إشارة: عُقدت الدورة السادسة والعشرون للمؤتمر الدولي للمجمع الفقهي الإسلامي في الفترة من ٧ إلى ١١ مايو ١٤٠٤ هـ (٢٠٢٥ م) في مدينة الدوحة بقطر. وقد شاركت من إيران وفد من الباحثين وأساتذة الحوزة برئاسة آية الله مبلغي. وكان من بين المقدمين في الوفد الإيراني الأستاذ مرتضى ترابي، الذي قدم بحثًا بعنوان: «الاستصحاب ومفهومه، أقسامه وعلاقته بغيره من أدلة التشريع وحجيته وتطبيقاته في النوازل والمستجدات». فيما يلي تقرير المؤلف عن هذا البحث الذي يقدم تطبيقات جديدة للفقه المعاصر، بما في ذلك فقه القضاء والجزاء.
-
الاستصحاب من الأصول العملية وليس من الإمارات
في هذا البحث، تم بيان خصائص الإمارات والأصول العملية والفرق بينهما، مع التأكيد على تحديد مكانة الاستصحاب بين الأدلة، وأنه من الأصول المحرزة، وبالتالي فهو متأخر عن الإمارات ومقدم على الأصول غير المحرزة. ويجب ملاحظة أن هذه المسألة من خصائص علم الأصول عند الشيعة؛ لأن الأصوليين من أهل السنة لا يفرقون بين الإمارات والأصول العملية، لكنهم يستندون إلى ضعف الظن الناتج عن الاستصحاب عند تقديم الأدلة الأخرى عليه، وهذا محل إشكال.
في حين أن استمرارية الاجتهاد عند الشيعة، وبالأخص الدقة في المسائل الأصولية منذ زمن وحيد بهبهاني (قدس سره)، أدت إلى التفريق بين الإمارات والأصول العملية في الأصول الشيعية، مما يبدو أنه أحدث تحولًا في علم الأصول.
باختصار، ذُكر في البحث أن الأدلة في أصول الفقه الشيعي تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: الأدلة التي تبين الحكم الحقيقي للأشياء والأفعال، كالأدلة التي تبين أحكام الأشياء كما هي، مثل وجوب الصلاة والصوم والزكاة والحج وغيرها.
القسم الثاني: الأدلة التي تبين الحكم الظاهري للأشياء. وفي حال عدم وجود دليل يبين الحكم الحقيقي للأشياء، يُرجع إلى هذا القسم الثاني. ويُطلق على هذا النوع الثاني من الأدلة اسم الأصول العملية، وهي أربعة: ١. الاستصحاب ٢. أصالة التخيير ٣. أصالة الاحتياط ٤. أصالة البراءة.
فإذا لم يجد المجتهد حكمًا حقيقيًا لشيء أو فعل بعد البحث في الأدلة، فإن كان لذلك الشيء أو الفعل حالة سابقة معلومة من حيث الحكم، يجري الاستصحاب؛ وإن لم تكن الحالة السابقة معلومة، ولم يكن الاحتياط ممكنًا -كأن يكون الأمر دائرًا بين الوجوب والحرمة- ففي هذه الحالة يجري أصالة التخيير؛ وإن كان الاحتياط ممكنًا، فإن كان أصل الإلزام معلومًا شرعًا ولكن متعلقه غير معلوم، يجري أصالة الاحتياط؛ وإن لم يكن أصل الإلزام معلومًا شرعًا بل كان مشكوكًا فيه، يجري أصالة البراءة.
وعلى هذا الأساس، فإن الاستصحاب من حيث الرتبة متأخر عن الأدلة التي تبين الحكم الحقيقي للأشياء، ولكنه مقدم على الأصول العملية الأخرى لأن الاستصحاب هو الأصل العملي المحرز.
-
عدم جريان الاستصحاب في الشبهات المفهومية
نقطة أخرى تم التأكيد عليها في البحث هي ضرورة تهيئة المباني لجريان أو عدم جريان الاستصحاب في المسائل المستحدثة، ومن ذلك: هل نعتبر الاستصحاب جاريًا في الشبهات المفهومية أم لا؟ والرأي الصحيح أن الاستصحاب لا يجري في الشبهات المفهومية.
