حسين مهدي زاده

مبادئ فقه الاقتصاد/14

المرحوم السيد منير الدين الحسيني (ره) لم يرَ نقطة البداية للتحول في سن القوانين، ولا في إضافة القطاع التعاوني إلى الدستور، ولا في إعطاء الأولوية للعمل والعدالة التوزيعية أو حتى السياسية، ولا في رفض الربا المصرفي فقط، ولا في تأميم الاقتصاد أو خصخصته، ولا في الشفافية وغيرها، بل كان يرى النقطة المحورية في كيفية رؤية البشر الاجتماعيين الذين جاء ذكرهم في المعارف والفقه الإسلامي ضمن تسلسل متصل، وكيف يمكن إرساء هؤلاء البشر بمساعدة الاقتصاد والثقافة والسياسة، وجعل المجتمع أرضية لنموهم وتكاملهم.

إشارة:

المرحوم حجة الإسلام والمسلمين السيد منير الدين الحسيني هو أبو التيار المعروف بـ”الثقافستان” في البلاد؛ وهو تيار يطمح إلى أسلوب ومحتوى جديدين في العلوم الإنسانية وغير الإنسانية. كان أحد المجالات المهمة التي دخلها المرحوم الحسيني هو علم الاقتصاد. يقدم حجة الإسلام حسين مهدي زاده، الكاتب والباحث في ثقافستان العلوم الإسلامية، في هذه المذكرة الخاصة، تقريراً موجزاً عن جهود المرحوم الحسيني حول الاقتصاد الإسلامي.

نص المذكرة:

كان المرحوم الحسيني (ره)، في نضالاته العلمية والثقافية في زمن الطاغوت، قد لاحظ العلوم الاجتماعية الحديثة، وبالأخص قضية اقتصادها. وكما هو معروف، كان عضواً في جمعية المدرّسين، وكان له رأي في الاقتصاد، حيث شارك في المجلس الأعلى للاقتصاد ومنظمة التخطيط وغيرها في بداية الثورة.

في تلك الأيام، وبدعم من جمعية المدرّسين وعلماء قم، نظّم حوالي عشرين أسبوعاً من الدروس الاقتصادية بين عامي ١٣٥٩ و١٣٦٣ هـ.ش (١٩٨٠-١٩٨٤ م)، بحضور غالبية المفكرين الشباب والثوريين في مجال الاقتصاد في ذلك الوقت، حيث يمكن القول إن أسماء جميع الشخصيات البارزة المعروفة اليوم في اقتصاد إيران كانت مدرجة في قوائم الحضور والغياب في تلك الأيام.

في تلك السنوات، كان هو نفسه يدافع عن نظرية تُسمى “الجبر التعادلي” في الاقتصاد الإسلامي، وقد درّس هذه النظرية أو قدمها في مناسبات عديدة، وتتوفر الآن تسجيلات صوتية لهذه الدروس في بنك تراثه العلمي.

كان المرحوم الحسيني الهاشمي (ره)، بما أنه كان يؤمن بأن الإسلام دين يقدم تصميماً شاملاً للحياة، يؤمن بوجود نظم اجتماعية في مختلف أبعاد الحياة – حيثما تكون حياة الإنسان اجتماعية – وكان يرى حضور الإسلام في هذه النظم بأقصى درجاته، وليس بحد أدنى أو مجرد توقيع العرف والعقل.

كان يؤمن على وجه التحديد باقتصاد لا تكون فيه الأولوية لرأس المال ولا للعمل بالمعنى الماركسي، بل كان يعتقد طوال حياته العلمية أن الاقتصاد الإسلامي هو نظام يمكنه تحويل الحافز الأخلاقي الموجود في علاقات الولاية والأخوة الدينية إلى محرك دافع لنظام شامل للمعيشة والاقتصاد. لذا، حتى نهاية حياته، سعى إلى إكمال أجزاء هذه النظم الاجتماعية وحاول، بقدر ما تتيح قوة باحث محدودة، إنتاج أو إعادة إنتاج هذه النظم من المبادئ إلى البنى التحتية.

رسالة العلوم الاجتماعية

كانت الفكرة الأهم للمرحوم السيد منير الدين الحسيني (ره) للدخول في مجال العلوم الاجتماعية هي أن العلوم الاجتماعية الدينية – والاقتصاد أحد أهمها – ليست علوماً للعيش في مجتمع السيطرة القديمة أو المجتمع التناقضي والسوقي الحديث، بل هي علوم تحول من خلالها الأخلاق الاجتماعية للولاية والأخوة إلى هيكلية.

