محمد رضازاده

حق الكرامة والمساواة الإنسانية من منظور الفقه/5

حق المساواة، كقاعدة فقهية، قد لا يتطابق في بعض الحالات (مثل حقوق غير المسلمين) مع تفسيرات حقوق الإنسان الحديثة، بينما يتمتع حق المواطنة بمرونة أكبر للتكيف مع المعايير العالمية.

إشارة: يُعتبر حق المساواة الإنسانية من أكثر المبادئ الأخلاقية والقانونية والاجتماعية أساسية في المجتمعات البشرية. يتناول حجة الإسلام والمسلمين محمد رضازاده، أستاذ المستويات العليا في الحوزة العلمية، في ملاحظة خاصة للفقه المعاصر، مفهوم هذا الحق، أبعاده، مبانيه، ومكانته القانونية والفقهية. تتناول هذه الملاحظة أسئلة مثل: ما هو حق المساواة؟ هل ينتمي إلى حقوق الإنسان أم حقوق المواطنة؟ هل هو طبيعي أم تعاقدي؟ ما هي أدلة إثباته ومكانته في العرف أو الشرع؟

خلفية تاريخية وفكرية

كان حق المساواة الإنسانية منذ القدم موضوعًا بارزًا في الفكر الفلسفي والقانوني والديني. يشكل هذا المبدأ أساس العديد من الأنظمة العدالة والحقوق الإنسانية، وله مكانة خاصة في السياقات الدينية والفقهية. ومع ذلك، فإن فهم هذا الحق بدقة وتمييزه عن مفاهيم مشابهة مثل العدالة أو المساواة يتطلب تحليلًا دقيقًا لمبانيه وأبعاده.

ماهية وأبعاد حق المساواة الإنسانية

يعني حق المساواة الإنسانية أن جميع البشر، بغض النظر عن اختلافاتهم العرقية، الدينية، الجنسية، الاقتصادية، أو الجغرافية، يتمتعون بقيمة وكرامة متساوية، ويجب أن يحظوا بحقوق وفرص متساوية في المجتمع. تشمل الأبعاد الرئيسية لهذا الحق ما يلي:

  • المساواة في الكرامة الذاتية: جميع البشر متساوون في الشأن والاحترام من حيث الوجود.
  • المساواة أمام القانون: يجب أن يتمتع الجميع بحماية قانونية متساوية.
  • المساواة في الفرص: يجب توزيع الإمكانيات الاجتماعية مثل التعليم، العمل، والمشاركة دون تمييز.
  • المساواة في المسؤوليات: لا ينبغي إعفاء أحد من الواجبات الاجتماعية إلا لأسباب مبررة وعادلة.

مكانة حق المساواة الإنسانية

حقوق الإنسان أم حقوق المواطنة؟ طبيعي أم تعاقدي؟ من الناحية النظرية، يمكن تحليل حق المساواة من زاويتين مختلفتين:

  • حقوق الإنسان: في هذه الحالة، يُعتبر حق المساواة جزءًا من الحقوق العامة والعالمية التي تُمنح للفرد بمجرد كونه إنسانًا. هذا المنظور واضح في الوثائق الدولية مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
  • حقوق المواطنة: إذا اعتُبرت المساواة حقًا للمواطنة، فإنها تعتمد على تبعية الفرد لدولة معينة وتكون مضمونة من قِبل تلك الدولة.

من حيث الطبيعة، هناك نهجان:

  • حق طبيعي: المساواة متأصلة في البشر وموجودة قبل أي قانون أو عقد.
  • حق تعاقدي: هذا الحق نتيجة عقود اجتماعية وإجماع ثقافي، وقد يتغير مع تغير الظروف.

تأثيرات اختيار كل نهج: إذا اعتبرنا المساواة طبيعية، فلا يمكن نفيها أو تقييدها، ولكن إذا كانت تعاقدية، فهي قابلة للتحديد وإعادة التعريف. كما أن حقوق الإنسان تتجاوز الحدود الحكومية، بينما تعتمد حقوق المواطنة على الدولة ودستورها.

أدلة إثبات حق المساواة وآثارها

يمكن إثبات حق المساواة الإنسانية من خلال مسارات متعددة:

  • العقل والفلسفة: يشير العقل السليم والاستدلالات الأخلاقية إلى عدم وجود سبب معقول لتفوق فئة على أخرى ذاتيًا.
  • الدين والشريعة: تؤكد تعاليم الأديان السماوية، خاصة الإسلام، في آيات وأحاديث عديدة على المساواة بين البشر، مثل الآية: «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ».
  • التجربة الاجتماعية والتاريخية: يُظهر التاريخ أن النابرابری الهيكلية تؤدي إلى التمرد، الانهيار الاجتماعي، وفشل الحكومات.
  • القانون الدولي: تعلن القوانين والاتفاقيات العالمية، مثل الميثاق الدولي للحقوق المدنية والسياسية، صراحة مبدأ المساواة.

آثار الاختلاف في الأدلة: كل استناد إلى أحد هذه المباني يؤثر على تحديد نطاق وطريقة تنفيذ المساواة. على سبيل المثال، الاعتماد على الدين قد يقتصر على المؤمنين، بينما الاعتماد على حقوق الإنسان يكون عامًا وعالميًا.

المساواة الإنسانية: توقيفية أم عرفية؟

السؤال الأساسي هو: هل المساواة أمر يجب أن يحدده الشارع فقط (توقيفي)، أم أن العرف والعقل البشري لهما دور في تعريف وتحديد مصاديقه (عرفي)؟ في الجواب يمكن القول: قد يكون لمبدأ المساواة جذور في المصادر الشرعية، لكن مصاديقه وحدود تنفيذه قد تكون خاضعة للعرف، العقل، والظروف الاجتماعية المتغيرة. على سبيل المثال، تؤكد الشريعة على مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، ولكن في بعض المصاديق مثل الميراث أو الشهادة، هناك اختلافات أصبحت اليوم موضوع نقاش وإعادة نظر.

الفرق بين حق المساواة كحق مواطنة وقاعدة فقهية

حق المساواة، كقاعدة فقهية، قد لا يتطابق في بعض الحالات (مثل حقوق غير المسلمين) مع تفسيرات حقوق الإنسان الحديثة، بينما يتمتع حق المواطنة بمرونة أكبر للتكيف مع المعايير العالمية. حق المساواة الإنسانية مفهوم متعدد الأوجه وأساسي في الأخلاق، القانون، والدين. هذا الحق يواجه تحديات نظرية وعملية. يُظهر تحليله الفلسفي، الديني، والقانوني أن المساواة ليست فقط مثالية أخلاقية، بل ضرورة اجتماعية لتحقيق العدالة والاستقرار. لتعزيز هذا الحق، يجب إقامة تفاعل بنّاء بين المصادر الفقهية، العقل الجمعي، والقوانين الحديثة.

لذلك، يمكن تعريف حق المساواة الإنسانية بناءً على حقوق الإنسان (عالمية) أو حقوق المواطنة (وطنية). طريقة إثباته وتفسيره (عقلي، ديني، عرفي) لها آثار عملية مختلفة في المجتمعات المتنوعة.

Source: External Source