أستاذ مشارك في قسم العلاقات الدولية بجامعة علامة طباطبائي، في حوار خاص مع «فقه معاصر»:

فقه العلاقات الدولية: ماهيته، أبعاده وتحدياته/22

يتصوّر بعضهم أنه عندما نصوّر الأمر السياسي بوصفه علاقات بين البشر في مجال السلطة، فإننا نريد القول إن هدف السياسة هو اكتساب السلطة، في حين أن الأمر في السياسة الإسلامية ليس كذلك. ومع ذلك، فإن الالتفات إلى علاقات السلطة لا يعني بالضرورة أن يجعل أحد هدفه اكتساب السلطة؛ بل يمكن اكتساب السلطة لغايات إسلامية مثل تعالي البشر.

إشارة: إن فقه العلاقات الدولية، لكي يتحوّل إلى باب فقهي، يحتاج إلى إنجاز أمور منها تدوين العناوين والشبكة الموضوعية للمسائل. في هذا السياق، أجرينا حواراً مع حجة الإسلام والمسلمين الدكتور مجتبى عبدخدايي، الأستاذ المشارك في قسم العلاقات الدولية بجامعة علامة طباطبائي. هو الذي حصل على الدكتوراه في تخصص العلاقات الدولية، وألّف كتباً ومقالات كثيرة في هذا المجال، سعى إلى بيان الفروق بين هذا الباب الفقهي والمفاهيم المشابهة له مثل القانون الدولي والفقه السياسي، وأشار إلى بعض العناوين والمسائل المهمة فيه. تفصيل الحوار الخاص لـ«فقه معاصر» مع مؤلّف كتاب «إمكانية نظرية دينية في العلاقات الدولية»، يمرّ أمام نظركم:

فقه معاصر: ما هو فقه العلاقات الدولية؟ وما الفرق بينه وبين المفاهيم المشابهة مثل «فقه السياسة» و«فقه القانون الدولي» و«المنهج الدولي في الفقه»؟

عبدخدايي: إن النقاش حول ماهية ومكانة فقه العلاقات الدولية يجعلنا نواجه تقسيم الأبواب الفقهية؛ لأننا نريد أن نرى أين تقع مباحث العلاقات الدولية من منظار فقهي داخل الفقه.

لقد ناقش فقهاؤنا تقسيم الفقه نقاشات مفصّلة، ويعود ذلك إلى زمان المرحوم الشهيد الأول الذي قسّم الفقه كله إلى أربعة محاور، بناءً على استدلال خاص يقضي بأن المباحث التي يشترط فيها النية تقع في العبادات؛ وتلك التي لا يشترط فيها النية ولكنها تحتاج إلى صيغة تقع في العقود والإيقاعات؛ وتلك التي لا يشترط فيها النية ولا تحتاج إلى صيغة تقع في السياسات.

وبعد الشهيد الأول، سلك الشهيد الثاني المنوال نفسه. أما الفقهاء الآخرون فلهم طرق مختلفة في تقسيم الفقه، لكن من بين الفقهاء الذين طرحوا بحث السياسة، كان أولهم المرحوم الشهيد الأول، وبعده المرحوم صاحب مفتاح الكرامة الذي طرح هذا النقاش.

أما المرحوم فيض الكاشاني فقد قسّم الفقه وقسّمه إلى فرعين، كل فرع منهما ينقسم إلى عدة مفاتيح.

لكن في فقه العلاقات الدولية، كسائر الفقه المضاف أو المعاصر، أول نقاش هو: ما هي الموضوعات التي تدخل في هذا الباب الفقهي وما هي التي تخرج منه. وهذا الأمر يتطلب تحديد ضابط.

النقاش الثاني هو تعريف فقه العلاقات الدولية، حتى يتّضح بعد التعريف أي المسائل تقع تحته وأيها خارج عنه.

إذا نظرنا إلى هذا الباب الفقهي من منظار حقوقي ولم نره فقهًا مضافاً، فإن فقه العلاقات الدولية باب فقهي مستقل؛ لأن مسائل القانون الدولي تُطرح بشكل مستقل. أما إذا اعتبرناه باباً فقهياً مضافاً، فإنه يقع تحت فقه السياسة؛ لأن العلاقات الدولية نفسها تقع تحت الفكر السياسي. في كل حال، هذا اللفظ ليس له حقيقة شرعية حتى يلزم الالتزام به؛ بل إنه وضع فقط لتنظيم أبواب الفقه.

النقطة التي يجب الالتفات إليها هي أن موضوعات أبواب الفقه قد خرجت من حالة البساطة الأولية واكتسبت تعقيداً خاصاً. فمثلاً، في الماضي كان مفهوم «البيع» واضحاً، أما اليوم فنواجه مفاهيم مثل «الاقتصاد» التي هي معقّدة حقاً، وبالتالي فإن موضوع‌شناسيها صعب أيضاً.