نعلم جميعاً أن الحكمة العملية القديمة كانت تتشكل بناءً على أخلاق النبلاء في مواجهة التابعين، وكانت تحمل طابعاً أخلاقياً وتوصياتياً، ولم تكن من العلوم الدقيقة، ولكنها لم تكن بلا أساس، إذ كانت تعتمد على فهم للإنسان النبيل والإنسان الرعية أو العبد، وتحدد طبقات من البشر، وتضع لهم اقتصاداً ومدناً ومنازل وعمالة وصحة وحقوقاً وغيرها.

في العالم الحديث، تم تصميم الإنسان التاجر بناءً على شخصية التجار الفينيسيين وقراصنة الأنجلو ساكسون وغيرهم، حيث كانوا في ذهن صانعي الأخلاق والسياسة، ثم الاقتصاد السياسي، وأخيراً العلوم الاجتماعية. أشار علماء عصر التنوير، مثل كانط، في المبدأ الرابع من رسالته التسعة عن التاريخ العالمي في غاية عالمية، صراحةً إلى أن الأخلاق التناقضية هي الأخلاق الإنسانية العليا. قبل عقدين من ذلك، أكد آدم سميث في كتابه “ثروة الأمم” أننا لا نلجأ إلى الإحسان لتلبية احتياجاتنا، بل إلى السعي وراء المصلحة. وهذه هي النسخة العلمية لجملة ماندفيل في ملحمته النثرية “أسطورة النحل” التي تقول إن الرذائل الأخلاقية الفردية هي فضائل اجتماعية.

المرحوم الحسيني (ره) لم يرَ نقطة البداية للتحول في سن القوانين، ولا في إضافة القطاع التعاوني إلى الدستور، ولا في إعطاء الأولوية للعمل والعدالة التوزيعية أو حتى السياسية، ولا في رفض الربا المصرفي فقط، ولا في تأميم الاقتصاد أو خصخصته، ولا في الشفافية وغيرها، بل كان يرى النقطة المحورية في كيفية رؤية البشر الاجتماعيين الذين جاء ذكرهم في المعارف والفقه الإسلامي ضمن تسلسل متصل، وكيف يمكن إرساء هؤلاء البشر بمساعدة الاقتصاد والثقافة والسياسة، وجعل المجتمع أرضية لنموهم وتكاملهم.

في هذا المسار، اتخذ المرحوم الحسيني (ره) خطوات في بناء اقتصادي لهذا المجتمع. كان يعتقد أن الاقتصاد الحالي هو بوضوح علم دقيق في خدمة الإنسان المادي، التاجر الحديث، والذي يعطي الأولوية للعمل أو رأس المال، والذي تمت صياغته نظرياً في الشرق والغرب في العالم اليوم، مصمم لهذا الإنسان والتصميم الذي وضعه لحياته المادية في العالم. مع تغيير الإنسان الأساسي، يتم تحدي كل مفاهيم علم الاقتصاد، ومع تغيير دائرة الحافز للإنسان في المجتمع، حتى الصيغ الدقيقة لعلم الاقتصاد ستصبح غير فعالة في العمل الاجتماعي.

كان يعتقد أنه في ظل الثورة الإسلامية، تم تهيئة أرضية لبناء مجتمع يقوم على التعلق بالله وبأخلاق التعاون الإيماني (الذي تم صياغته في الولاية والأخوة الدينية، في اللاهوت والفقه وتراثنا الحكمي)، وأن إنسان الثورة الإسلامية هو الأكثر توافقاً مع الإنسان الذي تسعى الثقافة الدينية الأساسية إلى بيان أحكام حياته. بناءً على ذلك، كان يسعى إلى إرساء هذا الإنسان في عرف المجتمع، ثم الوصول إلى علوم دقيقة لتطوير فاعليته في المجتمع. ولهذا، كان يبحث عن اقتصاد تكون فيه الأولوية لـ”مستوى التعاون المقدم” من كل فاعل في المجتمع، وليس التناقض الليبرالي ولا السيطرة الاشتراكية.

في السنوات الأولى للثورة وحتى السنوات الأخيرة، ناقش هذه المسألة مرات عديدة في حواراته مع مسؤولي الجمهورية الإسلامية، ونظم درس-محاضرات ومؤتمرات علمية لذلك، وهي موجودة في أرشيف مناقشاته المتبقية.

في هذه الدورات، تم تقديم تفاصيل كثيرة عن تصميمه، ولكن لا مجال في هذه الفرصة القصيرة لشرحها بالتفصيل، لأنه، بسبب إيمانه بالتحليلات الكلية والنظامية في فهم الموضوعات، كان عادةً يقدم فكرته من خلال تقديم وصفي وموضوعي للنظام المصمم، والذي يمكن دراسته في مكانه المناسب.

Source: External Source