إشارة: كتاب «التقارب بين الفلسفة السياسية والفقه السياسي» للدكتور سيد صادق الحقيقة يُعدّ من الأعمال المهمة في مجال الدراسات السياسية الإسلامية، حيث يتناول التفاعل والتقارب بين الفلسفة السياسية والفقه السياسي. فيما يلي تقرير موجز عن هذا الكتاب:
التقارب بين الفلسفة السياسية والفقه السياسي، الدكتور سيد صادق الحقيقة، دار هرمس، ١٣٩٦ هـ (٢٠١٧ م)، ٥٤٦ صفحة.
يُنظَّم الكتاب في قسمين رئيسيين: إطار نهج التقارب، والمبادئ والمنهجية. في هذا التقرير، سيتم تناول كل قسم بشكل موجز.
القسم الأول: إطار نهج التقارب
- تعريف التقارب
التقارب هو مفهوم يعني التفاعل والتكامل بين نظامين فكريين ومعرفيين. في هذا الكتاب، يتم دراسة التقارب بين الفلسفة السياسية والفقه السياسي. الهدف من هذا النهج هو إنشاء إطار معرفي شامل يستفيد من مزايا كلا المجالين.
يُعرّف الدكتور الحقيقة التقارب كنموذج يسعى إلى إيجاد طرق جديدة للربط بين هذين المجالين. وهو يرى أن التقارب ليس ممكنًا فحسب، بل ضرورة لفهم أشمل للسياسة في المجتمعات الإسلامية. في هذا السياق، يمكن اعتبار التقارب نوعًا من التقارب المعرفي الذي يهدف إلى إنشاء نظام موحد للتحليل السياسي بناءً على التعاليم الإسلامية والعقلانية الفلسفية. ينظر هذا النهج إلى السياسة ليس فقط كأمر تنفيذي، بل كظاهرة فكرية ونظرية أيضًا.
- الخلفية النظرية للتقارب
يتناول الدكتور الحقيقة في هذا القسم خلفية هذه الفكرة، ويُظهر أن التاريخ الفكري الإسلامي شهد نماذج من التفاعل بين الفلسفة والفقه السياسي. فقد حاول مفكرون مثل الفارابي، وابن سينا، وخواجه نصير الدين الطوسي، والعلامة الطباطبائي، تحقيق ذلك.
الفارابي، كأحد أبرز الفلاسفة السياسيين الإسلاميين، سعى إلى دمج النظريات الفلسفية مع التعاليم الإسلامية، وقدّم نموذج المدينة الفاضلة التي تجمع بين الحكمة والشريعة. كما اهتم ابن سينا بالجمع بين العقل والوحي في تحليل القضايا السياسية.
ابن خلدون، من جانبه، تناول في مقدمته تحليل الظواهر الاجتماعية والسياسية، وأظهر كيف يمكن للمبادئ العقلانية أن تلعب دورًا في فهم التحولات السياسية في المجتمعات الإسلامية، محاولًا تحليل الفقه السياسي في إطار نظرة اجتماعية.
- ضرورة التقارب
يُقدَّم هذا النهج كردٍّ على التحديات الناتجة عن الفصل الصارم بين الفلسفة السياسية والفقه السياسي. يؤكد الحقيقة أن الأنظمة السياسية الحديثة تحتاج إلى الاستفادة من النهجين الفلسفي والفقهي في آن واحد لتتمكن من الاستجابة لاحتياجات المجتمع والحكم. وهو يرى أن إهمال أي من هذين المجالين يؤدي إلى نقص في شمولية اتخاذ القرارات السياسية.
في العالم المعاصر، تحتاج السياسة إلى المرونة والقدرة على تفسير الظروف الاجتماعية المتغيرة بشكل صحيح. يؤمن الحقيقة أنه في مثل هذه الظروف، يجب أن يتجاوز الفقه السياسي الأطر التقليدية المغلقة ويندمج مع فهم عقلاني للسياسة والسلطة.
- أبعاد التقارب
يدرس الدكتور الحقيقة التقارب على ثلاثة مستويات:
- التقارب المعرفي: التفاعل على المستويات الأساسية للمعرفة والتنظير.
