الباحث الأول في مركز الدراسات السياسية والدولية بوزارة الخارجية، في حوار خاص مع مجلة الفقه المعاصر:

فقه العلاقات الدولية: ماهيته، أبعاده وتحدياته/3

علم العلاقات الدولية تشكّل ضمن إطار العلم الحديث، وهو يتناول دراسة الحرب والسلام وما شابه ذلك من القضايا. والفاعلون في علم العلاقات الدولية هم الدول والمنظمات الدولية والمنظمات الحكومية الدولية. هذا هو علم العلاقات الدولية. لكن فقه العلاقات الدولية لا يسعى إلى معالجة ماهية الحرب والسلام وهذه القضايا، بل يسعى إلى استنباط الأحكام الشرعية على مستوى الموضوعات الفقهية وتحديد حكمها.

إشارة: العلاقات الدولية، على الرغم من أنها اكتسبت تنظيماً أكبر بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وتأسيس الأمم المتحدة، وتشكّل علم العلاقات الدولية، إلا أن دخول الفقه في هذا المجال لم يكن جدياً حتى الآن. ربما يمكن القول إن أقل من عقد من الزمان قد شهد زيادة ملحوظة في حجم الكتابات الفقهية حول العلاقات الدولية. حول ماهية فقه العلاقات الدولية وتمايزه عن مفاهيم مشابهة مثل فقه القانون الدولي، أجرينا حواراً مع الدكتور سيد محمد ساداتي نجاد، الباحث الأول في مركز الدراسات السياسية والدولية بوزارة الخارجية. يرى أن إحدى التحديات المهمة في الجامعة هي الخلط بين التخصصات مثل العلاقات الدولية والقانون الدولي. وقد نشر العديد من الكتب والمقالات حول فقه العلاقات الدولية، من بينها مجموعة ثلاثية الأجزاء بعنوان “فقه العلاقات الدولية”.

الفقه المعاصر: ما هو فقه العلاقات الدولية وما هي الموضوعات التي يتناولها؟

ساداتي نجاد: إحدى المشكلات التي نواجهها على المستوى الجامعي هي الخلط بين موضوعات مثل فقه العلاقات الدولية وموضوعات علم العلاقات الدولية. علم العلاقات الدولية تشكّل ضمن إطار العلم الحديث، وهو يتناول دراسة الحرب والسلام وما شابه ذلك من القضايا. والفاعلون في علم العلاقات الدولية هم الدول والمنظمات الدولية والمنظمات الحكومية الدولية. هذا هو علم العلاقات الدولية. لكن فقه العلاقات الدولية لا يسعى إلى معالجة ماهية الحرب والسلام وهذه القضايا، بل يسعى إلى استنباط الأحكام الشرعية على مستوى الموضوعات الفقهية وتحديد حكمها.

فقه العلاقات الدولية يبحث في الأحكام الشرعية من حيث الوجوب والحرمة فيما يتعلق بالقضايا الدولية. أسئلة مثل: هل الحرب حرام أم حلال؟ هل السلام واجب أم مستحب؟ إذا كان السلام واجباً، ففي أي الظروف يكون واجباً؟ وإذا كان مستحباً، ففي أي الظروف يكون مستحباً؟ هل يجوز إقامة علاقات مع دولة غير إسلامية أم لا؟ فقه العلاقات الدولية ينظر من منظور فقهي وشرعي وديني، ويسعى إلى تحديد أي الدول تُعتبر دار الحرب أو دار الإسلام أو دار الصلح. أمريكا، على سبيل المثال، في أي فئة تقع؟ وإسرائيل؟ وفرنسا؟ ومن الجدير بالذكر أن اختلاف الأراضي من حيث كونها دار الحرب أو دار الإسلام أو دار الصلح يستلزم أحكاماً شرعية مختلفة.

رسالة الدكتوراه الخاصة بي كانت عن فقه العلاقات الدولية. الكثيرون يتحدثون في هذه المباحث عن علم العلاقات، لكنهم يتجهون إلى الفقه. نعم، إذا تحدثنا عن علم العلاقات يمكننا مناقشة المفاهيم الفقهية أيضاً، لكن أن يركز شخص ما مباشرة على المسائل الفقهية في هذا العلم فهذا محل إشكال ولا يستقيم. هذان علمان منفصلان يتحولان إلى تخصصين مستقلين. هناك تشابهات واختلافات بينهما. لذا، فإن فقه العلاقات يتمثل في استنباط الحكم الشرعي المتعلق بالظواهر.

