إشارة: حجة الإسلام والمسلمين السيد مرتضى تقوي، مولود عام ١٣٤٠ في كهكيلويه وبوير أحمد. درس في الحوزة العلمية، وفي الوقت نفسه درس علم الاجتماع في الجامعة، ثم اهتم بالحقوق أيضاً. إن إتقانه المعرفة الفقهية والحقوقية معاً أدّى إلى رئاسته لسنوات مركز البحوث الفقهية في السلطة القضائية، وكذلك مركز الدراسات والبحوث الإسلامية في مكتب التبليغ الإسلامي. مجموعة تقريرات درس أصول الفقه لآية الله وحيد الخراساني في عشرة مجلدات، ومجموعة «فقه الجزاء» في ثمانية مجلدات، إلى جانب مجموعة أخرى في ثمانية مجلدات في شرح قانون العقوبات الإسلامي الجديد، تُعدّ من أهم مؤلّفاته. تحدّثنا معه حول مكانة أصل البراءة وأبعاده وتحدّيات التمسّك به في فقه القضاء. أجاب على أسئلتنا دون إطالة وباختصار. تفصيل الحوار الخاص لـ«فقه معاصر» مع رئيس تحرير مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام) السابق، يمرّ أمام نظركم:
فقه معاصر: هل أصل البراءة المستخدم في أصول الفقه يختلف عن أصل البراءة المستخدم في فقه القضاء والجزاء؟
تقوي: إن أصل البراءة المستخدم في الأصول يختلف عن أصل البراءة القضائية، وإن كان لهما مبدأ مشترك. إن أصل البراءة المستخدم في الأصول هو في الواقع نوع من التطبيق الذهني في استنباط معنى من نص، وهو يعبّر عن البراءة من التكليف؛ فمثلاً عندما نقرأ نصاً نرى أنه يوجب تكليفاً على المكلّف، ثم نشكّ في أن التكليف قد وجب حقاً على المكلّف أم لا، فهنا يحدث أمر ذهني وهو الشكّ، لكن المكلّف لا يقوم بعمل، ولا يحدث شيء خارج الذهن ولا يُؤتى بعمل؛ بل إنه مجرّد تفاعل بين الذهن والنص. وفي الاصطلاح القضائي والحقوقي، نضع في هذه العملية الذهنية الأصل على البراءة وعدم تحقّق التكليف على المكلّف؛ فقد تكون براءة من جرم، أو براءة من دين، أو براءة من أي عمل آخر.
أما البراءة الحقوقية فهي في الواقع ضابط لإصدار حكم المتهم؛ لذا فهي ليست أمراً ذهنياً بل هي تماماً عينية وتنفيذية.
بناءً على التوضيحات أعلاه، يبدو أن الاثنين مختلفان.
فقه معاصر: ما هي تحدّيات تطبيق أصل البراءة في فقه القضاء والجزاء؟ وماذا يجب فعله للخروج من هذه التحدّيات؟
تقوي: يبدو أن جريان أصل البراءة لا يخلق تحدّياً خاصاً؛ لأنه كلما لم يوجد دليل على إثبات الجرم أو عدم إثباته، وكان للقاضي شكّ في ثبوت الجرم أو عدم ثبوته أو ثبوت التكليف أو عدم ثبوته بأي نحو، فإنه يضع الأصل على براءة ذمّة من يُشكّ في اشتغال ذمّته؛ وبالتالي يبدو أن حالات جريان هذا الأصل واضحة ولا تترتّب عليها تحدّيات خاصة.
فقه معاصر: هل أدلّة مثل الشهادة واليمين، التي يصعب الاطمئنان إلى كشفها عن الواقع بسبب كثرة الكذب فيها، يمكن أن تكون مقدّمة على دليل البراءة؟
تقوي: البيّنة بالشهادة أو اليمين من أدلّة الإثبات في النظام الحقوقي الإسلامي، وبوجودها لا يأتي دور البراءة. بالطبع، في العصر الحاضر، ثمّة مناقشات كثيرة حول حجّية هذه الأدلّة. فمثلاً في مسألة الشهادة، وبما أن كثيرين يشهدون كذباً مقابل أخذ المال، وقد أصبح هذا العمل مهنة لهم، فيصعب قبول حجّية الشهادة. وكذلك في مسألة اليمين، فكثيرون يحلفون كذباً، وأحياناً يأخذون مالاً مقابل ذلك. إذا كانت الشهادة واليمين من هذا القبيل، فلا حجّية لها أصلاً، وطبيعي أنها لا تُقدَّم على البراءة؛ أما إذا اطمأن القاضي حقاً بعدالة الشهود ومن يحلف، فإن الشهادة واليمين مقبولتان، وبما أنهما حجّة فإنهما مقدّمتان على البراءة.
فقه معاصر: هل أدلّة مثل الشهادة واليمين، التي يصعب الاطمئنان إلى كشفها عن الواقع بسبب كثرة الكذب فيها، يمكن أن تكون مقدّمة على دليل البراءة؟
تقوي: القرائن التي تدل على كذب الشهادة أو اليمين، ما دامت لم تصل إلى درجة الاطمئنان واليقين، لا يمكن أن تخدش حجّيتهما، وبالتالي تبقى مقدّمة على البراءة. نعم، إذا كانت القرائن بقدر يزيل اطمئنان القاضي بعدالة أو صدق الشهود والحالفين، فهنا لا حجّية للشهادة واليمين، ويجب الرجوع إلى أصل البراءة.
