عضو الهيئة العلمية في معهد دراسات المرأة والأسرة، في حوار خاص مع "الفقه المعاصر":

دراسة الأبعاد الفقهية للعنف ضد الزوجة/4

بالرجوع إلى الأدبيات الدولية، يبدو أن ابتكار فكرة العنف ضد الرجال له أساس غربي، حيث يُطرح بوصفه من التوابع الحتمية للأشكال الجديدة للأسرة، وشيوع نظرية الجندر، والمقولات الناتجة عن الثورة الجنسية مثل السيولة الجنسية والجندرية. وبناءً على ذلك، يُظهر التدقيق في التقارير والأبحاث أيضاً أن العنف ضد الرجال أو العنف الأسري ضدهم من قبل الشريك في الأسر التي يكون فيها الشريك الجنسي أو الزوج من نفس الجنس هو أكثر منه لدى مغايري الجنس، ولا يزال عدد الرجال الذين يتعرضون للعنف من رجال آخرين أكبر من عدد الرجال الذين يتعرضون للعنف من النساء.

إشارة: إن العنف ضد الزوجة مطروح منذ سنوات في الأدبيات الفقهية والقانونية الخاصة بالمرأة، ومفاهيم مثل الاغتصاب الزوجي وتصنيف أنواع العنف ضد المرأة هي وليدة هذا الخطاب. ولكن في المقابل، يمكن تصور نوع آخر من العنف تحت عنوان العنف ضد الزوج، بينما لم يتم التطرق إليه إلا قليلاً في الأدبيات الفقهية والقانونية. طرحنا هذا الموضوع على الدكتورة ناهيد سليمي، عضو الهيئة العلمية في معهد دراسات المرأة والأسرة. تعتقد هذه الكاتبة والباحثة في شؤون المرأة أن العنف ضد الزوج قد تم تحليله في أدبياتنا الفقهية، ولكن ابتكار هذا المصطلح تم من قبل المجتمعات التي تبيح المثلية الجنسية والعلاقات الجنسية بين رجلين. يمر أمام أنظاركم تفصيل الحوار الخاص الذي أجرته “الفقه المعاصر” مع عضو الهيئة العلمية في معهد دراسات المرأة والأسرة:

الفقه المعاصر: هل يمكن أن يقع العنف في العلاقات الزوجية ضد الزوجة فقط، أم يمكن تصور عنف الزوجة ضد الزوج أيضاً؟

سليمي: العنف بمعناه اللغوي والتطبيقي يعبر عن نوع من الفعل والسلوك الخشن والفظ في مقابل لين السلوك والمسايرة، والذي يكتسب في البيئات والثقافات المختلفة مصاديق ومعانٍ متفاوتة تبعاً لثقافة البيئة. وفي الفقه الإسلامي أيضاً، يُؤخذ بنظر الاعتبار نوعان من العنف، إيجابي وسلبي؛ حيث يدل في جانبه الإيجابي على الحزم وعدم المساومة مع العدو والخارجين عن القانون، وفي نوعه السلبي، يدل على فعل المسلم في التعدي على حقوق الآخرين والقانون. من النقاط البارزة في الفقه الإسلامي في تنظيم علاقات الزوجين، بحث النشوز ونشوز الزوجة، الذي يُطرح في مصداق التعدي على حقوق الزوج، ويمكن طرحه بمعنى العنف ضد الزوج أيضاً. وبالمثل، وحيث إن تناول نشوز الزوجة قد طُرح في الفقه بشكل أدق وأوسع بكثير، ربما يمكن القول إن تناول العنف ضد الزوج ومنعه قد احتل مكانة خاصة في الثقافة الإسلامية والفقه. وفي الروايات أيضاً، ورد هذا المنع صراحةً، وهذا التعدي على الحقوق من جانب الزوجة قد تم النهي عنه. يقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا الصدد: «أيُّما امرأةٍ آذت زوجها، لم يقبل الله صلاتها وحسناتها، وإن صامت عمرها كله، وأقامت الصلاة، وأعتقت الكثير من العبيد، وأنفقت أموالاً وثروات طائلة في سبيل الله؛ إلا أن تنال رضا زوجها، وإذا فارقت الدنيا دون رضاه، فستكون أول من يدخل جهنم».

