الحجة الإسلام والمسلمين قدير علي شمس، في حوار خاص مع الفقه المعاصر:

مبادئ الفقه في التربية/4

إشارة: الحجة الإسلام والمسلمين قدير علي شمس، من مواليد عام ١٣٤٤ هـ.ش (١٩٦٥ م) في أصفهان، وهو خريج الحوزة العلمية في قم. بعد أن عقد في عام ١٣٩٥ هـ.ش (٢٠١٦ م) دروسًا خارجية في فقه الأخلاق، نُشرت نتائجها في ثلاثة مجلدات تحت عنوان “فقه الأخلاق”، انتقل إلى دراسة فقه التربية وناقش موضوعاته في دروسه الخارجية. إن تدريسه المتزامن لفقه التربية وفقه الأخلاق يجعله من أفضل الأشخاص لإجراء حوار حول فقه التربية وتمييزه عن فروع مشابهة مثل فقه الأخلاق. يرى أن العلاقة بين فقه الأخلاق وفقه التربية هي علاقة عموم وخصوص من وجه. الحائز على جائزة كتاب العام في الجمهورية الإسلامية الإيرانية يذكر في هذا السياق مصطلح “الفقه الأكبر” ويوضح معناه وعلاقته بالفقه المتداول. تفاصيل الحوار الدقيق والغني بالنقاط مع الفقه المعاصر مع هذا الأستاذ في درس خارج فقه التربية بالحوزة العلمية في قم، تأتي على النحو التالي:

الفقه المعاصر: ما المقصود بفقه التربية؟ هل يعني دراسة القضايا التربوية أم النهج التربوي تجاه الدين ككل؟ وفي الحالة الثانية، هل يمكن طرحه كباب فقهي؟

شمس: من الموضوعات التي طُرحت مؤخرًا في الحوزات العلمية وأُضيفت إلى قائمة الفقه المضاف هو فقه التربية. بفضل الله، منذ عام ١٣٩٥ هـ.ش (٢٠١٦ م)، بدأنا بدراسة أحكام الموضوعات الأخلاقية مثل الكبر والحسد والكذب وما شابه ذلك من المنظور الفقهي. هذا عمل لم يُناقش بهذا العمق والتفصيل من قبل، وقد طبعه مكتب الفقه المعاصر.

بعد مناقشة فقه الأخلاق، اقتُرح أن نبدأ بفقه التربية. حتى الآن، تمت مناقشات جيدة في هذا المجال، بما في ذلك أعمال سماحة آية الله الأعرافي. نسعى لمواصلة هذا المسار. وعلى الرغم من أن فقه التربية بهذا العنوان هو موضوع جديد، إلا أن بعض قضاياه كانت تُناقش منذ القديم في المباحث الفقهية، مثل موضوع الحضانة أو التربية الدينية، ولكن بشكل مختصر ومتفرق. على سبيل المثال، ذكر صاحب العروة مسألة واحدة حول التربية الدينية في نهاية بحث القضاء بمناسبة معينة. تجميع هذه المباحث وتصنيفها يؤدي إلى نظرة شاملة لهذا الموضوع، وتدريجيًا سيجد مكانه في المباحث الفتوائية.

كلمة “الفقه” في اللغة تعني الفهم المطلق، وقد استُخدمت بهذا المعنى في الآيات والروايات. لكن في الاصطلاح، المقصود بها هو “العلم بالأحكام الفرعية المستندة إلى الاستدلال والأدلة”. إذن، فقه التربية يعني فهم الأحكام الفرعية والعملية للدين من خلال الاستدلال.

نعم، مؤخرًا أصبح شائعًا استخدام مصطلح “الفقه الأكبر”، ويقصد به جميع العلوم الدينية والإسلامية التي يفهمها الإنسان بطريقة اجتهادية واستدلالية. على سبيل المثال، ما هو رأي الإسلام في القضايا الاقتصادية؟ وإلى أي مدى يتوافق الإسلام مع الاستثمار أو النظام الماركسي؟ ما هي فكرة الإسلام حول حل مشكلات مثل التضخم؟ هذه موضوعات لا تتعلق بالفقه بالمعنى الاصطلاحي، ولكن عندما نريد معرفة رأي الدين في هذه القضايا، يُطلق عليها أحيانًا الفقه الأكبر، بمعنى معرفة رأي الدين في المسائل. هذا المصطلح لم يصبح بعد اصطلاحًا شائعًا، والفقه لا يزال يحمل معناه الأول.