وتوضيح ذلك: إن كثيرًا من حالات جريان الاستصحاب في المسائل المستحدثة تكون من قبيل الشبهة المفهومية، وتتميز الشبهة المفهومية بأن الواقع والخارج معلوم لنا، والشك ينشأ فقط من جهة شمول المفهوم على المصداق الجديد وتحديد إطار المعنى؛ مثل الشك في صدق لفظ «حي» على من أصيب بالموت الدماغي أم لا؟ أو الشك في صدق لفظ «أم» على امرأة استأجرت رحمها بينما البويضة ليست منها، أو في صدق لفظ «مال» على العملات الرقمية، أو صدق البيع والشراء على العقد الإلكتروني، أو صدق لفظ «عاقل» على من أصيب بمرض باركنسون، وما شابه ذلك.
وإشكالية جريان الاستصحاب في هذه الحالات هي أن الأحكام تابعة للعنوان والمفهوم من جهة، وأن إثبات صدق المفهوم والمعنى أو عدم صدقه يتعلق باللغة من جهة أخرى، وليس من شأن الاستصحاب إثبات اللغة؛ لأن اللغة وتحديد حدود المعنى يجب أن تتم من خلال علامات خاصة مثل التبادر والانسياق دون قرينة ونص أهل اللغة. لذا يجب الانتباه إلى أن الاستصحاب لا يجري في مثل هذه الحالات التي تكون من الشبهات المفهومية. ومع ذلك، هناك حل لهذه المسألة ذُكر في البحث.
-
أقسام الاستصحاب
النقطة الثالثة التي تناولها البحث هي أقسام الاستصحاب، التي تصل عند الشيعة إلى حوالي ٢٠ قسمًا، بينما لم يُعد عند أهل السنة في أصول الفقه أكثر من ستة أنواع من الاستصحاب. وقد أشرنا، بسبب وجود هذه المباحث في أصول الفقه الشيعي، إلى أقسام الاستصحاب والمسائل المتعلقة بها.
إذا أردنا ذكر نماذج مختصرة من تقسيمات الاستصحاب، يمكن الإشارة إلى ما يلي:
تقسيم الاستصحاب إلى أن يكون المستصحب أمرًا وجوديًا أو عدميًا؛ الأمر العدمي إما أن يكون عدمًا محموليًا أو عدمًا نعتيًا؛ المستصحب إما أن يكون حكمًا شرعيًا أو موضوع حكم شرعي؛ المستصحب إما أن يكون كليًا أو جزئيًا؛ المستصحب الكلي إما أن يكون من القسم الأول أو الثاني أو الثالث؛ المستصحب إما أن يكون حكمًا تنجيزيًا أو حكمًا تعليقيًا؛ المستصحب إما أن يكون سببيًا أو مسببيًا؛ المستصحب إما أن يكون أمرًا ثابتًا أو تدريجيًا؛ المستصحب إما أن يكون من الماضي إلى الحال أو من الحال إلى الماضي أو من الحال إلى المستقبل؛ الشك في الاستصحاب إما أن يكون فعليًا أو تقديريًا؛ الشك في الاستصحاب أحيانًا يكون مع تساوي الطرفين، وأحيانًا مع ترجيح طرف البقاء، وأحيانًا مع ترجيح طرف الارتفاع؛ الدليل الدال على الاستصحاب أحيانًا يكون خطابًا شرعيًا، وأحيانًا إجماعًا، وأحيانًا عقلًا؛ منشأ الشك في الاستصحاب إما أن يكون بسبب الشك في المقتضي، أو الشك في الرافع، أو الشك في رافعية الموجود؛ الاستصحاب إذا كان لأجل اللوازم العقلية يُسمى الأصل المثبت؛ الاستصحاب إما أن يتعلق بشرائع الأديان السابقة أو بالشريعة الإسلامية.
وهناك أقسام أخرى يجب التفريق بينها في جريان الاستصحاب.
