إشارة: الفقه التربوي، الذي يُعرف أحيانًا بفقه التعلم والتربية، وأحيانًا يُخلط مع فقه الأخلاق، هو باب فقهي حديث الظهور ضمن أبواب الفقه المعاصر. من متطلبات أي باب فقهي وجود قواعد فقهية كافية لتنظيم عملية الاستنباط واكتشاف الحكم الشرعي، وطرد المحتويات غير المنهجية وغير العلمية من ذلك الباب. يستعرض الحجة الإسلام والمسلمين محمد جواد أحمدخاني، أستاذ المستويات العليا في الحوزة العلمية بقم، في هذه المذكرة الحصرية لمجلة الفقه المعاصر، شرح هذه القواعد وذكر بعض القواعد الخاصة بالفقه التربوي.
انتصار الثورة الإسلامية وتشكيل النظام الإسلامي قد ضاعفا من مسؤولية الحوزات العلمية في توفير الدعم النظري لعمليات اتخاذ القرار والتنفيذ في المجتمع. إلى جانب المجامع العلمية الأخرى، تؤدي الحوزات العلمية دورًا نشطًا وضروريًا في هذا الصدد. تنبع هذه الضرورة من التحولات العميقة في المعرفة البشرية، والتقدم في العلوم والتكنولوجيات الجديدة، والتطورات في حياة الإنسان المعاصر، التي أدت إلى ظهور قضايا جديدة لا يمكن الاستجابة لها دون نهج إسلامي وتوسيع حدود العلوم الإسلامية. كما أن النظام الإسلامي قد وفر فرصة للمجتمع الديني لتحقيق أهدافه السامية، مما يتطلب تسريع الأنشطة العلمية الحوزوية لتمكين النظام الإسلامي.
أحد المجالات التي يحتاج فيها النظام الإسلامي والمجتمع المعاصر إلى إنتاج أسس علمية إسلامية هو مجال التعلم والتربية. في هذا السياق، يظهر الفقه المضاف، وخاصة الفقه التربوي، كاستجابة للقضايا الجديدة والمطالب المتزايدة للمجتمع الديني. يتولى الفقه التربوي رسم آداب العبودية وواجبات المكلفين تجاه عملية التربية وهداية البشر.
لطالما حظيت القواعد الفقهية باهتمام الفقهاء، وتم الاستناد إليها في مختلف الاستدلالات الفقهية. هذه القواعد هي قضايا كلية يمكن تطبيق الموضوعات المطروحة تحتها عليها واستخلاص الأحكام الفقهية لها. تختلف القواعد الفقهية عن القواعد الأصولية، التي تُعد وسيطة في استنباط الحكم الشرعي، إذ تُعتبر القواعد الفقهية نفسها أحكامًا شرعية كلية تُطبق على مصاديقها. دور القواعد الفقهية في الفقه المضاف، وخاصة الفقه التربوي، يكون أكثر بروزًا. نظرًا لصعوبة إيجاد أدلة صريحة في الكتاب والسنة للموضوعات الجديدة والمستحدثة المتعلقة بمجال التربية، فإن الرجوع إلى القواعد الفقهية العامة أو الخاصة بذلك المجال يُعد طريقًا موصلًا للفقيه لتطبيق المصاديق الجديدة واستخلاص أحكامها الفقهية. تمتلك قواعد الفقه التربوي مجموعة من القواعد العامة التي، إلى جانب رسم واجبات الأشخاص الحقيقيين، تُطبق في مجالات أخرى ويمكن أن ترسم واجبات الأشخاص الاعتبارية؛ أي أنها تمتلك تطبيقات حقيقية واعتبارية. هذه القدرة على التطبيق الاعتباري تجعل قواعد الفقه التربوي تتدخل مباشرة في عملية بناء النظام وصناعة القوانين في مجال التعلم والتربية. هذه «القواعد الفقهية» ليست مجرد هياكل نظرية مجردة، بل تُعتبر أحكامًا شرعية كلية تُطبق على حالات خاصة متعددة وتحديات ناشئة في مجال التعلم والتربية. تتجلى فائدتها بشكل خاص في مواجهة القضايا التربوية الجديدة التي قد تكون النصوص الدينية الصريحة والخاصة بها محدودة. ستتناول هذه المذكرة مفهوم هذه القواعد، تصنيفاتها، وبعض الأمثلة المحورية لها، كما طُرحت في المناقشات العلمية الأساسية.
