الحجة الإسلام والمسلمين الدكتور منصور ميرأحمدي، في حوار خاص مع الفقه المعاصر:

فقه العلاقات الدولية: ماهيته، أبعاده وتحدياته/5

علم العلاقات الدولية علم جديد ويُعتبر من العلوم الحديثة، لكنه يختلف عن السياسة الدولية. العلاقات التي تتشكل في مجال السياسة بين الدول، بين الوحدات، والوحدات القومية والدولية تُؤخذ في الاعتبار وتُدرس في إطار السياسة الدولية؛ ولكن إذا تجاوزت هذه العلاقات مجال السياسة لتشمل الاقتصاد والثقافة والأمن، فإنها تُناقش في إطار فقه العلاقات الدولية؛ لذا فإن العلاقات الدولية أوسع من مفهوم السياسة الدولية.

إشارة: الحجة الإسلام والمسلمين الدكتور منصور ميرأحمدي من الأوائل الذين تناولوا فقه العلاقات الدولية. كتابة مقال «فقه العلاقات الدولية» في بداية العقد التسعيني من القرن الشمسي كانت إحدى الخطوات الأولى لإنشاء هذا الفرع الفقهي الجديد. تحدثنا معه حول ماهية وأبعاد فقه العلاقات الدولية. يرى أن العلاقات الدولية ليست علماً متعدد التخصصات ولا علماً مستقلاً، بل يعتبرها علماً اتصالياً. تفاصيل الحوار الخاص للفقه المعاصر مع أستاذ قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة الشهيد بهشتي في طهران، كما يلي:

الفقه المعاصر: ما هو فقه العلاقات الدولية وما الموضوعات التي يتناولها؟

ميرأحمدي: فقه العلاقات الدولية يُعتبر فرعاً من علم الفقه، وهذا العلم يعتمد على المبادئ والافتراضات الفقهية ويستخدم نموذج الاجتهاد لاستخلاص وتنظيم الأحكام المتعلقة بالعلاقات الدولية. الموضوع الرئيسي لهذا العلم هو العلاقات الدولية، لكن العلاقات الدولية أحياناً تُعتبر علماً وأحياناً تُعتبر أمراً واقعياً.

في فقه العلاقات الدولية، العلاقات الدولية لا تعني العلم، بل تعني الأمر الواقع، أي ما يوجد في الواقع والعلاقات التي تتشكل بين الوحدات الدولية تُعتبر علاقات دولية.

إذا اعتبرنا الموضوع الرئيسي لهذا الفرع الفقهي هو العلاقات الدولية، فإن الموضوعات التي تتصل بطريقة ما بهذا الموضوع تندرج ضمن النطاق الموضوعي لفقه العلاقات الدولية. كل أنواع العلاقات التي تربط بين الوحدات القومية والدولية تُعرف كموضوعات ضمن فقه العلاقات الدولية.

الفقه المعاصر: ما هي علاقة فقه العلاقات الدولية بمباحث القانون الدولي؟

ميرأحمدي: فقه العلاقات الدولية والقانون الدولي يشتركان في وجه واحد، وهو أن كليهما يتبعان نهجاً هنجارياً. فقه العلاقات الدولية يتبع نهجاً هنجارياً تجاه العلاقات الدولية، والقانون الدولي كذلك؛ كلاهما يناقشان الهنجاريات الحاكمة في العلاقات الدولية أو تلك التي يجب أن تحكم العلاقات الدولية. الفرق بينهما يكمن في أن أساس هذا النهج الهنجاري مختلف. في فقه العلاقات الدولية، تُستخلص هذه الهنجاريات بناءً على المبادئ الفقهية وعلى أساس النهج الاجتهادي للنصوص الدينية، بينما يعتمد النهج الهنجاري في القانون الدولي على علم القانون بناءً على أسسه الحديثة، ويُعتبر في القانون كعلم وتخصص، أحد الموضوعات المحورية. لذا، في القانون الدولي، يتشكل النهج الهنجاري بناءً على المبادئ والافتراضات المقبولة في حقوق الإنسان.

نتيجة لذلك، يجب أن نعرف الفرق بينهما في المبادئ والافتراضات والنماذج المنهجية التي يتم تبنيها في كل منهما، لكن مخرجاتهما تكتسب أهمية من حيث أن نهجهما هنجاري.