أما “التربية” ففي اللغة تأتي من جذر “ربو” بمعنى النمو والزيادة. والربا أيضًا يُسمى كذلك لأنه زيادة على رأس المال الأصلي.

في الاصطلاح، في علوم النفس والتربية، ذُكرت معانٍ للتربية لا تتعارض مع معناها اللغوي. يُنقل عن أفلاطون أن التربية تعني “تدريب الفطرة الأولية للطفل على الفضيلة من خلال اكتسابه العادات المناسبة”. التدريب يعني التعويد، أي تعويد الفطرة الأولية -بخلاف الفطرة الثانوية المكتسبة- على فضيلة، ولكن هذه العادة التي نكتسبها في الطفل ليست مباشرة، بل يجب أن نجعل الطفل يكتسب عادة يتصف بها بالفضيلة. مشكلة هذا التعريف أن التربية لا تقتصر على الطفل، ولا على تغيير الفطرة الأولية. نعم، أكبر تأثير للتربية يكون على الطفل، لكنه لا يقتصر عليه.

الإشكال الآخر هو أن التربية لا تقتصر على إكساب الفرد عادة يتصف من خلالها بالفضيلة، بل يمكن للوالدين من خلال التغذية المناسبة أن يساهما في تعزيز فضيلة الحلم، وهذا أيضًا جزء من التربية. لذا، عرفها بعض المفكرين الغربيين بأن “التربية الصحيحة هي التي تساعد الفرد على أداء واجباته العامة والخاصة في السلم والحرب بطريقة مناسبة وماهرة”. مصطلح “تساعد” هو تعبير جيد وشامل.

على أي حال، المقصود من التربية في الاصطلاح يشمل هذه الأمور جميعًا، سواء كانت للطفل أو غيره، سواء من خلال التعليم أو طرق أخرى يختارها الشخص بنفسه للسير في طريق الصواب، أو حيث يقوم المربي بفعل يؤدي إلى قيام المتربي بعمل ما بشكل قسري. كما لا فرق بين السعي لإزالة رذيلة في المتربي أو إكسابه فضيلة، بل تشمل جميع الإجراءات التي تؤدي إلى إزالة نقص أو خلق كمال في المتربي. وبحسب تعبير بعض العلماء، المقصود هو أن ينتقل المتربي من القوة إلى الفعل، أي أن تتحول موهبة كمالية فيه إلى كمال فعلي. تلك السلسلة من السلوكيات والإجراءات التي تؤدي إلى إزالة نقص أو خلق كمال في المتربي تُسمى تربية. هذا الكمال يشمل ما يُناقش في علم الأخلاق، مثل تعليم الرياضيات الذي يُعتبر أيضًا نوعًا من التربية. إذن، المقصود بالتربية هو التربية الصحيحة.

بهذا التوضيح، التعليم أيضًا يندرج ضمن التربية، والتعليم جزء من عملية التربية، وإن كان يتم أحيانًا التفريق بينهما ويُستخدم تعبير التعليم إلى جانب التربية. لذا، التربية هي “سلسلة الإجراءات التي يقوم بها المربي لإزالة نقص أو خلق كمال في المتربي”.

نتيجة لذلك، المقصود بفقه التربية هو “استخلاص الأحكام الفرعية المتعلقة بالسلوكيات والإجراءات التربوية من الأدلة”. على سبيل المثال، الحكم الفقهي لمبدأ التربية أو الحكم الفقهي للأساليب والمناهج التربوية مثل التعنيف البدني أو النفسي.

أما معرفة رأي الإسلام في القضايا التربوية، بمعنى هل قدم الإسلام أساليب تربوية خاصة؟ وهل الأساليب الغربية مقبولة في الإسلام أم لا؟ وهل يراها الإسلام منتجة لنتيجة إسلامية مرغوبة أم لا؟ فهذا يُسمى التربية الإسلامية، وهو ما يُطلق عليه الفقه الأكبر.