الفقه المعاصر: هل يمكن اعتبار حالات مثل البرود في العلاقة الجنسية، واستخدام الزوجة للألفاظ البذيئة أثناء العلاقة الجنسية، وإجبار الرجل على أوضاع معينة في العلاقة الجنسية، مصداقاً للعنف الجنسي ضد الزوج؟ وما حكمها الفقهي؟

سليمي: إذا نظرنا إلى مصاديق العنف المطروحة بالرؤية العامة والكلية التي تم تناولها في مستهل الحديث، فسنرى أن الكثير من السلوكيات الخارجة عن العرف والإفراط والتفريط من قبل المرأة تجاه الرجل، والتي امتدت من الفقه إلى القانون، في العلاقة الزوجية، تنطبق على نفس معنى العنف السلبي والعنف الذي يتجاوز حدود القانون. وهذا البرود نفسه في العلاقة الجنسية، إذا لم يكن هناك مانع شرعي، فهو منهي عنه بكثرة في الفقه، وهو مصداق لذلك التفريط الذي يؤدي إلى تضييع حق الزوج.

وعليه، في النهج الإسلامي، على الرغم من أن حقوق وواجبات الزوجين الخاصة تجاه بعضهما البعض تنشأ تلقائياً بعد الزواج، والزوجان ملزمان بأداء واجباتهما وحسن المعاشرة مع بعضهما البعض؛ إلا أن ما تم تناوله بشكل أكبر في البعد السلوكي وغير الاقتصادي هو حقوق الرجل على المرأة وواجبات النساء مع توسيع الدائرة المفاهيمية والمصداقية للتمكين والنشوز؛ وعليه، إذا قصّرت المرأة في أداء واجباتها وأبدت لا مبالاة تجاه زوجها، فإنها تُعتبر في الفقه والقانون مرتكبة للنشوز وإيذاء الزوج. وهذا الإيذاء في بعد التمكين الخاص يشمل كل ما يتعلق بتمتع الرجل الجنسي بالمرأة؛ بالتالي، فإن كل ما ذُكر، مثل إهانة الرجل أو الإصرار على نوع معين من المتعة الجنسية الذي يؤدي إلى استياء الرجل وعدم استمتاعه بالعلاقة الجنسية، يُعتبر نوعاً من نشوز المرأة وإيذاء الرجل.

الفقه المعاصر: هل يمكن اعتبار تحقير الزوج، ومقارنته بالرجال الآخرين، والتهديد بالطلاق، والعدوانية والفظاظة وشتمه، مصداقاً للعنف اللفظي ضد الزوج؟ وما حكمه الفقهي؟

سليمي: يعتبر الشهيد الأول التجهم في وجه الزوج مقدمة للنشوز، ويعتبر الشهيد الثاني أيضاً الكلام الفظ نوعاً من العنف في القول ومن مقدمات النشوز، أي تغيير طريقة الكلام من اللين والهدوء إلى الحدة والخشونة، وهو أمر يطرح بخصوص المرأة والرجل على حد سواء؛ لكن ما تطور إلى عرف قانوني وأخلاقي، كان في الممارسة العملية موجهاً نحو المرأة وخصائصها السلوكية، وفي الواقع، فإن نشوز الرجل وإيذاءه يقتصر على عدم دفع النفقة للزوجة ومراعاة المضاجعة الواجبة في مدة محددة وطويلة وبكيفيات أقل مما هو مطروح بخصوص النساء.

الفقه المعاصر: بالنظر إلى أن حالات العنف ضد الرجال (الجسدي واللفظي) من قبل النساء ليست قليلة، لماذا يُفسَّر العنف في العلاقات الزوجية على أنه عنف الرجال ضد النساء فقط؟

سليمي: إن ما طُرح في مقدمات البحث، إلى جانب رؤية الإسلام الكلية للأسرة، يحدّد موقف ومفهوم العنف ضد الرجال في سياق الأسرة في محورين:

أولاً، في العقلانية الإسلامية، يُطرح تنظيم العلاقات في المجتمع، وخاصة الأسرة، بشكل أخلاقي في الغالب وبقيادة الضمير. أساساً، لم تتجه نية الإسلام نحو التضخم التشريعي وجعل شؤون الأسرة شأناً قضائياً، ويرجّح المصالح الجماعية للأسرة القائمة على الإيثار والتسامح على الاهتمام المفرط بالحقوق الفردية والفردانية القانونية البحتة.