لذلك، تُعد قواعد الفقه التربوي، كجزء من الفقه المضاف، أداة أساسية لاستخلاص أحكام القضايا التربوية المستحدثة وإنتاج أسس فقهية للعلوم الإنسانية-الإسلامية. بفضل قدرتها على التطبيق الاعتباري، تلعب دورًا هامًا في توفير الأسس النظرية وتمكين النظام الإسلامي في المجال الحيوي للتعلم والتربية. على الرغم من وجود بعض القواعد في النصوص الفقهية بشكل متفرق، إلا أن جمعها ودراستها بمنهجية من منظور تربوي يُعد جهدًا جديدًا لتلبية الاحتياجات المعرفية للإنسان المعاصر من منظور فقهي.
يمكن تصنيف قواعد الفقه التربوي بناءً على نطاق الشمول أو المستندات. بناءً على نطاق الشمول، يمكن الإشارة إلى القواعد المشتركة (التي تُطبق في جميع أبواب الفقه والتربية، مثل قاعدة حفظ النظام)، والقواعد الخاصة بالفقه التربوي (تشمل التعلم والتربية)، والقواعد الخاصة بمجال التعلم، والقواعد الخاصة بمجال التربية. أما بناءً على المستندات، فيمكن تقسيمها إلى قواعد مأثورة (مستمدة مباشرة من ألفاظ الأدلة) وقواعد اصطيادية (مستنبطة من مجموع الأدلة). فيما يلي، نستعرض بإيجاز بعض القواعد المهمة في الفقه التربوي بناءً على المصادر:
-
قاعدة الصيانة أو الوقاية
إحدى القواعد واسعة النطاق في الفقه التربوي، خاصة في موضوع تربية الأبناء، هي قاعدة الصيانة أو الوقاية. تُعنى هذه القاعدة بحفظ وصيانة شيء مما يسبب الضرر أو الخسارة. مفهوم الوقاية هنا يحمل معنى عامًا ويشمل كل نوع من الإجراءات التربوية، سواء كانت وقائية، علاجية، أو مستمرة. تلعب هذه القاعدة دورًا محوريًا في تربية الأسرة، خاصة في موضوع تربية الأبناء، وتعود إليها العديد من الأحكام الفقهية في هذا المجال.
تشمل أدلة هذه القاعدة الأدلة العقلية والنقلية. يدرك العقل بشكل مستقل أن توفير أسباب الإثم للآخرين قبيح، وعلى العكس، توفير أسباب الطاعة للآخرين عمل حسن ومستحسن. لذلك، يُعد جهد الوالدين لحفظ الأسرة من المعاصي وتوفير أسباب أداء الواجبات عملًا حسنًا ومستحسنًا؛ ومع ذلك، فإن الدليل العقلي وحده يثبت الاستحباب والاستمرارية فقط، وليس الوجوب الملزم.
هناك أدلة نقلية متعددة تدعم هذه القاعدة. أهم مستند قرآني هو الآية السادسة من سورة التحريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾. الخطاب في هذه الآية عام ويشمل الأب والأم، ومفهوم الأهل يشمل الزوج والأبناء. صيغة الأمر «قوا» تظهر في الوجوب، ومعنى الوقاية هو حفظ النفس والأهل من نار جهنم (أي الوقوع في المعصية). لذلك، تدل الآية الشريفة على التكليف الملزم للأب بحفظ نفسه وأبنائه وزوجه من نار جهنم، والتكليف الملزم للأم بحفظ نفسها وأبنائها من نار جهنم.
هناك روايات متعددة تدعم هذه القاعدة، منها رواية تصف الرجل بأنه «راعٍ» (مسؤول وحافظ) على أهله وتعتبره مسؤولًا عنهم. كما تشجع روايات أخرى المؤمنين على توريث العلم والأدب الصالح لأهلهم ليهتدوا إلى الجنة، في مقابل من يورثون أهلهم أدبًا سيئًا يقودهم إلى جهنم. كما تؤكد رسالة الحقوق على مسؤولية الأب في تربية الابن تربية حسنة، خاصة في الأدب، والإرشاد إلى الله، ومساعدته على الطاعة. تدل هذه الرواية على وجوب التربية الاجتماعية والعقائدية والعبادية للأبناء.
