آية الله محمد عندليب همداني

عناوین الحرمة فی فقه الفنون/15

الفن مرتبط بالجمال، والجمال أحد كمائن الشيطان. إذا قال الله تعالى: «إنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمَال»، فهذا لا يعني أن الله يحب كل من هو جميل؛ بل قد تكون أشياء جميلة، ونراها نحن جميلة، لكن الشارع لا يراها كذلك. بالطبع، إذا وجد دليل آخر على استحباب الفن، فهو قابل للبحث؛ لكن أن نجعل أدنى مستوى للأنشطة الفنية هو الاستحباب بناءً على هذا الحديث، فهذا غير صحيح؛ لأن الشارع يقبل الجمال فقط في النطاق الذي أقره، وليس بشكل مطلق.

لعل آية الله عليدوست كان أول من أثار هذا الادعاء صراحةً عام ١٣٩٤ هـ.ش بأن الأصل في الأنشطة الفنية هو الجواز، بل والاستحباب. كرر عضو مجلس أمناء معهد الدراسات الفقهية المعاصرة هذا القول في المؤتمر الأول لفقه الفن، وأكد عليه مرات عديدة بعدها. لكن هذا الادعاء للأستاذ البارز في دروس خارج الفقه والأصول في الحوزة العلمية بقم قد واجه موافقين ومعارضين. آية الله محمد عندليب همداني أحد هؤلاء المعارضين. هذا الأستاذ البارز والخلوق في الحوزة العلمية بقم، كعادته، وبأدبه وعلمه المعهودين، حاول أن يعبر عن نقده لهذا الادعاء بوضوح وتدليل. وفيما يلي نص المذكرة الشفوية الحصرية لعضو مجلس البحوث في معهد الدراسات الفقهية المعاصرة:

أصالة الإباحة في الفن

في الفقه، قد نواجه عنوانًا مثل الرياضة، فنسال: ما حكم الرياضة من الناحية الفقهية؟ تعريف الرياضة واضح، وهي الأنشطة البدنية التي تُؤدى وفق أساليب محددة. هناك، قد نجعل الأصل هو الإباحة، وإذا كنا نمنع شيئًا في بعض الحالات، فذلك بناءً على عناوين عارضة. على سبيل المثال، نقول إنه إذا تسبب في مباراة رياضية ضرر متعمد لشخص ما، فهو غير جائز. لذا، حكم الرياضة أصلًا هو الإباحة.

لكن يبدو أن الفن يختلف اختلافًا كبيرًا عن الرياضة، وهو ما قد لا يكون قد لُحظ. لا يمكننا القول إن الأصل في الأنشطة الفنية هو الجواز، فضلاً عن القول بالاستحباب! بالطبع، سنتحدث عن استحباب الفن لاحقًا. لماذا؟ لأنه في حالة الفن، يجب مراعاة نقطتين معًا:

أولاً: الفن بذاته لا يملك مصداقًا خارجيًا، بل هناك مصاديق خارجية يمكن أن تُعد مصداقًا للفن. بعبارة أخرى، لا يوجد شيء في الخارج يُسمى فنًا وليس خطًا، ولا شعرًا، ولا خطابة، ولا صوتًا جميلًا. لذا، الفن بما هو هو ليس شيئًا يمكننا إثبات أصل له وتطبيق هذا الأصل على مصاديقه.

ثانيًا: للفن خاصية تتمثل في ارتباطه بالجمال. الفن في الأساس هو خلق الجمال. ولا يمكننا أن نتسرع في اتخاذ قرار بشأن الجمال ونقول، على سبيل المثال، إن الأصل هو الجواز؛ لأن القرآن الكريم يقول صراحةً إن أحد حيل الشيطان هو التزيين والتجميل؛ أي أنه يأتي بالقبائح ويجعلها تبدو جميلة، ويضع عليها اسم الجمال، كاسم الفن الجميل، وبالتالي يجذب الناس ويخدعهم: «زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ».

ونتيجة لذلك، بما أن هذه النقطة الدقيقة موجودة هنا، وبدون معونة الشارع لا يمكننا أن نكون على دراية كاملة بحيل الشيطان حتى لا نرى القبائح جميلة ونحكم بجوازها، يجب أن نسير في حدود الشرع. لا يمكننا القول إن الأصل هو جواز أي نوع من الأنشطة الفنية إلا ما خرج بالدليل!

