معهد الدراسات الفقهية المعاصرة يعقد

جلسة متخصصة بحضور حجة الإسلام والمسلمين الدكتور نجف لكزائي وحجة الإسلام والمسلمين الدكتور رضا غلامي، لدراسة دور الحوكمة الدينية في تطوير الثقافة العامة وضرورة الحوكمة الشعبية

في يوم الخميس، 19 صفر 1447 هـ (18 سبتمبر 2025 م)، عقد معهد الدراسات الفقهية المعاصرة بالتعاون مع مكتب تطوير وتمكين العلوم الإسلامية في مكتب الإعلانات الإسلامية، الجلسة السابعة والخمسين من سلسلة "أیام الأحد: مناقشة المنهج". كان موضوع هذه الجلسة "تأثير نهج الحوكمة في طريقة تحويل المعارف الإسلامية إلى ثقافة عامة"، وقد تم تقديمها من قبل حجة الإسلام والمسلمين الدكتور نجف لكزائي، رئيس معهد العلوم والثقافة الإسلامية، وحجة الإسلام والمسلمين الدكتور رضا غلامي، عضو هيئة التدريس في معهد العلوم الإنسانية والمستشار الثقافي لإيران في النمسا.

بالتعاون مع مكتب تطوير وتمكين العلوم الإسلامية في مكتب الإعلانات الإسلامية، عقد معهد الدراسات الفقهية المعاصرة يوم الخميس، ١٩ صفر ١٤٤٧ هـ (١٨ سبتمبر ٢٠٢٥ م) الجلسة السابعة والخمسين من الدورة الصيفية “أیام الأحد: مناقشة المنهج” بعنوان “تأثير نهج الحوكمة في طريقة تحويل المعارف الإسلامية إلى ثقافة عامة”. تم تقديم هذه الجلسة العلمية من قبل اثنين من الأساتذة البارزين في مجال العلوم الإسلامية والإنسانية، حجة الإسلام والمسلمين الدكتور نجف لكزائي وحجة الإسلام والمسلمين الدكتور رضا غلامي، بإدارة حجة الإسلام والمسلمين محمد كاظم حقاني فضل، مدير دائرة المعارف الفقهية المعاصرة.

في بداية الجلسة، أوضح حجة الإسلام والمسلمين حقاني فضل فلسفة عقد هذه السلسلة من الجلسات، واستنادًا إلى الآية القرآنية ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾، قال: “الهاجس الأساسي للمتدينين هو نشر المعارف الدينية بشكل عام، وهذا التفوق يتحقق في مجالين سياسي وثقافي”.

كما استند مدير دائرة المعارف الفقهية المعاصرة إلى كلام قائد الثورة الإسلامية: “بدأنا من الثورة الإسلامية لنصل إلى الحكومة الإسلامية، ومن الحكومة الإسلامية إلى الدولة الإسلامية، ومن ثم إلى المجتمع الإسلامي”، وقال: “من الواضح أن سياسات الحاكم، من الثقافة وصياغتها إلى التشريع، وحتى أصغر حركاته مثل نوع الاقتصاد وأسلوب السياسة، كلها يمكن أن تؤثر على الثقافة العامة والثقافة الدينية للبلد. لذلك، من المهم النظر إلى قضية الحوكمة – وخاصة الحوكمة الدينية – من زاوية تأثيرها في الثقافة العامة ودورها في تحويل المعارف الإسلامية إلى ثقافة عامة”.

في استمرار الجلسة، تحدث حجة الإسلام والمسلمين الدكتور رضا غلامي، عضو هيئة التدريس في معهد العلوم الإنسانية والدراسات الثقافية والمستشار الثقافي للجمهورية الإسلامية الإيرانية في النمسا، معربًا عن تقديره لعقد هذه الجلسات، وأعرب عن أمله في أن تقترب هذه الجلسات خطوة بخطوة من هدفها وتؤدي إلى رؤية ومعرفة يمكن أن تكون مؤثرة في الميدان العملي.

