«الإضلال عن سبيل الله» دليل مألوف يستند إليه القائلون بحرمة أو عدم رجحان عمل فني كبرهان على دعواهم. ومع ذلك، هناك العديد من التساؤلات حول هذا الدليل الشائع الاستخدام في فقه الفن لم تجد إجابات دقيقة حتى الآن: هل الإضلال أمر شخصي أم نوعي؟ من هو الحاكم في تشخيص هذا المصطلح؟ هل الإضلال يؤدي أصلاً إلى الحرمة أم أنه فقط يثبت عدم رجحان مصداقه؟ ربما يمكن القول إن أحد أهم أسباب عدم وضوح هذا الدليل هو عدم تناوله كدليل فقهي مستقل، بالإضافة إلى أن دوره في فقه الفن نادرًا ما خضع لمناقشة مستقلة. الدكتور عليرضا صالحي، خريج دروس خارج الفقه والأصول في الحوزة العلمية بقم وحاصل على دكتوراه في علم الاجتماع السياسي، يحاول في هذه المذكرة الحصرية تقديم تقرير عن نهج الفقهاء في استخدام هذا الدليل في الاستدلال على قضايا فقه الفن.
الإضلال كلمة مفتاحية تُستخدم في التعاليم الدينية وتبعًا لها في النصوص الفقهية كأحد أهم الأدلة على حرمة بعض الأعمال الفنية. ومع ذلك، في الأبحاث الفقهية المعاصرة، ونظرًا لتعدد ميادين الفن والتغيرات في كيفية استخدامه، حدثت تحولات في نطاق استخدام مصطلح الإضلال.
جاذبية الفن وتعزيز دوره في حياة الإنسان، وكذلك اتساع نطاق تأثيره بين الناس وتحوله من أداة تجميلية بحتة إلى إحدى ضروريات الحياة، دفع بعض الباحثين الفقهيين إلى الحديث عن ضرورة تغيير النظرة إلى الفن (فاضل لنكراني، ١٣٩٦هـ.ش، ص٢٥)، وعن فرع جديد في الفقه يُسمى «فقه الفن» (عليدوست ودري، ١٤٠٠هـ.ش، ص١٣٣). لهذا السبب، أصبحت دراسة الفن من الناحية الشرعية اليوم إحدى الهموم المهمة، خاصة للأشخاص الملتزمين، لكن أحكامه لم تُستنبط بعد بشكل جامع.
توجد في التعاليم الدينية نصوص كثيرة حول الفن (عليدوست، ١٣٩٤هـ.ش، ص٤٢)، لكن هذه النصوص تتعلق أكثر بالجانب السلبي لبعض مصاديق الفن مثل الشعر (سورة الشعراء، آية ٢٤؛ حر عاملي، ١٤٠٩هـ.ق، ج١٧، ص٣١٥)، النحت والرسم (حر عاملي، ١٤٠٩هـ.ق، ج١٧، ص٢٩٦)، والغناء والموسيقى (سورة لقمان، آية ٦؛ سورة الحج، آية ٣٠؛ كليني، ١٤٠٧هـ.ق، ج٦، ص٤٣١؛ حر عاملي، ١٤٠٩هـ.ق، ج١٧، ص٣١٨؛ كليني، ١٤٠٧هـ.ق، ج٥، ص١١٩)، وقد صدرت أحكام بشأنها. ثانيًا، لم تُناقش هذه المباحث ضمن فرع فقهي منسجم.
تأسيس أصل مرجعي وتحديد الحكم الأولي للفن دون مراعاة مصاديقه وتعييناته الخارجية هو موضوع يسعى إليه معظم الفقهاء والباحثين الدينيين اليوم عند دراسة الفن كموضوع فقهي، ثم ينتقلون بعد ذلك إلى دراسة حكم مصاديقه. يرى محمد جواد فاضل لنكراني، أحد الباحثين الفقهيين، أن الفن وموضوعاته من الموضوعات التي لا تملك بذاتها معيارًا، وبالتالي تقع تحت عنوان الإباحة اللاقتضائية، فلا تكون حلالًا أو حرامًا بحد ذاتها؛ بل إذا استُخدمت استخدامًا مشروعًا، تقع في دائرة الحلية، الجواز، الاستحباب، أو حتى الوجوب، وفي حال الاستخدام غير المشروع (الإضلال عن سبيل الله)، تكتسب عنوان الحرمة (فاضل لنكراني، ١٣٩٦هـ.ش، ص٣٨-٣٩). كذلك، يرى أبو القاسم عليدوست، أحد مدرسي دروس الخارج، مستندًا إلى الآيات (سورة الأعراف، آية ٣٢) والروايات (كليني، ١٤٠٧هـ.ق، ج٦، ص٤٣٨)، أن حكم الفن، بمعزل عن تعييناته الخارجية، يبدأ من الاستحباب وقد يصل إلى حد الوجوب (عليدوست، ١٣٩٤هـ.ش، ص٤٤-٤٦؛ نفس المصدر، ١٤٠٠هـ.ش، الجلسة الخامسة).
بعد تأسيس الأصل المرجعي وتحديد الحكم الأولي للفن، ينتقل الفقهاء إلى دراسة مصاديق الفن وتعييناته الخارجية، ويفحصون حكمها الشرعي مستندين إلى الأدلة الخاصة، القواعد الفقهية العامة، وعروض العناوين الثانوية. في الكتب الفقهية، وتبعًا للنصوص الدينية، تم تناول خمسة مصاديق من الفن بشكل أكبر: الشعر، الرسم، النحت، الغناء، والموسيقى. وقد مال الفقهاء المتقدمون، بناءً على النظرة السلبية الغالبة حول هذه المصاديق، خاصة فيما يتعلق بالتصوير والغناء في التعاليم الدينية، إلى الحكم بحرمتها، وكان السبب الرئيسي لهذا الحكم هو «الإضلال» الكامن في الغرض النهائي منها (الإمام الخميني، ١٤١٥هـ.ق، ج١، ص٣١٢؛ مشكيني، ١٣٩٢هـ.ش، ص٤١٩).
