إشارة: في هذه الجلسة العلمية، اعتمد المقدم على أسس ولاية الفقيه المطلقة، وسعى لتقديم إطار منهجي لتقييم التشريع الإسلامي بناءً على الأحكام الثانوية والمصالح الاجتماعية. الناقدان في الجلسة، مع تقديرهما للابتكار النظري، طرحا أسئلة حول حدود تدخل المشرع في الأحكام الأولية والثانوية، طبيعة وجوب مراعاة الأحكام، ومعيار الفتوى الأساسية في التشريع. وفقاً لسكرتير الجلسة العلمي، الهدف من هذه السلسلة من البرامج هو توضيح منهجية الحكم التشريعي والوصول إلى نموذج فعال للتشريع الشرعي في نظام الجمهورية الإسلامية.
الجلسة الرابعة والستين من سلسلة الندوات «أیام الأحد: مناقشة المنهج» بعنوان «عملية وطرق تقييم مطابقة القانون للأحكام الثانوية» عقدت يوم الثلاثاء ٦ آبان ١٤٠٤ بجهود معهد دراسات الفقه المعاصر وبدعم مكتب تطوير وتمكين العلوم الإسلامية في مكتب الإعلان الإسلامي للحوزة العلمية في قم وبالتعاون مع مجموعة الفقه والحقوق في مركز البحوث الإسلامية لمجلس الشورى.
وفقاً لتقرير قاعدة المعلومات لمعهد دراسات الفقه المعاصر، في هذه الجلسة التي عقدت بهدف توضيح الأسس والمنهجية لتقييم القوانين بناءً على الأحكام الثانوية الفقهية، قدم حجة الإسلام والمسلمين حسن علي علي أكبريان، أستاذ الدرس الخارج في فقه التشريع، آراءه حول الضرورة وكيفية قياس مطابقة القوانين للأحكام الثانوية الشرعية، وفي الاستمرار، قام آية الله محمد عندليب همداني وآية الله جعفر نجفي بستان، من أساتذة الدرس الخارج في الفقه والأصول في الحوزة العلمية في قم، بنقد المباحث المطروحة علمياً.
تولى سكرتارية الجلسة العلمية حجة الإسلام والمسلمين محمد كاظم حقاني فضل، مدير موسوعة الفقه المعاصر. في بداية الجلسة، مع توضيح أهداف الدورة الخريفية «أیام الأحد: مناقشة المنهج»، أكد على أهمية نقاش المنهجية في العلاقة بين الفقه والقانون والتشريع وقال: «سلسلة الندوات “منهجية الحكم التشريعي بناءً على الموازين الشرعية” من برامج الخريف لأیام الأحد: مناقشة المنهج في معهد دراسات الفقه المعاصر، والتي تعقد بهدف توضيح الأسس النظرية والنهج المنهجية في التشريع الإسلامي».
وأضاف في الاستمرار: «إحدى الهموم الرئيسية للحكومات الدينية هي كيفية توافق القوانين مع الشريعة. لكن السؤال الأساسي هو ما المقصود بالشريعة في هذا التوافق، وأي طبقة من الأحكام – سواء الأولية أو الثانوية – يجب أن تكون معيار التشريع».
مدير موسوعة الفقه المعاصر، مع الإشارة إلى موضوع سلسلة الندوات في الدورة الخريفية، أشار إلى: «التحديات العملية للحكومات الدينية في مواجهة العناوين الثانوية، خاصة في مجال التشريع، تحتاج إلى نظرية وبناء منهجي دقيق للوصول إلى حلول منسجمة وقابلة للتنفيذ في مستوى التشريع».