-
الاستصحاب وتطبيقاته في المسائل النوظهور والمستحدثة
القسم الثاني من البحث يتعلق بحالات جريان الاستصحاب في المسائل الفقهية المستحدثة. وقد ذُكر أن الأحكام الشرعية تشمل جميع جوانب الحياة، بما في ذلك المسائل المستحدثة؛ وبعد بيان الأصول الكلية في القرآن الكريم ومن قبل النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام)، فإن تبیین الفروعات، ومواكبة التغيرات الحياتية، والإجابة عن المشكلات المستحدثة المتعلقة بالقانون والتشريع، تُعد من وظائف الفقهاء. وقد قال الإمام الصادق (عليه السلام): «علينا أن نوصل إليكم الأصول، وعليكم أن تستخرجوا الفروع».
الاستصحاب من القواعد الأصولية التي يستعين بها الفقيه للوصول إلى الحكم الشرعي الكلي، وهو أيضًا من القواعد الفقهية. ويمكن للمكلف تطبيقه على موضوعات مختلفة لاستخلاص أحكامها.
وفي هذا السياق، أشار البحث إلى ٢٥ حالة من المسائل المستحدثة التي يمكن من خلال جريان الاستصحاب الوصول إلى حكمها الشرعي، ونذكر باختصار بعض هذه الحالات:
بقاء التكاليف في الأمراض التي تؤثر على الذاكرة والعقل
بعض الأمراض مثل الزهايمر أو باركنسون يمكن أن تسبب النسيان وفقدان القدرة على تمييز الأشخاص والأشياء. في المرحلة التي يتقدم فيها المرض كثيرًا ويُتأكد من فقدان المريض لقدرته على التمييز، ولم يعد عرفًا عاقلًا، فإن الصلاة والصوم وسائر الواجبات المشروطة بالعقل تسقط عنه، كما أشار الفقهاء في فتاواهم. ولكن في المراحل الوسطى من المرض، حيث لم يصل المريض إلى هذه الدرجة، هل تبقى التكاليف الشرعية العبادية عليه أم لا؟ وهل تكون تصرفاته في البيع والشراء والهبة وغيرها من التصرفات في أمواله نافذة أم لا؟
إذا حصل الشك في ما إذا كان المريض قد وصل إلى تلك المرحلة أم لا -سواء بسبب الشك في الواقع الخارجي (عدم العلم بحالة الشخص) أو معرفة الوضع الخارجي ولكن الشك في صدق لفظ «عاقل» عليه عرفًا وغياب إمارة شرعية تثبت أحد الطرفين- يمكن التمسک باستصحاب حالة عقله السابقة حتى يثبت خروجه من تلك الحالة.
وقد قال أحد الفقهاء في هذا الصدد: «في حال الشك في ما إذا كان الشخص المسن قد أصيب بزوال العقل أم لا، يمكن استصحاب رشده واعتبار معاملاته صحيحة حتى يثبت زوال عقله باليقين أو الاطمئنان. ومع وجود هذا الاستصحاب، لا تثبت الولاية عليه لأحد».
ومع ذلك، هناك إشكال في مثل هذه الحالات: إذا كان منشأ الشك هو صدق مفهوم «عاقل»، فإن استصحاب بقاء العقل لا يجري؛ لأن هذا من قبيل إثبات المفاهيم اللغوية عن طريق الاستصحاب، والاستصحاب لا يجري في مثل هذه الحالات.
لكن بعض الباحثين يرون أنه وإن كان الاستصحاب في مثل هذه الحالات محل إشكال في الشبهات المفهومية، فإنه يمكن تطبيق استصحاب الحكم الشرعي الثابت للموضوع الخارجي؛ أي الإشارة إلى مكلف معين وقول: «كان هذا الشخص مكلفًا بالتكاليف سابقًا، وهو الآن مكلف كما كان».
المعاملة بالعملات الرقمية المشفرة مثل البيتكوين
تُعد العملات الرقمية من الأمور المستحدثة التي اختلف الفقهاء في مشروعية التعامل بها:
فصّل بعض الفقهاء بين العملات الرقمية المعروفة التي تعتمد عليها الأسواق المالية والعملات غير المعروفة؛ بحيث يتحقق صدق عنوان «مال» عرفًا فقط في النوع الأول.