ثانياً، إن ما يتعلق بحقوق الرجل ومراعاتها على عاتق المرأة قد تم تناوله بالتفصيل وبشكل موسع في الفقه والقوانين الإسلامية، وربما قلّ مصداق سلوكي سلبي من النساء في العلاقة الزوجية لا يمكن إدراجه ضمن الشبكة الدلالية والفعلية لنشوز الزوجة وإيذاء الزوج. وعليه، فإن تناول مفهوم العنف ضد الرجال في النهج الإسلامي والفقه ليس ابتكاراً جديداً أو أمراً مستحدثاً أو مُغفلاً عنه، كما هو الحال بالنسبة للنساء. وفي حين أن العنف والاعتداء على حقوق المرأة كأمر منتشر واضح في ميدان التحولات الاجتماعية، إلا أن مصاديق العنف ضد الرجال، لنفس أسباب الخصائص الطبيعية والقانونية الجنسية والجندرية، ليست أمراً منتشراً، ولم تكتسب طابع الانتشار على مر التاريخ.

وربما يكون انتشار هذا المفهوم، شأنه شأن العديد من المفاهيم الاجتماعية والقانونية للأسرة، وبالنظر إلى الجوانب الحتمية للعولمة، تابعاً لتطورات الأدبيات والسياسات الدولية في هذا الموضوع. يجب الانتباه إلى أن الأدبيات الغربية في مجال الأسرة والانحرافات المستجدة التي أحدثتها في بنية وطبيعة الأسرة وأشكالها، قد أدت إلى إفراغ الأسرة من مفهومها الأساسي كمجتمع أساسي مترابط ذي مصالح متداخلة، وإن غلبة الفردانية على الجماعية المتمحورة حول الأسرة قد أبرزت أكثر من أي وقت مضى المجالات الفردية والحقوق الفردية للأشخاص. في هذا الجو، فإن المخاطبين في النظام القانوني والتشريعي هم في المقام الأول أفراد يجب باستمرار حماية مصالحهم في علاقاتهم مع بعضهم البعض بما يتناسب مع التطورات اليومية، لا أسرة ينخرط أفرادها في المقام الثاني في حل المشكلات للحفاظ عليها.

بالرجوع إلى الأدبيات الدولية، يبدو أن ابتكار فكرة العنف ضد الرجال له أساس غربي، حيث يُطرح بوصفه من التوابع الحتمية للأشكال الجديدة للأسرة، وشيوع نظرية الجندر، والمقولات الناتجة عن الثورة الجنسية مثل السيولة الجنسية والجندرية. وبناءً على ذلك، يُظهر التدقيق في التقارير والأبحاث أيضاً أن العنف ضد الرجال أو العنف الأسري ضدهم من قبل الشريك في الأسر التي يكون فيها الشريك الجنسي أو الزوج من نفس الجنس هو أكثر منه لدى مغايري الجنس، ولا يزال عدد الرجال الذين يتعرضون للعنف من رجال آخرين أكبر من عدد الرجال الذين يتعرضون للعنف من النساء. في هذه الوثائق، يُعد سبب الميل الجنسي للرجل وتعرض هذا الميل للتحقير والهجوم من قبل الشريك الجنسي أو الزوج، أحد المفاهيم المتكررة في الشبكة المفاهيمية للعنف ضد الرجال. ولهذا السبب، حتى في النموذج الغربي للتعامل مع بنية ومحتوى الأسرة، حيث يحدث العنف وتوسيع دائرة التقاضي في العلاقات الأسرية بشدة، فإن نسبة تعرض النساء للعنف الأسري لا يمكن مقارنتها بنسبة انتشاره بين الرجال. بحيث تظهر الإحصائيات أن امرأة واحدة تقريباً من كل أربع نساء منذ سن الخامسة عشرة تتعرض للعنف من قبل شريك حميم أو زوج، مقارنة برجل واحد من كل ثلاثة عشر رجلاً.

وعليه، فقد تم الحديث في الأدبيات الدينية والفقهية بما فيه الكفاية عن حدود ومعنى التمكين والنشوز، اللذين يزعزعان الاستقرار في الأسرة، بوصفهما وجهاً من وجوه الإفراط والتفريط ولهما أبعاد قانونية، وإن إضافة أبعاد أحدث أو تكثيف هذه الأدبيات يجب أن تكون له أسباب سياقية خاصة، وهو ما لم نبتل به أحياناً في ثقافتنا الإيرانية والإسلامية.