لتوضيح وجه الاختلاف، لنفرض أننا نريد معرفة ما إذا كان التعنيف البدني للطفل الذي يعاني من مشكلة ما هو أسلوب صحيح من وجهة نظر الإسلام أم لا؟ هذا الموضوع يتعلق بعلم التربية الإسلامية. لكن في فقه التربية، نسعى لمعرفة الحكم الفقهي للتعنيف البدني كأسلوب تربوي. نعم، قد يُستخدم أحيانًا في هذا الحكم الفقهي آثار هذا الأسلوب التربوي التي تُناقش في علم التربية. بالطبع، هذان المجالان مرتبطان. أحيانًا يستفيد الفقه التربوي من علم التربية، والعالم في التربية الإسلامية يقدم حلولًا بناءً على فقه التربية. إذن، أحدهما يدرس الحكم الفقهي، والآخر يبين الكفاءة والتأثير.

قلنا إن فقه التربية يدرس الحكم الفقهي لمبدأ التربية وأساليبها بناءً على الأدلة والمصادر الفقهية. الأفعال التربوية هي الأفعال التي تؤثر في نمو وكمال الآخرين من خلال أفعالنا، بخلاف علم التربية، حيث إن عالم التربية -مثل عالم النفس أو عالم التربية الدينية- لا يهتم بحكم هذا الفعل الفقهي، بل يأخذه من الفقه. هو يسعى لدراسة وتحليل سلوك أو صفة غير لائقة في المتربي، ومعرفة منشأها، ودراسة آثار هذه الأفعال، والبحث عن طرق إزالة هذه الصفة السيئة من حيث التأثير. نعم، كما أشرت، هذان المجالان يتفاعلان أحيانًا. إذا كان عالم التربية متشرعًا، فإنه يستعين بالفقه لتجويز الأساليب، كما أن الفقه لا يتجاهل آراء عالم التربية، وإذا أراد إصدار حكم بشأن أسلوب ما، فإنه ينظر إلى آثاره.

الفقه المعاصر: ما الفرق بين فقه التربية والعناوين الفقهية المشابهة، مثل “فقه الأخلاق”، “الفقه التربوي”، و”فقه التعليم والتربية”؟

شمس: مصطلح “فقه الأخلاق” هو مصطلح جديد دخل في أقوال فقهائنا مؤخرًا. ربما لا يزال غريبًا على الكثيرين. أحيانًا يُقصد بفقه التربية المعنى الأعم، أي ما يتعلق بإصلاح النفس، سواء للإنسان نفسه أو للآخرين. بهذا المعنى، فقه الأخلاق يندرج تحت فقه التربية.

لكن ما يتبادر من التربية هو أن الإنسان يريد إحداث نمو وتكامل في الآخر، لأن التربية تتعلق بإصلاح الآخر. لذا يمكن القول إن فقه التربية يناقش الأفعال التربوية التي يقوم بها الفرد لإصلاح الآخر، بينما فقه الأخلاق يتناول ما يتعلق بالنفس، سواء كانت صفات نفسية رذيلة أو فضيلة، أو الأفعال الناتجة عن هذه الصفات. لذا، بعض الموارد خاص بفقه التربية، مثل التربية البدنية. نعم، من الجوانب الأخلاقية، مثل كونها إحسانًا للطفل، يمكن أن تكون مرتبطة بالأخلاق. وبعض الموارد خاص بفقه الأخلاق، مثل العُجب.

بالطبع، عالم التربية أيضًا ينظر إلى العُجب كصفة رذيلة ويسعى لإزالتها من ابنه. هذا المسعى لإزالة العُجب كرذيلة أخلاقية في الآخر هو فعل تربوي. لكن هناك موارد مشتركة بين العلمين، مثل التغاضي عن الابن. هذا الفعل من حيث كونه فعلًا إنسانيًا هو موضوع أخلاقي، ومن حيث كونه أسلوبًا تربويًا هو موضوع تربوي. لذا، من حيث الموضوعات، هذان العلمان عاما من وجه، لكن وجه النقاش مختلف. في أحدهما، يُناقش الفعل من حيث كونه فعلًا إنسانيًا، وفي الآخر من حيث كونه فعلًا تربويًا.

Source: External Source