الدكتور محمد جواد أرسطا بمناسبة ذكرى وفاة آية الله السيد عبد الاعلى السبزواري

حجة الإسلام والمسلمين الدكتور محمد جواد أرسطا عضو المجلس العلمي لمعهد الدراسات الفقهية في حوار خاص مع معهد البحوث الفقهية المعاصرة بمناسبة ذكرى وفاة آية الله السيد عبد الاعلى السبزواري ، عبر عن الخصائص العلمية لهذا الفقيه العظيم٠

فيما يلي تفاصيل الحوار الحصري لمعهد أبحاث الفقه المعاصر مع حجة الإسلام والمسلمين الدكتور محمد جواد أرسطا

كان المرحوم آية الله السيد عبد الاعلى السبزواري من كبار الشخصيات المعاصرة، وكان إلى جانب مجال الفقه والأصول خبيرا في بعض المواضيع الحوزوية الأخرى مثل علوم التفسير والحديث٠

ومن الناحية العلمية، كان يتمتع بصفات مثل

فقيه القرآن والعترة

من سماته البارزة ارتباطه العميق بالقرآن والنصوص السردية لدرجة أنه ترك وراءه تفسيرًا قيمًا يسمى “مواهب الرحمن” وقد طبع منه أربعة عشر مجلداً، ولا أدري هل انتهوا منه في حياته النبيلة أم لا! إن الموجود هو في الواقع عمل قيم لأنه أولا وقبل كل شيء كان يدرس كل آية من مختلف الجوانب المعجمية والفقهية والعقائدية والأخلاقية، وثانيا في تفسيرهم ينظرون إلى تفسير الميزان دون ذكر اسم العلامة الطباطبائي لبعض الأحاديث. آراء يقتبسها عن المرحوم العلامة وإذا كان لديه انتقاد يرفعونه٠

قلمه في التفسير قلم قوي وناضج جداً، ولذلك تفسيره مواهب الرحمن، لآراءه الجديدة وأيضاً لشموله، وبالإضافة إلى ذلك، لرأيه في آراء العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان، تفسير يعتبر خاصا وقيما جدا٠

بالإضافة إلى أن المرحوم آية الله السبزواري كان شديد الانجذاب إلى القرآن واستخدم هذا الانجذاب في مناظراته الفقهية، فقد كان أيضاً شديد الانجذاب إلى تقاليد أهل البيت، عليه السلام. وقيل عنه أنه طالع بحار الأنوار – هذه الموسوعة المؤلفة من مائة وعشرة مجلدات – بالتفصيل وتمعن في مطالعاته وتأمل أحاديث أهل البيت عليهم السلام أنه قال: إلى حفيده – آية الله السيد علي السبزواري – المرحوم آية الله السبزواري عندما يكتب رواية كان يسمع ويميز من أي معصوم صدرت تلك الرواية، بل وكان يحدث أحياناً أن بعض العلماء يروون عن المعصومين رواية، فيقول: قل لا! وقد روي هذا الحديث عن شخص معصوم آخر، وبعد التحقيق تبين أنه على حق٠

هذان القوة والفهم، اللذان يندر أن يحصل عليهما أحد، يدلان على الارتباط الكبير والعميق للمرحوم السيد السبزواري باتباعهم أهل البيت عليهم السلام٠

فقيه عام

من مميزاته الأخرى الفهم الجيد والعرفي لذلك الفقيه الكبير في المسائل الفقهية. وفي الوقت نفسه أنه في كتاب التفسير وبعض المناقشات الكلامية كان يراع الدقة الفكرية والعقائدية، أما في المناقشات الفقهية فقد طبق وجهة نظر تقليدية رصينة مدروسة، وأوضح في بعض المواضع في فقهه. ينبغي تفسير الفقه آن يكون على أساس الفهم المشترك، لأن كلام الأئمة عليهم السلام في المناقشات الفقهية يرجع إلى الفهم المشترك، ولذلك لا ينبغي أن يتخذ في المناقشات الفقهية دقة خارجة عن الفهم المشترك كمعيار٠