وفي كل حال، إذا بقي الشك ولم يصل الفقيه إلى نتيجة، فإن المرجع هو استصحاب عدم انتقال الملكية وبقاء المال في ملكية صاحبه، مما يؤدي إلى بطلان المعاملة بمثل هذه العملات.
استخدام الجيلاتين في الأطعمة
من التطبيقات المعاصرة للاستصحاب، الحكم باستخدام الجيلاتين: الجيلاتين مادة تُستخرج من الحيوانات أو بعض النباتات ولها قابلية الذوبان. استخدام هذه المادة، إذا تحقق استحالتها (تغيير ماهيتها)، يُحكم بحليتها بناءً على استصحاب عدم جعل الحرمة، ما لم يثبت ضررها على الجسم؛ ففي هذه الحالة تكون حرامًا بسبب الضرر.
أما إذا لم تتحقق الاستحالة -وهو الرأي الصحيح- فإن الحكم السابق يُستصحب؛ أي أن الجيلاتين يتبع حكم الحيوان الذي أُخذ منه: إذا كان الحيوان مذبوحًا ذبحًا شرعيًا، فالجيلاتين طاهر وحلال؛ وإلا فهو حرام، بناءً على استصحاب بقاء الحرمة.
نعم، إذا حصل الشك في كون الجيلاتين حيوانيًا أو نباتيًا، ولم تكن هناك قرينة على كونه حيوانيًا، فيُحكم بطهارته وحليته بناءً على أصل الطهارة والحلية.
استخدام الهندسة الوراثية
هل يجوز استخدام الهندسة الوراثية في إنتاج الأغذية المعدلة وراثيًا؟ وهل يجوز أكل الأطعمة التي أُنتجت بهذه الطريقة؟
إذا قيل إن هذا الأمر من مصاديق تغيير خلق الله، فإنه يشمله الآية الكريمة: ﴿وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا﴾ (النساء: ١١٩)
وفي هذه الحالة، يُحكم بحرمة الهندسة الوراثية.
لكن إذا قيل إن المراد من «تغيير خلق الله» في الآية هو التغيير في الدين، أو أنه يقتصر على التغيير الظاهري، ولا يشمل التغيرات الوراثية التي لا تؤدي إلى تغيير في الشكل والمظهر، أو أنه يختص بالحيوانات فقط، أو أنه يشمل فقط الأعمال التي كان المشركون يقومون بها بنذر الحيوانات للأصنام، ولا يشمل النباتات، وإذا لم يكن هناك دليل آخر على الحرمة ولم يثبت ضررها حتى الآن، فإن استصحاب عدم جعل الحرمة يجري ويُحكم بالجواز والحلية فيما يتعلق بالنباتات.
أما بالنسبة للتعديل الوراثي في الحيوانات، إذا قبلنا أن الآية تدل على حرمة التغيير في خلق الحيوان مطلقًا، ففي هذه الحالة يُحكم بالحرمة طبعًا لأنه ليس من الحالات المستثناة.
وإذا لم يقبل أحدهم هذا الأمر، أي شمول الآية لكل تغيير في الحيوانات، واعتبر التغيير المنهي عنه في الآية متعلقًا بقطع آذان الحيوانات ونحوها لنذرها للأصنام، فإن المرجع سيكون استصحاب عدم جعل الحرمة، ويُحكم بالجواز، كما أن مفاد أصل البراءة هو الجواز أيضًا.
صدق الميت على من أصيب بالموت الدماغي
بين العلماء المعاصرين اختلاف حول الموت الدماغي، وما إذا كان هذا الوضع يعتبر موتًا ونهاية للحياة الإنسانية، خاصة في الحالات التي يكون فيها الشخص متصلًا بأجهزة الإنعاش:
الرأي الأول: الموت الدماغي دون توقف القلب لا يعتبر موتًا، ويجب أن يتوقف القلب ليُعتبر الإنسان ميتًا.
الرأي الثاني: الموت الدماغي، سواء مع نبض القلب أو بدونه، يعتبر موتًا حقيقيًا، ولا حاجة لتوقف القلب لإصدار حكم الموت. وهذا الرأي هو ما قبله «المجمع الفقهي الإسلامي الدولي» التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي.