في الختام، بناءً على مجموع الأدلة، خاصة آية الوقاية والروايات، فإن على الوالدين، وعلى الأب تجاه زوجه، واجبًا ملزمًا بحفظهم من نار جهنم. إحدى الطرق الأساسية لتحقيق هذا الواجب هي التربية الوقائية، بحيث يوضع الابن في طريق طاعة الله والابتعاد عن المعصية.
-
قاعدة العلم النافع
قاعدة العلم النافع هي إحدى قواعد الفقه التربوي، وترتبط بشكل أكبر بأبواب التعلم والتعليم. «النفع» في اللغة يعني الفائدة والمنفعة التي تقود الإنسان إلى المطلوب. في القرآن الكريم، يُستخدم هذا المصطلح غالبًا في مقابل الضرر. في التعريف الاصطلاحي، يحتفظ العلم النافع بمعناه اللغوي ولم يُعثر على تعريف اصطلاحي خاص به.
يمكن تقسيم العلم النافع من جوانب مختلفة، مثل التقسيم بناءً على ذات العلم، غاية العلم، المتلقي، المعلم، وطريقة التعليم. النقطة المهمة هنا هي نسبية نفع العلوم. قد يختلف نفع علم ما باختلاف الأفراد، الأزمنة، أو حتى مستويات ذلك العلم. كما أن طريقة التعليم قد تؤثر على كون العلم نافعًا أم لا؛ فقد يصبح علم نافع بطبيعته مضرًا بسبب طريقة تدريس غير مناسبة.
في مقابل العلم النافع، توجد العلوم غير النافعة (عديمة الفائدة) والعلوم المضرة. العلم غير النافع هو الذي لا يفيد لا في الدنيا ولا في الآخرة، بينما العلم المضر هو الذي يسبب ضررًا للإنسان. يتركز النقاش بشكل أكبر على العلم النافع وغير النافع.
تشمل أدلة رجحان تعليم وتعلم العلم النافع روايات متعددة. بعض الروايات تقسم العلم إلى قسمين: علم القلب (النافع) وعلم اللسان (حجة الله على العباد). وتصنف رواية أخرى العلم إلى ثلاثة أنواع: آية محكمة، فريضة عادلة، أو سنة قائمة، وتعتبر ما عداها «فضلًا» (غير نافع أو عديم الفائدة أو ذو استحسان علمي قليل). تدل هذه الروايات على أهمية وتفوق العلوم النافعة.
تشمل الأدلة الأخرى التي تدعم رجحان تعليم وتعلم العلم النافع ما يلي:
-
قاعدة التعاون على البر والتقوى: التعاون في طريق الخير والتقوى واجب أو مستحب. بما أن تعليم العلم النافع مصداق للإعانة على الخير، فهو مرجح.
-
وجوب استغلال الفرص: عمر الإنسان محدود، والعقل يحكم بضرورة استغلال الفرص المحدودة للعمر لتحقيق أكبر قدر من الفائدة. العلم النافع هو أبرز مصداق للاستفادة الحسنة من الوقت وعدم إضاعته.
-
فضيلة العامل: هناك روايات متعددة في فضيلة المعلم الخيّر والهادي، وهذه الفضيلة تدل على رجحان تعليم العلم النافع.
من مجموع هذه الأدلة، يُستخلص مبدأ رجحان تعليم وتعلم العلم النافع. هذا الرجحان يعني الاستحباب وليس الوجوب، إلا في الحالات التي أوجب فيها الشارع تعلم علم معين (مثل معارف الدين الضرورية).
فيما يتعلق بحكم تعليم وتعلم العلوم غير النافعة، فقد أُقيمت أدلة على مرجوحيتها. أهم دليل عقلي هو إضاعة العمر وعدم الوصول إلى الكمال، وهو نوع من الضرر. ومع ذلك، فإن هذا الدليل يثبت المرجوحية والكراهة فقط، وليس الحرمة. بعض الروايات قد تدل على عدم الانشغال بالعلم عديم الفائدة. في النهاية، تعليم وتعلم العلوم غير النافعة مرجوح (مكروه) ويعني إضاعة الوقت في شيء لا فائدة منه. أما تعليم وتعلم العلم المضر فهو حرام بلا شك.
نظراً لنسبية نفع العلوم وتعددها، فإن تحديد الأولويات في تعليم وتعلم العلوم ضروري. كما أن سيرة المعصومين تدل على مراعاة الأولويات، بدءًا من القرآن، العقائد، والأحكام. لذلك، يجب على المراكز التعليمية، في سياساتها وتخطيطاتها، مراعاة تحديد الأولويات بناءً على النفع الأقصى للفرد والمجتمع (نفع دنيوي وأخروي)، والتركيز على تعليم وتعلم العلوم النافعة والابتعاد عن العلوم المضرة.