أما في تعريف فقه العلاقات الدولية، فيمكن القول: إن العلاقات الدولية مجال دراسي يتناول جميع المباحث عبر الحدودية؛ أو بتعبير آخر، يتناول مباحث مجال من السلطة لا توجد فيه سلطة مركزية حاكمة. بالطبع يجب أن تكون مسائلها ذات طبيعة سياسية بالضرورة؛ لأنه إذا لم تكن ذات طبيعة سياسية فلن تكون داخل قلمرو العلاقات الدولية؛ لذا فإن العلاقات الاقتصادية والثقافية بين الدول التي ليست ذات طبيعة سياسية بحد ذاتها لا تُناقش في هذا الباب الفقهي؛ وبالتالي فإن فقه العلاقات الدولية أخصّ من فقه الدولي وأخصّ من فقه السياسة.

وبما أن تعريف فقه العلاقات الدولية اشترط وجود «طبيعة سياسية» في العلاقات، فمن اللازم توضيح المقصود من الأمر السياسي. في البداية قد يتبادر إلى الذهن أن كل أمر يتعلق بالحكومة يقع تحت السياسة؛ في حين أن السياسة أوسع بكثير من الحكومة. الأمر السياسي هو الذي يتناول علاقات البشر في مجال السلطة، فإذا كانت هذه العلاقات داخل الدولة فهي سياسة داخلية، وإذا كانت خارج الدولة فهي سياسة خارجية.

هنا يتصوّر بعضهم أنه عندما نصوّر الأمر السياسي بوصفه علاقات بين البشر في مجال السلطة، فإننا نريد القول إن هدف السياسة هو اكتساب السلطة، في حين أن الأمر في السياسة الإسلامية ليس كذلك. ومع ذلك، فإن الالتفات إلى علاقات السلطة لا يعني بالضرورة أن يجعل أحد هدفه اكتساب السلطة؛ بل يمكن اكتساب السلطة لغايات إسلامية مثل تعالي البشر؛ وبالتالي إذا كان موضوع علم ما علاقات اجتماعية من منظار اكتساب السلطة، فإنه يقع تحت السياسة، كما أنه إذا كان موضوعه علاقات اجتماعية من منظار الربح والخسارة المالية فهو موضوع الاقتصاد، وإذا كان موضوعه علاقات اجتماعية من منظار المنطق والعطف والتربية فإنه يقع تحت فقه الأسرة والتربية. بهذا التعريف يتّضح أن العلاقات الاجتماعية غير المتعلقة بالسلطة لا علاقة لها بفقه العلاقات الدولية؛ وبالتالي فإن الأبعاد الدولية لفقه الاقتصاد تُناقش تحت باب فقه الاقتصاد نفسه، وكذلك الأبواب الدولية لسائر أبواب الفقه التي لا علاقة لها بمقولة السلطة تُوضع تحت أبوابها نفسها.

نقطة أخرى أننا في السياسة نقول إن ليس كل مبحث أمراً سياسياً، لكن كل مقولة يمكن أن تصبح سياسية؛ لأن خاصية السلطة أنها منتشرة ويمكن أن توجد في ساحات مختلفة؛ وبالتالي إذا ارتبط جزء من مباحث الاقتصاد الدولي بمقولة السلطة، فيجب أن يوضع تحت فقه العلاقات الدولية لا فقه الاقتصاد؛ وكذلك في سائر أبواب الفقه.

بعد تعريف فقه العلاقات الدولية، ننتقل إلى الموضوعات التي تقع تحت هذا الباب الفقهي. بعض هذه الموضوعات هي: الأمن، والحرب، والسلام، والسياسة الخارجية، والمنظمات الدولية، والدبلوماسية، والاستخبارات.

فقه معاصر: ما هي العلاقة بين العلاقات الدولية والقانون الدولي؟

عبدخدايي: الفرق بين العلاقات الدولية والقانون الدولي واضح جداً؛ فالعلاقات الدولية تتناول الأمر السياسي، أما القانون الدولي فيسعى إلى سنّ مجموعة من القوانين في الساحة الدولية وتشكيلها. من منظار العلاقات الدولية، القانون الدولي إما غير موجود أصلاً، لأن الحقوق تعني وجود سلطة تضع القانون وتنفّذه وتضمنه؛ في حين أنه في الساحة الدولية لا توجد ضمانة قانونية، وإنما السلطة هي التي تقول الكلمة الأولى؛ لذا فإن القانون الدولي إما لا معنى له أو أنه أمر ضعيف جداً؛ أما فقه العلاقات الدولية فبما أنه يملك ضمانة تنفيذية شخصية وهي العقاب الإلهي، فهو قابل للتصوّر.

بالطبع، كلما دخل القانون الدولي في مجال ما، فإنه يختلف بالتأكيد عن العلاقات الدولية.

أما العلاقة بين القانون الدولي والعلاقات الدولية فهي عموم وخصوص من وجه. في الحالات التي يكون النقاش فيها حقوقياً دولياً ويتناول جانب السلطة أيضاً، يكون وجه الاشتراك بين الاثنين؛ أما في الحالات التي يكون النقاش فيها دولياً وحقوقياً لكنه ليس من جانب السلطة، فهو وجه الافتراق للقانون الدولي، وفي الحالات التي يكون النقاش فيها من جانب السلطة ودولياً لكنه لا يتناول الجوانب الحقوقية، فهو محل افتراق العلاقات الدولية.

Source: External Source