الأستاذ حسن اجرائي

ملحوظة: فقه حقوق المواطنة هو أحد الفصول الناشئة في الفقه المعاصر. وبطبيعة الحال، فإن قضاياها ليست بالضرورة جديدة وغير مستخدمة، ولكن حتى نفس القضايا التي لها تاريخ في التقاليد الفقهية غالبًا ما يتم بحثها بشكل مستقل ومعالجتها بشكل أقل من منظور "حقوق المواطنة". ومن تحديات فقه حقوق المواطنة هو القدرة أو عدم المعرفة بمبادئ الفقه الحاضر على حل مشاكلها، وهل هذه المعرفة، بنفس القضايا والقواعد الحاضرة، تعطي حلاً فعالاً للقضايا الفقهية المتعلقة بحقوق المواطنة، أو ما إذا كان من الضروري إجراء تغييرات في هذه المعرفة للحصول على إجابات فعالة لهذه القضايا. وفي هذه المذكرة الخاصة، تناول الأستاذ حسن اجرائي، الباحث في حوزة قم العلمية، هذا التحدي؛

فقه حقوق المواطنة يتعارض مع القواعد التقليدية لأصول الفقه

لقد تشكلت المعرفة بأصول الفقه تدريجيا على مدى عدة قرون، وتم تحسين نظمه وقواعده الداخلية بحيث يمكن أن يكون الفقه أداة للاستدلال. ومن الضروري أن تُستخدم معرفة أصول الفقه كأداة عملية في حل المشاكل الفقهية المعاصرة، ومن الضروري قبل ذلك أن يكون في تواصل وتبادل شامل مع الخلفية و الجو العام للمشاكل المعاصرة وتقديم نسخة محدثة وحديثة من نفسها. وعلى سبيل المثال، إدخال أدب الدولة القومية إلى المجتمعات الإسلامية، رغم أنه كان سبباً في دخول بعض الأحكام الجديدة إلى الفقه الشيعي، إلا أن تأثيره لم يظهر في أصول الفقه والمعارف المرتبطة به، وبالتالي الأحكام المتعلقة بالحدود، إن التبعية، والانحراف عن القوانين، وما إلى ذلك، ليس جزءًا مستمرًا ومتناغمًا من المعرفة المرتبطة، بل هو إضافة وامتداد مرتبطان ولا يزالان انقطاعًا كاملاً٠

بناء على ما قيل، ظهرت قضايا جديدة مثل فقه حقوق المواطنة الذي يقوم على نظام العلاقات الحديثة بين الناس، كما انبثق عن أسلوب الحكم الحديث الذي تحول من علاقة الحاكم بالتابع إلى الحاكم. والعلاقة بالمواطن، لا تزال جزءا من النظام ولم يتغير النظام من معرفة أصول الفقه. وعلى سبيل المثال، لا تزال الاستعارات المفاهيمية الحاكمة لمبادئ الفقه مبنية على مفاهيم سابقة ناشئة عن علاقة السيد والعبد، والتي يُنظر إليها على أنها علاقة أحادية وحصرية تقوم على الطاعة والواجب، وليس حق المواطنة٠

في النهاية، يبدو أن التعارض بين علاقات الحاكم والعبد والسيد والعبد في المبادئ الفقهية القائمة، مع العلاقات القائمة على حقوق المواطنين في فقه حقوق المواطنة، يحول دون تمكن المبادئ الفقهية القائمة من مساعدة حقوق المواطنين وحتى لو كان فقيهاً في الفقه لكي يعترف بحقوق المواطنين، فمن الطبيعي أن يتبنى عمليات جديدة وينأى بنفسه عن القواعد التقليدية في أصول الفقه، ويبدو أنه وإن كان قد انتهى في بعض الأحيان إلى عملية الاستدلال، إلا أن أصوله لم يتم تنقيحها وتوضيحها في معرفة أصول الفقه٠

ضرورة المساواة القانونية لحماية حق المواطنة

إن استخدام أساليب مختلفة في مواضيع مختلفة أمر طبيعي في المعرفة المعاصرة. وبهذا يكون من الطبيعي والمقبول أنه في الأمور المتعلقة بالعلاقة بين الله والعباد، وخاصة في أمور العبادات، والهدف الأساسي في شرح طريقة الاستدلال هو الحصول على الرضا الإلهي والتأكد من أداء الفريضة، لكن مثل هذا الأسلوب لا ينبغي أن ينتشر في جميع الموارد٠

