إشارة: الحجة الإسلام والمسلمين الدكتور سيد حسن وحدتي شبيري، بالإضافة إلى تمكنه من الفقه والأصول، يمتلك إتقاناً في علم الحقوق، خصوصاً الحقوق المدنية. عضو هيئة التدريس في قسم الحقوق الخاصة بجامعة قم، منذ عقود يمزج بين الأصول والفقه والحقوق في بحوثه وتدريسه في الحوزة والجامعة، ويتحدث عن هذه الثلاثة. فيما يتعلق بالأصول العملية في الفقه والحقوق المدنية، يرى أنه لا توجد أصلاً أصول عملية خاصة بالحقوق المدنية أو الفقه المدني؛ ولكن هناك أصول تُستخدم في الفقه والحقوق المدنية أكثر من غيرها من الأصول العملية، وتُعتبر أكثر تطبيقاً. رئيس مدرسة فقاهة عالم آل محمد (ع) الفقهية، تحدث في هذا الحوار الخاص عن الفرق بين العبادات والأحكام الاجتماعية من حيث درجة استخدام الأصول العملية.
فقه معاصر: هل للفقه والحقوق المدنية أصول عملية خاصة بهما ومختلفة عن سائر الأبواب الحقوقية مثل الحقوق الجزائية، الحقوق الدولية، والحقوق الأساسية؟
وحدتي شبيري: الأصول العملية ليست خاصة بالحقوق المدنية. الأصول التي تُستخدم للاستنباط من النصوص وغيرها هي نفسها التي نستخدمها في الحقوق المدنية. على سبيل المثال، في المادة ١٠٥٩ من القانون المدني، ورد أن زواج المسلمة بغير المسلم غير جائز. فهل لهذه المادة مفهوم مخالف بمعنى أن زواج المسلمة بغير المسلم فقط هو غير الجائز، وبالتالي زواج الرجل المسلم بامرأة كافرة لا مانع منه؟ هذه الأمور، مثل وجود مفهوم مخالف أو عدمه، هي أمور مشتركة بين الفقه والحقوق، بل وحتى مشتركة بين جميع العلوم المرتبطة بالنصوص. أو مثلاً، هل اختصاص العرف في الحقوق المدنية يقتصر على معرفة الموضوعات، أم أنه يمكن استخدام العرف أيضاً في معرفة الأحكام ونطاق استنباط الأحكام؟ على سبيل المثال، إذا اعتبر العرف اليوم الملكية مشروعة، فهل يعني ذلك أنها مقبولة شرعاً أيضاً؟ هذا النقاش يتجاوز الحقوق المدنية ولا يختص بها.
فقه معاصر: ما هي الأصول العملية الخاصة أو الأكثر تطبيقاً في الفقه المدني؟
وحدتي شبيري: لا توجد أصول عملية خاصة في الفقه المدني، ولكن يمكننا الحديث عن الأصول العملية الأكثر تطبيقاً. على سبيل المثال، الاستصحاب هو أكثر الأصول تطبيقاً وأكثر أهمية من غيره من الأصول العملية؛ لكن بالإضافة إلى الاستصحاب، نتعامل أيضاً مع أصل البراءة في بعض المواضع. الأصول العملية الأخرى لها مجالاتها الخاصة، وإن كان الاستصحاب ربما له أهمية أكبر.
فقه معاصر: هل يمكن باستخدام الأصول العملية الشرعية، التي أساسها إنشاء العذر أمام الشارع، إثبات الأمور الدنيوية التي هي موضوع الحقوق المدنية؟
وحدتي شبيري: بالأصول العملية الشرعية يمكننا إلى حد ما حل المشاكل في الحقوق المدنية، ولكن الحقيقة هي أنه بما أن الموضوعات هي موضوعات اجتماعية، لا يمكننا الاكتفاء بالأصول العملية فقط؛ بل في الموضوعات الاجتماعية يجب اكتشاف المصالح والمفاسد الحقيقية وإصدار الفتوى بناءً عليها؛ لذا لا يمكننا القول بأن أصل عدم الحجية يُطبق لمجرد أننا لم نجد حجة على موضوع ما.
في المسائل الاجتماعية، بسبب التعقيدات التي تنطوي عليها، يجب أن يكون البحث أوسع من العبادات. في العبادات، إذا لم نجد تكليفاً بعد البحث، نطبق أصل البراءة أو أصالة العدم، ولكن في المسائل الاجتماعية، بما أنها قد تترتب عليها نتائج سلبية، يجب استشارة المتخصصين في المجال. على سبيل المثال، في مسألة ما إذا كان ضبط النسل جائزاً أم لا، قد يقول شخص بجواز ضبط النسل بناءً على تطبيق أصالة الإباحة، ولكن بعد الرجوع إلى متخصصي علم الديموغرافيا والاجتماع، نكتشف أن تقليص عدد السكان يترتب عليه مفاسد وأضرار، وبناءً عليها يجب على الفقيه أن يصدر فتوى خارج إطار النصوص، ويقول بعدم جواز ضبط النسل.
فقه معاصر: بالنظر إلى الطرق الحديثة لاكتشاف الواقع، هل لا يزال الرجوع إلى الأصول العملية في الحقوق المدنية أمراً مرغوباً، أم أن هذه الأصول وُضعت لزمن التشريع عندما كانت وسائل اكتشاف الواقع محدودة؟
وحدتي شبيري: يبدو أن طرق اكتشاف الواقع يجب أن تُؤخذ بعين الاعتبار؛ على سبيل المثال، إذا كشفت اختبارات الحمض النووي (DNA) حقائق تتعلق بالإرث والوصية، يجب علينا الاستفادة من هذه الأمور الجديدة؛ لذا فإن تطبيق الأصول العملية فقط لا يكفي للإفتاء في المسائل الاجتماعية الحديثة.
