إبراهيم نيكدل

اصول الادلة الحدیثة فی الفقه المعاصر/5

أعتقد أنه يجب الدخول إلى نقاش الموضوعيات من زاويتين: إحداهما من جهة الفقيه والذي يسعى لتبیین القانون الشرعي وإصدار الفتوى، والأخرى من زاوية المقلدين والذين يفترض أن يستفيدوا من الفقه؛ أي من جهة المنتج ومن جهة المستهلك.

إشارة: حجة الإسلام والمسلِمين إبراهيم نيكدل، من مواليد ١٣٥٢ هـ.ش في مشهد. بعد دخوله الحوزة العلمية في مشهد واستفادته من دروس أساتذة مثل آيات مهدي مرواريد، أشرفي شاهرودي، تبادكاني ودرايتي، انخرط في التدريس والبحث في الموضوعات الفقهية. هو منذ سنوات يُعد من المدرسین المهمين في المستويات العليا لهذه الحوزة. كتاب «الحكم الظاهري؛ ماهيته، العمليات والقواعد العامة»، من مؤلفاته. في هذه الملاحظة الشفوية الخاصة، تناول تحليل أنواع الموضوعات الشرعية وطريقة موضوعياتها. ملاحظته تُعد من أكثر المواد ابتكاراً التي كتبت فيما يتعلق بأنواع الموضوعات الشرعية.

قبل الدخول في النقاش حول مرجع تشخيص الموضوعات الفقهية، أذكر نقطة وهي أنه في نقاش الموضوعيات، عادةً ما يُعتبر الموضوع والمتعلق واحداً، بينما هما مختلفان. لذا فإن نقاشنا يعتمد على قبول هذا التسامح.

أعتقد أنه يجب الدخول إلى نقاش الموضوعيات من زاويتين: إحداهما من جهة الفقيه والذي يسعى لتبیین القانون الشرعي وإصدار الفتوى، والأخرى من زاوية المقلدين والذين يفترض أن يستفيدوا من الفقه؛ أي من جهة المنتج ومن جهة المستهلك.

يبدو لي أنه إذا دخلنا من زاوية الفقيه وتناولنا أنواع الموضوعات والمتعلقات للحكم، فإن الجواب من زاوية المقلد سيصبح واضحاً أيضاً.

في الفقه من وجهة نظر الفقيه والذي يسعى لإصدار الفتوى، يمكن تصور عدة أنواع من الموضوعات والمتعلقات. بعض الموضوعات والمتعلقات للأحكام الشرعية اخترعها الشارع وليست بماهية ومفهوم عرفي. ربما لاحقاً أصبح لها مفهوم عرفي متشرعي بالنسبة للعرف؛ لكن أصل إنشائها مع جميع ضوابطها وتفاصيلها كلها من الشارع المقدس المشرع؛ مثل ماهية الصلاة التي هي ماهية اختراعية والعرف لم يكن على دراية بها أصلاً؛ أو مثل الزواج المؤقت الذي يبدو أنه لم يكن شائعاً قبل الإسلام وجاء به الشارع.

إذا كان الموضوع من القسم الأول، أي الماهية الاختراعية الشرعية، فمن واجب الفقيه أن يفسر ويبين هذا الموضوع أو المتعلق، ما الذي يدخل فيه وما الذي لا يدخل. بالطبع، بعض المسائل المتعلقة بهذه الماهية الاختراعية موكلة إلى العرف كما سنذكر؛ لكن أصل تبیین هذه الماهية وكيفيتها مع الفقيه.

النوع الثاني، بعض الموضوعات والمتعلقات التي اقتبسها الفقه والفقيه من العرف، لكن الشارع تدخل فيها وطرح مسائل خاصة وقيد فيها أو وسعها. تفسير هذا النوع من الموضوعات والمتعلقات أيضاً مع الفقيه. على سبيل المثال، في العرف، طاعة الأب واجبة لكن الشارع تدخل فيها ببعض التعديلات؛ لذا يجب على الشارع والفقيه أن يبينا مرادهما من ذلك.

