حجة الإسلام والمسلمين محمد مهدي رفيع‌پور الطهراني في حوار خاص مع "الفقه المعاصر" قال:

اصول الفقه الإعلام/4

فقه الإعلام القائم، إذا أراد العمل بأصول الفقه الحالية، فإن الحديث عن الكفاءة لا معنى له. لكن السؤال هو: هل رسالة علم أصول الفقه تقتصر على بيان المنجزات والمعذرات فقط، أم أن له رسالة أخرى؟ هذا يعتمد على التعريف الذي نقدمه لعلم الفقه. هذا الموضوع ينبغي بحثه في فلسفة الفقه: ما هو تعريفنا للفقه؟ وبعد ذلك، بالنسبة لهذا الفقه الذي عرفناه، ما هي الأصول التي نضعها ونرتبها كقواعد تمهيدية؟

إشارة

فقه الإعلام، مقارنة بغيره من الفقهيات الحديثة، يُعدّ من الفقهيات التي تم اتخاذ خطوات بحثية وتعليمية جيدة لها. وجود عدة دروس خارج فقه الإعلام إلى جانب عشرات الكتب والمقالات حول موضوعاته المتنوعة يبشر بتشكيل باب جديد يُسمى “فقه الإعلام” ضمن الأبواب الفقهية المعاصرة. أحد أساتذة هذه الدروس الخارجية هو حجة الإسلام والمسلمين محمد مهدي رفيع‌پور الطهراني. وُلد في طهران، وبعد إتمام دروس المستوى، انتقل إلى قم عام ١٣٨٠ هـ (٢٠٠١ م) واستفاد من دروس خارج أساتذة مثل الآيات الطبريزي، وحيد الخراساني، الحائري، والشبيري الزنجاني. يعمل منذ سنوات في تدريس دروس فقهية، تفسيرية، أصولية وفلسفية متنوعة، ومنذ بضع سنوات يدرّس درس خارج فقه الإعلام في الحوزة العلمية بطهران. مجموعته الرباعية “الكشوف الفقهية” هي جزء من جهوده الفقهية. في حواره مع “الفقه المعاصر”، تناول مبادئ فقه الإعلام. ويرى أنه مع أصول الفقه الحالية التي تقتصر على بيان المنجزات والمعذرات، فإن الحديث عن كفاءة الفقه لا معنى له. نص الحوار الخاص مع هذا الأستاذ لدرس خارج فقه الإعلام مع “الفقه المعاصر” هو كالتالي:

الفقه المعاصر: ما هو فقه الإعلام، وما هي متطلباته؟

رفيع‌پور: بشأن تعريف فقه الإعلام، قال البعض إن فقه الإعلام يحدد القواعد والأنظمة الدينية الواجبة التنفيذ لاستخدام الإعلام، وربما يكون التعريف الأكثر اكتمالاً هو أنه علم يتناول من الناحية الشرعية السلوكيات المتعلقة بمجال الإعلام، سواء فيما يخص المنتجين أو المتلقين، ويستخلص أحكام كل منهما بناءً على الأدلة المعتبرة وبمنهج علمي وفقهي مقبول. موضوعات فقه الإعلام، كما أُشير في هذا التعريف، تنقسم إلى قسمين رئيسيين: الإنتاج والاستخدام. لدينا سلسلة من الموضوعات في مجال الإنتاج، مثل تجهيز الأفراد الذين يريدون الظهور في الإعلام بالمكياج، أو أنه يجب عليهم عدم الكذب ونقل المعلومات بصدق. وهناك موضوعات تتعلق بالمشاهدين والمستمعين والقراء، مثل وجوب اجتنابهم عن متابعة المحتويات المضللة، والشبكات والقنوات والأقمار الصناعية التي تقدم محتويات تسبب التشكيك والتزلزل في العقائد والأحكام. هذه الموضوعات لها أحكام يجب أن يجيب عنها فقه الإعلام.

متطلبات فقه الإعلام وفق هذا التعريف تُعرَّف في مجالي الإنتاج والاستخدام، ويجب أن تُستخلص بناءً على الموازين والأدلة المعتبرة، وليس بناءً على الذوق والرغبة. المتانة والاستناد الديني في فقه الإعلام أمر مهم جدًا، لأن فقه الإعلام هو فقه في النهاية ويجب أن يكون كاملاً في هذا الاتجاه. من بين متطلبات فقه الإعلام أنه يجب أن يتناول الموضوعات المستحدثة والمسائل التحديّة التي يواجهها أهل الإعلام، لا أن يظل يتحفظ وينحرف عن الموضوع الأساسي أو يتركه معلقًا. هذا غير مقبول، بل يجب أن يأخذ فقه الإعلام الموضوعات والمسائل الجديدة لأهل الإعلام منهم، ثم يستخلص أحكامها بمنهج فقهي ويضعها بين أيديهم.

الفقه المعاصر: بشكل عام، ما هي المبادئ والافتراضات المسبقة لفقه الإعلام؟

رفيع‌پور: أهم مبدأ لفقه الإعلام هو أن الفقه، وفقًا لجميع تعريفاته، يجب أن يدخل في مجال الإعلام، سواء كان فقهًا حدأدنى أو فقهًا حدأقصى. هناك أحكام شرعية كثيرة جدًا في مسائل الإعلام يجب أن تُستخلص وتُستنبط وتُعرض بشكل متوازن. الافتراض المسبق الأساسي هو أن الدين والشريعة يمكن أن يكون لهما أحكام في جميع أبعاد حياة الإنسان، بما في ذلك البعد الإعلامي، وهناك أحكام بشكل عام يتولى فقه الإعلام استخلاصها.

