حسن اجرایی في مذكرة:

عناوین الحرمة فی فقه الفنون/17

يُعد الانتقال من النظرة الجزئية إلى الفن وقبوله ككلية متكاملة ومتماسكة أحد أهم التحولات والتطورات الفقهية في الموضوعات المتعلقة بالفن في تاريخ الفقه، وإن كانت هذه النظرة لا تزال في بداياتها، وقد عبر عنها قلة من الفقهاء أو تم نشرها علنًا.

إن نهج الفقهاء التاريخي تجاه الفن ليس أمرًا متفقًا عليه بين علماء الفن. يرى البعض، مستندين إلى الفتاوى الصارمة بشأن الموسيقى والنحت، أن نهج الفقهاء يتسم بالمعارضة والتشاؤم تجاه الفن؛ بينما يذكر آخرون، مستدلين بأدلة على براعة العديد من الفقهاء في الشعر والخط، أن الفن ليس فقط مقبولًا بل ومشجعًا من قبلهم. في هذا السياق، لا يسعى حسن اجرایی، المتخرج من الحوزة العلمية في قم، إلى إثبات أي من طرفي هذا الثنائية، بل يهدف إلى اكتشاف نهج الفقهاء تجاه الفن، هل هو كجزء أم ككل متكامل. وفيما يلي نص المذكرة المبتكرة لهذا الباحث في معهد الدراسات الفقهية المعاصرة:

إن البحث الفقهي للفن والأمور الفنية في تاريخ الفقه كان دائمًا من منظور استنباط الأحكام في خمسة موضوعات محددة: الشعر، الرسم، النحت، الغناء، والموسيقى. في هذا السياق، لم يتناول الفقهاء في أعمالهم الفتوائية المتقدمة أو في رسائل التوضيح المتأخرة هذه العناوين الخمسة كمصاديق لكلية تُسمى الفن ليجري بحثها فقهيًا واستنباط الأحكام بناءً عليها، بل اعتمدوا على الأدلة القرآنية والروائية، وحاولوا في عملية مستقلة استخراج حكم كل منها. ومع ذلك، من خلال دراسة منهجية الاجتهاد لدى الفقهاء، يمكن الوصول إلى نمط متماسك نسبيًا يظهر أن الفقهاء، خاصة في ثلاثة موضوعات هي الشعر، الغناء، والموسيقى، بدلاً من الاعتماد الكلي على القالب وإصدار الحكم بناءً على كون الشعر شعرًا أو الغناء غناءً، ركزوا على المحتوى والمضمون وجعلوه أساس إصدار الحكم. وهكذا، اعتبروا أساس حرمة أو حلية الشعر ليس مجرد كونه شعرًا، بل مضامينه الهادية أو المضلة. وفي الغناء والموسيقى أيضًا، اعتبرت مجموعة من الفقهاء دافع الإضلال شرطًا في الحرمة.

على الرغم من وجود آيتين من القرآن الكريم تنصان صراحة على ذم الشعر والشعراء وأتباعهم، إلا أنه إلى جانب الروايات التي تحمل الذم، هناك أحاديث تحتوي على مدح الشعر: «إنَّ مِنَ الشِّعرِ لَحِكمَة». وهكذا، بدلاً من أن يعتمد الفقهاء فقط على ظاهر الآيات القرآنية لحكم بحرمة الشعر المطلق، قاموا بالتفريق بين القالب والمضمون، واعتبروا حرمة الشعر متعلقة فقط بالأشعار المضلة.

في مواجهة الفقهاء لموضوعي الرسم والنحت، قاموا بالتفريق بين الصورة والتمثال ذي الروح وغير ذي الروح، واعتبروا فقط الوجه ذي الروح محرمًا. ومع ذلك، لم يعتبر الشيخ الطوسي في تفسيره “التبيان”، ولا فضل بن حسن الطبرسي في تفسيره “مجمع البيان”، الرسم والنحت حرامًا. ومن بين الفقهاء المتأخرين، امتنع المرزا جواد التبريزي في رسالته التوضيحية عن إصدار فتوى بحرمة الرسم والنحت، وفي الوقت نفسه احتاط ولم يحكم بحليتهما أيضًا.

الاتجاه إلى إيجاد معيار مضموني بدلاً من إصدار الحكم بناءً على القالب يظهر ليس فقط في الشعر، بل في الرسم والنحت أيضًا؛ إذ إلى جانب الآراء القاطعة بحرمة الرسم والنحت، اعتبر بعض الفقهاء أن معيار الحرمة فيهما ليس ذاتهما، بل نية التعظيم والعبادة والتقديس التي تكون متضمنة فيهما. إضافة إلى ذلك، اعتبر الشيخ الأنصاري أن دافع خلق مشابه لخلق الله والادعاء بالمساواة مع الله في الخلق هو معيار الحرمة في الرسم والنحت.

على الرغم من أن أيًا من آيات القرآن الكريم لا تحمل ظهورًا في ذم الغناء والموسيقى، إلا أن خمس آيات، بناءً على الروايات التفسيرية، استُدل بها على حرمة الغناء والموسيقى: آية ٣٠ من سورة الحج، آية ٦ من سورة لقمان، آية ٧٢ من سورة الفرقان، آية ٣ من سورة المؤمنون، وآية ٣٦ من سورة الإسراء. بشكل عام، يمكن اعتبار هذه الآيات تحمل مضمونين رئيسيين: المنع من قول الزور والعمل اللغو. ومع ذلك، بناءً على الروايات التفسيرية، استُخلصت من هذه الآيات حرمة الغناء والموسيقى. لكن بعض الفقهاء، مستندين إلى آية ٦ من سورة لقمان، وبعبورهم من القالب المجرد والاعتماد على المعيار المذكور في الآية، اعتبروا دافع الإضلال شرطًا في حرمة الغناء والموسيقى.

