عنوان «اللَهو»، على الرغم من استخدامه في كثير من الحالات كدليل على حرمة أفعال متنوعة، لم يُخضع في علم الفقه لتحليل عميق كعنوان مستقل. وقد أدى هذا الأمر إلى غياب توافق على معناه وعدم إجماع على تطبيقه في استنباط الأحكام. يسعى مصطفى قناعتگر، باحث في الحوزة العلمية بمشهد، في هذه المذكرة الحصرية إلى استكشاف معنى اللَهو وتطبيقه في تحريم الأعمال الفنية. وتؤدي تحليلاته إلى نتائج مثيرة للاهتمام ترد في مذكرته.
المسألة هي: إلى أي مدى يمكن للفقيه أن يعتمد على قدرة «عنوان اللَهو» في تحريم الأعمال الفنية؟ ثلاثة أسئلة تحديّة كبرى جعلت من الصعب اعتبار هذه القدرة عالية:
- ما هو اللَهو؟
- ما هو حكم اللَهو؟
- أي نوع من اللَهو المحرم يمكن تطبيقه على الأعمال الفنية؟
على الرغم من أن فقهاء مثل الشيخ الأنصاري اعتبر القاعدة العامة «حرمة اللَهو المطلق» أمرًا مسلّمًا، إلا أن فقهاء مثل النراقي، الإيرواني، البروجردي، الإمام الخميني، الميلاني، والخوئي لا يقبلون هذا الإطلاق.
بناءً على الأبحاث المتأخرة، لا يمكن إثبات قاعدة عامة لحرمة اللَهو من استخداماته القرآنية والروائية. كما لا يمكن الجزم بمعنى لغوي شامل للَهو. كان بإمكان الفقهاء والباحثين في عصرنا الحالي، بالاستفادة من الجهود القيمة للفقهاء في العصور المتقدمة والمتوسطة والمتأخرة، واستخدام أدوات البحث الحديثة (في اللغة، الآيات، التفاسير، الروايات، وأدلة الفقهاء)، وإعادة النظر النقدية دون خوف في آراء السلف الموقر، أن يقتربوا أكثر من الصواب في المناهج والأساليب الاستنباطية السابقة المتعلقة بمسألة اللَهو. من جهة، ومن جهة أخرى، وبالنظر إلى الوظائف السامية والأخلاقية والدينية للأعمال الفنية في زماننا، فقد ازدادت الشكوك حول تطبيق مفهوم اللَهو المحرم على المصاديق الفنية، بل وأحيانًا زالت هذه الشكوك لصالح الجواز.
الإنتاجات الفنية (الرسم، الموسيقى، الأدب، العروض المسرحية، الفنون التجسيمية…) ليست بالضرورة محرمة. الفنون التي تؤدي إلى الدفع نحو المعصية هي بلا شك محرمة، وكذلك رؤيتها وسماعها وقراءتها (حسب نوع العمل) محرمة؛ لكن لا يوجد دليل على تحريم إنتاج واستهلاك الأعمال الفنية الأخرى. بل لا يوجد حتى دليل على تحريم الفنون التي تثير فرحًا شديدًا في الجمهور.
اللَهو من الناحية اللغوية، في كثير من الحالات، يعني أي نوع من التسلية واللعب؛ لكن ربما يكون من المسلمات حتى لدى علماء الفقه في عصرنا أنه بناءً على هذا التعريف الواسع المصداق، لا ينبغي القول إن اللَهو المطلق محرم. ومع ذلك، يثبت الرجوع إلى كتب الفقهاء المتوسطين والمتأخرين حرمة كهذه في نظرهم. كما وردت تعريفات متعددة أخرى للَهو. على أي حال، التشتت اللغوي وبالتالي الفقهي في «ماهية اللَهو» أمر لا يخفى على الباحثين في الفقه، وهذا يظهر أن الخطوة الأولى في تحريم الأعمال الفنية بوصفها لَهوًا تواجه الفشل.
الخطوة الثانية ليست أفضل حالًا من الأولى؛ أي مهما افترضنا معنى اللَهو، فما هو/هي أحكامه؟ هنا أيضًا، فإن الاستدلال بالأدلة القرآنية والروائية لإثبات حرمة مطلقة أو حتى غالبية مصاديق اللَهو قد باء بالفشل.
في الخطوة الثالثة، خاصة في العصر الحالي، تتضاعف التحديات عشرة أضعاف! الأفلام الدينية الفاخرة، الرسومات الشيعية الخالدة، الروايات القيمة المحظوظة بالتقدير، والموسيقى المؤيدة طقوسيًا، قد اكتسبت مكانة وهيبة جيدة في الفقه.
يمكن القول بجرأة إن اللَهو، حتى لو كان عنوانًا أساسيًا لتحريم بعض الموضوعات، لا يمكن أن يكون له دور في تحريم إنتاج الأعمال الفنية واستهلاكها. وفي واقع الإفتاء من قبل الفقهاء الموقرين، نشهد هذا الأمر. فإذا حرموا فيلمًا أو تمثالًا أو تصويرًا أو موسيقى أو كتابة فنية، فذلك لأسباب أخرى مثل وهن الدين، هتك المقدسات، ملاءمة مجالس اللاهين، أو التحريضات الجنسية والشهوانية.
ربما يمكن القول إنه لا يمكن الاعتماد على اللَهو كعامل محرم للأعمال الفنية.