إشارة: من الاتهامات الموجهة إلى علم الفقه أن الفقهاء لم يصدرُوا فتاوى واضحة وصريحة لدعم الموارد الطبيعية، مما أدى إلى تدهور تدريجي للموارد الطبيعية في الدول الإسلامية. لكن الحجة الإسلام سلمان بهجتي أردكاني يعتقد عكس ذلك. يُؤكِّد هذا الكاتب والباحث في فقه البيئة أن الفقه والتراث الفقهي والمصادر الفقهية تمتلك قدرة فائقة على دعم البيئة. عضو هيئة إدارة البيئة في الحوزات العلمية وخبير مكتب البحث في فقه البيئة في المعهد العالي للفقه والعلوم الإسلامية، يذكر في هذا الحوار الخاص عدة أمثلة على قدرة الفقه في دعم البيئة والموارد الطبيعية. تفاصيل الحوار الخاص لمجلة الفقه المعاصر مع أمين لجنة البيئة والمياه والموارد الطبيعية والزراعة في مركز البحوث الإسلامية بالبرلمان تأتي فيما يلي:
الفقه المعاصر: كيف تقيِّمون فتاوى الفقهاء في دعم البيئة وحفظها؟
أردكاني: للإجابة على هذا السؤال، يجب النظر في اتجاهين: ١. اهتمام الفقهاء بالبيئة ضمن مباحث الفقه؛ ٢. الاهتمام المباشر للفقهاء بقضايا البيئة وافتاء فيها. في الاتجاه الأول، يجب القول إن العناصر البيئية مثل الماء والتربة والنباتات والحيوانات كانت دائمًا محل اهتمام الفقهاء في التراث الفقهي الشيعي؛ لأن بعض أبواب الفقه مرتبطة بطريقة ما بالعناصر البيئية. من بينها يمكن الإشارة إلى المزارعة، والمُساقاة، وإحياء الموات، والأطعمة والأشربة، والحج (إيذاء النباتات والحيوانات والحشرات من محظورات الإحرام). كما توجد مناقشات فقهية تتعلق بملكية البحار والبحيرات والأنهار والمياه الجوفية والجبال والوديان والغابات والأراضي الرطبة والغابات الطبيعية والمراعي، في المصادر الأصيلة للفقه الشيعي ومرتبطة بمناقشة الأنفال. بالإضافة إلى ذلك، بعض القواعد الفقهية مثل “لا ضرر”، و”الإتلاف”، و”اختلال النظام”، و”الإسراف”، يمكن تطبيقها على قضايا البيئة والأنشطة المدمرة للإنسان في الطبيعة.
في الاتجاه الثاني، يجب القول إن وفقًا للتقاليد الراسخة والشائعة في الحوزات، يجيب الفقهاء، سواء مباشرة أو من خلال ممثلين، على أسئلة المُتَّقِين؛ لذا يتم الافتاء بناءً على الاستفتاء. من الواضح أن عندما يُسأَل الفقيه عن قضايا بيئية، يقوم الفقيه بعد معرفة ماهية القضية وأبعادها من حيث معرفة الموضوع، بناءً على اجتهاده وفهمه للمصادر الدينية، باستنباط الحكم وإظهاره. في هذا السياق، نُشر كتاب “استفتاءات البيئة” للسيد الأعظم الراحل صافي الگلپايگاني في صيف ١٣٩٩ هـ.ش. في هذا العمل، تم الإجابة على ٢١٥ سؤالاً.
من الجدير بالذكر هنا أن قضايا البيئة التي يمكن للفقيه استنباط أحكامها كثيرة ومتنوعة؛ بحيث إذا تم استفتاء الفقهاء، فإن إجاباتهم ستصبح عدة مجلدات من الكتب.
الإجابة على سؤالكم في جملة واحدة هي أن آراء وآراء وفتاوى الفقهاء كانت دائمًا في اتجاه الحراسة والحماية للبيئة.