وبين فقهاء الإمامية أيضًا اختلاف في الرأي؛ فمنهم من اعتبر الموت الدماغي موتًا حقيقيًا أو حكميًا، بينما رفض آخرون ذلك واعتبروا أن هذا الشخص لا يزال على قيد الحياة، وتجري عليه أحكام الإنسان الحي.
واستند أنصار الرأي الثاني (اعتبار الشخص حيًا) إلى تطبيق الاستصحاب في الموضوع والحكم؛ بمعنى أن حياة المريض قبل الموت الدماغي كانت يقينية، ونستمر في هذا اليقين حتى الحالة المتنازع عليها، وبالتالي يُحكم بأنه حي.
لذلك، بيع أو التبرع بالأعضاء التي تعتمد عليها الحياة، مثل القلب أو الرأس، وكذلك الأعضاء التي تؤدي إزالتها إلى نقص واضطراب واضح في الجسم وتُعتبر نوعًا من الجناية على النفس، لا يجوز من الشخص نفسه أو من وليه.
لكن هذا الاستدلال واجه إشكالًا؛ لأن هذه المسألة من الشبهات المفهومية، أي الشك في مدى اتساع أو ضيق معنى «الحياة»، والاستصحاب لا يستطيع إثبات المعنى اللغوي.
لكن الرأي الصحيح هو أن الاستصحاب في الحكم الجزئي يمكن أن يجري في مثل هذه الحالات. بعبارة أخرى، وإن كان الاستصحاب لا يجري في الموضوع أو المفهوم، فهذا لا يعني عدم جريانه في الحكم، شريطة أن تكون مقدمات الاستصحاب في الحكم كاملة؛ كما يرى بعض الباحثين المعاصرين.
المريض اللاعلاج واستخدام أجهزة العناية المركزة
في الحالات الحرجة، وبناءً على تشخيص الطبيب، يُوضع المرضى الذين يعانون من سكتة دماغية أو نوبة قلبية في أقسام العناية المركزة ويُوصلون بأجهزة حيوية. إذا فُصلت هذه الأجهزة عن جسم المريض، فقد تحدث مشكلات تنفسية أو قلبية قد تؤدي إلى وفاته المبكرة، لذا فإن وصل هذه الأجهزة ضروري.
لكن في الحالات التي يُشخص فيها الموت الدماغي، هل يجب أن تظل الأجهزة موصولة بجسم المريض، أم يجوز فصلها لأنه لا أمل في الشفاء؟
في مثل هذه الحالات، بناءً على أصل الاستصحاب، يُحكم بوجوب استمرار وصل الأجهزة وحرمة فصلها لأن ذلك يؤدي عرفًا إلى الموت، وبالتالي لا يجوز فصلها إلا في حالة الضرورة. وقد أفتى بعض فقهاء الإمامية بهذا.
لكن إذا لم تُوصل الأجهزة من البداية، فلا يوجد إلزام بوصلها.
أما بين الفقهاء غير الإمامية، فالرأي الغالب هو جواز فصل أجهزة الإنعاش. وقد أصدر المجمع الفقهي الإسلامي الدولي قرارًا بهذا الصدد:
إذا توقفت جميع وظائف الدماغ بشكل كامل وأكد الأطباء المتخصصون الموثوقون أن هذا الخلل لا رجعة فيه وأن الدماغ قد بدأ في التحلل، ففي هذه الحالة يجوز فصل أجهزة الإنعاش عن الجسم، حتى لو كانت بعض الأعضاء مثل القلب لا تزال تعمل بمساعدة الأجهزة.
واشترط بعض الفقهاء غير الإمامية هذا الجواز بتأكيد ثلاثة أطباء متخصصين بأن وصل الأجهزة لا فائدة منه.