الفقه المعاصر: في الفقه والقانون الإسلامي، ما هي أشكال الحماية التي قُدِّمَت للرجل الذي يقع ضحية عنف الزوجة؟

سليمي: يبدو أن الإسلام لا يبني على التدخل الأقصى في الأسرة والمجالات الفردية لأعضائها، لكي تُحل المسائل ضمن الآليات الأخلاقية للأسرة؛ وعليه، فإن الحكومة الإسلامية تمنح نفسها فقط حق إعمال السلطة في مصاديق العنف تحت عنوان نشوز الزوجة والفعل الإفراطي أو التفريطي المؤدي إلى الإيذاء، ولا تملك حق التدخل في الحالات التي تُعتبر من مقدمات العنف. بعبارة أخرى، هذا هو موضع الاختلاف بين الفكر الإسلامي والغرب؛ لأنهم، بناءً على الأسباب التي تم تناولها، يعتقدون ويحتاجون بالطبع إلى التدخل القانوني في جميع أنواع السلوكيات التي تُعتبر عنفاً في العالم الجديد.

مع هذه التفسيرات، وعند الرجوع إلى الفقه والقانون الإسلامي والقوانين، يتبين أن وزن حماية حقوق الزوج من تعدي الزوجة أكبر، وبآلية النشوز، تم تحديد العديد من مصاديق إفراط وتفريط الزوجة تجاه الزوج. وما يُذكر حول العنف ضد الرجال ومصاديقه يمكن متابعته عموماً ضمن هذه الدائرة.

ما يُطرح بشكل عام ومتبادل ورد في المادة ١١٠٣ من القانون المدني على النحو التالي: «الزوج والزوجة مكلفان بحسن المعاشرة مع بعضهما البعض». وحسن المعاشرة المطروح في هذه المادة يشمل عموماً: التغاضي عن أخطاء بعضهما البعض، واحترام بعضهما البعض، وحسن الخلق تجاه بعضهما البعض، وتجنب الغيبة وذكر عيوب الآخرين أمام الغير، وأداء حق التمتع الجنسي، والتعاون والتشاور في أمور الحياة. أو ما يتعلق بالإهانة وعدم الاحترام تجاه بعضهما البعض في العلاقات الاجتماعية والأسرية، والذي يمكن متابعته قضائياً بغض النظر عن الجنس. بحيث أنه في المادة ٦٠٨ من قانون العقوبات الإسلامي، تُعتبر من الجرائم التعزيرية (هتك حرمة الأشخاص ليست جريمة حدد لها الشرع عقوبة معينة) ومن حقوق الناس، وتستوجب العقوبة في القانون. في هذه المادة، صرّح المشرّع بوضوح أن الشتم واستخدام الألفاظ البذيئة يُعتبر إهانة، وأن أي مصداق آخر يندرج في هذا النطاق يُعتبر عنفاً. تنص هذه المادة على أن إهانة الأفراد، مثل الشتم واستخدام الألفاظ البذيئة، إذا لم تكن موجبة لحد القذف (اتهام الآخرين بالزنا أو اللواط)، يُعاقب عليها بالجلد حتى ٧٤ جلدة أو بغرامة نقدية تتراوح بين خمسين ألفاً ومليون ريال. وفي الوقت نفسه، إذا تضمنت الإهانة ألفاظاً ونسباً باطلة (الزنا أو اللواط)، ولم يتمكن المرتكب من إثبات صحتها في المحكمة، فسيُحكم عليه بـ ٨٠ جلدة وفقاً للمادة ٢٥٠ من قانون العقوبات الإسلامي.

أما فيما يتعلق بحقوق الزوج ومراعاتها من جانب الزوجة، فقد وضع المشرّع أيضاً، من خلال التوسع المفاهيمي للنشوز والتمكين في القوانين، ضمانات تنفيذية للسلوكيات المؤذية من قبل المرأة. وقد تم تناول هذه الضمانات في ثنائية التمكين (العام والخاص) والنشوز.

الضمانة التنفيذية المباشرة لعدم تمكين الزوجة في الفقه والقوانين الإسلامية هي حرمان المرأة من حق النفقة؛ وهو أمر أجمع عليه فقهاء الشيعة وأهل السنة. وقد تم النص على هذا الحكم في التشريع في المادة ١١٠٨ من القانون المدني، بحيث يكون أثر سوء معاشرة المرأة هو حرمانها من النفقة. إذا لم تسكن المرأة في المنزل الذي أعده الزوج، أو خرجت من المنزل دون إذنه أو رضاه، أو كانت لها صداقات وعلاقات غير مقبولة، ولم تُرضِ زوجها جنسياً، فإنها ستكون ناشزة. حتى أن الرجل، بناءً على المادة ١١١٧ من القانون المدني، يمكنه أن يمنع زوجته من ممارسة مهنة تخالف مصلحة الأسرة.

Source: External Source