النص الكامل للخبر:
في يوم الثلاثاء، السادس من شهر خرداد ١٤٠٤ هـ، عُقدت الجلسة الثانية والعشرون من سلسلة جلسات “تبیین مکتب الإمام الخمیني (ره)”، بتنظيم من مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخمیني (ره) – فرع قم، وبحضور آية الله السيد مجتبى نورمفيدي، أستاذ الدروس الخارجية في الحوزة العلمية بقم، وبمشاركة جمع من العلماء والمهتمين.
استهل آية الله نورمفيدي كلمته بالشكر للمنظمين، مشيرًا إلى أهمية تبیین مکتب الإمام الخمیني (ره)، خاصة في ذكرى وفاته. واستنادًا إلى رسالة القائد الأعلى الأخيرة، أضاف: “إن رسالة سماحته تمثل نسخة محدثة ومكملة للإطار الذي وضعه الإمام الخمیني (ره) للحوزة المثالية”.
واعتبر آية الله نورمفيدي أن أركان الحوزة الرائدة والمتقدمة تتألف من خمسة مبادئ أساسية، وقام بتفصيلها كما يلي:
الركن الأول: تهذيب النفس والتقوى الإلهية، وهو الأساس لأي نمو وتكامل في الحوزة العلمية. وأشار إلى أنه بدون التهذيب الأخلاقي والالتزام بالمبادئ الأخلاقية، لن تؤدي الجهود الأخرى إلى تحقيق الهدف النهائي، وهو تربية الإنسان الإلهي وهداية المجتمع.
الركن الثاني: شمولية الحوزة. وهي نقطة أكد عليها الإمام الخمیني (ره) والقائد الأعلى، حيث قال الإمام: “يجب على العلماء أن يكونوا متعددي الأبعاد، وعلى الحوزات أن تكون كذلك بما يتناسب مع أبعاد الإسلام والإنسان”. وأضاف نورمفيدي أن القائد الأعلى أكد أن الحوزة مؤسسة خارجية تخدم الفكر والثقافة في المجتمع، وليست مجرد معهد للتدريس، بل هي مزيج من العلم والتربية والوظائف الاجتماعية والسياسية. وبالتالي، يجب أن تكون الحوزة الرائدة متفاعلة مع المجتمع، مستجيبة لاحتياجاته الفكرية والثقافية والاجتماعية والسياسية.
الركن الثالث: الهوية الجهادية للحوزة والروحانية، حيث أكد نورمفيدي على أهمية “الهوية الجهادية ورفض نظام الهيمنة ومحاربة المستكبرين” كسمة أساسية للحوزة الرائدة.
الركن الرابع: مرافقة الناس ودعم المحرومين، حيث أشار إلى أن هذا المبدأ يضع الحوزة العلمية والروحانية في طليعة النضال ضد الظلم والاستكبار، ويدافع عن حقوق الشعب، خاصة الطبقات المحرومة.
الركن الخامس: الرؤية الحكومية والاجتماعية، التي تمكن الفقه من تقديم حلول على نطاق اجتماعي واسع لإدارة المجتمع.
وتناول آية الله نورمفيدي نقطتين إضافيتين وردتا في رسالة القائد الأعلى الأخيرة، وهما: المشاركة في إنتاج وتبیین نظم إدارة المجتمع، والابتكارات الحضارية في إطار الرسالة العالمية للإسلام.
واستنادًا إلى هذه الأركان، رسم نورمفيدي صورة للحوزة المثالية التي تستند إلى المبادئ الدينية الأصيلة وأفكار الإمام الخمیني (ره)، وتم تحديثها وتكميلها برؤية القائد الأعلى لتلبية احتياجات المستقبل.
وأشار إلى الفجوة بين الوضع الحالي للحوزات العلمية وهذه الصورة المثالية، مستشهدًا بقول الإمام الخمیني (ره): “إن الروحانية لن تتمكن من فهم أن الاجتهاد التقليدي غير كافٍ لإدارة المجتمع ما لم تكن حاضرة بفعالية في جميع القضايا والمشكلات”. كما أشار إلى ملاحظة القائد الأعلى حول “عدم التناسب بين الجهود الدعوية والواقع الفكري والثقافي للناس، خاصة الشباب”، واعتبر هذه الفجوة واقعًا لا يمكن إنكاره.
وحول مفهوم “كفاءة الفقه”، قال نورمفيدي إن كفاءة الفقه تعني “تأثيره في تحقيق الأهداف”، مؤكدًا أن تحديد أهداف الفقه بوضوح هو الخطوة الأولى لتقييم كفاءته. ورفض الرأي القائل بأن الدين يقتصر على الشؤون الأخروية، مشيرًا إلى رؤية الإمام الخمیني (ره) الشاملة التي ترى الفقه والإسلام قادرين على تلبية جميع احتياجات حياة الإنسان من الولادة إلى الممات، وأن الفقه برنامج كامل لإدارة حياة البشر، قادر على ضمان نمو وتقدم الأمم.
ثم حدد آية الله نورمفيدي أربعة متطلبات لتحقيق كفاءة الفقه في حوزة رائدة ومؤثرة:
- الرؤية الشاملة للإسلام والفقه: الشرط الأول هو امتلاك فهم شامل للدين والفقه، يهتم بالدنيا والآخرة معًا.
- دور الحكومة في كفاءة الفقه: أكد أن الفقه لا يمكن أن يكون كفءًا بدون حكومة، مستشهدًا بقول الإمام الخمیني (ره): “الحكومة بالنسبة للفقيه هي الفلسفة العملية لكل الفقه”، مشيرًا إلى أن الإيمان بنظرية الحكومة الدينية وولاية الفقيه ضروري لتحقيق كفاءة الفقه.
- مراعاة الزمان والمكان في استنباط الأحكام: أشار إلى أهمية فهم الظروف الزمانية والمكانية في استنباط الأحكام الفقهية، وهو ما كان محل اهتمام الإمام الخمیني (ره) في سنواته الأخيرة، مما يتيح للفقيه تقديم حلول دقيقة ومحدثة للقضايا الاجتماعية والحكومية، متجاوزًا الاجتهاد التقليدي.
- التطلع إلى المستقبل: استنادًا إلى كلام الإمام الخمیني (ره)، أكد نورمفيدي أن الحوزات العلمية والروحانية يجب أن تكون على دراية باحتياجات المجتمع المستقبلية، وأن تسبق الأحداث بخطوات، وأن تكون مستعدة دائمًا للإجابة عن القضايا الجديدة مع التخطيط والتوقع.
وفي الختام، أشار آية الله نورمفيدي إلى النقطتين المذكورتين من القائد الأعلى، وهما “المشاركة في إنتاج وتبیین نظم إدارة المجتمع” و”الابتكارات الحضارية في إطار الرسالة العالمية للإسلام”، مؤكدًا على أهمية الرؤية الكلية والشاملة والنظامية في الفقه، التي تضمن التناسق الداخلي بين مكوناته. وأعرب عن أمله في أن تشهد الحوزات العلمية، من خلال الجهود العلمية الجارية، تقدمًا نحو تحقيق حوزة رائدة ومتقدمة ومثالية، وتحقيق كفاءة حقيقية للفقه.