ما هو معروف منذ القديم هو النزاع بين الفنانين والفقهاء؛ الفنانون يرون الفقهاء متزمتين، والفقهاء يرون الفنانين كمطربين وغير مبالين بالدين. لكن هل هذه هي الحقيقة؟ الحجة الإسلام ناصر الدين أنصاري القمي، الذي حضر دروس المراجع لسنوات طويلة، ويعمل منذ زمن طويل في تدريس المستويات العليا في الحوزة العلمية بقم، له رأي آخر. يرى أنه لا يمكن القول بشكل عام إن الفقهاء يعارضون الفن؛ بل إن هناك العديد من الفقهاء الذين مارسوا الخط، والشعر، ورسم الوجوه، والموسيقى. الحوار مع عضو مجلس الاستفتاء للمرحوم آية الله علوي گرگاني كان مليئًا بالنقاط التاريخية المثيرة للاهتمام والتحليلات الجديدة. وفيما يلي نص الحوار الخاص مع هذا الأستاذ والكاتب في الحوزة العلمية بقم:
الفقه المعاصر: هل يمكننا، بناءً على فتاوى الفقهاء في مجالات الفنون التمثيلية، النحت، الرسم، الرقص، والموسيقى، أن نستنتج أن النهج العام للفقهاء تجاه الفن هو نهج متشائم وسلبي؟
أنصاري القمي: الفن هو مفهوم عام وشامل. بعض الموضوعات التي ذكرتموها، مثل الرسم، النحت، الموسيقى، والرقص، هي مفاهيم عامة تنقسم في فقهنا إلى تفاصيل وفروع، بعضها اعتبرها الفقهاء حرامًا لأنها تناسب مجالس اللهو واللعب؛ على سبيل المثال، اعتبروا صناعة تمثال ذي روح وكامل مع رأس حرامًا، لكن إذا كان التمثال مع رأس ولكن بدون أجزاء أو أعضاء، أو حتى بدون رأس، فلا يعتبرون صناعته حرامًا. الرقص أيضًا له حالات استثنائية؛ على سبيل المثال، رقص المرأة لزوجها، أو بعض الفقهاء استثنوا الرقص في المجالس النسائية أو في حفلات الزفاف واعتبروه جائزًا. وكذلك بالنسبة للموسيقى، فقد قسموها إلى موسيقى لهوية وغير لهوية، واعتبروا الموسيقى اللهوية والغناء المناسب لمجالس الفساد والعيش والطرب حرامًا، لكنهم أجازوا الموسيقى غير المثيرة للطرب مثل الموسيقى العسكرية والبطولية وبعض أنواع الموسيقى الأخرى. لذا، لا يمكن القول بشكل عام إن الفقهاء يعارضون الفن، بل يجب الانتباه إلى الحالات، ومراعاة الاستثناءات بدقة، والتمييز بين فروع أنواع الفن المختلفة.
الفقه المعاصر: لماذا، على الرغم من أن الفقهاء لديهم نهج إيجابي تجاه فنون مثل الشعر، وقراءة القرآن، والتعزية، فإنهم يتعاملون مع فنون أخرى بنظرة سلبية؟
أنصاري القمي: يجب أن نفهم جيدًا مراد ومقصود هذا السؤال. أي الفنون عارضها الفقهاء؟ الفقهاء أنفسهم كانوا أهل فن. العديد من فقهائنا كانوا من أهل الخط والشعر والرسم، بل إن بعض الفقهاء تركوا رسومات ذات روح كإرث. المرحوم آية الله نجومي رسم وجوهًا، والمرحوم آية الله الشيخ رضا توحيدي رسم وجوهًا أيضًا. وكذلك الآن، هناك فقهاء في قم يرسمون الوجوه. من الواضح أن هؤلاء لا يقومون بأعمال محرمة، بل إن أعمالهم مستندة إلى فتاوى بعض الفقهاء. لذا، لا يمكن القول بشكل عام إن الفقهاء يعارضون الفن، بل إنهم يؤيدونه ويدافعون عنه. العديد من فقهائنا كانوا بارعين في الخط الجميل، ورسم الوجوه والصور، وفي فنون الموسيقى، وكانوا متخصصين في هذه الأعمال. ومن أمثلتهم يمكن ذكر المرحوم آية الله نجومي والمرحوم آية الله توحيدي في الرسم والخط، وبعض العلماء الآخرين في فنون الشعر، وخاصة الشعر العرفاني والعاشق.