الإضلال، بمعنى التضليل، إيقاع في الضلال (دهخدا، ١٣٧٧هـ.ش، تحت اللفظة)، والانحراف عن الحق (قرشي، ج٤، ص١٩٢)، هو كلمة مفتاحية تُستخدم في القرآن والروايات كتعليل للنهي عن بعض الأعمال الفنية. في سورة لقمان، استُخدم تعبير «لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ» للنهي عن الاستماع إلى «لَهْوَ الْحَدِيثِ»، الذي فُسر في التفاسير بالغناء (قمي، ١٤٠٤هـ.ق، ج٢، ص١٦١؛ حويزي، ١٤١٥هـ.ق، ج٤، ص١٩٣). كذلك، فيما يتعلق بالنهي عن النحت، ما ورد في بعض الآيات (سورة الأنبياء، آية ٥٢) أو الروايات (نوري، ١٤٠٨هـ.ق، ج١٣، ص٢١٠؛ حر عاملي، ١٤٠٩هـ.ق، ج١٧، ص٢٩٦) يشير إلى استخدام النحت لأغراض مثل عبادة الأوثان، وفي النهاية الإضلال عن سبيل الله. وفيما يتعلق بالشعر، توجد نصوص دينية تشير إلى ضلال الشعراء وأتباعهم (سورة الشعراء، آيات ٢٢٤-٢٢٥) وتنهى عن الانضمام إليهم (حر عاملي، ١٤٠٩هـ.ق، ج١٧، ص٣١٥).
التأكيد على كون الفنون المذكورة مضلة في التعاليم الدينية دفع بعض الفقهاء المتقدمين وحتى المعاصرين إلى تبني نظرة سلبية تجاه هذه الفنون دون التفريق بين الفنون المضلة وغير المضلة، والإفتاء بحرمتها. على سبيل المثال، يرى الشيخ الأنصاري أن صناعة تماثيل الكائنات الحية محرمة، بل إنه لا يرى صناعة تماثيل الكائنات غير الحية خالية من الإشكال (الشيخ الأنصاري، ١٤١٥هـ.ق، ج١، ص١٨٨). كما يرى بعض المراجع المعاصرين أن صناعة تماثيل الكائنات الحية وبيعها وشراؤها فيه إشكال (صافي گلپايگاني، ١٤١٧هـ.ق، ج١، ص٣٠٨-٣٠٩؛ مكارم شيرازي، ١٤٢٧هـ.ق، ج١، ص١٥٩). وفيما يتعلق بالموسيقى، لا تزال هناك نظرة صارمة للغاية، ويتم النهي عن الدخول في مثل هذه المجالات بنهج احتياطي صلب (صافي، ١٤١٧هـ.ق، ج١، ص٢٩٠-٢٩١).
على الرغم من الآراء الصارمة تجاه الفنون الخمسة في الكتب الفقهية السابقة وبعضها المعاصر، تسعى الأبحاث الفقهية الحديثة إلى معرفة ما إذا كان الحكم الفقهي بالحرمة متعلق بهذه المصاديق من الناحية الفنية أم أن الفقهاء اعتبروا حرمتهم من جهات أخرى. وقد توصل الباحثون الفقهيون المعاصرون، من خلال جمع الأدلة المتعلقة بالفنون المذكورة، التي تشمل إلى جانب الأدلة السلبية أدلة مؤيدة أيضًا (الشيخ الصدوق، ١٤١٣هـ.ق، ج٤، ص٣٧٩؛ برقي، ١٣٧١هـ.ق، ج٢، ص٣٥٨؛ حر عاملي، ١٤٠٩هـ.ق، ج٧، ص٤٠٣ وج١٤، ص٥٧٩)، إلى أن جمع الأدلة المتعارضة ممكن دون الحاجة إلى إهمال أي منها (عليدوست، ١٣٩٤هـ.ش، ص٥٠). ويعتقدون أن معيار تعلق الحرمة بالأعمال الفنية هو إضلال الجمهور عن سبيل الله، وما لم يثبت قيد الإضلال، لا يمكن الإفتاء بحرمتها (خامنئي، ١٣٩٨هـ.ش، ص٢٥٣). بناءً على ذلك، في حال مصاديق الفن مثل النحت، التي كانت في زمن اختراعها وتأسيسها وسيلة للفساد والضلال، لكنها اليوم لم تعد وسيلة محرمة أو مفسدة، لا يُحكم بحرمتها؛ لأن تحول خصائصها عبر الزمن أدى إلى تغيير حكمها (جناتي شاهرودي، ١٣٧٥هـ.ش). كما قيل إنه عندما لا تتوفر العناصر المذكورة في الآيات والروايات مثل «لَهو الحديث»، «قول الزور»، و«يتخذها هزوًا»، التي لها موضوعية في تعلق الحرمة بالصوت الغنائي، لا يمكن القول بحرمة عمل فني، وفقط في حال وجود هذه العناصر يمكن تحت عنوان الإضلال الإفتاء بحرمة ذلك العمل الفني (عليدوست، ١٣٩٤هـ.ش، ص٥٦).