الفقه المعاصر: هل يمكن أن يكون تدهور جزء من الموارد الطبيعية أو ظهور مشكلات بيئية في إيران ناتجًا عن فتاوى غير كافية أو غير واضحة للفقهاء في منع الاستخدام المفرط للموارد الطبيعية والعناصر البيئية؟
أردكاني: أود أن أوسِّع سؤالكم بناءً على المعلومات التي حصلتُ عليها من المسؤولين. بناءً على المناقشات الدينية المتعلقة بالبيئة والموارد الطبيعية والزراعة، تم إجراء حوارات مع بعض مديري المحافظات والمسؤولين الوطنيين. بناءً على التوضيحات التي قدمها المسؤولون، فإن أبرز المشكلات البيئية هي: ١. هبوط الأراضي الناتج عن الاستخراج المفرط للمياه الجوفية؛ ٢. إنشاء صناعات ملوثة ومستهلكة للمياه مثل الصلب في المناطق الصحراوية، مما أدى إلى نقل المياه بين الحوضين. (بناءً على التقارير الواردة، تستخدم بعض الصناعات مثل إنتاج البلاط في المناطق المركزية والصحراوية في إيران المياه الجوفية بشكل غير مشروع)؛ ٣. تلوث الهواء الناتج عن تركز الصناعات في منطقة واحدة أو ازدحام السيارات الملوثة في منطقة واحدة؛ ٤. اندفاع الغبار الدقيق الناتج عن عدم دفع حقوق المياه البيئية أو إنشاء بعض السدود دون مراعاة ودراسات دقيقة وشاملة (أو عدم الالتفات إلى نتائج الدراسات)؛ ٥. تعريض بعض الكائنات الحية للانقراض واختلال في دورة الحياة والنظام البيئي (الإيكوسيستم)؛ ٦. التلوثات البحرية؛ ٧. تآكل شديد للتربة (عدة أضعاف المتوسط العالمي).
كما تعلمون، منع حدوث هذه المشكلات وحلها يقع ضمن اختصاص الهياكل الحاكمة مثل وزارة الطاقة، ووزارة الصناعة والمعادن والتجارة، ومنظمة حماية البيئة، ووزارة الزراعة، ومنظمة الموارد الطبيعية. بالتأكيد، تمتلك هذه المؤسسات سجلاً مشرفًا في الخدمة وإدارة الشؤون ذات الصلة؛ ومع ذلك، توجد نقائص في اللوائح التنفيذية أو طريقة الحكم أو نوع الإدارة التي أدت إلى مثل هذه التحديات. أحيانًا يُشار إلى هذه التحديات أو عدم الكفاءة في لغة المسؤولين بمصطلح “عدم التوازن في مجال المياه” و”عدم التوازن في مجال الطاقة” وما إلى ذلك.
فيما يتعلق بدور الفقه في هذا المجال، يجب القول إن لو استخدمت المؤسسات المسؤولة، إلى جانب البيانات العلمية التجريبية والطبيعية والحسابات التقنية، الإطارات الفقهية في طريقة الاستفادة من الموارد الطبيعية سواء كانت الماء أو التربة أو النباتات أو الحيوانات، لكانت المشكلات والمعضلات أقل. على سبيل المثال، قدم الفقهاء تحليلات دقيقة حول ملكية المياه الجوفية، كما حدَّدوا ضوابط لكمية الاستفادة من المياه، وحقوق المياه، وأولويات استخدام المياه. تنظيم البيانات الفقهية الموجودة واستنباط القضايا الناشئة والمطلوبة وتحويلها إلى تقارير سياسية هو طريق رئيسي لمنع و حل المعضلات البيئية. بالطبع، هذا لا يعني أن جميع الاقتراحات الفقهية المتعلقة بالقضايا البيئية الناشئة جاهزة الآن؛ بل يعني أن لم يتم اللجوء إلى الفقهاء والباحثين في الحوزة، وبالتالي لم يجد الباحثون الفقهيون والمحققون دافعًا كبيرًا للدخول في هذه المباحث وتقديمها وفقًا للاحتياجات الجديدة. من الواضح أن عدم اللجوء المنهجي للمؤسسات الحاكمة إلى المراكز البحثية الفقهية لحل القضايا البيئية لا يعني عدم اعتقادهم بكفاءة الفقه. في الواقع، عدم اللجوء إليهم إما ناتج عن عدم معرفتهم بغنى علم الفقه، أو ناتج عن عدم وجود هيكل وآلية منهجية. يجب تعريف هيكل وآلية تجعل قضية متعلقة بالبيئة، إلى جانب البحوث التقنية الهندسية والتجريبية، تحتوي أيضًا على بحوث فقهية. في هذا السياق، اتُخِذت خطوات من جانب الحوزة العلمية. أولاً، بأمر آية الله العُرَافِي مدير الحوزات العلمية، تم تشكيل هيئة إدارة البيئة والموارد الطبيعية والزراعة، وهدفها تهيئة الأرض للتواصل بين الجسم الحاكم والحوزة. ثانيًا، أُقيم درس خارجي في فقه البيئة كواحد من دروس الفقه المعاصر في الحوزة العلمية، وتولى أحد الفقهاء تدريس هذا الفقه المتخصص حتى يلجأ عدد من الباحثين الفقهيين في الحوزة إلى هذا الفقه المتخصص. الآن يجب الانتظار خطوات المؤسسات الحاكمة في هذا المجال.