حجة الإسلام والمسلمين حسن علي علي أكبريان، أستاذ الدرس الخارج في فقه التشريع، في البداية مع توضيح محور النقاش، اعتبر موضوع حديثه «معايير التشريع بناءً على العناوين الثانوية» ومع الإشارة إلى عملية التشريع في نظام الجمهورية الإسلامية قال: عندما يعتبر مجلس صيانة الدستور قانوناً مخالفاً للشرع ويصر المجلس عليه، يُحال القرار النهائي إلى مجمع تشخيص مصلحة النظام؛ لكن السؤال الأساسي هو ما أساس تشخيص المصلحة في مثل هذه الحالات وما المعايير التي يتم بها هذا التقييم؟
أستاذ الدرس الخارج في فقه التشريع، مع التأكيد على أن أساس عرضه هو نظرية ولاية الفقيه المطلقة، أعلن: شرعية القانون في النظام الإسلامي تتشكل بناءً على ولاية الفقيه، ويجب أن يتم تقييم القوانين أيضاً في هذا الإطار.
مع مراجعة الآراء الموجودة حول حدود صلاحيات المشرع، أضاف: «بناءً على بعض النظريات، نطاق تدخل المشرع فقط في حدود المباحات، وفي حال تعارض بين المصلحة والحكم المباح، يمكن للقانون أن يحظره أو يلزمه؛ لكن المعيار الرئيسي في هذا الرأي هو مصلحة المجتمع الإسلامي».
هذا الباحث في الاستمرار، مع نقد هذه الآراء، أوضح أن كل واحدة من هذه النظريات تواجه مشكلات، ولإزالة هذا الفراغ يجب نظرة أدق إلى تكليف المشرع من المنظور الشرعي. شرح في هذا المجال: «المشرع الإسلامي في بعض الحالات مكلف بسن قانون لتنفيذ الأحكام الشرعية، وهذا الواجب يمكن أن يكون واجباً مقدمياً. لكن هذا الوجوب مشروط بمراعاة الأحكام الشرعية ومقاصدها الكبرى؛ أي مراعاة الأحكام والعدالة والمصالح الشرعية في الحكم شرط واجب للتشريع».
في جزء آخر من حديثه، مع الإشارة إلى ضرورة تزامن العدالة والشريعة في عملية التشريع، قال: «قد يُعتبر تنفيذ بعض الأحكام في ظروف زمنية أو اجتماعية معينة، بسبب عدم وجود أرضية التنفيذ الصحيح، ظالماً؛ ليس من المنظور الغربي أو الليبرالي، بل من نظر الفقيه المسلم. في مثل هذه الحالات، يجب على المشرع أن يأخذ في الاعتبار التنفيذ التدريجي أو التعديل في الأحكام التنفيذية للحفاظ على روح العدالة في المجتمع».
حجة الإسلام والمسلمين علي أكبريان في النهاية، مع التأكيد على ضرورة توضيح منهجي لمعايير تقييم المصادقات التشريعية، أضاف: «مع أخذ الوجوبات الشرطية المتعددة في الاعتبار، يمكن جعل التزاحم بينها أساس قياس الشرعية للقوانين. بهذه الطريقة، يجب أن يعمل مجمع تشخيص مصلحة النظام أيضاً بناءً على هذه المعايير الدقيقة والواضحة حتى تكون قراراته قابلة للدفاع في إطار الأحكام والمقاصد الشرعية».
في قسم النقد العلمي، آية الله محمد عندليب همداني، مع تقديره للجهد العلمي لحجة الإسلام والمسلمين علي أكبريان، اعتبر مباحثه ذات قدرة نظرية قيمة، لكنه في الوقت نفسه طرح عدة أسئلة ونقاط أساسية حول نتائج النظرية.
سؤاله الأول كان هكذا: هل في النظرية المقدمة، هناك فرق بين حفظ المباحات والواجبات والمحرمات والمقاصد الشرعية أم لا؟
وفقاً له، إذا اعتبر في نظر المشرع التزاحم بين هذه المستويات متساوياً، «يأتي احتمال أن يمتد نطاق التشريع حتى إلى المحرمات والواجبات؛ بينما هذا الأمر غير قابل للجمع مع واجب الحاكم في تنفيذ ‹ما أنزل الله› وحفظ الأحكام القطعية الشرعية».
آية الله عندليب بعد ذلك، مع الإشارة إلى التفريق بين نوعين من التزاحم، أي «تزاحم الأهم والمهم» و«تزاحم دفع الأفسد بالفاسد»، أكد أن نظرية علي أكبريان تحتاج إلى دقة أكثر في توضيح هذين المجالين، لأنه حسب تعبيره «تعميم قاعدة الأهم والمهم على جميع حالات التشريع غير متوافق مع الأسس الفقهية».