تناول الدكتور رضا غلامي في كلمته الدور المحوري للحوكمة السليمة والقوية في تحقيق تحويل المعارف الإسلامية إلى ثقافة عامة. وأكد على دور “الحوكمة” في تحقيق المعارف الإسلامية في بيئة المجتمع، وقال: “إذا كنا نسعى لتحويل المعارف الإسلامية إلى ثقافة عامة، يجب أن نعلم أنه بدون حوكمة سليمة وقوية وملتزمة، لن يتحقق هذا التحويل. طالما أن الحوكمة ليست مبنية على أسس صحيحة، لن يحدث أي تحول ثقافي مستدام في المجتمع”.

وأكد عضو هيئة التدريس في معهد العلوم الإنسانية والدراسات الثقافية على التعددية وتجنب النظرة أحادية النظرية، وقال: “أعتقد أنه يجب أن تتشكل نظريات متنوعة ومتعددة، وتلك التي تكون أكثر كفاءة ستكون مؤثرة في الميدان العملي”.

كما أكد على ضرورة الدراسة وصياغة النظريات العميقة لوضع إطار حوكمة إسلامية صحيحة، وأضاف: “ما زلنا في بداية الطريق، ولم نصل بعد إلى نظريات بارزة في هذا المجال”.

وأشار المستشار الثقافي للجمهورية الإسلامية الإيرانية في النمسا إلى ضرورة الدراسة والتخطيط الصحيح لنمو وتطوير الثقافة العامة، وقال: “يجب أولاً، من خلال الدراسة الواسعة والعميقة وصياغة النظريات المتنوعة، أن نوفر إطارًا شاملاً وقويًا جدًا للحوكمة الإسلامية استنادًا إلى القيم الإنسانية. هذا أمر لا مفر منه، ويجب أن ننتبه إلى أنه على الرغم من الجهود التي بُذلت في هذا المجال، وهي في محلها جديرة بالتقدير، إلا أننا ما زلنا في بداية الطريق ولم نصل بعد إلى نظريات بارزة في هذا المجال”.

ثم قدم هذا الأستاذ في العلوم الإنسانية خمسة أسس رئيسية للحوكمة الإسلامية، التي يراها بمثابة الأرضية اللازمة لنشر المعارف الإسلامية في الثقافة العامة:

الكرامة الإنسانية:

“الأساس الأول الذي أراه مهمًا جدًا في الحوكمة هو الكرامة الإنسانية. يقول القرآن: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾. جميع أبناء آدم يتمتعون بالكرامة. يقول النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله): الناس متساوون في الكرامة. لذا، فإن الحوكمة التي تتجاهل كرامة الإنسان لن تحظى أبدًا بالشرعية الحقيقية. هذا أساس رئيسي لأي حوكمة نأخذها بعين الاعتبار للإسلام”.

الحريات الفردية والاجتماعية:

أشار المستشار الثقافي لإيران في النمسا إلى الآية ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾، وقال: “لا يوجد أي أساس للإكراه أو الإجبار في الدين. العقائد ترفض التعارض بينها وبين المحكمات العقلية. من ناحية أخرى، مجتمعنا، بفضل عمقه الإنساني، هو مجتمع متنوع؛ يتمتع بتنوع فكري وثقافي، ويجب أن ننظر إلى هذا التنوع كفرصة، وليس كتهديد. بدون احترام الحريات الفردية، لا يمكن تحويل هذا التنوع والتعددية إلى فرصة، بل ستظهر دائمًا الجوانب المهددة له. بعض هذه الجوانب المهددة هي مجرد توهمات لدينا. لكن على أي حال، الحريات الفردية هنا مهمة جدًا”.

العدالة الاجتماعية:

أكد على ضرورة تطبيق العدالة في المجتمع، وقال: “يُعرف القرآن العدالة كهدف بعثة الأنبياء. يقول الإمام علي (عليه السلام): العدالة تحيي النظام. أي أن بقاء وحياة النظام السياسي مرهون بوجود مستويات مناسبة من العدالة. اليوم في مجتمعنا، نرى فجوة طبقية وبعض مظاهر الظلم. للأسف، هذه الفجوات والظلم واضحة، وأحد عروضي في هذه الجلسة هو أنه ما لم نصل إلى مستوى ودرجة مرغوبة من العدالة في العمل، فلن يتحسن وضعنا من ناحية الثقافة العامة بشكل كبير، فهذه الأمور مترابطة تمامًا. عندما تكون العدالة ضعيفة، لا يمكن تحقيق تحول جوهري في الثقافة العامة، وتظهر عقبات كثيرة أمام ذلك”.