الفقه المعاصر: هل تعتقدون أن الأسس الفقهية الموجودة كافية لحماية البيئة؟
أردكاني: قدرة الفقه على حماية البيئة قدرة فائقة. على سبيل المثال، أقول: اليوم يُعتبر إعادة تدوير النفايات والمياه العادمة موضوعًا مهمًا في إدارة أو هندسة البيئة. عندما تلجأون إلى المصادر الفقهية الأصيلة، ستجدون أن بعض الفقهاء، قبل قرون، بناءً على أحاديث من المعصومين، اعتُبِرَ رمي الماء النجس وإهداره إسرافًا ومحظورًا شرعيًا؛ لأن مثل هذا الماء، وإن لم يكن مناسبًا للشرب أو الطهارة، إلا أنه يمكن استخدامه لري الأشجار. مثال آخر أن اليوم يُؤكَّد على إعداد السماد العضوي من بقايا الفواكه والخضروات، ويُحذَّر من تحويلها إلى نفايات؛ وهذا في حين أن رواية تنسب إلى أمير المؤمنين علي عليه السلام اهتمامه بجمع مائة ألف نواة تمر وزراعتها. لم يمنع السيد فقط إنتاج النفايات، بل أدخل النوى إلى دورة الحياة والنظام البيئي (الإيكوسيستم) من خلال تحويلها إلى نخيلة كبيرة. هذان مجرد مثالين جزئيين، وتوجد روايات موثوقة ومرتبطة متعددة في هذا المجال يمكن أن تكون أساسًا للباحثين والفقهاء. بالطبع، الابتكار في طرق الاستنباط، مع الحفاظ على التراث المنهجي والمحتوائي للفقهاء السابقين، أمر مرغوب و ضروري في الفقه المتخصص. على سبيل المثال، يقوم أحد الفقهاء (آية الله أحمد مبلغي) بإعادة البحث في قاعدة “لا ضرر” لتحريم التلوث البيئي الناتج عن المواد البلاستيكية الضارة، وفي هذا السياق، يطرح “الضرر الإجرائي”؛ ومع نظرة اجتماعية وثقافية إلى القضية، يفكر في تطبيق جديد لقاعدة “لا ضرر” في استنباط الأحكام الفقهية البيئية.
بناءً على ما قيل، حراسة الاقتراحات الفقهية المتعلقة بالبيئة تتطلب الالتزام بالأسس والطرق والتراث الفقهي؛ وبالطبع، هذا الالتزام لا يتعارض مع الابتكار المنهجي؛ كما أن تأسيس قواعد فقهية أو ضوابط فقهية جديدة أو إبراز وتطوير بعض الضوابط الفقهية أمر ضروري. على سبيل المثال، تأسيس قاعدة “إعمار الأرض” بناءً على الآية “هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا” ومبنى الروايات المرتبطة، أمر ميسَّر. (ر.ك: مقالة “قواعد فقه البيئة”، أحمد مبلغي). بعض الضوابط الفقهية التي يمكن طرحها وإبرازها في فقه البيئة هي: “عدم جواز تعطيل الأرض”، “إخراج العاطل من حيز العطلة”، “حرمة كفران النعمة”، “حق الشِرب”.
الفقه المعاصر: لدعم علم الفقه للبيئة بشكل أكبر، ما هي الطرق والاقتراحات التي لديكم؟
أردكاني: أولاً، نقص القوى البشرية الباحثة في مجال فقه البيئة وعدم انتشار خطاب فقه البيئة في المحافل العلمية، من أبرز المشكلات في هذا المجال. في هذا السياق، توجد عدة اقتراحات استراتيجية:
الاهتمام الخاص للفقهاء بإقامة دروس خارجية بعنوان فقه البيئة؛ اهتمام الفقهاء والفضلاء والأساتذة بإقامة دروس بعناوين “فقه إعمار الأراضي”، “فقه الماء”، “فقه تلوث البيئة”، “فقه النباتات والزراعة”، “فقه النظام البيئي والحيوانات”؛ إطلاق تخصص فقه البيئة في المستويين ٣ و٤ في الحوزات العلمية؛ تقديم عناوين معتمدة لرسائل الماجستير والدكتوراه في مجال فقه البيئة من قِبَلِ قسم الدرجات العلمية في الحوزات العلمية؛ دعم المنظمات والوزارات ذات الصلة بالبيئة للبحوث الفقهية في الحوزة التي تركز على حل القضايا والتحديات والاحتياجات الناشئة.
ثانيًا، ارتباط استنباط الحكم بمعرفة الموضوع يتطلب تواصلًا ثنائي الاتجاه بين العلماء والخبراء في البيئة والمؤسسات ومراكز البحث الفقهية ومحققيها. إقامة جلسات تفكير مشتركة وندوات علمية مشتركة تُقَيَّم في هذا السياق. تشكيل مثل هذه الجلسات يؤدي إلى فهم متبادل للأفكار والمشكلات والقضايا المستقبلية والأعمال البحثية والعملية.