الفقه المعاصر: فتاوى الفقهاء المعاصرين بشأن فنون مثل النحت، الفنون التمثيلية، الرسم، والموسيقى تتمتع بتساهل أكبر مقارنة بفتاوى الفقهاء السابقين. هل هذا التغيير في النهج ناتج عن تغيير الموضوع، أم تغيير نظرة الفقهاء، أم تغيير الظروف الاجتماعية وعدم قبول المجتمع لبعض الفتاوى؟
أنصاري القمي: يبدو أن جميع العوامل التي ذكرتموها لها دور في تغيير فتاوى بعض الفقهاء. نرى الآن أن النحت منتشر في المدن وفي ساحاتها، ولم يعد الناس ينظرون إلى التمثال بالنظرة القديمة، بل يعتبرونه رمزًا ووسيلة لتذكير واستذكار الشخصيات التاريخية. حتى الرسم والمسرح يُعتبران من مضامين الفن. والموسيقى كذلك، تُعتبر أحد أنواع الفن، مثل الموسيقى العرفانية والبطولية. بعض الأشعار العرفانية، عندما تُصاحب بالموسيقى، تؤثر في جسم وروح الإنسان. العديد من الفقهاء المعاصرين لم يعودوا ينظرون إلى الموسيقى والنحت والمسرح والسينما بالنظرة القديمة، بل يرونها كأدوات لترويج الدين أيضًا.
الفقه المعاصر: يبدو أن الفقهاء والفنانين توصلوا إلى اتفاق غير مكتوب، يقوم على أن الفنانين لا يلتزمون بالعديد من الفتاوى مثل حرمة صناعة تمثال ذي روح، أو وجوب الالتزام بالحجاب الكامل، أو عدم جواز العلاقة العاطفية بين الممثلين غير المحارم في الفنون التمثيلية وما شابه. ومن ناحية أخرى، لا يعطي الفقهاء تذكيرات بشأن عدم الالتزام بهذه الأمور، بل يشيرون إلى العديد من الأعمال الفنية التي لم تُراعَ فيها هذه المحرمات الفقهية كأعمال دينية وثورية (مثل أفلام مخرجين مثل حاتميكيا وطالبي وغيرهم). هل توافق على هذه القضية؟
أنصاري القمي: فتاوى الفقهاء لها مكانتها الشرعية والدينية، لكن تطبيقها في مجال الفن له مكانة أخرى. لا يمكننا أن نتوقع من جميع الفنانين أن يلتزموا بشكل كامل بفتاوى الفقهاء. ففي النهاية، للأفلام والمسرح متطلباتهما الخاصة. إذا أردنا تجريد هذه الفنون من هذه المتطلبات، فلن يبقى من الأفلام والمسرح شيء. الفقيه يصدر فتواه، لكن هل هذه الفتوى قابلة للتطبيق في المجتمع؟ هل يمكن الالتزام بحرفية الفتوى؟ هذا أمر آخر. فتوى الفقيه لا تتغير. حرمة العلاقة العاطفية بين الرجل والمرأة غير المحرمين تبقى في مكانها. من وجهة نظر الفقيه الذي يرى أن التمثال والصورة ذات الروح حرام، فتواه لم تتغير والحكم كما هو. لكن ربما لا يستطيع بعض مستويات المجتمع الالتزام بهذه الفتاوى ويقومون بأعمال أخرى. ليس كل الناس يتبعون فتاوى الفقيه. الفن السابع، أي السينما والمسرح، له متطلباته الخاصة وجمهوره الخاص. بعض الناس يقضون أوقات فراغهم بالمسرح والسينما، وبعض الفنانين والممثلين والمخرجين يجب أن يصنعوا الأفلام وفقًا لذوق وميول الجمهور. لذا، هنا نواجه ثنائية بين الفتوى وبعض مظاهر الفن. كل شخص يمكنه أن يتصرف وفقًا لذوقه وميوله. على سبيل المثال، يمكن للمتدينين أن يتجنبوا هذه الأمور. من ناحية أخرى، أولئك الذين ليسوا مقلدين لهؤلاء الفقهاء قد يكونون مقلدين لفقهاء يرون هذه الأمور جائزة. ربما يكون ظهور بعض الشعر أو وضع شعر مستعار جائزًا من وجهة نظر بعض الفقهاء، والناس الذين يشاهدون هذه الأفلام قد يكونون مقلدين لهؤلاء الفقهاء. يجب علينا أن نحمل الأمور على الصحة. ففي النهاية، للعيش في عالم اليوم متطلبات خاصة. في فن نظام الجمهورية الإسلامية، يجب أن نأخذ بعين الاعتبار بعض الاستثناءات؛ إما أن نتخلى تمامًا عن الأفلام والمسرح والسينما والموسيقى، أو أن نستجيب لمتطلبات العصر والمجتمع الخاص، ونتخلى عن بعض الفتاوى الفقهية السابقة، ونقرّ ببعض الاستثناءات، ونقول إن سوء الحجاب في الحالات التي لا تثير المشاهدين ربما لا إشكال فيه.