لذا، أن نأتي ونؤسس أصلًا بشأن عنوان الفن هو خطأ. أما فيما يتعلق بتطبيق الأصل على مصاديق الفن؛ إذا كان لهذا المصداق منع في الشرع، فالتكليف واضح؛ وإذا لم يكن له منع مطلق بل منع مقيد، فالتكليف واضح أيضًا؛ وإذا لم يكن لهذا المصداق منع أصلًا، فنجري أصالة الإباحة. لذا، في مصاديق الفن، تُجرى أصالة الإباحة بشرط عدم وجود دليل على المنع.

استحباب الفن

النقطة الثانية هي أنه قد يُتصور أحيانًا، بما أن «إنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمَال» والجمال موافق لفطرة البشر، وفطرة البشر تطلب الجمال، يمكننا أن نجعل أدنى مستوى للأنشطة الفنية هو الاستحباب، ثم نقول إلا ما خرج بالدليل بأنه حرام أو مكروه.

في الجواب، أقول: أولاً، ذكرنا أن الفن مرتبط بالجمال، والجمال أحد كمائن الشيطان. إذا قال الله تعالى: «إنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمَال»، فهذا لا يعني أن الله يحب كل من هو جميل؛ بل قد تكون أشياء جميلة، ونراها نحن جميلة، لكن الشارع لا يراها كذلك. بالطبع، إذا وجد دليل آخر على استحباب الفن، فهو قابل للبحث؛ لكن أن نجعل أدنى مستوى للأنشطة الفنية هو الاستحباب بناءً على هذا الحديث، فهذا غير صحيح؛ لأن الشارع يقبل الجمال فقط في النطاق الذي أقره، وليس بشكل مطلق. إضافة إلى أن النقطة السابقة سارية أيضًا، وهي أن الفن بذاته ليس شيئًا يملك قابلية التعلق بحكم شرعي، بل يجب بحث مصاديقه مثل الخط، كتابة المسرحيات، وغيرها من الناحية الفقهية، ونقول، على سبيل المثال، إن الأصل في الخط هو الاستحباب.

نوعان من الاستحباب

ثانيًا، لدينا نوعان من المستحب، كما لدينا نوعان من المكروه: مستحب في العبادات ومستحب في غير العبادات. الاستحباب في العبادات يعني تعلق الثواب بأداء العمل العبادي بنية القربة إلى الله. أما المستحب في غير العبادات، مثل تنظيف الأسنان بالسواك أو أكل الملح في بداية الطعام، فيعني أمرًا مستحسنًا وجيدًا، وليس بالضرورة أن يترتب عليه ثواب بمجرد أدائه، حتى بدون نية القربة. بناءً على هذا، حتى لو كان النشاط الفني مستحبًا، فهذا لا يعني أن الفنان سيُثاب كما يُثاب على صلاة الليل؛ بل يعني أنه أمر مستحسن، وليس بالمعنى المستحب الموجود في العبادات.

هل الفقهاء معارضون للفن؟

أحيانًا يُقال إن فقهاءنا ليس لديهم نظرة إيجابية تجاه الفن، وكأنهم جعلوا الأصل في الفن هو المنع، ويبحثون عن حكم الجواز؛ ثم يُعترض: لماذا تتعاملون مع الفن وكأن الأصل فيه الحرمة؟!

الجواب على هذا الاعتراض يتضح من عروضي السابقة. قلت إن الجمال والانجذاب إليه أحد معاقل ومقاصد إبليس، وإذا لم تكن هناك تذكيرات من الشارع، فسوف نأكل خداع إبليس كثيرًا جدًا في هذا المجال. لذا، إذا رأينا أن فقهاءنا لم يقولوا إن الأصل في الفن هو الجواز أو الاستحباب، فذلك لأن هذا المجال هو مقصد إبليس، وقد يُساء استخدامه، لذا يجب التعامل معه بمصداقية، وليس أن نتخلص من هذا الأمر المهم بعبارة واحدة: «الأصل في الفن الجواز». عندما ندخل بمصداقية، يجب أن نرى ماذا يُستفاد من الأدلة؟ هل على سبيل المثال «الزفن» أي الرقص، حرام بذاته، أم أنه حرام بسبب العوارض والخصائص التي كانت موجودة في مجالس اللهو واللعب؟ هذا محل بحث، وليس أن نقول إن الفن بما هو فن جائز وقد يختلف مع المصاديق. هنا قد تؤثر الظروف الزمانية والمكانية أيضًا في تبدل الموضوعات. هذه النقاط، بالطبع، ذُكرت بشكل موجز ومختصر، وإلا فكل منها يحتاج إلى بحث مستقل.

Source: External Source