الفقه المعاصر: هل يمكن مع نظرية الفقه الحدأدنى التعامل مع فقه الإعلام أصلاً؟

رفيع‌پور: في رأيي، نظرية الفقه الحدأدنى -كما يطرحها بعض السادة- لا تعني أن الفقه لا يمكنه الدخول في المجالات المختلفة وفي الفقهيات المضافة، بل إن مستوى ونوعية ونطاق هذا الدخول يكون أكثر محدودية. بناءً على ذلك، يجب على الفقه أن يحدد موقفه تجاه الأعمال والتكاليف الإلزامية التي تتم في مجال الإعلام، ويحدد ما يجب وما لا يجب في هذا المجال. على سبيل المثال، بناءً على نظرية الفقه الحدأدنى: هل الكذب حرام؟ هل الإساءة إلى الناس حرام؟ هل نشر الشائعات والأمور الخلافية للأخلاق في الإعلام جائز؟ من الواضح أن جميع هذه المسائل وما شابهها يمكن طرحها بناءً على نظرية الفقه الحدأدنى، لكنها تبقى في هذا المستوى فقط، ولا تدخل في مسألة المحتوى الذي يجب إنتاجه في مجال الإعلام، ولا في المقاصد والأهداف الشرعية في هذا المجال التي يجب تحقيقها. بعبارة أخرى، الفقه الحدأدنى يبين فقط بعض الأحكام المحرمة وربما الواجبة في الإعلام، ويعتبر الباقي ضمن منطقة الفراغ.

الفقه المعاصر: هل يمكن مع القواعد الأصولية الحالية حل مسائل فقه الإعلام؟

رفيع‌پور: نعم، يمكن حلها، لكن جزءًا منها فقط. طبعًا، لا يمكننا الادعاء بأن الأصول الحالية خالية من النقص ولا يمكن تصور شيء خارجها ولا يوجد أي نقصان. لكن هذا لا يعني أن هذه الأصول غير فعالة ولا تقدم شيئًا وأن هيكلها ومحتواها لا يحل أي مشكلة أصلاً. جزء من مسائل الفقهيات المضافة، بما في ذلك فقه الإعلام، يمكن للأصول الحالية تحليلها والمساعدة فيها. لكن إذا اكتشفنا واستخلصنا أصولًا جديدة وقواعد جديدة وترتيبًا جديدًا في أصولنا، فإن ذلك سينعكس بالطبع على المجالات المختلفة، بما في ذلك فقه الإعلام. لذا، إجابتي على هذا السؤال ليست نفيًا كليًا بأن الأصول الحالية لا تصلح، ولا أنها تجيب بشكل كامل على مسائل فقه الإعلام، بل يمكننا حل جزء كبير منها بأصول الفقه الحالية، وبعض المسائل الأصولية يجب أن تخضع للتطوير والتغيير والاستكشاف.

الفقه المعاصر: هل يمكن مع النهج التنجيزي والتعذيري للفقه الحالي تقديم إجابات مناسبة وفعالة لمسائل فقه الإعلام؟

رفيع‌پور: لا، إذا اعتبرت الكفاءة جزءًا من الفقه، فمن الواضح أن التنجيز والتعذير لا علاقة لهما بالكفاءة، بل هذا يتبع تعريفنا لرسالة الفقه. هذا الموضوع يُناقش في فلسفة الفقه. في العلم الناشئ لفلسفة الفقه، يناقش المفكرون والكتاب هذا الأمر، ولم تصل المناقشة بعد إلى نهايتها. يعتقد البعض أن التنجيز والتعذير هو أقصى ما يمكننا القيام به في عصر الغيبة، وبالتالي فإن الحديث عن الكفاءة بهذا التعريف لا معنى له. إذا كنت تسعى إلى فقه إعلام فعال، يجب أن تضيف بعض الأمور إلى أصولك، مثل إضافة قواعد وأصول جديدة تكمل هذه الأصول، وتقيد المنجزية والمعذرية بالأجزاء التي ذكرها السابقون، ثم تأتي أنت وتثبت مسألة الكفاءة في الأصول. عندها فقط يمكننا الحصول على الإجابات المناسبة والفعالة التي نسعى إليها. إذا كنا في مجال الاستنباط ننظر فقط إلى الأدلة ولا نهتم بالمتلقي -هل يقتنع أم لا، هل يفرح أم لا- ونقول إن هذا لا علاقة له بالفقاهة، فإن الحديث عن الكفاءة سيكون بلا معنى. فقه الإعلام القائم، إذا أراد العمل بأصول الفقه الحالية، فإن الحديث عن الكفاءة لا معنى له. لكن السؤال هو: هل رسالة علم أصول الفقه تقتصر على بيان المنجزات والمعذرات، أم أن له رسالة أخرى؟ هذا يعتمد على التعريف الذي نقدمه لعلم الفقه. هذا الموضوع ينبغي بحثه في فلسفة الفقه: ما هو تعريفنا للفقه؟ وبعد ذلك، بالنسبة لهذا الفقه الذي عرفناه، ما هي الأصول التي نضعها ونرتبها كقواعد تمهيدية؟ بعد أن نستخلص تلك الأصول ونحدد هدف الفقه، ستظهر آثارها في المجالات الفقهية المختلفة مثل فقه الفن، فقه الإعلام، فقه الثقافة، فقه الإدارة وغيرها.

Source: External Source