التوجه الأخلاقي:

اعتبر الدكتور غلامي الدور البارز للأخلاق من قبل الحوكمة في تحويل المعارف الإسلامية إلى ثقافة عامة، وأوضح هذا الجانب من حديثه، وقال: “الأخلاق هي الأساس لجميع العلاقات الاجتماعية والسياسية. إذا تضررت الثقة العامة، فالحل ليس في الدعاية، بل في إعادة بناء الأخلاق. يجب ترسيخ الصدق، الإنصاف، التواضع، الوفاء بالعهد، الاحترام، والمسؤولية في الحوكمة. وعلى الرغم من أن الأخلاق والثقافة العامة ليستا متطابقين، إلا أنه إذا أصبحت الأخلاق سائدة نسبيًا في حياة الأفراد في المجتمع، يمكن القول إن جزءًا مهمًا من الثقافة العامة سيتم إصلاحه وتعزيزه أيضًا”.

الديمقراطية الدينية:

اعتبر حجة الإسلام والمسلمين غلامي الديمقراطية الدينية أحد الأركان والأسس المهمة للحوكمة، وقال: “الناجح هو من يكون مع الشعب، وليس فوق الشعب. الشرعية السياسية تبقى مستدامة فقط إذا كانت مصحوبة برضا الشعب الواعي والنشط. يجب أن يلمس الشعب ثمرة التحول الثقافي في حياته اليومية”.

وفي سياق حديثه، تناول الدكتور غلامي المتطلبات الثقافية والهيكلية للحوكمة الإسلامية، وأكد على مسائل مثل المسؤولية الاجتماعية، قبول التعددية الثقافية، دور نظام التعليم والتربية، إصلاح القوانين المدنية، والاستفادة من التجارب الدولية الناجحة. وأضاف: “إذا لم يلمس الشعب ثمرة التحول الثقافي في حياته اليومية، فلن يكون هذا التحول مستدامًا”.

ثم تناول الدكتور غلامي بعض المتطلبات الثقافية والهيكلية للحوكمة الإسلامية التي لها دور حاسم في تعزيز الثقافة العامة، وأشار إلى النقاط التالية:

المسؤولية الاجتماعية:

اعتبر عضو هيئة التدريس في معهد العلوم الإنسانية والدراسات الثقافية المسؤولية الاجتماعية أحد الأركان المهمة في تحويل المعارف الإسلامية إلى قواعد عامة، وأكد: “إذا اعتبر الشعب بلدهم وشعبهم عزيزًا بوعي، حتى بدون إجبار، سترتفع مستويات المسؤولية لديهم بشكل طبيعي. هذا الشعور بالمسؤولية يمكن أن يصنع المعجزات في الأسرة، بيئة العمل، والمجتمع”.

قبول التعددية الثقافية:

استنادًا إلى الآية ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾، قال: “توحيد المجتمع في جميع الأبعاد الثقافية خطأ تمامًا، ويؤدي إلى فشل التحول في الثقافة العامة. التعددية الثقافية فرصة للمعرفة، الإبداع، والتعاون، وليست تهديدًا للوحدة”.

دور نظام التعليم والتربية:

اعتبر مكانة التعليم والتربية مميزة في الثقافة، وقال: “لا يمكن تحقيق تحول ثقافي بإضافة بضع دروس إلى المناهج الدراسية. يجب إعادة تصميم التعليم والتربية على أساس التفكير النقدي، التربية الأخلاقية، المسؤولية الاجتماعية، والتعددية الثقافية”.

إصلاح القوانين المدنية:

اعتبر الدكتور غلامي النظام، العدالة، الإنصاف، والأخلاق أساسًا أساسيًا لوضع القوانين المدنية، وأضاف: “يجب أن نصمم قوانين تتوافق مع الثقافة الإسلامية؛ قوانين تعمل على أساس النظام، العدالة، الإنصاف، والأخلاق. إذا لم تكن الحوكمة عادلة من الناحية القانونية، فلن يكون أي برنامج ثقافي فعالًا”.