من صفاته الأخرى موقفه العقلاني من المسائل الفقهية٠ وقد أحال إلى الفهم العقلي العديد من القواعد الفقهية التي تناولها في المناقشات الفقهية لكتابه القيم جدًا “مهذب الأحكام”؛ مثل قاعدة الضرر ونفي الضرر والمواساة وصحة الرؤية، وحتى قاعدة مثل التقية، فإنه كان يعيدها إلى الفهم العقلي وبناء على ذلك يتوصل إلى بعض الاستنتاجات. وصحيح أن الفقهاء انتبهوا أيضًا إلى أن عددًا لا يستهان به من القواعد الفقهية متأصلة في الفهم الفكري، إلا أنه في هذا السياق تعرض لهذه المسألة بشكل أوسع وأدق مما مدح ذلك الآخرون. وفي هذا السياق، بالإضافة إلى القواعد الفقهية، فقد طبق نفس الموقف في الاستنتاجات والأحكام الفقهية الأخرى التي طرحها في كتاب مهذب الأحكام الكريم. أي أنه لم يكتف باستخدام هذا الأسلوب في إحالة القواعد الفقهية إلى الفهم العقلي، بل طبق هذا الموقف العقلي بشكل واضح في عدد كبير من الأحكام الفقهية٠

الفقيه الجواهري

من صفاته الأخرى، بحسب ما ورد في سيرة المرحوم، أنه درس بعناية كتاب “جواهر الكلام” عدة مرات، وقد تركت هذه الدراسة آثارها بوضوح في فقهه. ولآية الله السبزواري في كثير من الأحيان من كتاب مهذب الأحكام مراجع إلى كتاب جواهر الكلام وهو قيم جدا أي أنه استخرج نقاطا قيمة ومفيدة جدا من كلام صاحب الجواهر الذي هو رائع جدا٠

الفقيه الشامل

من مميزاته أيضًا الجهد القيم الذي بذله ذلك الفقيه الجليل في كتابي “مهذب الأحكام” و”تهذيب الأصول” في اتجاه الجمع بين الأقوال المختلفة وأثبت أن تعدد الأقوال في المناقشات الفقهية والأصولية يمكن التقليل منها في كثير من الأحوال. وهذا يعني أنه من الممكن تقليل الكلمات بعناية إلى عدد أصغر. و يحاول إيجاد النقاط المشتركة لوجهات النظر المختلفة ويمتنع عن اكثار المفردات دون سبب٠

باختصار وليس مطول

من سماته الأخرى تجنب إطالة الكلام غير المفيد. ونرى في بعض الكتب الفقهية أنه في بعض الأحيان تتم مناقشة المشكلة لفترة طويلة دون أي نتائج علمية مهمة ناتجة عن تلك المناقشة الطويلة أو حتى دون الحاجة إلى التعبير عن تقسيمات مختلفة. ويتجنب المرحوم آية الله السبزواري بشدة محاولة إطالة النقاش دون سبب، ودون نتائج علمية مهمة ونتائج عملية، ولذلك يقول بكلمة واحدة جميلة ربما مناقشات يمكن اختتامها بعبارات قصيرة ولكن يمكن رؤيتها في بعض الكتب. فيقول أنها طويلة دون داع٠

نقطتي الأخيرة حول الخصائص العلمية للمرحوم آية الله السبزواري هي أن كتابه “تهذيب الأصول” هو في الواقع كتاب جيد وأنيق في علم الأصول، وقد اهتم ذلك الفقيه الكبير بالتعامل مع النقاط العملية بشكل كبير. وعلم المبادئ في هذا الكتاب، وبصراحة النقاط العملية لقد أثار في هذا الكتاب العديد من النقاط القيمة التي قلما نجد مثلها في كتب أخرى، وهذا هو جانب آخر من قدرته العلمية٠

حقوقي مبدع

بالإضافة إلى كل هذه الجوانب العلمية، فإن الصفات الأخلاقية البارزة التي كان يتمتع بها المرحوم آية الله السبزواري والتي لم يكن ينوي رفع اسمه بأي شكل من الأشكال في غاية الأهمية. وكان الفقيد فقيهاً طيباً ومتواضعاً جداً، قضى حياته في نشر تعاليم أهل البيت عليهم السلام٠

لقد اكتسب أكبر قدر من الشهرة بعد وفاته، بينما مع تلك الجوانب العلمية المتميزة، كان من الممكن أن يظهر أكثر بكثير خلال حياته، لكنه لم يسعى إلى مثل هذه الامور٠

تغمده الله برحمته الواسعة٠