الفقه المعاصر: هل العلاقات الدولية علم متعدد التخصصات أم علم مستقل؟

ميرأحمدي: أعتقد أننا لا يمكننا اعتبارها علماً متعدد التخصصات ولا علماً مستقلاً. التعبير الصحيح في رأيي هو تعبير العلم الاتصالي. بعبارة أخرى، بعض العلوم هي علوم اتصالية، وهوية هذه العلوم تعتمد على الاتصال. الاتصال الثنائي الذي ينشئه هذا العلم مع الفقه من جهة ومع العلاقات الدولية من جهة أخرى يمنحه هوية تتمتع باتصال منسجم ويضعه في موقع اتصالي. إذا أُهمل أحد طرفي هذه العلاقة وتم حذفه، تنهار هوية هذا العلم، ولا يتمتع هذا العلم بعد ذلك بهوية معرفية. من هذا المنطلق، يمكننا القول إن هذا العلم هو علم اتصالي، واتصاله بالفقه من حيث الأساس والمنهج؛ أي أن مبادئه وافتراضاته ومنهجه مستمد من الفقه، لكنه من حيث الموضوع يرتبط بالعلاقات الدولية، ونتيجة لذلك يقع في موقع اتصالي.

بالطبع، قد يفسر أحدهم الموقع الاتصالي على أنه علم متعدد التخصصات، لكنني، لأنني أعتقد أن المقصود بالعلاقات الدولية في فقه العلاقات الدولية ليس العلم، بل كما قلت في البداية، هو الأمر الواقع وما يوجد في الواقع باسم العلاقات الدولية، لذا فإن فقه العلاقات الدولية من الناحية الموضوعية يرتبط بالعلاقات الدولية كعلم، رغم أنه يختلف عنه من حيث الأساس، لأن الاختلاف في النهج والنظريات واضح؛ نتيجة لذلك، فإن فقه العلاقات الدولية يمتلك هوية اتصالية، وفي هذه الحالة هو علم مستقل، لكن استقلاله يتشكل في هذا الاتصال، فهو ليس فقهاً ولا علاقات دولية، بل هو فقه العلاقات الدولية. من هذا المنطلق، وبمعناه الدقيق، ربما لا يكون علماً متعدد التخصصات لأنني قلت إنه جزء من العلم.

الفقه المعاصر: هل يتناول فقه العلاقات الدولية العلاقات بين الدول فقط أم يناقش أيضاً العلاقات بين مواطني الدول المختلفة؟

ميرأحمدي: فقه العلاقات الدولية يتناول ثلاث فئات من المسائل. الفئة الأولى تتعلق بالعلاقات بين الدول في الوحدات القومية الموجودة على المستوى الدولي، وتناقش العلاقات الدولية.

الفئة الثانية تتعلق بالعلاقات التي تقيمها الدول مع المنظمات الدولية. يمكن دراسة العلاقات بين هذه الوحدات القومية والدول مع الوحدات الدولية أو المنظمات الدولية في إطار فقه العلاقات الدولية.

الفئة الثالثة تتعلق بالعلاقات التي يكونها المواطنون خارج نطاقهم القومي، ونوع علاقتهم ليس مجرد علاقات قومية داخل إقليم واحد، بل هو شكل عابر للحدود يقيمون فيه نوعاً من النشاط أو الاتصال؛ لذا فإن العلاقات بين المواطنين داخل الدولة لا تندرج ضمن نقاش فقه العلاقات الدولية، بل يجب دراستها في إطار الفقه السياسي الذي يتولى مهمة تحليل العلاقات بين المواطنين فقهياً.

الفقه المعاصر: هل يشمل فقه العلاقات الدولية العلاقات الاقتصادية والدينية والاجتماعية بين الدول، أم أنه يقتصر على العلاقات السياسية بينها؟

ميرأحمدي: علم العلاقات الدولية علم جديد ويُعتبر من العلوم الحديثة، لكنه يختلف عن السياسة الدولية. العلاقات التي تتشكل في مجال السياسة بين الدول، بين الوحدات، والوحدات القومية والدولية تُؤخذ في الاعتبار وتُدرس في إطار السياسة الدولية؛ ولكن إذا تجاوزت هذه العلاقات مجال السياسة لتشمل الاقتصاد والثقافة والأمن، فإنها تُناقش في إطار فقه العلاقات الدولية؛ لذا فإن العلاقات الدولية أوسع من مفهوم السياسة الدولية. إذا قبلنا هذا الفرق في فقه العلاقات الدولية، يمكننا القول إن النطاق الموضوعي لفقه العلاقات الدولية يتجاوز العلاقات السياسية بين الدول والوحدات ويشمل العلاقات الاقتصادية والثقافية والأمنية أو العسكرية وغيرها، ويتناول فقه العلاقات الدولية كل هذه من الناحية الفقهية. إذا توصلنا إلى هذه النتيجة، يبدو أن فقه العلاقات الدولية مفهوم يمكن تعريفه بالتوازي مع علم العلاقات الدولية ويمتلك نطاقاً واسعاً.

Source: External Source