الفقه المعاصر: ما العلاقة بين العلاقات الدولية والمباحث القانونية؟

ساداتي نجاد: القانون الدولي تخصص مستقل، وعلم العلاقات الدولية تخصص مستقل أيضاً. القانون الدولي يشمل حقوق الإنسان وحقوق البحار والغابات. هذا العلم يسعى إلى تفسير الظواهر من الناحية القانونية، مثل ما هي الحقوق المترتبة على الملاحة؟ عندما تدخل سفينة إلى مكان ما، ما هي حقوقها؟ هذا العلم يسعى إلى تفسير الظواهر القانونية التي يُرجع إليها في حال وقوع حرب. إذا طُرحت قضية حقوق الإنسان، فما الذي يجب على الدولة الالتزام به؟ لكن في فقه العلاقات الدولية، نسعى إلى إقرار حكم شرعي بشأن الظواهر. في فقه العلاقات الدولية، لا نسعى إلى تفسير القضايا الدولية من الناحية القانونية، بينما في القانون الدولي ينظرون إلى الظواهر القانونية، وما كان حكمها خلال المئة عام الماضية وما هو حكمها اليوم، ولا يهتمون بصحتها أو فسادها من الناحية الشرعية. في فقه العلاقات الدولية، يقوم الفقيه باستخلاص الحكم بناءً على المصادر الفقهية الأربعة، لكن في القانون الدولي، ليس بالضرورة أن يكون عمل الفقيه فقهياً، بل ينظر إلى القضايا ويدرسها من منظور قانوني. قد يكون المتخصص الذي يدرس هذه القضايا في هذا العلم فقيهاً، لكنه لا ينبغي أن ينظر إلى القضايا بصفته فقيهاً.

الفقه المعاصر: هل العلاقات الدولية مجال دراسي متعدد التخصصات أم مستقل؟

ساداتي نجاد: علم العلاقات الدولية فرع مستقل، ويُعتبر من عائلة الحقوق السياسية. العلاقات الدولية تتناول دراسة العلاقات بين الدول. قد تكون هناك بعض التداخلات مع علم الاقتصاد أو السياسة الداخلية أو غيرها من التخصصات، لكن هذا لا يعني أن هذا العلم هو علم الاقتصاد أو السياسة الداخلية. في علم العلاقات الدولية، يجب دراسة بعض المبادئ من التخصصات المشابهة كوحدات عامة، لأن هناك بعض القضايا من العلوم السياسية والاقتصادية تُطرح فيه، لكن تخصص العلاقات الدولية هو تخصص مستقل ولديه خبراؤه الخاصون.

الفقه المعاصر: هل فقه العلاقات الدولية يتناول فقط العلاقات الدولية بين الدول، أم يتناول أيضاً القضايا المتعلقة بمواطني الدول المختلفة؟

ساداتي نجاد: فقه العلاقات الدولية يسعى إلى استنباط الأحكام الشرعية في القضايا الدولية، بينما القضايا المتعلقة بعلاقات المواطنين تتعلق بالعلاقات الداخلية للدول، وهذه القضايا تختلف عن العلاقات الخارجية، لذا فإن فقه العلاقات الدولية لا يتناولها. لكن إذا ارتبطت قضايا المواطنين بالقضايا الدولية، فإننا نحتاج إلى فقه العلاقات الدولية. على سبيل المثال، كيف تكون علاقة مواطن دولة أ بمواطن دولة ب؟ وما هي الأحكام والشروط المترتبة عليها؟ لذا، في الحالات التي تتعلق بعلاقات مواطني الدول المختلفة من حيث العلاقات الداخلية، لا مكان لفقه العلاقات الدولية، لكن في الحالات التي تتعلق بالقضايا الدولية، يكتسب فقه العلاقات الدولية معناه. على سبيل المثال، في الحالات التي يتعين فيها إنشاء شركة متعددة الجنسيات، تنشأ قضايا تندرج تحت فقه العلاقات الدولية. لذا، فإن فقه العلاقات الدولية يجد مكانه في هذه الحالات، خاصة في القضايا المتعلقة بالحرب وعدم الأمان وما شابه ذلك، لكن في الحالات الأخرى، فإن الأمر يعود إلى القانون الدولي. أو في الحالات التي يمكن أن تكون فيها علاقة سلمية مع دولة أخرى، فهذا يتعلق بفقه العلاقات الدولية. هذه هي القضايا التي تتعلق بفقه العلاقات الدولية لأنها ترتبط بعلاقات الدول. لذا، فإن القضايا المتعلقة بعلاقات الدول لها مكان في فقه العلاقات الدولية.

Source: External Source