فعلى هذا، ومع الحفاظ على القواعد المتعلقة بالامتياز في العلاقة بين الله والعباد، ينبغي تحسين المعرفة بأصول الفقه لتحقيق وحماية حقوق المواطن والابتعاد عن علاقة السيد والعبد. وفي العلاقة بين الحاكم والمواطن. لأنه خلافاً للصورة الذهنية الموجودة، وفي أقصى حالاتها، فإن نفس القواعد والأحكام التي تحكم العلاقة بين الله وعباده لا يمكن اعتبارها قابلة للتطبيق على العلاقات بين الناس الآخرين. ومن خلال قبول هذا التمييز، ينبغي لمبادئ الفقه أن تخلق قواعد ومناهج جديدة لتنظيم قضايا مثل حقوق المواطنة، التي ستنظم الحياة في هذا العالم على أساس المساواة القانونية بين الحاكم والمواطنين، ومن دون تحقيقه يبقى مفهوم حق المواطنة مجرد عنوان٠

النظام القانوني القائم على مبادئ الفقه هو الضامن لاحتياجات العصر

إن معرفة أصول الفقه، كأداة لمنهجية علم الفقه، يمكن أن توفر قواعد وأطرًا لتنظيم المعرفة الفقهية في نظام قانوني متين، إذ إن النقطة المثالية في المعارف المذكورة كانت دائمًا هي أن تصل إلى معرفة شاملة من خلال الابتعاد عن المنهج المستقل واعتبار كل موضوع وأحكام منفصلاً، وبالتالي التعامل مع الأحكام بشكل منفصل. ويمكن ملاحظة ذلك إلى حد كبير في أصول الفقه الحاضر، لكن ما جعل الوضع الحاضر لأصول الفقه حرجًا هو عدم كفاية النظام القانوني الحاضر في الفقه وأصول الفقه مع احتياجاته والأسس المعرفية في ذلك الوقت٠

من هنا فإن ما هي الحاجة والضرورة الراهنة إلى معرفة أصول الفقه لا يقتصر فقط على بناء معرفة منهجية وتحقيق نظام قانوني، بل أيضا على توفير أسس مناسبة لتحقيق نظام قانوني يقوم على الأسس المعرفية للعصر الجديد مع التمسك بالتقاليد الإسلامية والفقهية. ولذلك يبدو أن السؤال الدقيق هو ما إذا كانت معرفة أصول الفقه في الوضع الحاضر يمكن أن تدعم وتبني منصة لتشكيل نظام قانوني في الفقه بالإضافة إلى الاعتماد على التراث الإسلامي والشيعي و بالأصول الفقهية واحتياجات العصر والاستجابة لها٠

تحديث أصول الفقه من الداخل والخارج

إن إرساء منظور ومنهج جديد في معرفة أصول الفقه، بما في ذلك الاهتمام الخاص بفقه حقوق المواطنة، يتطلب اهتماما خاصا بالموضوعات والمناقشات التي لم تحظ باهتمام كبير حتى الآن. ويمكن أن تقوم مثل هذه العملية على تسليط الضوء والاهتمام ببعض المواضيع في أصول الفقه الموجودة بالفعل، ولكن لم يتم الاعتماد عليها كثيرًا، بما في ذلك قاعدة العقل، والتي يمكن تطويرها ورعايتها لتصبح مصدراً للاعتماد في إصدار الأحكام المناسبة في مسائل مثل فقه حقوق المواطنة٠

كما أن التوصل إلى حلول وأساليب فاعلة تتماشى مع فقه حقوق المواطنة في أصول الفقه يمكن اتباعه بطرق وأساليب غير متعارف عليها اليوم في فقه ومبادئ الشيعة. ومن مقاصد الشريعة، وإن كانت في العقود الأخيرة، وخاصة في السنوات الاخيرة الماضية، قد بذلت جهود نظرية كبيرة من أجل توسيع نطاقها لتشمل المبادئ الفقهية القائمة، إلا أنها لا تزال بعيدة عن قواعدها وهياكلها٠

بناء على كل ما قيل فإن الجهود والحلول المذكورة في أصول الفقه يمكن أن تكون ضامنة لحقوق المواطنة وتأخذ فقه حقوق المواطنة خطوة إلى الأمام إذا أصبحت مبادئ الفقه القائمة نسخة جديدة من نفسها تصلح لإنسان اليوم ومجتمعه، وخلقت احتياجات المؤمنين في ذلك العصر٠

هذه المقابلة جزء من المجلة الإلكترونية “أساسيات فقه الحقوق المدنية” التي تصدرب التعاون مع موقع شبكة الاجتهاد٠