-
قاعدة تعليم الجاهل
تُعد قاعدة تعليم الجاهل من قواعد الفقه التربوي، وهي أخص من القواعد السابقة (الوقاية، العلم النافع)، وربما يكون نطاق تطبيقها أضيق، مثلًا في أبواب التعلم فقط. الجاهل هو الشخص الناقص العلم والمعرفة.
في هذه القاعدة، يُطرح ادعاءان: ١) وجوب تعليم الجاهل في الأحكام الشرعية الملزمة، و٢) رجحان تعليم الجاهل في الأحكام الشرعية غير الملزمة.
تشمل أدلة وجوب تعليم الجاهل في الواجبات الشرعية ما يلي:
-
الدليل العقلي: يدرك العقل رجحان المساعدة في تحقيق مقدمات الطاعة، لكن هذا الإدراك لا يصل بشكل مستقل إلى حد الإلزام بتعليم الجاهل.
-
آية النفر (التوبة: ١٢٢): تأمر هذه الآية جماعة من المؤمنين بالتفقه في الدين وإنذار قومهم (تحذيرهم وتوعيتهم). لا يتحقق الإنذار دون التعليم، لذا تدل الآية على وجوب إنذار الفقهاء، وهو يستلزم التعليم. لكن هذا الوجوب يقتصر على الواجبات الشرعية، وليس المستحبات أو المكروهات أو العلوم غير الدينية. هذا الوجوب هو وجوب كفائي.
-
آية السؤال من أهل الذكر (النحل: ٤٣ والأنبياء: ٧): ترشد هذه الآية المؤمنين إلى سؤال أهل الذكر (أصحاب العلم والمعرفة) في حال جهلهم بأمر واجب. في الحالات التي أوجب الشرع تعلم علم معين، توجد ملازمة عقلية بين وجوب السؤال ووجوب الجواب (التعليم).
-
آية حرمة كتمان العلم: الآيات التي تحرم كتمان العلم على العالم، والروايات التي تؤكد على وجوب التبيين.
من مجموع هذه الأدلة، يُستنتج أن تعليم الأحكام الملزمة (الواجبات الشرعية التي يتعامل معها الجاهل) واجب كفائي على العالم، بشرط أن يكون للجاهل القدرة على التعلم وأن يكون معرضًا لفوات تلك الأحكام.
فيما يتعلق برجحان تعليم الجاهل في الأحكام غير الملزمة (المستحبات والمكروهات)، فإن الأدلة السابقة لا تثبت هذا الحكم بشكل مستقل. لكن بعض الروايات تدل بشكل عام على ذم عدم الانشغال بالعلم الذي لا يضر جهله بالإنسان، أو على إقبال المؤمنين على العلم النافع، أو على أدعية تأمر بالاستعاذة من العلم غير النافع، وهي يمكن أن تكون مؤيدة لرجحان (استحباب) تعليم العلوم غير الملزمة، وإن كان إثبات الإلزام منها صعبًا.
الخاتمة
توفر القواعد الفقهية المتعلقة بالتعلم والتربية إطارًا متينًا لتطوير الفلسفات والممارسات التربوية التي تستند بعمق إلى رؤية دينية-أخلاقية. توفر هذه القواعد آليات لتحديد أولويات المحتوى التعليمي، وتحديد المسؤوليات الأخلاقية للمعلمين والمتعلمين، والتعامل مع التحديات المعاصرة بطريقة تتفق مع القيم الأساسية. لا تركز هذه المبادئ على النمو المعرفي فحسب، بل على الصحة الأخلاقية والروحية والاجتماعية للأفراد والمجتمع. من الضروري استكشاف هذه القواعد وتطبيقها بشكل منهجي لبناء نماذج شاملة ومتكاملة للتعلم والتربية القائمة على الدين، والتي يمكنها التعامل بفعالية مع تعقيدات العالم الحديث مع البقاء وفية للمتطلبات الأخلاقية الأساسية. إن تدوين هذه «القواعد» وصقلها بشكل مستمر يمثل جهدًا فكريًا ضروريًا للمفكرين في مجالي الفقه والتعلم والتربية.