على ذلك، بل تؤخذ الجوانب الاقتصادية والاجتماعية في الاعتبار أيضًا.
الجزء الآخر من اللعب هو مجال الترفيه. الترفيه لا يحمل تلك الهادفية الموجودة في الرياضة، بل هو مجال منفصل له آثار إيجابية مثل التسلية وانشراح الصدر. الترفيه أيضًا يُعتبر اليوم صناعة. وبالنظر إلى هذه النقطة، لتحليل أدق، يجب أخذ العناوين الاقتصادية والاجتماعية التي تترتب على الألعاب والترفيه والرياضة في الاعتبار لنتمكن من تحليلها لاحقًا. من هذا المنظور، الألعاب والترفيه والرياضة هي مصطلحات اقتصادية وثقافية وقانونية، يجب دراسة كل منها بناءً على أساسها واعتبارها صناعة. نعم، قد تؤثر الطبيعة الترفيهية واللعوبية لهذه الأمور في السياسات الاجتماعية الكبرى.
في الجمع بين هذه الأمور، يمكن القول إن لدينا ثلاث كلمات: اللَّهو، واللعب، واللغو. في مجال اللعب، يُقصد بالجوهر الذاتي الترفيه والراحة واللعب. من الناحية الأخلاقية، يبدو أنه لا يترتب حكم على نفس اللعب. ومن الناحية الفقهية أيضًا، اللعب كونه ترفيهًا وراحة لا يترتب عليه حكم بذاته. لذا، تبقى العوامل أو العناوين العَرَضية التي تترتب على اللعب، والتي جُعلت في الفقه موضوعًا للحرمة. على سبيل المثال، إذا وقع اللعب تحت عنوان اللَّهو، يترتب عليه حكم اللَّهو، ومن الناحية الأخلاقية يترتب عليه الحكم الأخلاقي للعمل اللَّهوي.
أما كيفية تصميم اللعب في النظام الاجتماعي، فهذا يعتمد على سياسات النظام الاجتماعي تجاه الترفيه والرياضة كأمر اجتماعي واقتصادي. إذا كانت السياسة تعتبر هذه الأمور كوظائف مدرة للدخل وكأمر اجتماعي يمكن أن يخلق ترفيهًا اجتماعيًّا وفرحًا اجتماعيًّا وشعورًا بالفخر الاجتماعي، فإنه ينبغي الاستثمار الجيد فيها. على سبيل المثال، تستثمر الحكومات في الرياضات البطولية لأنها تؤمن بأن تأثير الرياضات البطولية في تعزيز الروح الوطنية وخلق النشاط الوطني وبرامج وطنية كبيرة جدًّا.
الفقه المعاصر: هل تطبيق عنوان “اللعب” أو عدم تطبيقه من وظائف الفقيه أم العرف العام أم المكلف؟
حكمتنيا: إذا قبلنا أن اللعب جُعل حكمًا ومؤثرًا في القضايا الفقهية، فيجب مناقشته من جهتين. الأولى هي المفهوم الأساسي له، والذي يتطلب عملًا فقاهتيًّا. لكن ما الذي يجب على الفقيه فعله عند الرجوع إلى المفهوم؟ الجواب هو أنه يجب الرجوع إلى الخبير العرفي. لذا، فإن العمل فقهي، لكن الأداة التي يستخدمها الفقيه لفهم المفاهيم هي العرف. بعد توضيح المفهوم، في مرحلة تطبيقه على المصاديق، يجب الرجوع إلى الخبراء. ومع ذلك، يرى الشيخ النائيني والإمام الخميني أن التطبيق هو عمل العرف الدقيق. لكن بما أن كل مصداق قد يحمل خصائص معينة تتطلب إعادة التعرف على المفهوم فيه، يبدو أن هذا التطبيق هو تطبيق خبرائي بطابع فقهي، أي أن هناك ذهابًا وإيابًا بين الفقيه والخبير حتى يتم التطبيق النهائي. أما العناوين الثانوية التي تترتب على اللعب فهي فقهية بطبيعتها، وهي من اختصاص الفقيه. لكن تحديد المفهوم يقع على عاتق العرف، والتطبيقات تكون مماثلة للعناوين الأولية، حيث يجب أن تتم في ذهاب وإياب بين الفقيه والخبير.
الفقه المعاصر: هل يوجد دليل شرعي يدل على حرمة أو عدم رجحان اللعب بشكل مطلق؟
حكمتنيا: من خلال ما بحثته، ينبغي القول إن معظم الفقهاء تناولوا موضوع اللَّهو وليس اللعب. كما أن العديد من الآيات والروايات لا تهدف إلى بيان الأحكام الأخلاقية أو الفقهية أو القانونية، بل في الحقيقة تعبر عن نوعية النظرة إلى الدنيا، أي أنها تخلق نمطًا ذهنيًّا يوضح كيف ينبغي أن تكون نظرتكم إلى الدنيا. لذا، إذا لم نتمكن من استخلاص حكم اللعب من هذه الأدلة، يبدو أنه لا يوجد دليل على حرمته أو عدم رجحانه. فضلاً عن ذلك، كما أشرت، يمكن تصور نتائج ودوافع إيجابية جدًّا للعب في المجتمع.
الفقه المعاصر: هل يوجد فن يُعتبر بذاته مصداقًا للعب، أم أنه دائمًا ما يُعتبر مصداقًا للعب بسبب مقارنات مثل اختلاط الرجال والنساء، أو المحتوى غير المناسب أو المضلل؟
حكمتنيا: جوهر اللعب هو مجرد نوع من الترفيه ولا يحمل محذورًا. لذا، إذا كان هناك دليل على الحرمة أو عدم الرجحان، فسيكون بسبب المقارنات المصاحبة له. لكن يجب الانتباه إلى أن المقارنات نوعان. بعض المقارنات هي مقارنات عرضية، على سبيل المثال، إذا أراد شخص أن يلعب وذهب ليلعب مع الجنس الآخر، فاللعب مع الجنس الآخر ليس جزءًا من اللعب أو من اللعبة. أما في اللَّهو، فإن المقارنات المصاحبة له هي من نوع المقارنات الملزمة. سأضرب مثالًا: في إحدى المؤتمرات الخارجية التي شاركت فيها، كان لديهم برنامج لَلَّهو، لكننا لم نشارك. في رأيي، كان جوهر البرنامج وتصميمه من قبلهم حرامًا، أي أن البرنامج صُمم أساسًا بسبب تلك المقارنات واستمد معناه منها، وليس أن المقارنات كانت مصاحبة له بشكل عرضي أو اتفاقي، لأنه لو لم تكن تلك المقارنات موجودة، لفقد البرنامج خاصية التسلية التي يتمتع بها.