في الاستمرار، اعتبر مسألة «الفتوى المعيار» من النقاط المهملة في النظرية وقال: «عندما يكون هناك خلاف بين الفقهاء في موضوع، مثل المعاملات البنكية أو المسائل الاقتصادية، يجب تحديد أن المشرع يعمل بناءً على فتوى أي مجتهد. إذا كان المعيار فتوى الحاكم، يجب التصريح بأن ‹عند الحاكم› هو معيار تشخيص المخالفة للشرع، لا بناءً على الخلافات الفقهية الموجودة».
أستاذ الدرس الخارج في الفقه والأصول في الحوزة العلمية في قم، في تلخيص حديثه، اقترح لمنع التعارض بين القانون والشريعة، تحديد «خط أحمر للتشريع في الأحكام القطعية التي يتفق عليها جميع الفقهاء».
آية الله عندليب في النهاية، مع تقديره للجهد العلمي للمقدم، اعتبر المباحث المطروحة أرضية قيمة لتعميق منهجية التشريع الإسلامي وأكد على ضرورة متابعة وإكمال هذه النظرية في الجلسات المقبلة.
في استمرار الجلسة، آية الله جعفر نجفي بستان ك ناقد ثانٍ، مع تقديره للجهد العلمي للمقدم، قام بتحليل الأساس النظري لـ«وجوب مراعاة الأحكام الشرعية من قبل الحاكم» وطرح إشكالين أساسيين.
في البداية، مع الإشارة إلى هيكل نظرية علي أكبريان، قال إن أساس حديثه هو أن التزاحم ليس بين الأحكام نفسها، بل بين وجوب مراعاة الأحكام من قبل الحاكم الشرعي. شرح هذا الجزء: «قلتم إن التزاحم ليس بين الأحكام نفسها، بل بين وجوبي مراعاة؛ أي الحاكم من جهة مكلف بمراعاة حكم، ومن جهة أخرى مكلف بمراعاة حكم آخر. هذه الصورة جديدة ودقيقة، لكن يجب تحديد نوع هذا الوجوب؛ هل هو شرعي مولوی أم إرشادي وعقلي؟».
آية الله بستان في الاستمرار، مع طرح سؤال حول مصدر شرعي لهذا الوجوب، أشار إلى: «إذا كان المقصود من هذا الوجوب وجوباً شرعياً مولویاً، يجب تقديم دليل تعبدي له. لكن مثل هذا الدليل غير موجود في الأدلة الشرعية بهذا الشكل؛ إلا من باب الأمر بالمعروف أو لوازم الإيمان، وكلاهما يواجه إشكالاً».
ثم شرح أنه حتى لو قبلنا هذا الوجوب، معناه ليس إلا إرشاداً إلى حكم العقل:
«في النهاية، إذا قبلنا أن الحاكم يجب أن يراعي الأحكام، فهذا الوجوب لن يكون مولویاً، بل إرشادياً؛ أي إذا أردت الوصول إلى مجتمع سليم ومتوافق مع غرض الشارع، يجب تنفيذ الأحكام كما هي. هذه التوصية ناظرة إلى حكم العقل، لا جعل شرعي جديد».
أستاذ الدرس الخارج في الفقه والأصول في الحوزة العلمية في قم، مستنداً إلى قاعدة الطاعة العقلية، أضاف: «العقل يقول إذا أردت النجاة من عقاب الله، يجب العمل بالأحكام. لذا، وجوب المراعاة هنا إرشاد إلى هذا الحكم العقلي ولا يمكن أن يكون مولویاً».
آية الله بستان في تلخيص نقده، أوضح أنه في حال كون وجوب المراعاة إرشادياً، فإن التزاحم الذي يقصده المقدم لا يتحقق، لأنه في ذلك الحال لا يتشكل حكم إلزامي جديد للحاكم، ويعود النقاش إلى التزاحم الأولي بين الأحكام.