الاهتمام بالتجارب الدولية الناجحة:

وصف الاستفادة من التجارب الناجحة للدول الأخرى كأحد طرق حل التحديات القائمة، وقال: “يجب أن نستفيد من الدول التي حققت نجاحات جيدة في مجال الثقافة العامة، ليس تقليدًا، بل بطريقة مدروسة وواعية. التحول الثقافي يحتاج إلى التعلم، كما يحتاج إلى الثقة بالنفس”.

وفي الختام، أكد الدكتور غلامي مرة أخرى على الشعبية في الحوكمة الإسلامية، وقال: “النقطة المهمة جدًا هي أن الشعب يجب أن يلمس ثمرة التحول الثقافي في تحسين حياته اليومية. إذا لم تتحسن حياتهم، فلن يكون التحول الثقافي مستدامًا أو لن يحدث أصلًا. لا يمكن التعامل مع ثمرة التحول الثقافي بنظام الآجل وتحويله إلى مستقبل غير معروف. لا، كل تحول ثقافي إذا كان صحيحًا ومعقولًا، يمكن أن يظهر علامات تحسن الحياة. إذا لم تكن هناك علامات في تحسين الحياة وجودة الحياة، فهناك خلل في جزء من العمل. لا يمكننا تعميم الثقافة الإسلامية بالدعاية فقط. يجب أن نسبي القلوب من خلال العدالة، الاحترام، والأخلاق. إذا فرضنا الثقافة، ستزول بسرعة. لكن إذا اختارها الشعب بأنفسهم، فستظل دائمة. الحوكمة الإسلامية الناجحة هي الحوكمة التي تكون مع الشعب، وليس فوق الشعب. سر نجاحنا يكمن في الإقناع، الإنصاف، والتضامن”.

في السياق، قدم حجة الإسلام والمسلمين الدكتور نجف لكزائي، رئيس معهد العلوم والثقافة الإسلامية، تحليلًا منهجيًا حول الارتباط بين الفقه والحوكمة الحديثة، وقال: “الحوكمة، كعلم ونهج، يجب أن تكون قادرة على رفع الفقه من مستوى التعاليم الفردية إلى مستوى استراتيجي في الحوكمة”.

درس الدكتور لكزائي دور الفقه في الحوكمة الحديثة، وأكد: “بدأ تفكيري من هنا، كيف يمكن للحوكمة، كعلم ونهج، أن تساعد في الامتداد الاستراتيجي للفقه في المجتمع، وليس فقط تنفيذ التعاليم الثقافية أو المعرفية للدين، بل كيف يمكن رفع الفقه من المستوى الفردي إلى المستوى الاستراتيجي في الحوكمة”.

ونقد مفهوم الحوكمة التقليدية التي تُعادل “الحكومة” و”الدولة”، موضحًا: “في الحوكمة التقليدية، تُعتبر الدولة مسؤولة بمفردها عن جميع الأمور؛ لكن في الحوكمة الحديثة، تشكل إجماع بأن القضايا الكبرى للمجتمعات، خاصة قضية التقدم، لن تُحل إلا بالتكامل بين جميع القطاعات الحكومية وغير الحكومية”.

وأشار حجة الإسلام والمسلمين لكزائي إلى تجربة الدول المتقدمة، وقال: “عندما رأت الدول أن لا المال ولا البرامج ولا حزب معين، لا شيء من هذه بمفرده يحل المشكلة، أدركت أنه يجب تغيير نموذج إدارة المجتمع. هكذا وُلد مفهوم الحوكمة الحديثة”.

وتناول رئيس معهد العلوم والثقافة الإسلامية في عرضه مكانة الفقه في حل القضايا الاجتماعية المعقدة، واستنادًا إلى تعريف الشهيد صدر لـ”الحكم الشرعي” بأنه “تشريع صادر عن الله لتنظيم حياة الإنسان”، تساءل: “إذا كان الفقه يعتبر نفسه مسؤولًا عن تنظيم حياة الإنسان، وليس فقط الأحكام الفردية، فإنه يجب أن يكون قادرًا على تقديم برامج بشأن قضايا مثل التقدم، التنمية، الحوكمة، والنظام الاجتماعي”.

وأضاف: “إذا قبل الفقه أن يتدخل في هذه القضايا، فإنه يحتاج إلى استخدام أدوات منهجية للحوكمة الحديثة. وإلا، سيبقى في مستوى الفردي، يجيب عن الشكوك والوضوء والغسل”.

Source: External Source