النوع الثالث، الموضوعات والمتعلقات التي اقتبست من العرف لكن من المحتمل أن يكون الحكم في زمن صدور الأحكام الشرعية مختلفاً بعض الشيء عن العرف الحالي، وأن تكون هناك خصائص ومميزات أخذت في ذلك الزمان قد لا توجد في المفهوم العرفي في الوقت الحاضر. على سبيل المثال، السفر موضوع لبعض الأحكام الشرعية لدينا مثل الإفطار في الصوم والقصر في الصلاة. السفر مفهوم عرفي؛ لكن كانت له خصائص ومميزات في الماضي حيث كانت الرحلات عادة خلال يوم وليلة وثمانية فراسخ شرعية. لكن في الوقت الحاضر، بأي وسيلة يتم السفر، بالتأكيد مسافة اليوم ستكون أكثر من ثمانية فراسخ. هذه خاصية قد تكون أخذت في مفهوم السفر واكتشافها يحتاج إلى اجتهاد وفقاهة. معظم الفقهاء يرون مسافة اليوم هي نفس الثمانية فراسخ الشرعية؛ لكن البعض مثل آية الله شبيري زنجاني يقولون يجب أن نرى كم هي مسافة اليوم في زماننا؟

النوع الرابع، هو أن الموضوع أو المتعلق مفهوم عرفي لكن يُحتمل تغير المفهوم العرفي عبر الزمن. على سبيل المثال، بعض الكلمات في فترة من التاريخ تحمل دلالة إيجابية لكن تدريجياً في فترة أخرى من التاريخ تكتسب دلالة سلبية. هذا بسبب التغيير المفاهيمي الذي حدث في مفهوم تلك الكلمة. في هذا النوع من الموضوعات، هناك حاجة إلى اجتهاد الفقيه. على سبيل المثال، فيما يتعلق بحد منى، في ذلك الزمان لم يكن واضحاً جداً للعرف لأنه لم يكن دقيقاً في خصائصه، لكن اليوم توسعت منى؟ فهل منى هي نفس النطاق السابق أم أنها تشمل النطاق الموسع أيضاً؟ هنا يجب على الفقيه بالاجتهاد أن يحدد حدودها.

النوع الخامس، الموضوعات التي فيها عرف زمان الشارع ليس هو المعيار، بل يجب مراعاة العرف الحالي؛ مثل الغناء والموسيقى. في هذه الموضوعات، يجب فقط الرجوع إلى العرف ولا حاجة للاجتهاد من قبل الفقيه.

النوع السادس، الموضوعات والمتعلقات التي فيها أخذ مفهوم عرفي لكن اكتشاف هذا المفهوم يحتاج إلى خبرة وتخصص خاص. على سبيل المثال، يقال إن من يضره الصوم لا يجب أن يصوم، أو من يضره الماء لا يجب أن يغتسل. الضرر يحدده الفقيه بأنه الضرر الذي يسبب إطالة فترة العلاج أو يسبب المرض؛ لكن تشخيص أي مرض مع الصوم أو الوضوء يطيل فترة العلاج أو فترة النقاهة أو يسبب المرض، بطبيعة الحال يكون مع المتخصص.

في هذا الصدد، يجب أن نرى ما هو رأي الفقيه في حُجية الاطمئنان؟ إذا اعتبر حُجيته شخصية، فكلام كل من يُحدث اطمئناناً يكون حُجة؛ لكن إذا اعتبر المعيار الاطمئنان النوعي، أي الاطمئنان الذي يحصل للنوع عقلياً، يجب الاعتماد على رأي المتخصص الذي يكون محل اعتبار عقلي ولا يكون له معارض معتبر أو أن خبرته مؤكدة بحيث لا يُعتنى بالآراء المعارضة له.

لذا على الرغم من أننا في النوع السادس نحتاج إلى رأي المتخصص؛ لكن نوع حُجية قوله يحدده الفقيه.

النوع السابع من الموضوع والمتعلق، هو أن بعض المفاهيم كانت مفاهيم عرفية واضحة كانت لها نفس المعنى في عصر صدور الأدلة الفقهية وفي العصر الحاضر، لكن قد تكون ظهرت لها مصاديق جديدة في الوقت الحاضر؛ مثل مفهوم العقد الذي في زمان الشارع والوقت الحاضر له نفس المعنى لكن ظهرت له مصاديق جديدة مثل عقد التأمين. فيما يتعلق بما إذا كانت هذه المصاديق الجديدة تحمل حكم المصاديق السابقة أم لا، يجب على الفقيه أن يبدي رأيه.

هذه الأنواع السبعة للموضوعات هي التي خطرت ببالي، لكن ربما يخطر ببال الآخرين حالات أخرى. كما أن بعض هذه الأنواع قد يكون لها جوانب مختلفة بحيث يكون التشخيص من جهة مع الفقيه ومن جهة أخرى مع العرف.

أما من وجهة نظر المقلدين، فحكمهم هو أنه يجب عليهم في كل هذه الموضوعات والمتعلقات الرجوع إلى الفقيه ومرجع التقليد الخاص بهم. حتى في تحديد أي منها يجب الرجوع فيه إلى رأي الفقيه وتقليده وأي منها يجب الرجوع فيه إلى العرف، فهذا نفسه مسألة شرعية يجب التقليد فيها.

Source: External Source