إشارة: لقد ظهر الفضاء الافتراضي بسرعة واندفاع كبيرين، مما ترك فرصة محدودة للتأمل والحوار حول استكشاف طريقة الحكم الصحيحة له. مهما ناقشنا وتحاورنا حول حكم الفضاء الافتراضي، تظهر دائمًا موضوعات ومجالات جديدة في هذا الفضاء تتحدى النقاشات السابقة. هذا الأمر يجعل حكم الفضاء الافتراضي مسألة دقيقة وصعبة تتطلب سرعة في اتخاذ القرار. الحجة الإسلام والمسلمين الدكتور مجيد مبيني مقدس، سواء من حيث موقعه القانوني أو شخصيته الحقيقية، يُعتبر من أهل الإعلام؛ سواء لكونه عضو هيئة التدريس في كلية العلوم الاجتماعية والاتصالات والإعلام بجامعة الأديان، أو لنشاطه البارز في الشبكات الاجتماعية، حيث تُعد قناته “روشنا” على منصة إيتا منذ فترة طويلة واحدة من الوسائط القليلة التي تتناول قضايا منهجية متعلقة بالعلوم الإسلامية. يرى أن أحد أهم تحديات الحكم في الفضاء الافتراضي هو صياغة قوانين هذا المجال بناءً على نهج فقهي أدنوي، وهو نهج يعتبر أن عدم التعارض مع الشرع كافٍ لشرعية القانون، دون السعي للحصول على موافقة الشارع. تفاصيل الحوار الخاص مع الفقه المعاصر حول ماهية وأبعاد وتحديات فقه الحكم في الفضاء الافتراضي، ستُعرض لكم فيما يلي:
الفقه المعاصر: هل هناك ملاحظات فقهية لتطبيق القوانين المتعلقة بالفضاء الافتراضي؟ مبيني: تُصاغ قوانين الفضاء الافتراضي عمومًا بنهج فقهي أدنوي، أي عدم التعارض مع الشرع. لكن ما إذا كانت هذه القوانين تلبي هدف الشارع أم لا، فهذا عادةً لا يُؤخذ بعين الاعتبار من قبل المشرّع. بعبارة أخرى، يجب تغيير نهج صياغة القوانين والتوجه نحو تصميم القوانين بنهج فقهي أقصوي؛ لا ينبغي التوقف عند المستوى الأدنى وهو عدم تعارض الشرع، بل يجب الوصول إلى المستوى الأقصى وهو موافقة الشارع.
الفقه المعاصر: هل يمكن الاعتماد على الفتاوى التي تضع تفاصيل وقيودًا للالتزام بالقوانين الحكومية، ولا تجعلها واجبة بشكل مطلق، لتحقيق قانونية الفضاء الافتراضي؟ مبيني: إذا كانت فتوى ما تحتوي على قيود وتفاصيل تجعل المكلف عمليًا غير ملزم بتنفيذ قوانين الحكومة الإسلامية في مجال الفضاء الافتراضي، فقد يكون من الأفضل إجراء حوار مع أولئك الفقهاء والمجتهدين وتوضيح تبعات ونتائج هذه الفتوى. هناك حالات عديدة شهدت تغيير الفقهاء لفتاواهم بعد ملاحظة التبعات الاجتماعية لها، وفي المجال المهم للفضاء الافتراضي، وبسبب التخصصية العالية لهذا الموضوع، قد تكون هناك حاجة إلى مزيد من الحوار لتوضيح المسألة. إقامة الندوات العلمية يمكن أن تلعب دورًا فعالًا في توضيح تبعات هذا النوع من الفتاوى في مجال الفضاء الافتراضي.
الفقه المعاصر: من الناحية الفقهية، إذا اعتبر مجري القانون أن قانونًا ما يتعارض مع الشرع أو فتوى مرجع تقليده، هل يمكنه الامتناع عن تنفيذه؟ مبيني: الفرق بين الفقه الفردي والفقه الاجتماعي يكمن هنا؛ في نهج الفقه الاجتماعي، لا يمكن لمجري القانون أن يمتنع عن تنفيذه فقط لأن القانون يتعارض مع فتوى مرجعه، لأن ذلك سيؤدي إلى اضطراب النظام الاجتماعي ويسبب تحديات للمجتمع. أما في الفقه الفردي، فأنا ملزم بأداء واجبي الشخصي بغض النظر عن بقية الأمور!
الفقه المعاصر: من الناحية الفقهية، ما حكم عدم التزام مجري القانون والمسؤولين في الدولة بقوانين الفضاء الافتراضي، مثل استخدام المنصات المحظورة؟ مبيني: الالتزام بقوانين الدولة مورد تأكيد المراجع، لكن بعض المصاديق قد لا تكون واضحة في القانون أو قد تحمل أبعادًا متعددة يجب دراستها بشكل مصداقي. ومع ذلك، إذا كان القانون قد حدد المصداق بدقة وطالب المسؤولين في الدولة باتباع سلوك معين في الفضاء الافتراضي، فإن خطأ المسؤول هنا ليس مجرد خطأ فردي وشخصي، بل بسبب هويته القانونية، يُعتبر خطأه خطأً اجتماعيًا له تبعات سلبية كبيرة في مجال الثقافة الاجتماعية. سلوكه سيكون مبررًا للكثير من الناس لخرق القانون في جميع المجالات، كما يقول سعدي: «إذا من بستان الرعية أكل الملك تفاحة، يقتلع عبيده الشجرة من جذورها».