- التقارب المنهجي: استخدام أساليب مشتركة ومدمجة من الفلسفة والفقه في التحليلات السياسية.
- التقارب العملي: تطبيق هذا النهج في وضع السياسات والحكم.
وهو يرى أن هذه المستويات الثلاثة مكملة لبعضها البعض، وأن تحقيق التقارب الكامل يتطلب الاهتمام بكل هذه الأبعاد. كما يؤكد أن كل مستوى يمكن أن يستخدم فيه أساليب متعددة تحتاج إلى دراسات أكثر دقة.
- تحديات التقارب
يواجه هذا النهج تحديات مثل الخلافات الأساسية بين الفلسفة والفقه، والتقليدية لدى بعض الفقهاء، وتضارب بعض التعاليم الفلسفية مع المبادئ الفقهية. ومع ذلك، يرى الحقيقة أنه من خلال الحوار والتفاعل يمكن التوصل إلى حلول مناسبة.
القسم الثاني: المبادئ والمنهجية
- المبادئ الفلسفية والفقهية للتقارب
يستند التقارب بين الفلسفة السياسية والفقه السياسي إلى عدة مبادئ:
- المبنى الوجودي: قبول واقع يُعتبر فيه العقل والوحي مصدرين للمعرفة.
- المبنى المعرفي: التأكيد على التفاعل بين العقلانية الفلسفية وأسلوب الاجتهاد.
- المبنى الإنساني: دمج الرؤى الفلسفية والفقهية في تحليل طبيعة الإنسان واحتياجاته السياسية.
- المبنى الاجتماعي: الاستفادة من النظريات الاجتماعية لتصميم نظام سياسي مثالي.
- منهجية التقارب
في هذا القسم، يتناول الدكتور الحقيقة الأساليب المستخدمة في هذا النهج:
أ) الأساليب الفلسفية
- التحليل العقلي والمنطقي للمفاهيم السياسية.
- استخدام القياس والاستنتاج في دراسة قضايا الحكم.
- تفسير النظريات الكبرى في مجال السياسة والأخلاق السياسية.
ب) الأساليب الفقهية
- الاجتهاد في النصوص الدينية واستنباط الأحكام السياسية.
- دراسة سيرة المعصومين والتجربة التاريخية للحكومات الإسلامية.
- استخدام أصول الفقه في التحليلات السياسية.
ج) الأساليب المدمجة
يؤكد الدكتور الحقيقة على ضرورة الاستفادة من الأساليب المدمجة لتحقيق التقارب. ومن بين هذه الأساليب:
- الدراسة المقارنة: تحليل تطبيقي بين الفلسفة السياسية والفقه السياسي لاستخلاص نقاط التقاء والاختلاف.
- التأويل والهيرمنيوطيقا: استخدام الأساليب التفسيرية لفهم أفضل للنصوص الدينية وربطها بالتحليلات الفلسفية.
- تطوير منهجية الاجتهاد: تكييف أصول الاجتهاد مع القضايا السياسية الجديدة ودمجها مع المبادئ الفلسفية.
- تطبيقات منهجية التقارب
يقترح الدكتور الحقيقة أن هذا النهج يمكن تطبيقه في مجالات عديدة، منها:
- الحكم الإسلامي: تقديم نموذج لتصميم نظام سياسي يعتمد على التعاليم الإسلامية والعقلانية الفلسفية.
- الحقوق والتشريع: دمج المبادئ الفقهية والفلسفية في صياغة القوانين.
- السياسة الخارجية والدبلوماسية: استخدام التحليلات الفلسفية والأحكام الفقهية في اتخاذ القرارات الدولية.
الخاتمة
النهج التقاربي الذي قدمه الدكتور سيد صادق الحقيقة في هذا الكتاب هو محاولة لدمج مجالين رئيسيين في الفكر السياسي الإسلامي، أي الفلسفة السياسية والفقه السياسي. يسعى هذا النهج، مع الحفاظ على الاستقلالية النسبية لكل مجال، إلى تحقيق تفاعل بنّاء بينهما لخلق إطار نظري وعملي شامل.