إشارة: مسألة الكرامة وتعبير «حق الكرامة» قد وجدت مكانها في المباحث الفقهية منذ عقود. كتابة كتاب «مبدأ كرامة الإنسان كقاعدة فقهية» كانت خطوة مهمة في تنظير هذه القاعدة فقهياً. الحجة الإسلام والمسلمين سيف الله صرامي من المعارضين لحق الكرامة. يعتقد أن تعبير حق الكرامة غير صحيح أصلاً، ومن ناحية أخرى، لا يمكن أن يكون أي جعل شرعي مناقضاً لحق الكرامة. هذا الأستاذ في درس الخارج في الفقه والأصول في الحوزة العلمية في قم يرى أن تناقض الإطلاق الإثباتي لبعض الأحكام مع الكرامة لا إشكال فيه. تفاصيل الحوار الصريح والخاص للفقه المعاصر مع مدير مركز بحوث الفقه والحقوق في معهد العلوم والثقافة الإسلامية، حول موضوع الأحكام الفقهية المناقضة لحق الكرامة، كما يلي:
الفقه المعاصر: ما هو حق الكرامة الإنسانية المطروح في إعلان حقوق الإنسان وما هي أبعاده؟
صرامي: تعبير حق الكرامة غير صحيح أصلاً؛ لأن الكرامة التي طُرحت في بداية إعلان حقوق الإنسان والتي أصبحت اليوم مستنداً للمسائل القانونية، لا علاقة لها بأي حال من الأحوال بمسألة حق الكرامة؛ بل في بداية الإعلان، ومن أجل التمهيد، يُشار إلى الكرامة الذاتية للإنسان كأساس. في الآية الشريفة «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ» الإنسان هو صاحب الكرامة. تُطرح مناقشات حول ما إذا كانت هذه الكرامة ذاتية أم أن الكرامة المذكورة في الآية، ماذا تعني؟ هل هذه الكرامة تعني الاحترام أم أن هذا العنوان يشير إلى صفات خاصة مثل العقل الخاص الذي يمتلكه الإنسان؟ بعضهم يقول إن هذه الكرامة تعني خصائص الإنسان مثل تميّز خلقة الإنسان مقارنة ببقية المخلوقات. في الآية الشريفة «لَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ»، التفضيل والكرامة المذكورة في جزء من هذه الآية تعني أننا خلقنا الإنسان بصفات خاصة. على أي حال، الكرامة لا تُعبر عنها لا في الثقافة الإسلامية ولا في الأدبيات الحقوقية اليوم بحق الكرامة، ولا أثر لصفات الإنسان الذاتية بما هو إنسان مثل القبيلة والنسب واللون والدين في هذا الموضوع. هذه الصفة أمر مستقل وليست أمراً منفصلاً، بل هذه الصفة عنوان يشير إلى صفات مثل الاختيار والعقل. على أي حال، يُنظر إلى حق الكرامة كصفة، سواء كصفة ذاتية أو صفة تشير إلى الخصائص التي ذكرت.
هذا هو حق الكرامة. أما بالنسبة لما هي أبعاده، فربما تقصدون ما هو مكانته، بمعنى ما هي الأهمية والمكانة التي يمكن أن يحظى بها هذا الوصف في المناقشات الإنسانية؟ سواء بالمعنيين اللذين ذكرناهما، ما هي الأهمية والمكانة التي يمكن أن تكون له؟ على أي حال، بأي معنى كان، يجب أن نرى ما هي مكانته. في هذه المسألة، الأبعاد الكلامية لا تتدخل في مناقشتها الفقهية. لذا فإن السؤال الأساسي والصحيح هو: ما هي كرامة الإنسان وما هي مكانتها في الشريعة والإسلام والمعارف الإسلامية؟
هذا السؤال سؤال صحيح ومناسب، ولكن في رأيي السؤال الأولي الذي طرحتموه لم يكن صحيحاً. أما بالنسبة لما هي مكانته، فهي أنها قاعدة فقهية أم مبدأ فقهي أم مبدأ أصولي أم نموذج بمعنى أنها رؤية لها إطار تؤثر في كل استنباط وفهم؟
إذا أردت الإجابة على هذا الأمر، يبدو لي أن الكرامة مبدأ كلامي. مثل العقل والاختيار للإنسان، الكرامة أيضاً تُطرح كمبدأ؛ أي في جميع المسائل التي تُطرح في أحكام الشريعة لا علاقة لها بحقوق الإنسان والمسائل الحديثة. إنها مبدأ كلامي ويبدو أنها مبدأ جارٍ ونافذ. الله عندما يتحدث عن الإنسان، هذا المبدأ هو أساسه أن «كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ». الإنسان مكرم من قبل الله وفي خلقته أيضاً مكرم. يُسأل ماذا يعني مكرم؟ الإنسان بما هو إنسان له احترام خاص. له حق الهداية وحق الاختيار. يترتب عليه حق الاختيار. الخصائص الأخرى التي تمنح الإنسان التفضيل والتفوق بفضل هذه الصفات. لذا، أولاً صححت السؤال، وثانياً أجبت على الجزء الثاني بقدر ما استطعت.
الفقه المعاصر: بشكل عام، ما هي الأحكام الشرعية التي تُعتبر مناقضة لحق الكرامة الإنسانية ويجب رفع اليد عنها؟
صرامي: هذا السؤال يحمل افتراضاً مسبقاً وهو أن الكرامة التي هي وصف إنساني تناقض بعض الأحكام، وبما أنها تناقضها يجب تركها. الكرامة التي وضعها الله تعالى للإنسان تختلف عن الأحكام التي جعلها الله نفسه؛ لكن الافتراض المسبق فيه إشكال. الأحكام الشرعية بما هي أحكام شرعية في مرحلة الثبوت لا معنى لها أن تكون مناقضة. كيف يمكن أن يجعل ومن جهة أخرى يكون متناقضاً؟ لذا هذا الافتراض المسبق فيه مشكلة.