بقاء حق الفسخ بعد العلاج ورفع العيب
بعض العيوب في المرأة تمنح الرجل حق فسخ النكاح دون الحاجة إلى الطلاق. فإذا اكتشف الرجل بعد الزواج أحد هذه العيوب في المرأة، ولكن قبل أن يمارس حق الفسخ، تم علاج هذا العيب بالجراحة أو الدواء، فهل يبقى حق الفسخ للرجل أم لا؟
يرى بعض الفقهاء أن وجود أحد هذه العيوب وقت الزواج يمنح الرجل حق الفسخ. فإذا حصل الشك في بقاء هذا الحق بعد زوال العيب، فإن المرجع هو استصحاب بقاء حق الفسخ للرجل.
تغيير الجنس
المقصود بـ«تغيير الجنس» هو تحويل الرجل إلى امرأة أو المرأة إلى رجل. فهل مثل هذا العمل جائز؟ وفي حال الجواز أو الحرمة، هل تتغير الأحكام المتعلقة بالإنسان بعد تغيير الجنس أم لا؟
توضيح الموضوع:
في العصر الحديث، مع تقدم الجراحات التجميلية، يقوم بعض الأشخاص الذين يشعرون بأنهم ينتمون إلى الجنس الآخر (رجل يشعر أنه امرأة، أو امرأة تشعر أنها رجل) بتغيير جنسهم. يتم هذا التغيير بإزالة الأعضاء الجنسية وزراعة أعضاء تشبه ظاهريًا الجنس الآخر. كما يستخدم الشخص هرمونات الجنس المطلوب لجعل مظهره أقرب إلى ذلك الجنس.
ومع ذلك، هناك بعض الخصائص الجنسية التي لم يكن بالإمكان تغييرها حتى الآن:
- الشيفرة الوراثية: المرأة لها كروموسوم XX والرجل لديه كروموسوم XY، وهذه الكروموسومات موجودة في جميع خلايا الجسم ولا يمكن تغييرها.
- الأعضاء التناسلية: جسم المرأة قادر على إنتاج البويضات، وجسم الرجل ينتج الحيوانات المنوية. يستطيع الجراح فقط إزالة هذه الأعضاء، لكنه لا يستطيع بناء أعضاء تناسلية للجنس الآخر.
- الهيكل العظمي والبنية الجسدية: هناك فروق أساسية بين هيكل عظام المرأة والرجل، ولا يمكن تغيير سوى جزء صغير منها بعملية تغيير الجنس.
لذلك، يطرح السؤال: هل هذه التغييرات الظاهرية كافية لتغيير الأحكام الشرعية أم لا؟
يرى بعض فقهاء الإمامية جواز تغيير الجنس وترتب الأحكام على الجنس الجديد، بشرط صدق العنوان الجديد عرفًا. بينما قال آخرون إن تغيير الجنس غير جائز، ولا تتغير الأحكام الشرعية مع التغيير الظاهري. والرأي الثاني، أي عدم إمكانية تغيير الجنس حقيقة وحرمته حتى لو أمكن، هو الرأي القوي عندنا.
أما بين الفقهاء غير الإمامية، فيبدو أنهم لا يجيزون مثل هذا العمل. كما جاء في قرار المجمع الفقهي الإسلامي الدولي:
«تغيير الجنس شرعًا حرام، لأنه تغيير في خلق الله».
ومن أهم الأدلة الفقهية لعدم تغيير الحكم الشرعي مع وجود تغيير ظاهري في الجسم، أصل الاستصحاب: طالما أن هناك شكًا في تغيير الجنس حقيقة، يجب استصحاب الحكم السابق.
وأركان الاستصحاب هنا كاملة، وبموجبها تبقى الأحكام الشرعية المتعلقة بالرجل أو المرأة كما كانت قبل تغيير الجنس، لأن هذا التغيير، بحسب رأي الأطباء، هو تغيير ظاهري فقط وليس حقيقيًا، وبالتالي لا يؤثر على الأحكام الشرعية.
لكن الاستصحاب في القسم الموضوعي (أي تحديد عنوان الرجل أو المرأة) لا يجري لأن هذه المسألة شبهة مفهومية، والاستصحاب لا يستطيع إثبات دائرة المفهوم. إلا إذا قيل إن تحديد بقاء الموضوع مسألة عرفية، والعرف في مثل هذه الحالات لا يعتبر هذه التغييرات كافية لبقاء الموضوع (الرجل أو المرأة).