كل ما ذُكر حتى الآن بشكل موجز يوضح أنه على الرغم من أن معظم الفقهاء، مستندين إلى أدلة المنع والنهي عن الشعر، الرسم، النحت، الغناء، والموسيقى، مالت إلى إصدار فتوى الحرمة، إلا أن الاتجاه إلى التفريق بين القالب والمضمون والمحتوى كان موجودًا دائمًا وحافظ على نفسه عبر الزمن، وربما يمكن القول إن هذا النهج أصبح أكثر بروزًا في العصر الحاضر.

في السنوات الأخيرة، على عكس التقاليد الفقهية التي امتدت لأكثر من ألف عام، أصبحت الموضوعات الفنية ككلية متماسكة وموحدة موضوعًا للبحث الاجتهادي. فقد بذل الفقهاء والباحثون في الفقه، بالتوازي مع البحث الفقهي في فقه السياسة، فقه الاتصالات، فقه الإعلام، وفقه الاقتصاد، جهودًا اجتهادية في فقه الفن أيضًا، حيث تم بحث موضوعات مثل «فقه الرؤية والسمع واللمس في الفن» و«فقه التمثيل».

وهكذا، يُعد الانتقال من النظرة الجزئية إلى الفن وقبوله ككلية متكاملة ومتماسكة أحد أهم التحولات والتطورات الفقهية في الموضوعات المتعلقة بالفن في تاريخ الفقه، وإن كانت هذه النظرة لا تزال في بداياتها، وقد عبر عنها قلة من الفقهاء أو تم نشرها علنًا.

في هذا السياق، أشار محمد عشايري منفرد، في مقالته «تحليل مكانة العرف في موضوع‌شناسي ومصداق‌شناسي فقه الفن» المنشورة في العدد الرابع من مجلة إلهيات الفن، إلى قيود تطبيق العرف في الفقه الشيعي، واعتبر أن هناك انقطاعًا جوهريًا بين الفقه المطلق والفقه المضاف. وفي هذا الصدد، يرى أنه على الرغم من أن مؤسسة العرف في الفقه الشيعي ليست ذات مكانة قوية، إلا أنه في الفقه المضاف يجب إيجاد مكانة متينة للعرف، وخاصة العرف الخبير. بناءً على ذلك، وضع عشايري منفرد فقه الفن كفقه مضاف في إطار مختلف عن الفقه المرسوم، أو -كما قال هو- الفقه المطلق، واعتبر للعرف مكانة قيمة في استنباط أحكام فقه الفن.

من جهة أخرى، فرّق محمد جواد فاضل لنكراني بين الفقه الفردي والفقه الاجتماعي، واعتبر فقه الفن تابعًا للفقه الاجتماعي، وطرح سؤالًا حول ما إذا كانت المعايير في الفقه الفردي هي نفسها المعايير الموجودة في الفقه الاجتماعي أم لا؟ وقد مد هذا السؤال إلى النهج القائم على مقاصد الشريعة، متسائلًا عما إذا كان يمكن اتخاذ مقاصد الشريعة كمعيار للاستنباط والاجتهاد فقط بصورة موجبة جزئية وفي الحالات التي رُوعيت فيها هذه النهج في الروايات، أم يمكن الاستفادة منها بيد أوسع وبصورة قاعدة عامة؟

أخيرًا، في مقالة كتبها السيد مصطفى محقق داماد وهادي جهان‌گشاي آباجلو، بعنوان «الذاتي والعرضي في أحكام الفن: بحث منهجي» المنشورة في العدد السابع من مجلة إلهيات الفن، ذُكر أنه لا يمكن العمل بالخبر الواحد في المسائل الفنية المهمة، ويجب أن تكون هذه المسائل تابعة لحساسيات العرف، مع التأكيد في الوقت نفسه على أن هذا النهج لا يعني تعريف الفقه. وأوضحت المقالة أنه لا توجد قاعدة عامة في الفقه المرسوم تقدم دليلًا فقهيًا عن الفن من حيث هو فن، وبهذا النهج، فُتح باب جديد في تاريخ الفقه، واقترح المؤلفان أنه يجب، من خلال التفريق بين الذاتيات والعرضيات، معرفة ما إذا كان حكم الحرمة أو الحلية يختص بذات الفن أم أن بُعده العرضي هو الذي يستلزم الحكم الفقهي. وفي هذا السياق، أشارا إلى فتوى فيض الكاشاني التي، إلى جانب فتاوى حرمة الموسيقى المطلقة وحرمة الموسيقى التفصيلية، اتخذت نهجًا مختلفًا، واستنادًا إلى الروايات المعتبرة، اعتبر الغناء في مجالس الأعراس جائزًا، لأنه، بحسب رأيه، كانت الروايات المتعلقة بالموسيقى تتعلق باستخدام الحكام الأمويين والعباسيين للموسيقى اللهوية واختلاط الرجال والنساء، وبالتالي كان عامل الحرمة في الغناء هو الاختلاط وليس الغناء نفسه.

باختصار، في السنوات الأخيرة، حدث انقطاع معنوي في تاريخ الفقه، حيث بدأ الفقهاء والباحثون في فقه الفن، بدلاً من التعامل مع مصاديق الفن بشكل منفصل، في اعتبار جميع فروع الفن ككلية واحدة؛ وهو نهج لا يزال في بداياته، وربما يؤدي تدريجيًا إلى قواعد مستقلة عن قواعد الفقه المرسوم.

Source: External Source