أكد: «إذا اعتبرنا وجوب المراعاة إرشادياً، فالنتيجة أن التزاحم بين المباحات والواجبات أو المحرمات لا يتشكل، لأن المباح يعمل بمقتضاه ولا إلزام فيه. لذا، هذه الصورة لا يمكن أن تحل مشكلة النظرية».
في النهاية، مع التعبير عن أن مباحث علي أكبريان تتمتع بدقة نظرية لكنها تحتاج إلى توضيح أكثر في طبيعة «وجوب المراعاة»، أعرب عن أمله في إكمال هذه النظرية في الجلسات المقبلة وجعلها أكثر استدلالاً من المنظور الأصولي.
في القسم النهائي للجلسة، خُصصت للأسئلة والأجوبة، وسأل السيد صالحي من المشاركين سؤالاً حول مكانة النظرية المقدمة من حجة الإسلام والمسلمين علي أكبريان، مع الإشارة إلى إمكانية اختلاف النظر في الفقه الحكومي وغير الحكومي: «هذه النظرية التي قدمتموها، هل هي في باراديغم الفقه الحكومي أم غير الحكومي؟ إذا كانت في باراديغم غير الحكومي، فمكانتها واضحة، لكن إذا طرحت في الفقه الحكومي، ففي رأيي لا يحدث تعارض، لأن التشريع يتم بناءً على احتياجات الحكومة والتزاحم الموضوعي يحل تلقائياً».
أستاذ الدرس الخارج في فقه التشريع في رده، أولاً أشار إلى التفريق بين الأحكام وأوزانها المختلفة وقال: «جميع الأحكام ليست في وزن واحد؛ الأداة المشتركة هي التزاحم، لكن بين الواجبات والمحرمات والمباحات فرق، وبعض الأحكام الوضعية لها تأثير أوسع. لذا، عندما يأتي موضوع وجوب مراعاة الأحكام للحاكم، يجب أخذ هذه الاختلافات في الاعتبار».
ثم مع الإشارة إلى أهمية الفتوى المعيار في التشريع، شرح: «الفتوى المعيار هي الفتوى التي تُطبق الولاية في التشريع، والحاكم أو ولي الفقيه، إذا فوض مهمة التشريع، يجب أن يسندها إلى فقيه أو مجمع من الفقهاء. في حال كانت الفتاوى الموجودة تخلق تزاحماً، فالتزاحم لا يزال غير محلول وطرق مواجهته ضرورية».
حجة الإسلام والمسلمين علي أكبريان أيضاً أشار إلى نقاش تنفيذ المحرمات والمباحات في القانون ومع ذكر أمثلة مثل الحجاب واستهلاك المواد الغذائية في حالات الطوارئ، أوضح: «تنفيذ حكم شرعي في المجتمع يستلزم أخذ المفاسد المحتملة في الاعتبار. أحياناً قد يقوم المشرع، بسبب مفسدة أهم، بعدم تجريم بعض السلوكيات، حتى لو كانت حراماً شرعياً، لعدم إحداث اختلال في النظام».
في تلخيص النقاش، أشار إلى التفريق بين التكاليف الفردية والتكاليف الحاكمة: «تكليف الفرد تجاه حرمة الربا مختلف عن تكليف الحاكم كشخصية حقوقية. الفرد يجب ألا يعطي ربا ولا يأخذه، لكن واجب الحاكم هو التشريع الذي يجمع الربا في المجتمع ويطبق الحظر القانوني. هذا الوجوب للحاكم يتحقق بناءً على التشريع وأداة ولاية الفقيه، لا مجرد وجوب شرعي فردي».
المقدم في النهاية، شرح أن وجوب مراعاة الأحكام من قبل الحاكم، بالإضافة إلى الوجوب الفردي، له وجوب مقدمي يرتبط بتنفيذ الأحكام الشرعية في مستوى المجتمع. أكد: «هذا الوجوب، مثل الوجوب العقلائي لإنقاذ الغريق أو وجوبات إرشادية أخرى، يلزم الحاكم الإسلامي باستخدام أداة القانون والولاية لتنفيذ أحكام الشريعة في المجتمع، وهذا الوجوب منفصل عن تكاليفه الفردية».