قد يقال إن الأحكام الشرعية تعني ما يريد الفقهاء استنباطه وله برداشت من رواية وآية وإجماع، ويرى أن هذا البرداشت يناقض كرامة الإنسان، وعندما يكون هذا البرداشت مناقضاً، فكأنما تستنبط حكماً شرعياً لم يصل بعد إلى مرحلة الحجية. هذا الذي استنبطته في مرحلة ما قبل الحجية، ولكن عندما ترى أنه يناقض كون الإنسان مختاراً أو عاقلاً، تتركه؛ لذا لا يُطلق على مثل هذا الحكم حكم شرعي. البرداشات التي لدينا يجب ألا تناقض كرامة الإنسان، والبرداشت الذي يناقض كرامة الإنسان لا يصل إلى مرحلة الحكم ولا حجية له. لا معنى أن يكون الحكم حكماً شرعياً ويناقض كرامة الإنسان.
الآن إذا نظرنا من وجهة نظر عالم الإثبات، فقد يناقض إطلاق هذا الحكم في بعض الظروف أموراً مثل كرامة الإنسان. على سبيل المثال، خذوا حكم إذن المرأة من زوجها للخروج من المنزل. أصل هذا الحكم لا يناقض كرامة الإنسان، وفي النهاية يجب إدارة المنزل، وقد أُوكلت هذه الإدارة الكلية إلى الزوج، وقد يناقض في بعض الظروف كرامة الإنسان؛ لذا قد يؤدي هذا إلى أن نترك فقط إطلاق هذا الحكم وليس أصله. أو أن تكون المرأة في حالة إذا أراد الزوج الاستمتاع بها يناقض ذلك كرامة الإنسان. الأحكام التي في مرحلة الاستنباط ولم تصل بعد إلى مرحلة الحجية قد تكون مناقضة.
الفقه المعاصر: هل يمكن اعتبار وجوب التمكين في جميع الظروف، الاختلاف في الدية والإرث وكل موضوع آخر مناقضاً لكرامة الإنسان أم لا؟
صرامي: الأحكام بما هي أحكام شرعية لا يمكن أن تناقض الجعل الإلهي ولا يمكن أن تناقض المصالح والمفاسد الواقعية في مرحلة الثبوت، ولكن قد تكون بعض هذه الأحكام في بعض الظروف إثباتاً مناقضة للمصالح والمفاسد. بالطبع، من الضروري التفريق بين الأحكام الوضعية والتكليفية. على سبيل المثال، الإرث حكم وضعي ويختلف بالنسبة للرجل في بعض الظروف، ولكنه بالنسبة لابنهما متساوٍ. الأخت والأخ يختلف إرثهما. أصل هذا الاختلاف قد يكون الشرع قد جعله ثبوتاً لتحقيق المصالح ودفع المفاسد وهذا لا يناقض كرامة الإنسان، ولكن قد يُرى التناقض في بعض الظروف. القول بأن إرث المرأة نصف إرث الرجل ليس كلاماً صحيحاً؛ بل إن إرث الأخت بالنسبة للأخ في ظروف معينة مختلف وهو نصف. على أي حال، هذه الأحكام الوضعية لا يمكن أن تكون مختلفة مع كرامة الإنسان لأنها تعبر عن الواقع والشارع يبين ذلك ولا يمكن أن يكون هناك اختلاف. ولكن قد تكون بعض الأحكام التكليفية في بعض الظروف مناقضة لكرامة الإنسان، وفي هذه الحالات نترك الإطلاق.
الفقه المعاصر: هل يمكن اعتبار بعض الأحكام الجزائية مناقضة للكرامة أم لا؟
صرامي: الشارع المقدس قد جعل نظاماً للإنسان الذي كرمه هو أيضاً، وقد يؤدي في ظروف خاصة إلى نفي الكرامة، وفي هذه الحالة نترك إطلاق هذه الأحكام. ولكن هذا لا يعني أن هذا الحكم مناقض بشكل عام، والحقيقة هكذا أن الشارع من جهة يجعل الأحكام ومن جهة أخرى يسعى لتنفيذها بذكاء. التنفيذ الذكي للأحكام مهم جداً؛ لذا لا يمكن أن يناقض حق الكرامة الإنسانية بعض التنفيذات التي إذا كانت مناقضة قد تؤخر أو تترك، وهذا بالطبع لا يناقض الأحكام الشرعية. الأحكام هي أمور نفس الأمر تسعى للسعادة الدنيوية والأخروية، ومثل هذه الأحكام في حال الثبوت لا تناقض كرامة الإنسان بأي حال. في هذه الحالات أيضاً يجب الانتباه إلى أصل الحكم وإطلاقه. أو في حالات القصاص والجزاء، بسبب ارتكاب جرم، على سبيل المثال يُرجم أو يُجلد، يجب أن يُجلد فقط ولكن بقية أموره الإنسانية تبقى في مكانها. على سبيل المثال، يجب الرد على سلامه. أو إذا كان عطشاناً يجب إعطاؤه الماء، وإذا كان جائعاً يجب إعطاؤه الطعام. بقدر ما تقتضيه الأحكام يجب تنفيذه، والباقي الذي يقتضيه احترام كرامة الإنسان يجب احترامه.
